نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة "إغاثة اللاجئين في الشرق الأدنى الأمريكية"، شون كارول قال فيه إن بقاء غزة تحت الحصار لن يحسن فرص إقامة سلام مستدام في المنطقة.

وفيما يلي ترجمة لمقاله:
لم تعد حالة الطوارئ الإنسانية الشاملة في غزة تلوح في الأفق. إنها واقعة، وهي كارثية.

فقد مرّ أكثر من شهرين منذ أن قطعت "إسرائيل" جميع المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية عن غزة.

وسلم برنامج الغذاء العالمي آخر مخزوناته من الغذاء في 25 نيسان/ أبريل. ويعيش مليونا فلسطيني في غزة، نصفهم تقريبا من الأطفال، على وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام.

في العيادات المؤقتة التي تديرها منظمتي الإغاثية، "إغاثة اللاجئين في الشرق الأدنى الأمريكية"، تتزايد علامات المجاعة المطولة بشكل مقلق. خلال الأيام العشرة الماضية، بدأ فنيو مختبراتنا برصد الكيتونات، وهي مؤشر على الجوع، في ثلث عينات البول التي تم فحصها، وهي المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه الحالات بأعداد كبيرة منذ أن بدأنا الاختبار في تشرين الأول/ أكتوبر 2024. لقد استنفدت إمدادات الغذاء والوقود والأدوية أو شارفت على النفاد.



كل ساعة هي سباق مع الزمن - ولكن بدون الوصول والإرادة السياسية اللازمتين لإيصال المساعدات وإنقاذ الأرواح وإنهاء المعاناة التي لا يمكن تصورها، فإن أيدينا مقيدة.

هذا هو أطول حصار شامل متواصل تتحمله غزة خلال الحرب.

تستغل "إسرائيل" الآن المساعدات علانية كأداة حرب؛ وقد أعلن كبار المسؤولين الإسرائيليين عن نيتهم الفعلية في استخدام التجويع كتكتيك للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن المتبقين - وهو انتهاك واضح للقانون الدولي.

يخشى العديد من الفلسطينيين أن يكون ذلك أيضا جزءا من خطة لطردهم من غزة، وتحذر منظمات الإغاثة من أن الفلسطينيين قد ينتهي بهم الأمر في "ظروف احتجاز بحكم الأمر الواقع".

إن الحصار الإسرائيلي - وما يحيط به من تأخيرات متعمدة، ورفض، وإجراءات أمنية مفرطة - ليس مجرد فشل لوجستي. إنه نظام حرمان مُدبر. فقد أثبت وقف إطلاق النار قصير الأمد في كانون الثاني/ يناير عدم ملاءمته لتلبية الاحتياجات الإنسانية. فقد زادت المساعدات ابتداء من 19 كانون الثاني/ يناير، لكنها انقطعت تماما بحلول آذار/ مارس.
إن نية استخدام الجوع كوسيلة ضغط واضحة، وهي غير مقبولة.

مع اختفاء مخزونات الغذاء، يدعو قادة، بمن فيهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الكندي الجديد، وحلفاء "إسرائيل" في أوروبا وحول العالم، إلى الاستئناف الفوري للمساعدات الإنسانية. ومع ذلك، لم تعد كلماتهم أكثر من ذلك: مجرد كلمات فارغة ومتجاهَلة.

يوم الأحد، وافقت الحكومة الأمنية الإسرائيلية على خطط لتكثيف حملتها العسكرية في غزة.

وبنفس القدر من الشؤم على الفلسطينيين، وافقت "إسرائيل" أيضا على خطة لترسيخ سيطرتها على المساعدات، من خلال مراكز أقامتها "إسرائيل" مع شركات خاصة تتولى الأمن.

ويبدو أن هذا جزء من جهد أوسع يشمل استمرار إغلاق معبر غزة مع مصر وحظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، المصدر الرئيسي للدعم الإنساني للفلسطينيين.

كما أن تضييق الخناق على المساعدات من شأنه أن يقوض الجهود الإقليمية التي تقودها الدول العربية لتحقيق انتعاش وإعادة إعمار حقيقيين من خلال تجاهل أو تأجيل خطط الأمن والحوكمة المجدية والمشروعة.

الخطر على عمال الإغاثة مستمر. في آذار/ مارس الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي 14 عامل إغاثة ومسؤولا في الأمم المتحدة.

بالنسبة لمنظمتي، أصبحت الحرب مميتة في آذار/ مارس 2024 عندما قتلت غارة جوية إسرائيلية زميلنا موسى الشوا وابنه الصغير. قُتل ما لا يقل عن 418 من موظفي الإغاثة في غزة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، مما يجعلها المنطقة الأكثر دموية في العالم لعمال الإغاثة. 

منذ خرق وقف إطلاق النار بقصف مكثف في 18 آذار/ مارس، دفع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين في غزة إلى جيوب أصغر فأصغر، موسعة بذلك المناطق العسكرية أو مناطق الإخلاء "المحظورة" إلى حوالي 70% من أراضيها.

يجب إلزام "إسرائيل" بإنشاء ممرات إنسانية مفتوحة وآمنة. فبدونها، يستحيل توسيع نطاق الإغاثة، لأن كل تسليم هو مخاطرة بحياة المدنيين وعمال الإغاثة. ورغم الحاجة الماسة إلى وقف فوري لإطلاق النار وتدفق المساعدات، إلا أن ذلك لن يكون كافيا.

يجب وضع خطة، ليس للإغاثة فحسب، بل للإنعاش أيضا، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في منطقة حرب أو تحت حصار دائم.

يتطلب الإنعاش الحقيقي اتفاقا سياسيا يضمن الوجود الفلسطيني والأمن وتقرير المصير. إن وصول المساعدات الإنسانية ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل هو شرط أساسي لأي أمل في مستقبل أفضل.

تخيلوا غزة حيث تُعاد بناء المنازل، وتتدفق المياه النظيفة، ويعود الأطفال إلى المدارس، وتستطيع العائلات مرة أخرى حصاد الطعام من أراضيها. قد تبدو هذه الرؤية بعيدة المنال بعد عقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي والحصار والحروب المتكررة التي ألحقت أضرارا بالغة بالبنية التحتية والخدمات الأساسية.



لكننا ساعدنا في تحسين حياة الفلسطينيين في غزة من قبل، ويمكننا فعل ذلك مرة أخرى. ما يعيق الطريق ليس القدرة، بل السياسة المتعمدة التي تسد الطريق إلى الكرامة الإنسانية الأساسية.

عندما نتحدث عن السلام، يجب أن نسأل: ما هو نوع المستقبل الذي نتصوره إذا تُرك شعب بأكمله يعاني من الجوع؟ لن يكون الإسرائيليون أكثر أمانا بينما تظل غزة تحت الحصار.
لا يُبنى السلام المستدام من خلال الهيمنة، بل من خلال الكرامة والحرية والفرص والأمن المتبادل.

هذه هي لحظة الحساب الأخلاقي. هل سيكون العالم متواطئا في انهيار غزة، أم جزءا من تعافيها؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية غزة الحصار التجويع الاحتلال غزة الاحتلال حصار تجويع صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من خلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

الأونروا تحذر من تفشي الجوع في غزة واستخدام إسرائيل المساعدات كسلاح حرب

حذر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئى فلسطين «الأونروا» فيليب لازارينى من تفشى الجوع فى غزة، خلال الأسابيع المقبلة، إذا لم تدخل المساعدات، وذلك بسبب استخدام القوات الإسرائيلية المساعدات كسلاح حرب، لإجبار السكان على النزوح.. قائلا «لن يموت الناس فقط بسبب القصف، بل سيموتون أيضا بسبب نقص الغذاء».

وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، قال «لازاريني» إنه لا يجد الكلمات الكافية لوصف البؤس والمأساة التي يعاني منها سكان غزة، مؤكداً أن الرد الإسرائيلي على هجوم السابع من أكتوبر 2023 كان غير متناسب، ويؤدي إلى إبادة شعب بأكمله في وطنه.

وأعرب المسئول الأممي عن اعتقاده بأن هناك مسئولية جماعية على عاتق المجتمع الدولي، مضيفا: «إنه أمر فظيع للغاية، لا سيما في بلداننا التي قلنا فيها: لن يتكرر هذا أبدا».

وحذر المسئول الأممي من أن كل يوم إضافي من «الحصار هو يوم إضافي من المعاناة»، مشيرا إلى أنه «لا شك أن هذا يُعد وصمة عار على ضميرنا الأخلاقي الجماعي».

وأضاف أن هناك ضغطا متعمدا لجعل غزة غير صالحة للعيش للفلسطينيين. وأضاف أن هناك هدفا سياسيا وراء ذلك، وأحد هذه الأهداف هو تهجير السكان. ومضى قائلا: «إنهم يريدون من السكان أن يستسلموا ويطلبوا الخروج من غزة».

وتابع: «نحن معتادون على أنواع مختلفة من سوء التغذية، الناتجة عن التغير المناخي، أو الجفاف، أو النزاعات. أما في سياق غزة، فالأمر لا يتعلق بأي من ذلك، بل هو من صنع الإنسان منذ البداية وحتى اليوم».

من ناحية أخرى، ذكرت الأونروا أن أكثر من 75% من العائلات في غزة عبروا عن صعوبة حصولهم على المياه خلال الشهر الماضي، في ظل تدهور الأوضاع الصحية والبيئية.

وأوضحت الوكالة أنها تدير خمسة آبار مياه في مختلف أنحاء غزة، وتخطط لإصلاح المزيد منها، مضيفة أن هذا يتحقق بفضل دعم المجتمع المحلي، الذي يسهم في جهود الفرق الميدانية من خلال إعادة تدوير قطع الغيار واستخدام أجزاء من الآبار المتضررة. وقالت الوكالة إنها تعمل في مخيم جباليا على توفير مياه نظيفة وتحسين الظروف المعيشية للسكان.

اقرأ أيضاًمؤسسة غزة الإنسانية تعلن عن إطلاق عملياتها في القطاع غزة قبل نهاية مايو

إعلام عبري: «ستيف ويتكوف» فشل في إقناع «نتنياهو» بإبداء مرونة بمفاوضات غزة

الاحتلال يهاجم مستشفى غزة الأوروبي ويخرجها عن الخدمة

مقالات مشابهة

  • منظمة “رايتس ووتش” تؤكد أن حصار العدو الصهيوني لغزة يعتبر “أداة للإبادة”
  • مؤسسة إغاثية تدعمها واشنطن تبدأ نشاطها في غزة
  • منظمة غير حكومية جديدة تعتزم توزيع المساعدات الإنسانية في غزة
  • الأونروا تحذر من تفشي الجوع في غزة واستخدام إسرائيل المساعدات كسلاح حرب
  • إسرائيل توافق.."مؤسسة غزة الإنسانية" تبدأ توزيع المساعدات قبل نهاية مايو
  • دون منح إسرائيل معلومات.. "غزة الإنسانية" ستبدأ عملها
  • فلسطين تدعو لكسر حصار غزة وتحذر من تهديد المجاعة لـ 93 ألف طفل
  • زلزال بقوة 6 درجات يضرب موغلا.. وهذه هي الزلازل الأخيرة التي وقعت
  • خبير إسرائيلي: حصار غزة غير الأخلاقي فشل رغم وصوله حد المجاعة
  • الصحة العالمية تحذر من تدهور الأوضاع الإنسانية والصحية في غزة