السعودية تقود المشهد من حافة الحرب إلى طاولة التهدئة
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
في مشهد يعكس مكانتها الإقليمية والدولية المتقدمة، برزت المملكة العربية السعودية كقوة دبلوماسية فعالة خلال الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان، بينما التزمت معظم الدول الصمت أو الحياد، كانت المملكة الدولة الوحيدة التي بادرت بإرسال مبعوث خاص إلى البلدين، في خطوة جريئة عكست ثقلها السياسي ومكانتها كدولة موثوقة لدى جميع الأطراف، وتجسِّد حرصها على ترسيخ الأمن والاستقرار الإقليميين، وكذلك انطلاقها من موقع المسؤولية والقيادة، اندلعت الأزمة بين الهند وباكستان على خلفية توترات حدودية، وتصعيدات سياسية متلاحقة، كادت تخرج عن السيطرة، ومع تصاعد المخاوف الدولية من احتمالية تحول النزاع إلى مواجهة مفتوحة، كان التدخل السعودي عنصرًا حاسمًا في منع الانزلاق إلى مواجهات غير محسوبة العواقب، أظهرت المملكة قدرة استثنائية على التهدئة، إذ نجح مبعوثها الخاص في بناء جسور الثقة بين الطرفين المتنازعين، وفتح قنوات تواصل مباشر، ساهمت في تخفيف التوترات، فالأزمة بين البلدين النوويين لم تكن بالأمر السهل، فالعلاقات المتوترة بين الهند وباكستان تمتد لعقود، وغالبًا ما تترافق أي تصعيدات بينهما مع قلق عالمي واسع، لكن هذه المرة، لعبت المملكة دورًا محوريًا، تمثل في تحركات دبلوماسية دقيقة، استطاع من خلالها المبعوث السعودي نقل رسائل التهدئة، وبناء أرضية حوار مشترك، بعيدًا عن الضغوط الإعلامية، أو التصريحات الاستفزازية، فالثقة التي أولاها الجانبان للهند وباكستان تجاه المملكة لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة سجل طويل من المواقف المتزنة والحكيمة التي انتهجتها الرياض في الأزمات الإقليمية والدولية، لقد رأت كل من نيودلهي وإسلام آباد في المملكة وسيطًا نزيهًا، يتمتع بثقل سياسي، وروح قيادة مسؤولة، مما مهد الطريق لتحقيق تفاهمات سريعة ومفصلية، لقد نجحت المملكة في تخفيف حدة الأزمة، وتهدئة الأجواء بسرعة، فاجأت حتى أكثر المراقبين تشاؤمًا، هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا الثقة العميقة التي توليها الهند وباكستان للسعودية، باعتبارها طرفًا نزيهًا لا يبحث عن مكاسب سياسية، بل يسعى بصدق لترسيخ الأمن في المنطقة، فهي لم تدخل هذا الملف من باب المصالح، بل من باب المسؤولية تجاه منطقة تواجه تحديات مستمرة، والدور السعودي لم يُبنَ على ردود الأفعال، بل جاء وفق رؤية استراتيجية متزنة تنبع من إيمان القيادة الحكيمة بأهمية الحلول السلمية، وضرورة تفكيك الأزمات قبل أن تتحول إلى نزاعات مفتوحة، إن الدور السعودي في هذه الأزمة يؤكد بجلاء أن المملكة لم تعد فاعلًا إقليميًا فقط، بل أصبحت صوتًا عاقلًا في وجه التوترات الدولية، ومصدر ثقة للدول الباحثة عن حلول سلمية، ومع ازدياد تعقيد المشهد العالمي، تبرز السعودية كدولة قادرة على بناء السلام، وإرساء الاستقرار في مناطق كانت تُعرف تاريخيًا بعمق صراعاتها، واليوم تقف المملكة باعتزاز في موقع الدولة التي استطاعت بحكمة وهدوء، أن تنزع فتيل أزمة كادت تشعل المنطقة.
مرة أخرى، يتأكد للعالم أن السعودية لا تكتفي بالمراقبة من بعيد، بل تمتلك القدرة والإرادة لصناعة السلام، حين يصعب على الآخرين حتى المحاولة.
NevenAbbass@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الهند وباکستان
إقرأ أيضاً:
انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي
البلاد – طرابلس
تعيش ليبيا على وقع تصعيد غير مسبوق من التوترات الأمنية والسياسية، أعادها إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي، مع تحذيرات من انزلاق البلاد نحو انفجار شامل في ظل اشتباكات دامية بين الميليشيات المسلحة، واحتقان شعبي متصاعد، وانقسامات سياسية حادة تؤجل أي أفق للحل.
ففي غرب البلاد، اندلعت جولات عنف جديدة في مدينتي الخمس والزاوية بين ميليشيات “القوة المشتركة مصراتة” و”جهاز دعم الاستقرار”، ما أسفر عن سقوط ضحايا وتدمير ممتلكات، وسط تحشيدات عسكرية مثيرة للقلق في محيط العاصمة طرابلس، حيث يتخوّف سكانها من عودة المواجهات المسلحة إلى شوارع المدينة.
وأمام هذا التصعيد، أعلن حراك “شباب طرابلس الكبرى” رفضه القاطع لأي عمليات عسكرية داخل العاصمة، ملوحاً برد ميداني إذا فُرض القتال، في مؤشر على تفاقم الاحتقان الشعبي وخطر الانفجار في أي لحظة.
سياسيًا، لا تزال البلاد عالقة في دوامة انقسام الشرعيات بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، حيث أعلن الأول عن حزمة إجراءات قانونية لتنظيم الانتخابات والتمهيد للاستقرار، قوبلت برفض فوري من أطراف سياسية اعتبرتها غير شرعية. في المقابل، تقدم البرلمان بمقترح تشكيل حكومة جديدة للإشراف على الاستحقاقات الانتخابية، ما زاد من تعقيد المشهد.
وتزامنت هذه التطورات مع إعلان بعثة الأمم المتحدة تسلمها التقرير النهائي للجنة الاستشارية، متضمناً مقترحات قانونية وسياسية تتعلق بالقاعدة الدستورية، مع تعهد بإطلاق مشاورات لرسم خارطة طريق تؤدي إلى انتخابات موحدة وتوحيد المؤسسات المنقسمة.
ويرى محللون ليبيون أن أي حل جدي للأزمة لا يمكن أن ينجح ما لم يبدأ بتفكيك الميليشيات المسلحة وجمع السلاح المنتشر خارج سيطرة الدولة. وقال الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية، إن “مفتاح الحل يكمن في توحيد المؤسسة العسكرية، والذهاب إلى انتخابات حرة، تمنح القرار للشعب”.
من جهته، شدد المحلل العسكري محمد الترهوني على أن “بقاء الميليشيات يطيل أمد الأزمة، ويمنع بناء مؤسسات قوية”، مؤكدًا أن تفكيك هذه الكيانات ضرورة قصوى لتحقيق الاستقرار.
في خضم هذه الفوضى، برز الغضب الشعبي كعنصر فاعل، مع دعوات أطلقها حراك “ليبيا الوطن” لتنظيم وقفات احتجاجية في عدد من المدن، رفضًا لما وصفه بـ”المشاريع الأجنبية المشبوهة”، وذلك بعد تقارير تحدثت عن مخطط لاستقبال مهاجرين غير نظاميين من الولايات المتحدة وتوطينهم في ليبيا. ورأى نشطاء أن مثل هذه الخطط تمثل محاولة لاستغلال الانقسام والضعف في ليبيا وتحويلها إلى ساحة تصفية حسابات دولية، على حساب السيادة الوطنية ومعاناة الشعب.
وتبقى ليبيا في مفترق حرج، بين الانفجار الأمني والانهيار السياسي، أو مسار عسير نحو الاستقرار، يتطلب توافقًا حقيقيًا على تفكيك الميليشيات، وإعادة القرار إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع، وسط مشهد إقليمي متشابك ومصالح دولية متداخلة.