المتابع لأخبار المكتب الصحفي للشرطة في الآونة الأخيرة، لا يسعه إلا أن يلحظ بوضوح النشاط الميداني المكثف الذي تقوم به قيادة الشرطة، على مستوى رئاسة الشرطة أو في شرطة ولاية الخرطوم. هذا الحراك النشط يعكس إرادة واضحة لاستعادة الأمن وبسط الطمأنينة رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها الشرطة من دمارٍ طال مقارها وآلياتها ومعينات عملها بفعل الاعتداءات المتكررة من المليشيا المتمردة.

وفي جانب آخر، فإن المتابعة اليومية لأخبار مواقع التواصل الإجتماعي تشير إلى تراجع ملحوظ في أخبار الجرائم المقلقة التي أرّقت المواطنين في فترة سابقة، وعلى رأسها جرائم ما يُعرف بـ”تسعة طويلة”. وهذا الانحسار – وإن لم تصدر بشأنه بيانات رسمية بعد – يُعد مؤشراً إيجابياً على أن جهود إعادة فتح أقسام الشرطة وعودة الانتشار الأمني بدأت تعطي ثمارها. فالأمن لا يتحقق فقط بالقوة، بل بالتواجد الفاعل والمستمر الذي يشعر به المواطن في حياته اليومية.
ولعل هذا النجاح الميداني ما كان ليتحقق لولا التنسيق العالي بين قيادات الشرطة وضباطها وجنودها، الذين يثبتون كل يوم أنهم أهلٌ للمسؤولية، يعملون في ظروف قاسية ويواصلون الليل بالنهار ليعيدوا إلى الشوارع هيبتها، وإلى المواطن ثقته.

وفي هذا السياق، لا بد من أن نرفع صوت الشكر والثناء لإدارة الإعلام الشرطي. فقد كنا من قبل من المنتقدين لأدائهم، حين غابت صورة الشرطة الحقيقية عن واجهات الإعلام، لكن من العدل أن نعترف اليوم أن هناك جهداً ملموساً يُبذل لإبراز الأنشطة الشرطية، ولإيصال رسالة مفادها أن الشرطة موجودة، تعمل، وتستعيد عافيتها.

ومع كل ذلك، نظل نؤمن أن من حق المواطن، بل ومن حق الشرطة نفسها، أن يكون هناك عرض دوري وشفاف لمؤشرات الجريمة والإحصائيات المتعلقة بالبلاغات والإجراءات المتخذة بشأنها، عبر مؤتمرات أو لقاءات صحفية. فالإفصاح عن هذه البيانات لا يقلل من هيبة الشرطة، بل يعزز ثقة المواطن في أدائها، ويخلق شراكة حقيقية في تحقيق الأمن المجتمعي.

ومن المهم، بل من الواجب، أن نقول لمن أحسن: أحسنت. وأن نشجع من بذل جهداً ليبذل أكثر. فالكلمة الطيبة وقودٌ للعطاء، والثناء الصادق حافزٌ للاستمرار في الطريق الصحيح.
وختاماً، نقولها بلسان المحبة والولاء لهذا الوطن الذي لا نملك سواه:
في الفؤاد ترعاه العناية
بين ضلوعي الوطن العزيز
غير سلامتك ما عندي غاية
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
١٢ مايو ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

هل هناك إشارات صهيونية في أدب كافكا؟

لم يكن يقدر للروائي فرانز كافكا (1881 – 1924) أن يكون ذائع الصيت وأن تأخذ أعماله الأدبية شهرة عالمية منقطعة النظير لو لم يبادر صديقه المحرر لرواياته وقصصه "ماكس برود" إلى نشر رواياته، وإتمام ما كان منها غير مكتمل على طريقته الخاصة، وبأسلوبه الذي لا بد وأن يكون مختلفا ولو بعض الشيء عن أسلوب كافكا.

حيث عمد برود إلى إصدار ونشر كافة مؤلفات كافكا بعد وفاته، على الرغم من أن كافكا نفسه كان قد أوصاه بحرق جميع آثاره المخطوطة دون قراءتها. ولكن برود وعلى أثر المحرقة التي أقيمت لليهود في ألمانيا وتضخيمها دعائيا هرب مع زوجته مصطحبا كل أعمال صديقه كافكا إلى فلسطين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2روائع الرواية العربية الحديثة وملحمة الفقر والبطالة في مواجهة الاستعمارlist 2 of 2"وزائرتي كأن بها حياء"… تجليات المرض في الشعر العربيend of list

لم يكن فيما عمله برود وفاء خالص لكافكا، وإنما لرغبة منه في إضفاء الصبغة الصهيونية على أدب كافكا بشكل عام، وبخاصة الروايات غير المكتملة التي لم يتمها كافكا، وتركها غير منتهية، فأتمهما برود وفق مزاجه وعلى طريقته الصهيونية الداعية إلى إقامة دولة لليهود على أرض فلسطين العربية.

لقد عمل ماكس برود على رسم الوجه الصهيوني لصديقه الراحل في عربة الموت الميتافيزيقية الغامضة، تلك العربة التي أسدلت عجلاتها الستار على حياة روائي ظل منشغلا بنفسه واغترابه، وعدم إيمانه بمعنى الحياة وجدوى بقائه فيها.

حيث مضى يؤسس نظرية كافكاوية مبنية على قلق الإنسان وشقائه وافتقاره للحرية الفردية التي غالبا ما تسطو عليها القوى البيروقراطية، حيث قضى كافكا عمر كتاباته معبرا عن هذه الحالة المجتمعية المهيمنة على حياة الفرد، وبلغة وأسلوب يتسمان بالسريالية والسوداوية والعبثية، إلى درجة إدارة الظهر للحياة الفائضة بالقلق والاغتراب والاعتزال وبشكل خاص في رواياته: المحاكمة والمسخ والقلعة، وفي معظم قصصه القصيرة.

أدب كافكا تجسد بألوان السريالية والعبثية، معبرا عن شقاء الإنسان وضياعه أمام البيروقراطية القاسية، بعيدا عن النزعات السياسية (شترستوك)كافكا بين الألم والاستغلال

بالرغم من صراع كافكا مع ذاته وهويته اليهودية في بيئة ناطقة بالألمانية، لم يكن يحمل نزعة صهيونية، ظل يتمناها صديقه ماكس برود الصهيوني الفكرة والنزعة.

إعلان

تبرعم فرانز كافكا كغصن في جذع الحياة بالرغم من اخضراره لم يزهر غير التوجع والتصوف والتراجع الرومانسي أمام مخالب الواقع القاسي والمفترس، ولهذا كان كافكا في حياته كما في رواياته شقي الطالع وفاشلا في مواجهة صعوبات الحياة، ومتعبدا في محراب تأملاته، حتى قضى آخر أيامه منبوذا في مصحة المصابين بداء السل في انتظار الموت.

ومن طرائف كافكا المضحكة المؤلمة التي تروى عنه أنه بعد إصدار الناشر كتابه "التأملات" والعمل على توزيعه اتصل بالناشر مستفسرا منه عن التوزيع. أجابه الناشر متفائلا ومستبشرا: "لقد بعنا في اليوم الأول إحدى عشرة نسخة"، ولم يكن يعلم ذلك الناشر أن كافكا قد اشترى صباح ذلك اليوم 10 نسخ من الكتاب من موظف المبيعات دون علم الناشر الذي بدا متفائلا في إجابته.

لقد رأى ماكس برود في حياة صديقه ورفيق دربه في بلاد التشيك وفي طبيعة شخصيات قصصه ورواياته فرصة سانحة وثمينة لتصوير حياة اليهودي المتشرد في بلاد الغرب، فاتخذ منها نموذجا دعائيا لاستعطاف المجتمع الأوروبي على اليهودي الضائع في "براغ" والذي لا يتحدث العبرية ويكتب بالألمانية مفتقرا لاستقراره وطباعه وأصله ولغته من دون الرجوع إلى أرض الميعاد وخاصة بعد صدور وعد بلفور 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

ماكس برود وظف حياة كافكا وشخصيات رواياته في ترويج الدعاية الصهيونية (غيتي)حين خالف برود وصية كافكا

من هنا أغفل برود وصية صديقه كافكا بإحراق مخطوطاته العديدة، فقام بطباعتها وإتمام الناقص فيها بإضافات مغرضة من عنده، وجعل منها حملات تبشير لقصص وروايات يهودي تشيكي لا يجد هويته اليهودية ولغته العبرية.

تحدوه في ذلك شهوة سياسية لإقحام أعمال كافكا الأدبية داخل دائرة التطلعات الصهيونية بتوجيهاتها العنصرية الاستعلائية على باقي المجتمعات البشرية مستمدة هذا الاستكبار والاستعلاء من تعاليم الديانة اليهودية المنافية لتعاليم الديانات السماوية بما فيها الديانة اليهودية الحقة الخالية من أي تلفيق وتزوير.

ومع ذلك فإننا نطالع في كتاب "كوستاف يائوش" (أحاديث مع كافكا)، والذي ترجمه إلى العربية سعدي يوسف، نطالع فيه حوارا صريحا وغريبا من نوعه يجري بين يانوش وكافكا، لدى زيارة الأول لمنزل الثاني في "براغ"، ولعل ما يجبهنا في هذا الحوار قول كافكا مجيبا على أحد الأسئلة الموجهة إليه:

"إن عددا أكثر فأكثر من اليهود الشبان يعودون إلى فلسطين، إنها عودة المرء إلى نفسه وإلى جذوره".

وعلى الجهة المناقضة لما يذهب إليه كل من "يانوش" و"برود"، نرى كافكا لا يتحدث عن رغبته في العودة إلى فلسطين، أو نيته لفعل ذلك، ونراه حين يخلو بنفسه ويحادث ذاته المنفردة المنعزلة المتصوفة، يستنكر ميوله وانجذاباته الشخصية العارضة نحو التكتل الجماعي ليهود أوروبا، مؤكدا ذلك الاستنكار في يومياته، وفي مواقفه وسلوكياته من (1910 – 1922) متسائلا:

"ما الذي يجمعني باليهود؟ إن من الصعب القول بوجود شيء ما يجمعني حتى مع نفسي، علي أن أقف ساكنا في زاوية وأتقبل بسرور واقع أنني أستطيع أن أتنفس".

كافكا في "بنات آوى والعرب" عبر برمزية عن تشاؤمه من الحلم الصهيوني، دون أي تعاطف معه أو مؤيديه (الجزيرة)كافكا خارج السرد الصهيوني

يظل القارئ العربي إزاء هذه الإشارات المتعاكسة والمتناقضة حائرا مرتابا في حقيقة عالم كافكا الغامض والمثير للتفكير، ويبقى المجال عريضا لتوالد الأسئلة حول عدم وجود دراسة شاملة ومعمقة تستكشف حياة كافكا بما فيها من غموض وقلق وصراع مع الحياة والمرض ففي رواياته المكتملة وغير المكتملة ما يعين الناقد على ذلك.

إعلان

ولابد لأي دراسة نقدية أن تأخذ بالاعتبارات التالية:

لم يكن كافكا في حياته ورواياته منسجما مع مواطنته التشيكية وأصوله اليهودية دون أن يفرق بينهما في عدم الانسجام. بالرغم من محاولة كافكا تعلم اللغة العبرية وقيامه بزيارة فلسطين إلا أنه لم يفكر كسائر اليهود الشبان بالهجرة إلى فلسطين والإقامة الدائمة فيها. التركيز أثناء الدراسة النقدية الاستكشافية على نهايات الروايات التي عمل ماكس برود على إتمامها من عنده، فلربما وضع بعض الإشارات الصهيونية على لسان شخصية أو أكثر من شخصيات قصصه ورواياته. النية الواضحة الأهداف لدى ماكس برود في توظيف حياة صديقه كافكا المثقلة بالشقاء والقلق والاغتراب وأيضا شخصيات رواياته من أجل إسقاطها على يهود الشتات لكسب العطف الأوروبي والأميركي على يهود العالم وكسب تأييد دول الغرب والشرق لتجميعهم في فلسطين، والعمل على إقامة وطن مزعوم لهم في قلب الوطن العربي، وفقا لوعد بلفور الظالم والمشؤوم. على الرغم من إقامة فرانز كافكا بفلسطين أيام الانتداب البريطاني لمدة أسبوعين والتقائه بأشخاص صهاينة من اليهود، لم ترق له فكرة الإقامة الدائمة في هذا الوطن الموعود لليهود كما يزعمون، ولم يكن على علاقة طيبة وجيدة مع الصهاينة الذين تعرف عليهم سواء داخل فلسطين أو خارجها.

وهنا سؤال يطرح نفسه وهو: كيف يمكن أن يكون كافكا في حياته وكتاباته صهيونيا كما حاول صديقه الملتزم بالصهيونية تصويره بعد مماته؟

رغم محاولة "ماكس برود" إقحام صديقه التشيكي اليهودي في دائرة تأييد الحركة الصهيونية وإضفاء صفة اليهودي المشرد عليه، والذي يعيش بلا وطن وبلا لغة عبرية يتقنها، والذي تهدف الحركة الصهيونية إلى إنقاذه من حياة شقية وقاسية ومثقلة بالهم والضياع والمرض، فإن كافكا في رسائله إلى حبيبته فيليس عبر فيها بوضوح عن انحيازه للمعاناة الإنسانية، بعيدا عن طموحات وخطط الشخصيات الصهيونية التي كان على تضاد معها ونفور منها.

حتى في قصته "بنات آوى والعرب"، التي صور فيها مساعدة الرجل الأبيض الأوروبي في عودة اليهودي إلى أرض الميعاد (فلسطين)، اكتفى وبشكل رمزي بالتعبير عن تشاؤمه من تحقيق هذا الحلم المدعوم بريطانيا بوعد بلفور المشؤوم، فلم يُظهر أي تعاطف أو تأييد لهذه الفكرة الصهيونية أو الداعين لها.

مقالات مشابهة

  • جمال عاشور يكتب: من المكتب إلى الميدان.. كيف يحقق محافظ المنيا معادلة التنمية والإنسان؟
  • طيور الخير الإماراتية تمد أهل القطاع بنحو 500 طن … صور
  • بعد لقاء زيورخ وانتصاراته في الميدان.. هل تتغير المعادلة ويصبح البرهان رجل أمريكا القوي في السودان؟
  • هل هناك إشارات صهيونية في أدب كافكا؟
  • شاهد..حالة “عمي موسى” المواطن الذي تعرض للسرقة و الضرب بعين فكرون
  • وزيرا التعليم والإعلام في «المؤتمر الحكومي» غداً
  • طرابلس.. ندوة عن آفة المخدرات ودور الأسرة والإعلام
  • الأربعاء المقبل.. المؤتمر الصحفي الحكومي يستضيف وزيرَي التعليم والإعلام
  • احذر.. 3 ملايين جنيه غرامة بث قنوات فضائية بدون ترخيص طبقا للقانون
  • نجوم الفن والإعلام يودّعون أنس الشريف بكلمات مؤثرة