عندما تذوب الأوهام في بحر المصالح
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
زكريا الحسني
لا توجد في السياسة أخلاقيات أو مشاعر أو ضمير؛ ففي ساحة السياسة يُعدُّ النظر إلى المصالح هو المبدأ الأساسي الذي يتصدر كل الاعتبارات، ومن هنا تنبثق رواية الدول وعلاقاتها ببعضها البعض، إذ تُظهر دراسة التاريخ بتأنٍ وتدبُّر كيف تُبنى ثقافتنا في التعامل مع الدول والشعوب.
وفي هذا السياق، تتحول السياسة إلى رقصة معقدة تتداخل فيها خطوات الحكمة والدهاء مع مصالح لا تُقاس إلا بالدقة والقراءة العميقة لمعالم الزمن.
وهنا يبقى السؤال قائمًا: هل ستظل الإنسانية أسيرة لمصالحها المادية، أم ستنهض لترسم مسارًا جديدًا يُعيد للعدل والإخاء مكانتهما في عالمٍ تسيطر فيه الحكمة على الأنانية؟
على الجانب الآخر، ظهر فشل زيلينسكي السياسي جليًّا، إذ وضع بلاده في فوهة المدفع دون بصيرة.. وكما أنشد الشافعي يومًا:
وَاعْجَبْ لِعُصْفُوْرٍ يُزَاحِمُ بَاشِقًا
إلاّ لِطَيْشَتِهِ.. وَخِفَّةِ عَقْلِهِ
وكأنّه يُعيد مشهد أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس، حين سلَّم غرناطة للملك فرناندو والملكة إيزابيلا، ليُسدل الستار على سبعة قرون من الوجود الإسلامي؛ ذلك الفردوس الذي لا تزال الحضارات تتغنَّى بمعالمه. في ذلك الزمان، وبخته أمه قائلة: “نعم، ابكِ كالنساءِ ملكًا لم تدافع عنه كالرجال.”
واليوم، يخرج ترامب بتصريحاته الهوليوودية ليعلن: "نحن نريد المعادن النادرة الباقية، وما بحوزة الروس فهو لهم"؛ فهنيئًا لك يا زيلينسكي؛ لقد ذهبت حميتك لتصنع منك بطلًا قوميًا، لكنك صرت بطلًا في مسرحية عبثية؛ حيث تحولت ثروات بلدك إلى غنائم تتقاسمها الذئاب، بينما أصبحت أنت نكرة في تقرير مصيرك ومصير أمتك.
لو أنك واصلت مسيرتك في التمثيل، لكان ذلك أولى لك من كل هذا الدمار والخراب الذي تركته خلفك. يبدو أنك لا تفقه في السياسة ولا تستوعب الأبعاد الاستراتيجية، وربما لم تقرأ التاريخ يومًا. وأما أمريكا، فيبدو أنها باعت أوروبا قاطبة ببخس دراهم.. "إنها حقًّا لعبة الأمم".
كررت روسيا مرارًا وتكرارًا نصيحتها لأوكرانيا: "كوني على الحياد، لا تكوني معنا، فلا ضير في ذلك، ولكن إياك والانضمام إلى معسكر الغرب، فإن الغرب يلعب في الماء العكر". ومع ذلك، أصر زيلينسكي على موقفه، رافضًا كل دعوات التفاهم ومقطوعًا عن كل سبل الحوار. حينها قالت روسيا: "إذا لم تتركي لنا مجالًا للتفاهم، فماذا جنيتَ يا زيلينسكي سوى العداء والدمار؟".
وهكذا، انقلبت الأحلام إلى كوابيس، وتحولت الطموحات إلى رماد. في لعبة الأمم، لا مكان للطيش ولا للعواطف؛ فالتاريخ لا يرحم، والسياسة لا تعرف صديقًا دائمًا أو عدوًّا أبديًّا. قد يكون زيلينسكي أراد المجد، لكنه وجد نفسه في متاهة الأوهام، وأضاع بلاده بين أنياب القوى الكبرى.
وفي مشهد النهاية، تتبدد الأوهام وتتكشف الحقائق؛ تسقط الأقنعة، ويظهر أن القوة ليست في العنتريات، بل في الحكمة والدهاء. التاريخ لا يُكتب بأحلام الطامحين، بل بأفعال الحكماء الذين يدركون أن "الرياح لا تجري بما تشتهي السفن".
ليبقى السؤال حاضرًا: هل كان الثمن يستحق كل هذا الخراب؟ أم أن العناد أعمى البصيرة وأضاع البلاد؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
زيلينسكي يعرض لقاء بوتين في تركيا لإجراء محادثات مباشرة مع روسيا
مايو 11, 2025آخر تحديث: مايو 11, 2025
المستقلة/- صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه مستعد للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “شخصيًا” في إسطنبول يوم الخميس لإجراء محادثات حول إنهاء الحرب.
جاء منشوره بعد وقت قصير من مطالبة دونالد ترامب أوكرانيا بالموافقة على عرض بوتين بإجراء محادثات مباشرة بين البلدين في تركيا.
كتب زيلينسكي: “لا جدوى من إطالة أمد أعمال القتل. وسأنتظر بوتين في تركيا يوم الخميس. شخصيًا”.
وكان زيلينسكي قد صرّح سابقًا بأن بلاده منفتحة على إجراء محادثات مع روسيا، ولكن فقط بعد تطبيق وقف إطلاق النار.
ودعت القوى الغربية إلى وقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا يبدأ يوم الاثنين، بعد اجتماع القادة الأوروبيين الذين يقودون ما يسمى “تحالف الراغبين” في كييف يوم السبت.
جاء عرض بوتين لإجراء محادثات مباشرة في أعقاب هذا التصريح.
نشر ترامب يوم الأحد على وسائل التواصل الاجتماعي أن على أوكرانيا الموافقة على هذا “فورًا”، وسيوضح ذلك ما إذا كانت هناك طريقة لإنهاء الحرب.
قال: “على الأقل سيتمكنون من تحديد ما إذا كان التوصل إلى اتفاق ممكنًا أم لا، وإذا لم يكن كذلك، فسيعلم القادة الأوروبيون والولايات المتحدة الوضع الراهن، وسيتمكنون من المضي قدمًا بناءً عليه”، مضيفًا: “اجتمعوا الآن!”.
في منشوره على X، أعرب زيلينسكي عن أمله في أن توافق روسيا على وقف إطلاق النار قبل المحادثات.
وقال: “ننتظر وقفًا كاملًا ودائمًا لإطلاق النار، بدءًا من الغد، لتوفير الأساس اللازم للدبلوماسية”.
في خطاب ألقاه في وقت متأخر من مساء السبت، دعا بوتين أوكرانيا للمشاركة في “مفاوضات جادة” بشأن الحرب، التي بدأت بغزو روسيا الشامل لأوكرانيا عام 2022.
وقال بوتين إنه “لا يستبعد” احتمال أن تسفر المحادثات عن اتفاق روسيا وأوكرانيا على “هدنة جديدة”، لكنه لم يتطرق مباشرةً إلى الدعوات إلى وقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا.
وقال الزعيم الروسي: “ستكون هذه الخطوة الأولى نحو سلام دائم وطويل الأمد، وليس مقدمة لمزيد من الأعمال العدائية المسلحة بعد حصول القوات المسلحة الأوكرانية على أسلحة وأفراد جدد، وبعد حفر الخنادق المحمومة وإنشاء مراكز قيادة جديدة”.
صرحت موسكو سابقًا بأنه قبل أن تفكر روسيا في وقف إطلاق النار، يجب على الغرب أولًا وقف مساعداته العسكرية لأوكرانيا.
أُجريت آخر مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا في مارس 2022، في إسطنبول، بعد وقت قصير من بدء موسكو غزوها.
يوم السبت، استضاف الرئيس الأوكراني في كييف رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والألماني فريدريش ميرز، والبولندي دونالد توسك، الذين اتصلوا لاحقًا بترامب لمناقشة خطتهم.
صرح ستارمر لاحقًا لبي بي سي بأن الرئيس الأمريكي كان “واضحًا تمامًا” في أن اقتراحهم بوقف إطلاق نار فوري هو “مطلب يجب تلبيته”.
وخلال مؤتمر صحفي مع زيلينسكي، حذّرا من فرض عقوبات “جديدة وواسعة النطاق” على قطاعي الطاقة والبنوك في روسيا إذا لم يوافق بوتين على وقف إطلاق النار غير المشروط لمدة 30 يومًا “جوًا وبحرًا وبرًا”.