حاكم إلينوي جاي بي بريتزكر... ملياردير أمريكي تقدمي أم مرشح شعبي مزيف؟
تاريخ النشر: 19th, May 2025 GMT
يُعد جاي بي بريتزكر، حاكم ولاية إلينوي الأمريكية ووريث سلسلة فنادق "هايات"، شخصية مثيرة للجدل في أوساط الحزب الديمقراطي، فهو ملياردير يقترب صافي ثروته من 4 مليارات دولار، لكنه في الوقت نفسه من أعلى الأصوات تقدمية في معارضة ولاية ثانية للرئيس دونالد ترامب.
خلال الأشهر الأخيرة، برز بريتزكر كأحد أكثر الشخصيات حدة في الخطاب ضد ترامب، في لحظة حاسمة بالنسبة للديمقراطيين الذين يعيشون صراعًا داخليًا بين غضب القواعد الشعبية وقيادة نخبوية.
بعد انسحاب جو بايدن وهزيمة كامالا هاريس في 2024، تصدر بريتزكر المشهد السياسي بخطابات نارية ومواقف تصعيدية. روبيو: نقترب من حسم نوايا روسيا وترامب يعتزم إنهاء حرب أوكرانيا
تصعيد روسي غير مسبوق.. 273 طائرة مسيرة تهاجم أوكرانيا |فيديو
قال في خطاب له في نيوهامشير: "لم يسبق لي أن دعوت للتظاهر أو العصيان المدني، لكنني أفعل الآن". وخلال المؤتمر الوطني الديمقراطي عام 2024، سخر من ترامب قائلًا: "بصفتي مليارديرًا حقيقيًا، يمكنني القول إن ترامب ثري في أمر واحد فقط: الغباء".
بريتزكر، وهو يهودي، قوبل انتقاده الحاد بتهم التحريض من أنصار ترامب، خاصة عندما شبّه صعود ترامب بصعود النازية في ألمانيا، محذرًا من أن الديمقراطية تحترق.
بحلول منتصف عام 2025، أثارت تحركاته المتكررة في الولايات الرئيسية وخطاباته المتكررة تكهنات حول رغبته في الترشح للرئاسة عام 2028، رغم أنه لم يؤكد ذلك حتى الآن. ويرى محللون أن جرأته وشخصيته الصدامية قد تجد صدى لدى ناخبين ديمقراطيين فقدوا الثقة في قيادتهم.
لكن ثروته الموروثة تبقى محل شك لدى القاعدة التقدمية، خاصة في حزب طالما هاجم سلطة الأثرياء. ومع ذلك، يرى بعض الاستراتيجيين أن هذه الثروة قد تمنحه استقلالية عن نفوذ الممولين، مثلما أثبت في حملاته الانتخابية، حيث موّل حملته الأولى بـ171 مليون دولار من ماله الخاص، والثانية بـ140 مليونًا.
في المقابل، لا يحظى بريتزكر بدعم قوي في ولايته. فقد أظهر استطلاع في فبراير 2025 أن نسبة التأييد له بلغت 50% فقط، بينما رأى 52% من السكان أن الضرائب المرتفعة هي أكبر مشكلاتهم، وعبّر نصفهم تقريبًا عن رغبتهم في مغادرة إلينوي.
يواجه الحاكم عجزًا في الميزانية يُقدر بـ3 مليارات دولار للعام المالي 2026، ويُتهم من خصومه المحليين بالتركيز على طموحاته الوطنية على حساب إدارة شؤون الولاية.
ومع أن اسمه يلوح في أفق السياسة الوطنية، يظل التساؤل قائمًا: هل يمكن لملياردير وُلد في قلب النخبة الأمريكية أن يقود حزبًا يدّعي تمثيل الطبقة العاملة؟ بريتزكر يراهن على ذلك، مستعرضًا شعبيته بين التقدميين ومواصلاً معركته الصريحة ضد ترامب، مرددًا: "هذا ليس زمن الرجال الصغار... وأنا لست صغيرًا بأي حال".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الحزب الديمقراطي دونالد ترامب بريتزكر كامالا هاريس جو بايدن نيوهامشير ولاية إلينوي
إقرأ أيضاً:
مثل شعبي وواقع معاصِر
صالح بن سعيد الحمداني
الأمثال الشعبية مرآة تعكس عقول الناس وتجاربهم وتختصر في كلمات قليلة معاني عميقة وحقائق إنسانية اكتسبتها الشعوب عبر المواقف والأحداث، ومن بين هذه الأمثال التي تحمل دلالات بعيدة المدى المثل العربي القائل "ما كل من ركب حصانًا خيَّالٌ"، هذا المثل يُستخدم للدلالة على أن المظاهر لا تكفي وحدها لإثبات الكفاءة، وأن امتلاك الوسائل أو الأدوات لا يعني بالضرورة امتلاك المهارة أو القدرة الحقيقية.
وفي المعنى اللغوي والمجازي للمثل نجد أن الخيال في الثقافة العربية هو الفارس الذي يركب الحصان ويتقن فنون الفروسية وكان ينظر إليه؛ باعتباره رمزًا للشجاعة والمهارة والقيادة، أما ركوب الحصان في حد ذاته فلا يكفي ليجعل الإنسان فارسًا متمرسًا فالكثيرون قد يجلسون على ظهر الخيل لكن القليل منهم من يُتقن السيطرة عليه، ويستطيع خوض المعارك أو قطع المسافات في أصعب الظروف.
وعليه فإن المثل يُراد به أن الهيئة الظاهرة لا تكشف دائمًا عن الجوهر الحقيقي فليس كل من بدا في صورة الفارس أو لبس زي الفرسان يمتلك روح الفروسية وقدراتها. ولو نظرنا في أبعاد المثل الاجتماعية والثقافية فإنه ينطبق هذا المثل على كثير من جوانب الحياة اليومية، ففي المجتمع قد نرى أشخاصًا يتولون مناصب قيادية أو يحملون ألقابًا رنانة لكن أداؤهم العملي لا يرقى إلى مستوى تلك المناصب، كما نرى آخرين يتزينون بمظاهر الوجاهة والثراء غير أن جوهرهم يخلو من القيم والأخلاق التي تعكس أصالة الشخصية، ومن يحملون شهادات واقعهم وأفكارهم مختلف عن ثقافة ودرجة تلك الشهادة، وهذا المثل يوجّه رسالة إلى الناس بضرورة التفريق بين الظاهر والباطن وعدم الاغترار بالمظاهر الخادعة؛ سواء كانت مالًا أو منصبًا أو مظهرًا اجتماعيًا أو ثقافيًا وأدبيًا أو شهادة علمية أو مكانة مرموقة، فالجوهر يختلف عن المظهر.
يتجلى معنى المثل في مجالات العمل والمؤسسات أيضًا، فليس كل من حصل على شهادة علمية أو تقلّد منصبًا يستطيع أن يبدع أو يقود الآخرين نحو النجاح؛ فالشهادة مثل "الحصان" تمنح صاحبها وسيلة لكن "الخيَّال" الحقيقي هو من يُتقن توظيف معرفته ومهاراته ويترجمها إلى إنجاز ملموس وواقع في حياته يشهد عليه الآخرون.
وكذا الحال في المجال الفني مثلًا ليس كل من امتلك آلة موسيقية صار موسيقيًا بارعًا، وليس كل من حمل ريشة وألوانًا صار رسامًا، فالفن مثل الفروسية يحتاج إلى موهبة وممارسة وصبرٌ طويل ليصير الإنسان أهلًا لحمل اللقب.
وللمثل ذاته حكمة أخلاقية؛ فهو يُرشدنا إلى التحلي بالتواضع وإدراك أن القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في أفعاله لا في مظهره، فالخيال لا يُعرف بفرسه الجميل فحسب، وإنما بمهارته في ترويضه وخوض المعارك به، وكذلك الإنسان لا يُقاس بملابسه ولا بألقابه؛ بل بما يقدمه من أعمال نافعة وما يظهره من أخلاق رفيعة.
في عصرنا الحديث نجد تطبيقات في حياتنا المعاصرة نجد هذا المثل صالحًا أكثر من أي وقت مضى، فقد أفرزت وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة "المظاهر الافتراضية"؛ حيث يَعرض كثير من الناس حياةً مترفةً مزيفةً وصورًا مُنمقةً توحي بالنجاح والتألق، بينما واقعهم مختلف تمامًا، وهنا يبرز المثل ليذكرنا بأن "ليس كل من ركب حصانًا خيَّال" أي ليس كل من بدا ناجحًا أو سعيدًا في صورته الافتراضية هو كذلك فعلًا. كما ينطبق المثل على ميدان الخطابة والثقافة والأدب أو غيرها؛ حيث يُمكن أن يتصدر المشهد من يملك الخطابة أو الحضور لكنه يفتقر إلى الحكمة والقدرة الحقيقية على خدمة وطنه ومجتمعه فالمسؤولية تحتاج إلى "خيَّال" متمرس يعرف كيف يقود لا إلى مجرد راكب حصان يُثير الغبار، المثل ينتقل بنا بين التراث والحاضر، فإن العرب قديمًا أدركوا أن الفروسية ليست مجرد ركوب خيل؛ بل منظومة قيم تشمل الشجاعة، والكرامة، والشهامة، والإقدام. واليوم نحن بحاجة إلى استلهام هذه الحكمة في ميادين الحياة الحديثة لندرك أن الموهبة والجد والاجتهاد هي ما يصنع التفوق الحقيقي لا مجرد امتلاك الأدوات أو إظهار المظاهر.
من هنا نجد أن المثل العربي "ما كل من ركب حصانًا خيَّالٌ" يختصر رؤية إنسانية عميقة في كلمات قليلة؛ فهو يدعونا إلى عدم الانخداع بالمظاهر وإلى البحث عن الجوهر والقيمة الحقيقية للأشخاص والأشياء، كما يذكّرنا بأن الألقاب والأدوات لا تكفي لصناعة المجد؛ بل إن الجد والاجتهاد والإخلاص والمهارة هي التي تضع الإنسان في مكانه الصحيح، وهكذا يبقى هذا المثل صالِحًا لكل زمان ومكان مرشدًا لنا في حياتنا العملية والاجتماعية ليعلمنا أن الخيَّال الحقيقي يُعرف بالفعل لا بالقول أو المظهر.
رابط مختصر