مصر تتجه للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في عمليات صيانة وترميم المومياوات وتتعاون مع الجانب الإيطالي
تاريخ النشر: 19th, May 2025 GMT
مدير عام المتحف المصري بالتحرير:
أهمية تطوير أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة قطاع الترميم
السفارة الإيطالية بالقاهرة:ندعم كافة المبادرات التي تهدف لتعزيز التعاون بين القاهرة وروما
استضاف المتحف المصري بالتحرير، فعالية علمية استثنائية بعنوان: "تطوير الذكاء الاصطناعي في الصيانة والترميم بالمتاحف: تركيزًا على صيانة المومياوات".
تهدف الفعالية- التي عقدت في إطار الاحتفال بيوم المتاحف العالمي- إلى تسليط الضوء على الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في دعم جهود الترميم والحفاظ على المومياوات والمقتنيات الأثرية، وذلك من خلال عرض أحدث التقنيات البحثية والأساليب التطبيقية في هذا المجال الحيوي، تأكيدًا على التزام المتحف المصري بدوره العلمي والبحثي في صون التراث الثقافي المصري.
وأكد الدكتور علي عبد الحليم علي مدير عام المتحف، في كلمته الترحيبية أهمية تطوير أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة قطاع الترميم، خاصة فيما يتعلق بصيانة المومياوات والبقايا الآدمية، مشيدًا بالتعاون العلمي المستمر مع الجانب الإيطالي.
وشارك الدكتور جوزيبي شيشيرى، المنسق العام لمركز الآثار بالمعهد الثقافي الإيطالي، بتقديم رؤية حول دور المركز في دعم مشاريع الترميم والحفظ المشترك، مؤكدًا أن مثل هذه الفعاليات تمثل منصة فعالة لتبادل الخبرات وتطوير القدرات العلمية.
كما ألقت جوليا دي نارديس، سكرتير أول السفارة الإيطالية بالقاهرة، كلمة أكدت فيها دعم بلادها للمبادرات التي تعزز من التعاون الثقافي والعلمي المشترك، فيما استعرض الدكتور دومينيكو دي مارتينيز، الملحق العلمي بالسفارة، أهمية هذه الفعاليات في تبادل المعرفة وتعزيز الشراكات المستدامة بين المؤسسات البحثية المصرية والإيطالية.
وتضمنت الفعالية سلسلة من المحاضرات العلمية، أبرزها مداخلة مسجلة للدكتور جويرينو بوفالينو، المستشار العلمي بوزارة الثقافة الإيطالية لشؤون الذكاء الاصطناعي والتراث، تحدث فيها عن الاتجاهات العالمية في توظيف الذكاء الاصطناعي لحماية التراث الثقافي. كما قدمت الدكتورة رانيا أحمد علي مديرة إدارة ترميم المومياوات بوزارة السياحة والآثار، عرضًا تفصيليًا حول التقنيات المتقدمة المعتمدة في صيانة المومياوات. وقدّم الدكتور حسن إبراهيم صالح، رئيس المركز القومي لبحوث الإشعاع بهيئة الطاقة الذرية، مداخلة علمية حول إمكانات الذكاء الاصطناعي في توثيق وتحليل المومياوات، مؤكدًا أهمية تكامل التخصصات المختلفة لتحقيق نتائج فعالة ودقيقة.
وشهدت الفعالية أيضًا مشاركة الباحثين الإيطاليين د. دانييلي بورشيا ود. جورجيا كافيتشي، اللذين قدّما رؤى متقدمة حول استخدام العلوم الرقمية الإنسانية في دراسة وتوثيق التماثيل المصرية ذات الطابع الإمبراطوري الروماني.
واختُتمت الجلسات بمحاضرة متميزة ألقتها شيماء رشدي مديرة مكتبة المتحف المصري، استعرضت خلالها مقتنيات نادرة من محفوظات المكتبة، أبرزها التوثيق العلمي المبكر للمومياوات الملكية، وتسليط الضوء على الأرشيف كمصدر أصيل لفهم التاريخ المتحفي.
و عُقدت جلسة نقاش مفتوحة استعرض خلالها الحضور آفاق التعاون المستقبلي وتوجهات البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي وصيانة التراث، وسط إشادة واسعة من المشاركين بالتنظيم والدور الرائد للمتحف المصري في مواكبة أحدث المستجدات العلمية في عالم المتاحف.
وعلى هامش الفعالية، تم اختيار “قطعة الشهر” ضمن معرض أرشيفي خاص بعنوان: "السجلات العلمية الأولى للمومياوات الملكية: كشف النقاب عن المحفوظات الخفية"، والذي يعرض مجموعة نادرة من السجلات الأرشيفية التي توثق الدراسة التفصيلية للمومياوات الملكية أثناء عرضها في المتحف المصري ببولاق. وتضم المعروضات تقارير أنثروبولوجية مبكرة أعدها قسم الأنثروبولوجيا بمتحف التاريخ الطبيعي بإشراف فريق بحثي فرنسي، وتمثل إحدى أولى المحاولات المنهجية لتوثيق وتحليل المومياوات الملكية باستخدام تقنيات الأنثروبولوجيا الفيزيائية.
ونظم القسم التعليمي بالمتحف برنامجًا خاصًا لطلاب مدرسة الجمهورية الخاصة (الصف الرابع الابتدائي)، تضمّن تعريفًا بأهمية المتاحف في نشر الوعي الأثري، وأهمية اليوم العالمي للمتاحف، إلى جانب ربط المناهج الدراسية بالقطع الأثرية المعروضة لتعزيز الهوية الوطنية.
كما أطلق قسم التربية المتحفية لذوي الاحتياجات الخاصة برنامجًا تفاعليًا تضمن ورشة حكي تحت عنوان “ملوك وملكات”، وجولة تعليمية داخل المتحف لشرح مظاهر الحياة اليومية في مصر القديمة، استهدف أبناء جمعية “آباء وأبناء” لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.
و نظّمت إدارة المعارض المؤقتة بالمتحف معرضًا أثريًا بعنوان: "العلامات: من العلامات الكتابية للنقوش الخطية… الكاتب والخط عبر العصور". وعلى هامشه، أُقيمت ورشة عمل علمية تحت عنوان: “تكنولوجيا تصنيع الألوان عند المصري القديم”، قدمها الدكتور خالد سعد، مدير عام آثار ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المتحف المصري المتحف المصري بالتحرير الذكاء الاصطناعي المومياوات يوم المتاحف الذکاء الاصطناعی المتحف المصری الاصطناعی فی
إقرأ أيضاً:
الكادحون الجدد في مزارع الذكاء الاصطناعي
هل يساعدك الذكاء الاصطناعي على إنجاز مهامك في العمل؟ إذا كانت إجابتك نعم، فهذا يعني أن مديرك سيتوقعُ منك ما هو أكثر من اليوم فصاعدًا، أكثر مما كنت تقوم به في الأيام الخوالي يا عزيزي الكادح. مع الأسف، إنجازك السريع للتكليفات بمساعدة تشات جي بي تي لن يمنحك الرخصة للعودة إلى البيت قبل نهاية الدوام الرسمي، بل سيغري الشركة بزيادة كم التكليفات الملقاة على عاتقك، لم لا وقد أصبحت تنجزها في وقت أقل، بل وتتباهى بذلك؟! وربما سترسلك إدارة الشركة إلى دورات وورش تدريبية كي تتعلم أشغالًا جديدة لم تكن في يوم من الأيام ضمن المهام التقليدية لتعريفك الوظيفي. سيتسعُ نطاق تعريفك الوظيفي ليشمل وظائف أخرى مع تغير المعنى التقليدي للوظائف في كل القطاعات. كل ذلك لأنك أصبحت إنسانًا مُطوَرًا بنظر أرباب العمل، إنسانًا «أذكى» مما كنت عليه، ولذلك صار عليك أن تنتج أكثر مما كنت تنتجه خلال ساعات العمل المنصوص عليها في العقد.
تذكَّر، هناك من يربح أكثر لأنك تستخدم الذكاء الاصطناعي، عزيزي الكادح. أنت منذ الآن إنسان مُلحق بأدوات مساعدة، إنسان معدَّل بالآلة لصالح هذه الخدمة. سيرتفع من معدل إنتاجيتك الفردية خلال ساعات العمل بما يؤدي لرفع معدل إنتاجية الشركة في المحصلة، لكنك لن تعود إلى البيت قبل الخامسة مساءً في الغالب، يؤسفني تعكير المسرات.
باعتمادك واعتمادهم على مساعدة الذكاء الاصطناعي، والذي بات مسألة منتهيةً لا مفرَّ منها، يُقدم الكادحون الجدد حول العالم أدلة يومية من واقع العمل على أنهم أرقام زائدة يمكن الاستغناء عنها ما دام الذكاء الاصطناعي يعمل بهذا القدر من السرعة والكفاءة. ما الذي يمنع ذلك ما دام المنطقُ الرأسمالي الذي تعمل به الشركات يرى الذكاء الاصطناعي أكثر طاعة ومطواعية بخلاف البشر، فإنهم مماطلون وعنيدون، ومجبولون على حب السجال دائمًا حول كل صغيرة وكبيرة، كما أنهم يبدون استعدادًا فطريًا للمقاومة، وهذا أكثر ما يرهق العقلية السلطوية التي تُدار بها المؤسسات.
الأدلة تتزايد كل يوم على الطريقة التي يعمق بها الذكاء الاصطناعي غياب العدالة والمساواة في بيئات العمل. ننسى أحيانًا ونحن نمدح دوره في مساعدتنا على إنجاز مهام لا نتقنها، أن هناك شخصًا سهر وكابد لسنوات من أجل تعلم تلك المهارات اللازمة التي لا نملكها. بهذا المعنى فإن الذكاء الاصطناعي يضع المؤهل وغير المؤهل متساويين على خط السباق، ويعزز من إمكانية نجاح المواهب المزيفة على حساب المواهب الحقيقية المصقولة بتعب الزمن. نرى ذلك عيانًا ونعايشه في معسكرات الإنتاج الرأسمالي، المريضة من قبل بحمى التنافسية غير العادلة، وقد أصبحت اليوم بيئات أكثر عدوانية لا فرصَ فيها إلا للانتهازيين الشطَّار الذين يُفضلون الطرق المختصرة على مشقة التعليم المضني والممل.
في سياق هذا التحول المخيف تدخل الرأسمالية عصرها الجديد مع ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث تغدو الشركات الكبرى نموذجًا للدكتاتوريات العصرية في صورة تتجاوز وتقهر حتى دكتاتورية الدولة التقليدية. لا تتوانى هذه الدكتاتوريات الرأسمالية عن تطبيق المقولة الاستعمارية المجرَّبة «فرّق تسد»، وذلك عبر إحلال الذكاء الاصطناعي محل العامل البشري، أو من خلال تسليطه رقيبًا عتيدًا على سلوك الموظفين، فيتتبع بياناتهم الخاصة ويراقب ويحلل طبيعة التواصل فيما بينهم كي يمنع أي حالة من التكتل أو الفعل الجماعي المقاوم. ففي بيئات الإنتاج المراقبة بالحسَّاسات والكاميرات الذكية يُطور الذكاء الاصطناعي آليات الرقابة على السلوك والأجساد، والتي بلغت تطبيقاتها في كبريات الشركات العالمية إلى حد تثبيت أنظمة لمراقبة الوقت خارج المهمة (Time off task) فأي شرود أو سهو عن المهمة قد يُعرض الموظف لعقوبة الخصم.
بات واضحًا أن التاريخ ينساق لصدامٍ حتمي بين الإنسان ووحش الآلة. فهل يُنذر هذا التحول بثورة عمَّالية على استبداد الذكاء الاصطناعي يمكن أن نشهدها في المستقبل؟ إعجاب الأفراد اللاواعي بمساهمة الذكاء الاصطناعي في تسهيل وتسريع أنشطتهم الوظيفية يشي بإذعانٍ متمادٍ، ويجعل من التنبؤ بثورة عمَّالية على هذا الاستبداد فرضية مكبرة. ولكن هل يمكن التفكير بأساليب مقاومة بطيئة إلى ذلك الحين؟ في بيئة سلطوية مطلقة تقوم على تفكيك العلاقات وبتر الصلات الحميمة، وعلى تفتيت الجماعة البشرية إلى أفراد معزولين ومراقبين كل على حدة، لا أرى سوى «المماطلة» خيارًا أخيرًا للمقاومة الفردية بالنسبة للكادحين الجدد.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني