القبائل اليمنية وسند غزة .. حضور شعبي فريد في زمن الخذلان
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
عبدالحكيم عامر
بينما الصمت والتواطؤ يخيّمان على الكثير من الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية، إزاء ما يجري في غزة من جرائم إبادة جماعية وتجويع وحصار مطبق، كانت القبائل اليمنية تكتب فصلاً جديد من فصول العزة والكرامة والإباء، تستفر كالسيول الهادره، في تحركات شعبية وقبلية عارمة عمًت القبائل اليمنية، معلنة إسنادها واصطفافها الكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني في معركته المصيرية ضد الإبادة الصهيونية في غزة.
في موقف لم يكن وليد اللحظه، بل هو امتداد لجذور تاريخية وقيم دينية وعربية متأصلة، وموقف وطني نابع من رؤية إيمانية وإنسانية وإخلاقية، موقف نابع من قول الرسول صلوات الله عليه وآله “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، موقف يجسد شجاعة القبيلة المتأصلة التي تأبى الخضوع، مستنفرة في مشهد قبلي، يجسد هيبة القبيلة اليمنية، ويكون له أثره العظيم في الكيان الصهيوني.
في مشهد قبلي لا يحتمل التأويل ولا يحتاج الى مجهر لفهم دلالاته، تحركت القبائل اليمنية في توقيت بالغ الحساسية بينما يسعى المشروع الصهيوأمريكي لتمزيق اليمن وثنيها عن نصرة فلسطين، فجاء الرد القبلي عارمًا عبر النكف القبلي، والوقفات المسلحة، والإستنفار الشامل، والتعبئة العامة المتواصلة، جسّدت كلها جهوزية القبائل اليمنية لإفشال مخططات العدو الصهيوني والأمريكي، وأربكت أدواته ومرتزقته.
لم يكن الصمت، ولا الحياد، يومًا خيارًا قبليًا في اليمن، وخصوصاً وهي ترى العدو الإسرائيلي يصعد في جرائم الأبادة الجماعية والحصار للشعب الفلسطيني في غزة، إن تحرك القبائل يأتي امتداداً لحالة الوعي الشعبي المتزايد بخطورة المرحلة وضرورة اتخاذ مواقف حاسمة تتناسب مع حجم التحديات، وإن النفير العام هو خيار ثابت لا رجعة عنه في سبيل نيل الحرية والكرامة ومواجهة المشروع الصهيوأمريكي.
وتتحرك القبائل اليوم على قاعدة راسخة تتجلى فيها العزة والكرامة والوحدة اليمنية، والإصطفاف الشعبي المشرف في الساحات، نحو هدف واحد نصرة غزة والتصدي للعدو الإسرائيلي، فكل نكف، وكل تبرع، وكل سلاح يُرفع، وكل ساحة تمتلئ بالهتاف، تمثل في نظر العدو ضربة مباشرة.
تجسد حالة الاستنفار القَبلي في اليمن مستوى متقدمًا من الوعي الشعبي والغيرة الإيمانية والانتصار للمستضعفين، في تحدٍّ واضح للغطرسة الصهيوأمريكية، وفي تأكيد على جهوزية اليمن، قبائل وشعبًا، لخوض معركة المصير مع العدو، سواء كانت إعلامية أو ميدانية أو استراتيجية.
إن القبائل اليمنية اليوم، بمواقفها المشرّفة، تمثل العمق الشعبي المقاوم الذي لا يمكن كسره، ولا إخضاعه، ولا شراؤه، وكل تحرك قبلي إنما هو تفويض للقيادة الحكيمة ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” وإعلان حيّ بالدم والسلاح على خيار مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، ورسالة واضحة بأن اليمن لا تزال عصية على التركيع، وأن مشروع الهيمنة لن يمر من أرض القبائل اليمنية الحرة.
وأن التحرك القبلي سيفشل كُـلّ مخطّطات العدو الصهيوأمريكي ويحولُ دون تحقيق أهداف العدوّ بكل قوة وحزم، كما سيكشف جميعَ مخطّطات الأعداء ويفشلها على أرض اليمن، وأن سعيهم إلى تحريض وتخويل عملائهم إلى الواجهة مرة أُخرى لن تقدم شيئًا.
وفي الأخير، في زمن تُشترى فيه المواقف وتُباع المبادئ، تثبت القبائل اليمنية أنها عصية على الكسر، وأبية على الخضوع، ووفية لقضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين، لم تصمت، ولم تساوم، بل خرجت في إستنفار عام، لتعلن للعالم أن الشعب اليمني حاضر بدمه وروحه وماله في سبيل الله نصرة للشعب الفلسطيني في غزة.
إن النفير القبلي إعلان تاريخي بأن اليمن يقف في الصف الأول من معركة الأمة، وأن القبائل اليمنية مخازن للرجال الشجاعه، وصروح للموقف للثابت والقوي، ومنابع للكرامة، وسد منيع في وجه التطبيع والخذلان.
وهكذا، تُسطّر القبيلة اليمنية موقفًا خالدًا سيظل يُروى في صفحات العز، بأن اليمن – بأرضه، وإنسانه، وقبائله – لن يكون إلا حيث تكون فلسطين، وحيث تكون الحرية، وحيث تكون معركة الكرامة الكبرى ضد الطغيان الأمريكي والصهيوني.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: القبائل الیمنیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا يخفي العدوَّانِ الأمريكي والإسرائيلي خسائرَهما أمام اليمن؟
يمانيون../
يظلُّ الانسحابُ الأمريكي من إسناد كيان العدوّ الإسرائيلي في البحر الأحمر من أهمِّ القضايا التي لا تزالُ تشغلُ الكثيرَ من المتابعين ووسائل الإعلام والمهتمين.
ويشير الباحث في العلاقات الدولية الدكتور طارق عبود إلى أن “الجيشَ الأمريكي لم ينسحب من البحر الأحمر إلا بعد أن شعر بأن خسائرَه تكبر”، لافتًا إلى أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان يعتقد أن بإمْكَانه إطلاقَ عملية جوية كثيفة تنتهي بفتح باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، لكنه اصطدم بجدار اليمن الفولاذي، وبعقيدة اليمنيين التي ترفُضُ فكرةَ الاستسلام”.
ويرى عبود في حديثه لبرنامج “صدى الخبر” على قناة “المسيرة” أن “الأمريكيَّ انسحب من البحر الأحمر؛ لأَنَّه يعرف أن العدوان على اليمن لم تأتِ أُكُلَه، بل تعرض لخسائرَ كبيرة وتكبد حتى الآن 7 مليارات دولار، وهذا الأمر ربما كان سيتفاقمُ أكثرَ لو لم ينسحبْ من البحر الأحمر”.
وخَلُصَ إلى أن “ترامب مَن يُديرُ الآن معركة غزة، وأن بيده أوراقَ الضغط”، قائلًا: “ترامب لم يأخذ برأي كيان العدوّ؛ ما يعني أن الأمريكي -على كُـلّ حال- هو من يقود المعركة سواءٌ في غزة أَو في أي مكان”.
وفي صدد حديثه عن الخسائر التي تعرَّضت لها أمريكا وكَيان العدوّ، أشار عبود إلى أن “العدوّ الإسرائيلي كما الأمريكي يخفيان خسائرَهما، وأن أمريكي يستخدم نفسَ الأُسلُـوب؛ فهو لا يعترف بالهزيمة لسببَينِ أولًا: لوضع معنوياتهم على المستوى العسكري، وثانيًا: لتخفيف الوطء على الداخل الأمريكي، حَيثُ يعتمدون على التعمية عن الخسائر التي تلحق بهم، ويزايدون بالنسبة للخسائر التي تلحقُ بأعدائهم ويسعَون لتضخيمها، وهذه سياسَةٌ واحدة؛ إذ يعتمد العدوَّانِ الأمريكي والإسرائيلي، على دعاية إعلامية قوية تقوم بهذه المهمة، لكن الحقيقة تظهر في النهاية مهما مورست التعمية وَإذَا لم يعترف بها اليوم سيتم الاعترافُ بها لاحقًا”.
ترامب يغرّدُ خارجَ سرب الاتّحاد الأُورُوبي:
وفيما يتعلق بتوسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة، يشير عبود إلى أن “جزءًا كَبيرًا من الصحافة العبرية يتساءل متى تنتهي هذه الحرب الذي كلفت الكيان الإسرائيلي الكثير، حَيثُ تستمر أجندة المجرم نتنياهو [السياسة مقابل سفك الدماء والتضحية بأسرى الكيان]، بينما يستمر المخطّط الأمريكي في غزة بغطاء صهيوني واضح”.
ويرى عبود أن “نظرية نتنياهو الإجرامية تقوم على أَسَاس أن (ما لم يُؤخَذ بالقوة سيؤخَذُ بالمزيد من القوة)، وهذا ما يفسّر مستوى الإجرام والإبادة المتصاعد بحق الفلسطينيين، في ظل تركيز هذا المجرم نتنياهو على مستقبله السياسي على حساب الأسرى اليهود لدى المقاومة الفلسطينية”.
لكن أحلام نتنياهو -كما يقول “ضيفُ صدى الخبر”- ستذهبُ هباءً؛ فنتنياهو لم يكن أولَ مَن سعى للخَلاص من غزة؛ فقد سبقه إلى هذا رئيسُ حزب العمل الصهيوني إسحاق رابين وهو صاحبُ المقولة الشهيرة: “أتمنى أن أصحوَ يومًا وأجدَ غزةَ قد ابتلعها البحر”، لكن البحر لم يبتلعها، بينما تبخَّرَ حلمُ رابين ومثله سيتبخر حلمُ نتنياهو.
وتطرق الباحثُ عبود، لبيان قادة الدول الأُورُوبية الـ 7 [إسبانيا، والنرويج وآيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا] وإعلانِها رفضَ خطط التهجير القسري للغزيين، أَو إحداث تغيير ديمغرافي في القطاع المدمّـر.
هذا الموقف يظلُّ متغيَّرًا ذا تأثير متوسط المدى؛ فهو أحدُ مؤشرات تحطُّم الصورة المزَّيفة التي رسمتها المنظومةُ الإعلامية الرأسمالية لهذا الكيان، ومؤشرٌ على انكشاف السردية الصهيونية والتي معها تظهر أجيالُ أُورُوبا وأمريكا الفتية أكثرَ نفورًا من مجتمع الصهيونية المحتلّ للأرض الفلسطينية، كما أن هذا الموقف الأُورُوبي -وفقَ تعبير طارق عبود- “تأكيد من دول أُورُوبية حليفة للكيان الإسرائيلي بأن الأخير يمارس إبادةً جماعية وتجويع بحق شعب كبير في فلسطين وفي غزة تحديدًا”، وهذا له أهميّةٌ سياسية وارتباطٌ بالوعي العام.
ومع ذلك فَــإنَّ هذا الموقف يظل شكليًّا في جزء منه، خَاصَّة مع الدول الأُورُوبية الكبيرة، وَيرتبط بمصالحها أكثر من تعبيرها عن موقف حقيقي.
أمَّا ما سمَّاه “الاستيقاظَ الأُورُوبي” فهو يحقّقُ هدفَينِ:-
الأول: القول للعالم إننا تكلمنا ورفعنا الصوت ضد مجازر الإبادة وضد التجويع.
الثاني: القول للولايات المتحدة الأمريكية، إن لنا رأيًا فيما يحدث في العالم، وإن العقود التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج العربي مثلًا، والمفاوضات اليوم مع إيران التي تسير أَيْـضًا بشكل ربما إيجابي كُـلّ هذا المشهد نحن موجودون فيه.
في مقابل هذا فَــإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية -كما يرى عبود- هي من تقرّر وقفَ أَو استمرارَ الإبادة في غزة، وليس الأُورُوبيون، وهذا واضح.
ولذا يمكن رؤية التأثير الأمريكي في محاولاته تحييدَ الأُورُوبيين عن المشهد السياسي، خَاصَّة فيما يخص مفاوضات إيران ومحاولات إخراج تلك الدول الأُورُوبية من نطاق الاتّفاقِ النوويّ ومكاسبه الاقتصادية.
ليس هذا فحسب، هناك تبايُنٌ واضح بين الاتّحاد الأُورُوبي اليوم وبين الولايات المتحدة الأمريكية في موضوع الأزمة الأُوكرانية والحرب الروسية الأُوكرانية؛ فترامب يضغطُ لتوقيع اتّفاق مع روسيا والأُورُوبيون يقفون خلفَ أوكرانيا لحَثِّها على عدم التوقيع وعدم الاستسلام لروسيا؛ أي إن هناك تضارُبَ مصالحَ كبيرًا اليوم بين الاتّحاد الأُورُوبي وبين الولايات المتحدة.
أمام الخِذلان.. الأُمَّــة لم تمت:
وفي سياق حديثه عن مواقف عرب الخليج تحديدًا، سخر الباحث من مواقف بعضهم تجاه العدوّ الإسرائيلي؛ فما يبدو في تلك المواقف الجبانة و”كأن (إسرائيل) صارت دولةً شقيقةً”!
بينما الخطرُ الصهيوني يتعاظَم، حَيثُ هناك خطرٌ حقيقي على القضية الفلسطينية وعلى المنطقة العربية برمتها؛ فنتنياهو وحكومته يجاهرون في العلن بفكرةِ “ابحثوا للفلسطينيين عن وطنٍ آخرَ”، حَيثُ هناك رفضٌ يميني صهيوني لفكرة “حَـلِّ الدولتين” جملةً وتفصيلًا.
لكن في مقابل هذا التخاذل الخليجي، الأُمَّــة لم تمُت، حَيثُ روح المقاومة تستنهض همم العرب وحيث ما زال هناك أمل في العرب. وهذا يظهر في التظاهرات العربية الإسلامية التي تبقى عنوانَ تأكيد على أن المجتمع العربي لا يمكنه القبولُ بالاحتلال أَو أقلَّ من تحريرِ فلسطين كما لا يمكنه قبولُ السياسَة الأمريكية في نهبِ ثروات المنطقة. وتاريخ الأُمَّــة في التصدِّي لمشاريع الاحتلال جلي ولا يمكنُ تزويرُه.
المصدر : المسيرة