لجريدة عمان:
2025-05-20@22:42:53 GMT

سياسات منطقة الخليج ووعي أجياله

تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT

الحديث عن دول الخليج ليس من باب الانتماء المتعالي، كما لا يمكن فصلها عن عالمها العربي لمشتركات عديدة على رأسها الدين واللغة، وفي المقابل لا يعيش الخليج بمعزل عن التحولات العالمية في الجوانب السياسية والاجتماعية والمعرفية والاقتصادية، إلا أن دول الخليج مرت بنقلة نوعية مع بدايات اكتشاف النفط، أحدث شيئا من التحول المادي والديمغرافي أثر في الجانب الثقافي، كما أثر في تحولات الوعي لدى أجياله، وإن بدأ الحراك الثقافي والمعرفي مبكرا في البحرين والكويت خصوصا، ثم حدث شيء من الاستقرار في السعودية منذ خمسينات القرن العشرين، ثم إن باقي الدول تبعتها في الاستقرار المادي، والانتعاش الاقتصادي، والانفتاح الخارجي والديمغرافي منذ بداية سبعينات القرن الماضي كما في عُمان والإمارات وقطر.

ودول الخليج سياسيا دول ملكية أسرية وراثية، استقرت على هذا ردحا من الزمن، بيد هذه الأسر لها خصوصيتها من حيث القرب من شعوبها، والبساطة في الانفتاح لهم بدل البرتوكولات المعقدة، أو العظمة المستبدة، وكما يرى محمد البغيلي أن «الملكيات منذ القدم تفتح أبوابها للنقد والاعتراض، حتى في الخليج؛ شريطة عدم القرب من السلطة، أو أن تكون النوايا صادقة للإصلاح، وفي وقته، فخوفهم من دخول بيانات سرية، وتنظيمات مخيفة، ودخول أسلحة باسم المعارضة أو الإصلاح فهذا طبيعي يخيفهم».

بيد أن دول الخليج في محاولتها للتحرر من التأثيرات الماركسية، وكان خطابها قويا في الستينات من القرن العشرين كما في الكويت والبحرين وجنوب اليمن، إلا أنها كظاهرة معرفية تحررية امتدت في جميع دول الخليج بما فيها صحراء نجد وعُمان وما حولهما، ولإضفاء بديل خطابي اتجاه الخطاب الماركسي؛ من هذه الدول من حاولت تغليب الثقافة بشكلها العام بعيدا عن الأدلجة الماركسية، ومنها من حيث الاتجاه الأكبر مالت إلى خطابات الأسلمة، والتي بعد عام 1979م ستتشكل في اتجاهات حركية تحت منظومة أسلمة الدولة كما يرى زكي الميلاد أنه «بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ... تبنت بعض الحركات الإسلامية مناهج للتغيير في مجتمعات لا تناسبها مثل هذه المناهج على الإطلاق، واندفعت حركات أخرى باتجاه تصعيد وتيرة العمل، والانتقال به إلى مراحل متقدمة، وفجأة وجدت بعض هذه الحركات نفسها في صدام عنيف مع السلطات في دولها»، ومنها دول الخليج بأشكال متنوعة، خصوصا بعد منتصف ثمانينات القرن الماضي.

عاشت الشعوب الخليجية لأكثر من نصف قرن تحت تأثير خطابات الأسلمة بشكل أكبر، مع محاولة غالب دولها على تشجيع الانفتاح الثقافي من حيث الإعلام الرسمي العام، بيد أن تأثير الأول كان أكثر تأثيرا واستغلالا لقضايا المنطقة كفلسطين وأفغانستان وكوسوفو والشيشان وغيرها، كما نقلها من التدين الشعبي البسيط المتعايش مع بعضه إلى التدين الآحادي الشكلاني الملغي للمختلف، والذي ينظر بريبة إلى الآخر حتى داخل الدين أو المذهب ذاته، والذي تطور إلى اتجاه حركي بين فترة وأخرى.

في هذه المرحلة لم تستطع دول الخليج خلق مؤسسات ثقافية مستقلة تنطلق من داخلها، وتقرأ واقعها وتحولها وفق المرحلة، فكانت أقرب إلى ردات الفعل الآنية، وفي كثير من الأحوال هي ذاتها لبست لباس الأسلمة، وحجمت من النشاطات الثقافية المستقلة، فعاشت النقيضين، بين خطاب وإعلام خارجي ورسمي داخلي أقرب إلى الاتجاهات الثقافية في جوها اللبرالي المنفتح، وبين خطاب داخلي شعبي أقرب إلى اتجاهات الأسلمة، مع تخوف واضح من وجود اتجاهات ثقافية مستقلة ناقدة وقارئة بعمق للتحول الاجتماعي في منطقة الخليج، وإن وجد فأغلب رموزه من خارج المنطقة، أي من أجزاء الوطن العربي بشكل عام.

وفي المقابل بسبب الوفرة المالية، والاستقرار السياسي؛ دعمت بشكل واضح التحديثَ في المنطقة، وإن نظرت بريبة إلى الحداثة، ففي أقل من خمسين عاما كان التحديث المادي واضحا؛ أدى إلى الهجرات العمالية إلى الخليج، وهذه تهاجر بثقافاتها ولغتها وأفكارها، مما سيؤثر لاحقا في التفكير الاجتماعي، وفي الوقت ذاته استخدمت دول الخليج الأسس الاشتراكية في مجانية التعليم، والتشجيع عليه، كما شجعت على إرسال البعثات الخارجية، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة، ليرجع جيل أكثر انفتاحا، حيث العديد ممن رجع يحمل مفردات الحداثة، ولا يتوقف عند التحديث فقط، فأصبحت دول الخليج منتجة لرموز ثقافية ومعرفية لا يقلون شأنا عن إخوانهم في الوطن العربي، وأصبح لهم حضورهم الكتابي والمعرفي والثقافي والفني بشكل عام.

وإن كانت الحاسة السياسية في الخليج قبل 1995م خصوصا متحكمة إداريا في توجيه الإعلام داخل الدولة القطرية وفق خصوصيتها السياسية والدينية والثقافية والفنية، إلا أنه مع الانفتاح التقني في الشبكة العالمية، واشتراكية الحضور الإعلامي، وقدرة الفرد على كسر حاجز التعبير عن رأيه، وتقديم ما يضمره من معرفة، ولو خارج السياق الديني والثقافي والسياسي بل والجندري وفق ما يراه كفرد، حيث انتقل من المعرفات الوهمية في الشبكات الإلكترونية، ومن التحيزات الفئوية والجمعية في الفضائيات وبعض المواقع، إلى الفردانية والتصريح بفكره صوتا وصورة وكتابة بعد 2006م من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

كل هذا وغيره - حيث يصعب حصر ذلك في مقالة قصيرة كهذه - أثر في امتداد الوعي رأسيا وأفقيا، وهذا مشاهد بشكل واضح، فينبغي أن يكون تفكير سياسات منطقة الخليج وفق المرحلة التي نعيشها اليوم، وأن يكون التقنين متلائما مع هذه المرحلة من تطور مستوى الوعي والحداثة، لا أن يكون بذات العقليات قبل خمسين عاما، فإن كان كذلك سوف يزيد من درجة الفجوة بين سياسات المنطقة، وبين ما تحمله الأجيال الحالية من وعي، وأن تدرك هذه السياسات أن قوتها في الاقتراب من وعي شعوبها والاستماع لهم، ومن الانفتاح على الجميع بشكل مؤسسي يوسع من دائرة الحريات، وهذا لا يغني عن أهمية وجود مؤسسات بحثية تقرأ هذا السياق الزمني بعمق، حتى لا تتكرر الأخطاء الفردية، والقرارات الانطباعية غير القارئة بعمق للواقع المعيش.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دول الخلیج

إقرأ أيضاً:

«الشؤون الإسلامية» تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج عبر دول الخليج

أكملت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ممثلةً بفرعها في المنطقة الشرقية، جميع التحضيرات لاستقبال قوافل الحجاج القادمين من دول الخليج عبر منافذها في كل من الرقعي، وسلوى، والربع الخالي، وجسر الملك فهد، والبطحاء، وذلك ضمن الخطة التشغيلية المعتمدة لموسم حج 1446هـ.

وتضمنت الاستعدادات تخصيص مقرّ للوزارة في كل منفذ، وتعزيز الحضور الدعوي بالطواقم الإدارية والدعوية المتخصصة، لتقديم الإرشاد والتوجيه، وإقامة المحاضرات والدروس العلمية في جامع المنفذ ومسجد المسافرين، إلى جانب تقديم خدمة "إجابة سائل" للرد على استفسارات الحجاج المتعلقة بالمناسك والمسائل الشرعية.

وتأتي هذه الجهود في إطار حرص الوزارة على تهيئة بيئة دعوية تُعين الحجاج على أداء مناسكهم بطمأنينة ويسر.

الشؤون الإسلاميةدول الخليجأخبار السعوديةأخر أخبار السعوديةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • ترامب ينتقد سياسات بايدن ويؤكد: جولتي في الشرق الأوسط كانت إيجابية
  • العيسوي خلال لقائه فعاليات مجتمعية وثقافية وأكاديمية: الأردن بقيادته ووعي أبنائه متمسك بثوابته
  • خبير سياسي: إسرائيل تنفذ مخططها لتقسيم غزة بشكل نهائي ودائم
  • الفلاحي: الأنفاق أعاقت تقدم جيش الاحتلال بشكل كبير ورفعت خسائره
  • هيئة تطالب بنهج سياسات وقائية شاملة للحد من مخاطر حرائق الواحات
  • صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر وبرنامجها للإصلاح الاقتصادي.. نواب: شهادة ثقة في سياسات الاقتصاد.. والفترة المقبلة ستشهد تنويعًا في أدوات التمويل
  • سياسات ترامب تقلّص حركة السياحة إلى الولايات المتحدة
  • منافذ الشرقية تستعد لاستقبال الحجاج عبر دول الخليج
  • «الشؤون الإسلامية» تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج عبر دول الخليج