محمد بن زاهر العبري

في عالمٍ غارق بالمعلومات، لم يعد النفط أو الذهب الثروة الأغلى؛ بل أصبح "الانتباه" هو السلعة الأهم.

"اقتصاد الانتباه" ليس مجرد مصطلح؛ بل هو واقع نعيشه في كل لحظة ونحن نتصفح هواتفنا أو نشاهد فيديوهات أو نقرأ منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.

فمُنذُ لحظة استيقاظك، تتسابق التطبيقات والإعلانات والمنصات الرقمية لجذب انتباهك، لأن كل ثانية تقضيها على إحداها تساوي مالًا؛ إذ يتم تحليل سلوكك وتفضيلاتك بدقة، لتُعرض عليك محتويات مُصمَّمة خصيصًا لك، لا لغاية التسلية فقط؛ بل لتطيل مدة بقائك على المنصة، وتزيد من احتمالية استجابتك للإعلانات أو الأفكار المعروضة.

هذه الأفلام القصيرة جدًا، أو الـReels، الذين يصممونها يستلمون رواتبهم مقابل "جذب انتباهك" وكلما تمكنوا من التفوق عليه وإخراجه من طبيعته وجعله تحت سيطرتها، أغدقت تلك المؤسسات على أولئك الموظفين رواتبا عالية.

المطلوب عندهم "شراء" انتباهك، فهو السلعة، والبائع أنت ليس أحدا سواك. إنه مُنتج لا يُقدر بثمن. هذا الانتباه أو الوعي الذي به ندرك مصالحنا ونشخص نقاط ضعفنا، وإذا بنا قد عرضناه للبيع دون أن ندري، لأننا لا نقبض ثمنه، وإنما مصممو هذه الـReels هم من يقبضون الثمن، مقابل إقناعك ببيع "انتباهك".

كما إن كُل "لايك" (إعجاب) تنقره، وكل فيديو تشاهده، وكل كلمة تكتبها، تتحول إلى بيانات تُستثمر وتُباع إلى المعلنين وصنّاع القرار. هكذا تُبنى إمبراطوريات الهيمنة على القدرة على الانتباه بمليارات الدولارات، فهل كنَّا يوما نعي بأنَّ وعينا وانتباهنا لا يُقَّدرُ بثمن؟ والأمر لا يتوقف عند الإعلانات التجارية؛ بل يمتد إلى التأثير في الرأي العام، والتلاعب بالاتجاهات السياسية، وحتى تشكيل نظرتك للعالم. عندما يُعاد تشكيل المحتوى ليخاطب غرائزك أو مخاوفك، فأنت لا تختار بقدر ما يتم توجيهك دون أن تدري.

في هذا المشهد، لم تعد المشكلة في كثرة المعلومات؛ بل في ندرة الانتباه. عقولنا أصبحت عُملة تتداولها الأسواق الرقمية دون أن نشعر. ولذلك، فإنَّ الوعي بهذه الآليات هو أول خطوة لاستعادة السيطرة على وقتنا وتفكيرنا.

الحل ليس في مقاطعة التكنولوجيا؛ بل في أن نكون أذكى من خوارزمياتها. أن نختار متى وأين نمنح انتباهنا، وأن ندرك أن ما يبدو مجانيًا، غالبًا ما ندفع ثمنه من تركيزنا، وهدوئنا، واستقلال تفكيرنا.

خاتمة المطاف، نحن لسنا مجرد مستخدمين. نحن المادة الخام لهذا الاقتصاد الجديد. والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا يوميًا: من يملك انتباهي؟ ولماذا أسلمته إياه؟

وأصدق موعظة تصلح لأن تكون خاتمة لهذا المقال هي قوله تعالى في سورة "الحاقة": "وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ"، نلاحظ كيف ألزم تعالى الوعي والانتباه للأذن، فليس للأذن أن يسد صوتًا يريد المرور عبره، ولكن للانتباه والوعي أن يقول كلمته.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لجنة الوعظ والإرشاد تستقبل حجاج ليبيا وتقدم التوجيهات لرفع مستوى الوعي

في إطار جهودها التوعوية خلال موسم الحج، تواصل لجنة الوعظ والإرشاد التابعة للهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة بدولة ليبيا أعمالها المكثفة من خلال مكاتبها المنتشرة في مواقع إقامة الحجاج الليبيين.

وتستقبل اللجنة ضيوف الرحمن بالترحيب والاستماع إلى تساؤلاتهم واستفساراتهم المتعلقة بمناسك الحج وأحكامه، حيث تعمل على تقديم الإرشادات الدينية والتوجيهات الشرعية التي تضمن أداء مناسكهم على الوجه الصحيح، بما يعزز الوعي الديني لدى الحجاج ويرتقي بمستوى معرفتهم بالشعائر.

ويأتي هذا الجهد في إطار حرص الهيئة على توفير بيئة إيمانية مريحة وداعمة للحجاج، وتسخير كل الإمكانات لضمان موسم حج ناجح يسوده الأمن والتنظيم والطمأنينة.

#لجنة_الوعظ_والإرشاد من خلال مكاتبها المنتشرة في مواقع إقامة الحجاج، تستقبل لجنة الوعظ والإرشاد ضيوف الرحمن، تستمع إلى…

تم النشر بواسطة ‏الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة – ليبيا‏ في السبت، ٢٤ مايو ٢٠٢٥

مقالات مشابهة

  • هل الأحلام المتكررة رؤى تتحقق؟.. 15 حقيقة لا يعرفها الكثيرون
  • تعزيز الوعي البيئي بولاية بركاء
  • ذكرى خالدة
  • لجنة الوعظ والإرشاد تستقبل حجاج ليبيا وتقدم التوجيهات لرفع مستوى الوعي
  • لترسيخ الوعي البيئي.. الحجاج يتعرفون على جهود محمية الملك سلمان
  • هل يقبل الله التوبة مع تكرار الذنب؟ دينا أبو الخير تجيب
  • جمعية “إشراق” تُكرّم شركاء النجاح وتؤكد مواصلة تمكين المشخَّصين بفرط الحركة
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بحق جانٍ في تبوك
  • حملة توعوية بصحم تعزز الوعي بتأثير وسائل التواصل على القيم العُمانية