الجامعة العربية تدعو لتصعيد الجهود الدبلوماسية لوقف لحرب
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
القاهرة (الاتحاد)
أخبار ذات صلةدعت جامعة الدول العربية، أمس، إلى تصعيد الجهود السياسية والدبلوماسية والقانونية والشعبية لوقف الحرب على قطاع غزة وضمان إدخال المساعدات والوقود.
وأشار الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة في الجامعة، السفير سعيد أبو علي، إلى أن «هناك موجة احتجاجات دولية تتصاعد في عواصم العالم تنديداً بالعدوان على غزة وتضامناً مع الشعب الفلسطيني».
وقال أبو علي: إن «القمة العربية الـ34 التي عقدت في بغداد هذا الشهر جددت تأكيد مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: فلسطين جامعة الدول العربية إسرائيل قطاع غزة غزة
إقرأ أيضاً:
كنا هناك.. عودة لحرب إبادة سربرنيتسا بعد 30 عاما
سربرنيتسا- في إطار ما عُرف باسم "مشروع درينا"، شنّ القادة العسكريون والسياسيون من صرب البوسنة حملة منسقة في الأشهر الأولى من حرب البوسنة والهرسك (1992- 1995) لتطهير وادي نهر درينا عرقيا، وهي منطقة ذات أغلبية بوسنية تقع على الحدود الشرقية مع صربيا، حيث يشكّل النهر فاصلا طبيعيا.
كان الهدف إفراغ المنطقة من غير الصرب، وربط الأراضي الخاضعة لسيطرة الصرب في البوسنة مع صربيا نفسها، ولأجل ذلك استهدفت عشرات البلدات والقرى ذات الأغلبية البوسنية في شرق البوسنة من خلال القتل الجماعي، والتهجير القسري، والتدمير المنهجي.
بلغت تلك الحملة ذروتها في سربرنيتسا في يوليو/تموز 1995 مع اقتراب نهاية الحرب، حيث قُتل أكثر من 8000 رجل وصبي بوسني في جرائم قضت المحاكم الدولية لاحقا بأنها إبادة جماعية.
الجغرافيا بكل قسوتهاقبل أن تفرّق الحرب شمل عائلته، كان ندزاد أفديتش يحب مادة الجغرافيا، كان عمره وقتها 17 عاما، وقد نشأ في قرية سيبيوتشينا ببلدية سربرنيتسا قرب الحدود مع صربيا.
كان أفديتش قادرا على شرح الفرق بين التجمعات السكانية المتلاصقة والمشتتة، وتعلم كيف يحدد الاتجاهات من خلال ملاحظة أي جانب من الشجرة ينمو عليه الطحلب، كما تعلم كيف يجد الكواكب السماوية ويهتدي بنجمة الشمال. وكتب لاحقا في مذكراته، وهو اليوم في 47 من عمره "لم أكن أدرس الجغرافيا من أجل البقاء، بل درستها لأنني أحببتها".
لكن في ربيع عام 1995، وبعد 3 سنوات من الصراع الذي لا يزال يترك ندوبه في منطقة البلقان، عاش أفديتش الجغرافيا بكل قسوتها، وهو يشق طريقه عبر الغابات إلى جانب 8000 رجل وصبي بوسني آخر، في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة.
كان يعيش في مخيم للاجئين تديره الأمم المتحدة في وادي سلابوفيتشي، جنوب سربرنيتسا، وهي بلدة صغيرة في شرق البوسنة تقع في وادٍ عميق قرب نهر درينا الذي شكّل تاريخيا حدا طبيعيا مع صربيا.
إعلانفي ذلك الوقت، لم تكن سربرنيتسا سوى بلدة يسكنها حوالي 6000 شخص، وكانت معروفة محليا برواسب الفضة القديمة فيها، والتي أخذت منها اسمها، فكلمة "سِربرو" تعني "فضة" باللغة البوسنية.
كان المخيم، المبني على أرض لم تكن مأهولة سابقا موطنا لأكثر من 3000 بوسني مهجّر -مسلمون سلافيون جنوبيون من البوسنة والهرسك– وكانوا يعيشون في صفوف من الكبائن الخشبية التي تبرعت بها السويد. لم يكن هناك كهرباء، ولا صرف صحي، وكان الطعام نادرا دائما.
دولة فتية
كانت البوسنة حينها دولة فتية، حصلت على استقلالها بعد انهيار يوغسلافيا، وأعلنت استقلالها رسميا في 1 مارس/آذار 1992 بعد استفتاء شعبي، شكل البوسنيون نحو 44% من السكان، والصرب 31%، أما الكروات فشكلوا نحو 17%، مما جعلها واحدة من أكثر جمهوريات يوغسلافيا السابقة تنوعا.
في الوقت ذاته، أعلن صرب البوسنة "جمهورية صربسكا" (Republika Srpska) ككيان سياسي افتراضي، أراد قادتهم السياسيون اقتطاعه من البوسنة بحجة "حماية مصالحهم".
بعد شهر واحد فقط، في 6 أبريل/نيسان، شنّت قوات صرب البوسنة -بدعم من صربيا- حربا للسيطرة على الأراضي وطُرد غير الصرب في سبيل تحقيق ذلك الهدف، فقُصفت المدن القريبة من الحدود، وأُجبر المدنيون على النزوح، واضطرّت عائلات مثل عائلة أفديتش إلى الفرار.
تألّفت أسرته من الوالد علي والوالدة تيما، وأخواته الثلاث وكانوا جميعا أصغر منه سنا، تم تهجيرهم عدة مرات خلال الحرب، أولا من منزلهم في سيبيوتشينا، ثم من ملاجئ مؤقتة في بلدة سربرنيتسا، قبل أن يصلوا إلى مخيم اللاجئين في سلابوفيتشي.
وفي عام 1993، وبعد هجوم من قوات صرب البوسنة على ساحة مدرسة أسفر عن مقتل 56 شخصا -معظمهم من الأطفال- وإصابة أكثر من 70، أعلنت الأمم المتحدة، بموجب قرار من مجلس الأمن، بلدة سربرنيتسا والقرى المحيطة بها "منطقة آمنة"، إلى جانب 5 مدن وبلدات أخرى في البوسنة.
وطالبت الأمم المتحدة "بالوقف الفوري للهجمات المسلحة من قبل الوحدات شبه العسكرية لصرب البوسنة على سربرنيتسا"، وأن "تتوقف صربيا والجبل الأسود -وكانتا تُعرفان آنذاك بجمهورية يوغسلافيا الاتحادية- فورا عن تزويد قوات صرب البوسنة بالأسلحة"، لكن القصف الصربي للبلدة وقراها لم يتوقف أبدا.
يقول أفديتش لقناة الجزيرة "كنا نعتقد حينها أن الحرب ستنتهي في نهاية المطاف، فهناك الأمم المتحدة وقوات القبعات الزرق، وقلنا لأنفسنا إن الظلام لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، كنا جميعا نخاف على حياتنا، كنا نعلم أنه في أي يوم يمكن أن يُقتل أحدنا، لكن حجم ما حدث بعد ذلك فاق كل تصوراتنا".
مع فجر 6 يوليو/تموز 1995، تعرضت التلال المحيطة بسربرنيتسا للقصف المدفعي، كانت تلك بداية عملية "كريفايا 95″، الهجوم الذي أمر به رئيس "جمهورية صربسكا" المعلنة من جانب واحد رادوفان كاراديتش، وكان يهدف للسيطرة على الجيب المحاصر.
في مخيم اللاجئين بسلابوفيتشي، استيقظ أفديتش على صوت القصف، وكان واضحا أن البقاء صار خطيرا جدا.
ومع اقتراب قوات كاراديتش، غادرت عائلته سيرا على الأقدام -على الأرجح في 8 أو 9 يوليو/تموز- هاربة إلى الغابات الجبلية باتجاه قرى قريبة من سربرنيتسا، وقد كان بلوغها الملاذ الأخير لهم.
في داخل بلدة سربرنيتسا، كان حجر الدين ميسيتش (21 عاما) يسمع القصف ذاته من شقة أسرته، وقد سبق أن فقد اثنين من إخوته الأربعة في الحرب، إدريس (36 عاما) قُتل برصاصة قناص في 3 مارس/آذار، وسينايد (23 عاما) قُتل في قصف المدرسة عام 1993.
قبل المجزرة، نُزع سلاح جيش جمهورية البوسنة والهرسك في سربرنيتسا، الذي تشكّل في أبريل/نيسان 1992 لمواجهة العدوان الصربي. كان الجيش يتكون أساسا من مدافعين محليين وجردته الأمم المتحدة قبل عامين من سلاحه، في صفقة لوقف إطلاق النار، ولم يكن يملك ما يكفي للرد.
ورغم وجود قوات حفظ السلام الهولندية، فإن مواقعها تراجعت مرارا أمام جيش "جمهورية صربسكا" المؤلف من 25 ألف جندي، مما جعل أطراف البلدة مكشوفة تماما.
في 10 يوليو/تموز، بدأت قوات صرب البوسنة باقتحام البلدة، صرخت والدة ميسيتش "لقد دخل الجيش الصربي البلدة، وبدأت الشظايا تتساقط داخل البيت". حمل ميسيتش حقيبة بسرعة، وهرب مع والديه المسنين، أمه زها وأبيه سليم، وأخويه الباقيين حسن وصفوت، عبر الشوارع الجانبية، مستخدمين المباني كغطاء.
في صباح 11 يوليو/تموز، أدرك إمير بيكتيتش (16 عاما) وعائلته أنه حان وقت الهرب، فقد عاد والده رجب إلى المنزل مغطى بالدماء، بعدما كان يساعد في نقل الجرحى والقتلى من قرية قريبة تتعرض للقصف، قال له: "سربرنيتسا لم تعد موجودة، علينا أن نغادر فورا.
فبعد سنوات من القصف والجوع والعزلة، انهار الجيب المحاصر، ودخل قائد قوات صرب البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش في حوالي الساعة 4 مساء المنطقة المعلنة "آمنة" من قبل الأمم المتحدة.
بدأ الجنود بفصل النساء والأطفال وكبار السن عن الرجال والفتيان، متعهدين بأن المجموعة الأولى سيتم نقلها إلى ملاذ آمن تابع للمنظمة الدولية.
في ذلك الوقت، كان في الجيب حوالي 60 ألف شخص، منهم 35 ألفا من سكان سربرنيتسا الأصليين، والباقي نازحون من مناطق مجاورة طردهم الصرب.
فرّ البوسنيون في اتجاهين، النساء والأطفال توجّهوا إلى قاعدة الأمم المتحدة في قرية بوتوتشاري، أما ما بين 12 و15 ألف رجل وصبي غير مسلحين فهربوا إلى الغابات باتجاه توزلا، المدينة الواقعة شمالا خارج سيطرة الصرب، والتي تبعد حوالي 100 كيلومتر، وكانت تُعتبر "منطقة حرة آمنة".
انضم بيكتيتش ووالده إلى المجموعة التي اتجهت عبر الغابات، بينما ذهبت والدته وأخته إلى القاعدة، "كان هناك سؤال واحد يتردد: هل سنرى بعضنا البعض مرة أخرى؟". كذلك انقسمت عائلة ميشيش، فقد ذهب والداه المسنان إلى بوتوتشاري، بينما اتجه هو مع أخويه إلى الغابة. والأمر نفسه حدث مع أفديتش ووالده وعمه، بينما ذهبت والدته وأخواته إلى القاعدة الأممية.
في مساء 11 يوليو/تموز، حوالي الساعة 6 أو 7 مساء بالتوقيت المحلي، وبعد يومين من السير على الأقدام من مخيم سلابوفيتشي، وصل أفديتش والآلاف غيره إلى قريتي ياغليتشي وشوشنجاري، على بعد حوالي 15 كيلومترا. لكن القريتين كانتا تتعرضان للقصف، وأصيبت الأحصنة والماشية التي كانت تُستخدم لنقل الجرحى والقتلى بالذعر وبدأت بالركض في كل اتجاه.
"في تلك الفوضى، فقدت والدي"، يتابع أفديتش، الذي وجد نفسه فجأة وسط حشد من الغرباء: "لم أتعرف على أي وجه من حولي"، بدأ يصرخ باسمه، يشق طريقه بين الناس وهو ينادي والده مرارا وتكرارا، "لكني لم أره مجددا، كنت محاطا بآلاف البشر، ومع ذلك شعرت بوحدة قاتلة"، ثم انضم إلى رفاقه في المسير الطويل عبر غابات شرق البوسنة، على أمل أن يصل إلى بر الأمان في توزلا.
كان الطريق إلى توزلا -التي كانت آنذاك تحت سيطرة حكومة البوسنة- غارقا بالأشجار الكثيفة من البلوط والزان والصنوبر، لكن أيضا مغطى بسرخس صيفي هش وجاف، من النباتات المحلية لغابات البوسنة.
إعلانكانت الحرارة شديدة، تصل إلى 34 و36 درجة في حر يوليو/تموز اللاهب، كل خطوة عبر الغطاء النباتي الجاف كانت تُهدد بكشف موقعهم، فصوت تكسير غصن أو حفيف السرخس اليابس يمكن أن يكشفهم لقوات الصرب القريبة. قال بيكتيتش: "كنا نسير في صمت، ليس بدافع الانضباط، بل من شدة الخوف، لم يكن أحد يريد أن يجذب الموت".
ويتابع "كنت مرهقا، جائعا، وعطشانا، لم نأخذ سوى القليل من الطعام الموجود في البيت قبل أن نبدأ السير عبر الغابة، لم يكن هناك وقت للاستعداد. كانت تلك الرحلة كل شيء فيها لا يُحتمل تقريبا بالنسبة لي..".
في ليلة 12 يوليو/تموز، وصل بيكتيتش ووالده مع مجموعتهم إلى جدول ماء عند تل "كامينيكو بردو"، على بُعد 40 كيلومترا من توزلا. انحنى ليشرب وهو مغلوب من العطش، لكن الماء كان ممتزجا بالطين، "لم يكن ماء فعليا، بل وحلا، شعرت بالرمل في فمي"، ومع ذلك، كانت تلك الجرعة كل ما حصل عليه.
بعد لحظات، اندلع الفزع، فقد اقتحمت قوات صربية المنطقة، واقتادت 15 إلى 20 شخصا ممن عبروا الجدول، وأمرتهم بتسلق تل صغير والجلوس، ثم جاءت الكلمات التي غيّرت كل شيء "أنتم أسرى".
قال بيكتيتش: "في تلك اللحظة، كان النقاش الوحيد بين الجنود الصرب: كيف سيقتلوننا، بعضهم قال: لنقتلهم هنا مباشرة"، وقال آخرون: لا، دعونا نأخذهم إلى الجدول ونذبحهم هناك". استلقى بيكتيتش في حضن والده، مرعوبا ومنهكا، قال له "لا يهم ماذا سيحدث، سنبقى معا.. فقط ابقَ معي، لا تنم"، وقد وعده بذلك.
لكنه غفا، واستيقظ بعد ظهر اليوم التالي، ليجد نفسه مستندا إلى شجرة زان، وحده، أول ما فعله كان البحث عن والده. نادى، وانتظر، لكنه لم يعد، وترك بيكتيتش مع تساؤلات لا نهاية لها: ماذا حدث له؟ هل ساقه الجنود إلى الموت؟ هل وضعه والده بجانب الشجرة ليخفيه عن أعين الجيش الصربي؟ كيف نام خلال كل ذلك؟ "آخر شيء أتذكره من تلك الليلة هو عناقه لي".
بعد أيام وحيدا في الغابة، التحق بيكتيتش بمجموعة من البوسنيين، بينهم عمه وابنا عمه، لكنهم ما لبثوا أن أُحيطوا مجددا بالجنود الصرب، وطُلب منهم الاستسلام، حاول البعض الهروب، فقُتلوا بالرصاص. وأثناء سيرهم على الطريق، مرّ بيكتيتش على "مئات من الجثث" تحت شمس يوليو/تموز، وكان عليه أن يتجنب أن يطأها بقدمه.
ثم أُمروا بالجلوس على تل، في صفوف، وقال قائد صربي إنه سيتم إطلاق سراح بعض الفتية، ومن يرغب في المغادرة فعليه الوقوف، فوقف عدد من الفتيان، قال بيكتيتش: "في تلك اللحظة، لم نكن ندرك ما يحدث". وأضاف "أصر عمي أن أقوم وأرحل، وتجادلنا بهدوء، أردت البقاء معه، فقد كنت قد بدأت أشعر بالأمان قليلا، وبغض النظر عما سيحدث، أردت البقاء إلى جانبه".
ويتابع "ذهبت والدتي وأختي إلى بوتوتشاري، ولم يكن لديّ أخبار عنهم، والدي كان في مكان ما في الغابة، قُتل أو أُخذ، لا أعلم. كنت وحيدا تماما، فقط وجودي مع عمي وبين أناس أعرفهم أعطاني شعورا طفيفا بالأمان، لكن في النهاية رضخت لإلحاح عمي".
ركض الفتية نحو الحافلات التي كانت تصطف في الوادي أدناه، وتمكن بيكتيتش من الصعود إلى آخر حافلة قبل أن تُغلق الأبواب. كانت ممتلئة بالنساء والأطفال القادمين من قاعدة الأمم المتحدة في بوتوتشاري، متجهين إلى توزلا، قالت له امرأة: "لا تسأل عن شيء"، بينما غطته ببطانية.
"ملكة الموت"في الغابة، بتاريخ 13 يوليو/تموز، قرب قرية كامينيتسه في بلدية براتوناتس -وهي قرية بوسنية دُمرت وأُحرقت على يد الصرب عام 1993- قُطعت طريق مجموعة أفديتش أيضا من قبل الجنود. قال: "هددونا عبر مكبرات الصوت، قالوا إنهم سيقصفوننا إذا لم نستسلم، ثم وعدونا بمعاملتنا وفق اتفاقيات جنيف، في البداية، بدوا مهذبين.. ثم بدأ كل شيء: الضرب، الإهانات، الإذلال".
كان أفديتش في مقدمة الصفوف، طلب الجنود منهم ترك أمتعتهم وقالوا إنهم سيعيدونها لهم لاحقا، ترك حقيبته بجوار دبابة كانت تحتوي على صور عائلية، لا يزال يتذكر تلك الدبابة والسيارات العسكرية القريبة، وعلى إحدى العربات كتبت عبارة "ملكة الموت".
وصلت مركبات أخرى مليئة بالجنود ثم وصلت سيارات الشرطة زرقاء وبيضاء، لا تزال تستخدم موديلات يوغسلافيا ما قبل الحرب. بقيت الشرطة في الخلف، بينما أمر جنود صرب الرجال والفتيان بالركض نحو مرج يبعد كيلومترا واحدا عن كامينيتسه. وأثناء عبورهم للطريق، توقفت حافلات مليئة باللاجئين من بوتوتشاري، فقد كان الأسرى يقطعون الطريق.
إعلانقال أفديتش "بينهم رأيت فتاة كنت أذهب إلى المدرسة معها. ومن الواضح أن بعض مَن في الحافلات تعرفوا على بعض الأشخاص في صفوفنا. كانت النساء يبكين، على الأرجح تعرّفن على أبنائهن، أو أزواجهن، أو آبائهن".
ثم أمر الجنود الرجال والفتيان بالركض مجددا نحو كامينيتسه، بينما واصلت الحافلات طريقها إلى توزلا. وصلوا إلى مرج في قرية سانديتشي المدمرة، وكان واضحا أنهم ليسوا وحدهم، فقد تم اقتياد آخرين قبلهم بالفعل.
لاحقا، خلال شهادته أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، عرف أفديتش ما حدث في ذلك المرج فقد تم تصوير اللاجئ البوسني رامو سالكيتش وهو ينادي ابنه المراهق نرمين للانضمام إليه حيث يقف الجنود الصرب، كانت تلك اللقطات دليلا رئيسيا في محاكمة مجزرة سربرينيتسا، الأب والابن أُعدما لاحقا.
في تلك الليلة، قال لهم جندي صربي "ستُعادون إلى عائلاتكم.. كل شيء سيكون بخير"، لكن صوته كان يقطر سخرية، كما قال أفديتش. وأضاف: "وضعونا في صفوف، ووضعوا الجرحى في المقدمة"، ثم جاء الأمر: "استلقوا، الأيادي خلف الرؤوس وصفّقوا".
يتابع أفديتش "صفقنا كلنا، معا، بأقوى ما يمكننا، بقينا نصفق لساعتين أو ثلاث"، عندما توقف التصفيق، لم يكن الجرحى هناك.. "لقد أُخذوا إلى البيوت المجاورة وأُعدموا، كانت أصوات الرصاص تملأ المكان".
رحيل عبر الموتجرى تحميل أفديتش وآخرين في شاحنات، وساقهم الجنود عبر بلدة براتوناتس القريبة من سربرنيتسا وما بعدها، قال: "كان الصرب يسبّوننا من على الأرصفة، ويرشقوننا بالحجارة". وتابع "كنت أطل من ثقب صغير في الغطاء القماشي في الحقيقة، ذلك الثقب هو ما ساعدني على التنفس حتى لا أختنق، من حولي كان الناس يُغمى عليهم.. لا يستطيعون التنفس".
ويكمل "كان جحيما حقيقيا، لم يكن هناك ماء. ومع اشتداد العطش، بدأ الناس يشربون بولهم، كانوا يصرخون، يتوسلون، يطلبون ماء، ويقولون: افتحوا الباب، أو اقتلونا، لم نعد نحتمل". حاول أفديتش تتبع الوقت، لكن بعد ساعات من دون طعام أو شراب، لم يعد قادرا على التركيز.
بدأت تنتشر شائعات بأنهم لا يتجهون نحو توزلا، بل نحو بييليينا، مدينة شمال شرق توزلا، قريبة من حدود صربيا، حيث كانت مليشيات صربية قومية تدير معسكرا للاعتقال.
في صباح يوم 14 يوليو/تموز وبعد 50 كيلومترا من القيادة، وصلوا إلى مدرسة في بيتكوفيتشي، تبعد نحو 70 كيلومترا من سربرنيتسا. تم إنزال الرجال من الشاحنات وإجبارهم على دخول المدرسة، حيث بدأ الجنود بضربهم بالبنادق والأنابيب، قال أفديتش: "كانت فوضى، لم يتمكنوا من ضرب الجميع بالسرعة الكافية".
في الداخل، كان هناك جنود آخرون بانتظارهم. صرخ أحدهم: "لمن هذه الأرض؟!"، ورد آخر: "هذه أرض صربية كانت كذلك دائما وستبقى كذلك"، أُجبر الرجال على ترديد العبارة بصوت واحد.
كانت الصفوف السفلية مكتظة، وكانت صرخات تتردد من خلف الأبواب المغلقة، أُخذ أفديتش ومن معه إلى الطابق العلوي، إلى أحد الصفوف الأخيرة، وهناك، تعرف على عمه، علم أنهم كانوا معا في المرج، لكنه لم يره حينها.
في لحظة ما، بدأ البعض يهمس "علينا أن نحاول القفز من النوافذ، أو الهروب من الأبواب"، قال آخر: "ربما ينجو أحدنا بهذه الطريقة وإلا سنُقتل جميعا".
دخل الجنود لتهدئة الموقف "الصليب الأحمر قادم، استعدوا للتبادل"، قال أفديتش: "وكلنا صدقناهم.. في وضع كهذا، أنت مستعد لتصديق أي شيء لتتشبث بالأمل".
بدأ الجنود بإخراج الرجال 5 أو 6 في كل مرة، وعندما جاء دوره، طلب من عمه أن يخرج معه، لكنه رفض، بقي في الداخل، في الممر، أُمروا بخلع ملابسهم، وتم تقييد أيديهم، وساقوهم إلى الطابق السفلي. في الممر، رأى دماء.. جثثا أمام المدرسة، وأخرى عند المدخل الرئيسي، تَوقع أن يُعدم هناك، لكنهم حملوه مع آخرين في شاحنة.
عندما امتلأت الشاحنة، فتح الجنود النار عبر الغطاء القماشي، وملأ الصراخ الجو، وانهمرت الأجساد فوق بعضها، لكنه بقي راكعا، ملتصقا بجانب الشاحنة، في مكان ما بالوسط. عندما توقفت الشاحنة، كان الليل قد حل قرابة منتصف الليل، أُمر الرجال والفتيان بالنزول مجددا.. بدأ الجنود بسحبهم مرة أخرى.. أدرك أفديتش أنهم يُقتلون الآن.
قال: "كل شيء حدث بسرعة.. حاولت أن أختبئ خلف الآخرين، أضغط نفسي داخل الحشد، لكن الجميع فعل الشيء نفسه، كل شخص يحاول أن يتوارى خلف الآخر". لكنه، داخليا، كان قد تقبّل موته، أضاف: "الشيء الوحيد الذي أردته في تلك اللحظة هو شربة ماء.. كنت أشعر بالأسى لأنني سأموت عطشانا".
وأثناء نظره للأمام، رأى ما بدا له وكأنه حشد لا نهاية له، آلاف الرجال. ثم بدأت النيران فجأة، وبشراسة، لا يتذكر اللحظة التي أصيب فيها بالضبط، كان كل شيء فوضى، صراخ، أجساد تسقط من حوله، ثم ظلام.
عندما استعاد وعيه، كان جسده يتألم، ذراعه اليمنى وجانبه يحترقان، رائحة البارود في الهواء، فقد أُطلق الرصاص من نقطة قريبة جدا ومزق الحشد من حوله دون رحمة، كان الناس يموتون ببطء، في عذاب لا يُطاق.
في الضباب، سمع أصوات جنود قريبين، قال أحدهم: "افحص هل هناك من لا يزال على قيد الحياة". رد الآخر ببرود: "جميعهم موتى".. ثم حلّ الصمت، تلاه صوت مركبات تنسحب.
في مكان قريب، لاحظ وجود رجل لا يزال يتحرك، ناداه بهدوء: "هل أنت بخير؟"، أجابه الرجل: "أنا بخير، تعال وفكّني".. همس أفديتش: "لا أستطيع.. لا أستطيع"، وكان صوته يتلاشى.
لكن، وبعد ما بدا وكأنه أبدية، جمع قواه وزحف نحو الرجل الذي نجا بأعجوبة، لأنه دُفن تحت أجساد الآخرين، فحماه ذلك من الرصاص، لم يكن هناك ما يستخدمه، فبدأ أفديتش يقضم بأسنانه الحبال التي كانت تقيّد الرجل، ببطء وألم.. خيطا بخيط.
وبعد رحيل الجنود، وقف الرجل وبدأ يمشي، أما أفديتش، المصاب والمقيد، فزحف بجانبه فوق أجساد رجال وفتيان أُعدموا، بعضهم لا تزال أجسادهم دافئة.
تَعثرا في قناة تصريف خرسانية مخبأة بين الأشجار، وهناك فك الرجل قيد معصمي أفديتش وبدأ بحمله، وعندما أُنهك الرجل، كان أفديتش يزحف على بطنه، شبرا بعد شبر.. اعتمدا على التفاح البري للبقاء. وكان أفديتش، المنهك والنازف، يتوسل إلى الرجل "رجاء، اتركني.. أنقذ نفسك"، لكن الرجل كان يرفض دائما.
لأيام، تسللا عبر غابات كثيفة، متجنبيْن دوريات صربية، ومارين بمنازل بوسنيّة محترقة، ونازلين في أطلال قرى دُمّرت منذ سنوات، وفي كل مرة كان أفديتش يتوقف من الإرهاق، كان الرجل يشير إلى التل التالي ويهمس: "فقط ذاك التل.. ثم نتوقف".
وفي النهاية، عبرا إلى أراضٍ تحت سيطرة الجيش البوسني قرب توزلا، بالكاد أحياء، "سكب أحدهم الماء عليّ"، تذكر أفديتش لاحقا، "وبكيت.. حينها أدركت أنني نجوت".
أما ميسيتش، فقد انضم بعد نجاته من قصف شقته في سربرنيتسا إلى القافلة الهاربة عبر الغابة مع شقيقيه حسن (36 عاما) وصفوت (34 عاما) يوم 11 يوليو/تموز، بينما كان والداهما قد لجآ بالفعل إلى قاعدة الأمم المتحدة في سربرنيتسا.
بعد يوم أو يومين من السير، توقفت القافلة -على الأرجح قرب قرية كامينيكا في بلدية زفورنيك قرب الحدود مع صربيا- وتعرضت لهجوم من الجنود.
كانت كامينيكا واحدة من أكثر النقاط دموية على طريق الهروب من سربرنيتسا، حيث نصب الصرب الكمائن وقتلوا مئات الرجال.
انهمر وابل من الرصاص عليهم، أصيب شقيقه حسن في ذراعيه الاثنتين، وسط الفوضى، حاول ميسيتش وأخواه الاستمرار، لكنه فقد أثرهما. تابع السير مع مجموعة صغيرة من الناجين، حاملا الجرحى عبر الغابة، وفي أحد الأوقات، بدأ المطر بالهطول، ورحّب به الناجون فقد كانت المياه تخفي الخطوات.
على الطريق، التقى بصديق مقرب يحمل نفس اسم شقيقه القتيل حسن، "عندها فقط شعرت بقليل من الأمان، فلم أعد وحدي"، لكن ميسيتش، وحسن، ومجموعتهما، واجهوا رصاصا آخر، في الغابات فوق كامينيكا، تحولت الدروب الضيقة إلى طرق واضحة، داستها آلاف الأقدام اليائسة، أطلق السكان المحليون عليها اسم "التِرلا".. ممر مأساوي محفور بالموت.
كانت القوات الصربية تنتظر هناك، فقد تركوا بعضنا يمر، ثم أطلقوا النار، قال ميسيتش "قُتل كثيرون". ألقى بنفسه على الأرض مع حسن، "أتذكر صوتهم وهم يبدّلون خزائن الرصاص". أُصيب حسن. توسّل قائلا: "رجاءً، لا تتركني"، لم أفعل، لم أستطع"، قال ميسيتش.. مرة أخرى، نجا الاثنان.
مذبحة #سربرنيتسا.
مجزرة وحشية تعاون على تنفيذها عسكر ومجرمون صرب.
قبح الله كل من تسبب في قتل الناس،ولا بارك الله بكل سياسة تتعامل بوجهين.
بعد إدانة قواتها بالتسبب بمقتل بوسنيين #هولندا تبحث طلبات 4830 شخصا من عائلات وأقارب ضحايا مذبحة #سربرنيتسا لدفع تعويضات لهم pic.twitter.com/u69H25lLm4
— د. علي القره داغي (@Ali_AlQaradaghi) January 7, 2023
رباط الحذاءعندما وصلا إلى قرية بريزيك، على بعد 50 كيلومترا من توزلا، كانت أحذية ميسيتش قد تفتت منذ زمن، كان يمشي بجوارب ممزقة، وقد تقيّحت قدماه. وفي يده، كان يحمل بعض الكمثرى البرية الصغيرة التي التقطها من الغابة، "حتى المواشي لا تأكلها، لكننا كنا نتضور جوعا. لم أستطع تركها".
كانا يعتقدان أنهما اقتربا من أرض آمنة، عندما عاد الرصاص يتطاير حولهما. قال ميسيتش لصديقه: "وصلنا بعيدا جدا. لكن لا أعرف إن كنا سننجو هذه المرة".
كان هناك جنود صرب متمركزون على أسطح المنازل القريبة، فزحفا بين الأعشاب الطويلة حتى سقطا في خندق مهجور للجيش الصربي. هناك، وجدا رجلين بوسنيين جريحين وصبيا عمره 16 عاما، اسمه موسى كان مصابا في ساقه. قال موسى: "هل لديك رباط حذاء؟ أي شيء أربط به ساقي؟، أجابه ميسيتش: "تظن أن لديّ أربطة؟ لم يكن لدي حتى حذاء".
في ألم وخوف، بدأ موسى يصرخ وينادي الجنود الصرب "أنا جريح! تعالوا ساعدوني"، رد صوت من الخارج: "ارمِ سلاحك أولا!" أجاب موسى: "ما عندي سلاح! أنا مجرد ولد!". قال ميسيتش: "كان لا يزال يظن أن أحدا قد يساعده"، لكن لم يأتِ أحد، فقد قُتل موسى حيث كان مستلقيا.
عندها، فرّ ميسيتش وحسن تحت نيران الرصاص، وتوقفا فقط عندما ابتعدا عن مرمى النيران، قال ميسيتش: "ما زلت ممسكا بالكمثرى بيدي"، كان الليل قد حل، فقررا الانتظار حتى الفجر للتحرك مجددا. فجأة، سمع صوتا يناديهما، على بعد نحو 30 مترا، كان هناك جندي يلوّح لهما.
قال ميسيتش: "ربما يكون من جماعتنا". رد حسن: "تمزح؟ هذا تشيتنيك!" (أي مقاتل صربي قومي أو شبه عسكري).
أضاف ميسيتش "لو كان تشيتنيك، لما ابتسم بهذا الشكل.. لكان أطلق النار من مكانه"، لكن حسن بقي مترددا. قال ميسيتش مرة أخرى: "إنه يبتسم. لا يفعل ذلك سوى صديق".
ثم، بجانب الجندي، تعرف حسن على صديقه ساكيب، "إنهم جيشنا! إنهم بوسنيون!"، كانت تضاريس بريزيك وعرة ومقسمة، ولم يدركا أنهما عبرا إلى أراضٍ تسيطر عليها البوسنة. ركضا نحو الجنود الذين أعطوهما خبزا. لقد نجوا.
الأعلام الفلسطينية كانت حاضرة في مسيرة السلام السنوية التي تقام تكريماً لضحايا إبادة سربرنيتسا..
أكثر من 6000 شخص يشاركون في مسيرة مدتها 3 أيام ويقطعون مسافة 100 كلم على طول طريق الهروب الذي سلكه الناجون من الإبادة التي حدثت للمسلمين في سربرنيتسا على يد القوات الصربية قبل 30… pic.twitter.com/3JpxW3bvF8
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) July 9, 2025
الناجونبعد أيام من الاختباء والهروب ومشاهدة الآخرين يُقتلون، عبَر أفديتش وبيكتيتش أيضا إلى مناطق تحت سيطرة جيش جمهورية البوسنة والهرسك. بعد أيام، اجتمع ميسيتش مجددا مع والديه في توزلا، بعد أن ظنوه ميتا.
كان أفديتش المصاب قد زحف عبر مناطق يسيطر عليها الصرب، مارًّا بقرى محترقة، وخنادق، ومقابر جماعية، قبل أن يصل إلى منطقة آمنة. وهناك، سكب عليه القرويون الماء فبكى لأول مرة، "حينها أدركت أنني نجوت".
أما بيكتيتش، فقد استقل حافلة من بوتوشاري إلى تيسكا، ومن هناك مشى ضمن قافلة مدنية إلى كلاداني، قرب توزلا.
قال "رغم أنني كنت ضمن قافلة طويلة، شعرت أنني وحيد تماما.. لكنني نجوت، وهذا يعني أنني يجب أن أتكلم".
في عام 2004، حكمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة أن ما جرى في سربرنيتسا إبادة جماعية، وأُدين الزعيمان الصربيان رادوفان كاراديتش وراتكو ملاديتش بالإبادة: كاراديتش في 2016 وملاديتش في 2017.
وفي 2007، اعترفت محكمة العدل الدولية بسربرنيتسا كفعل إبادة، ووجدت أن صربيا قد فشلت في منعها.
في غضون أيام قليلة خلال يوليو/تموز 1995، قُتل أكثر من 8000 رجل وصبي بوسني، ودفنت جثثهم في مقابر جماعية -كثير منها نُبش لاحقا- لإخفاء الجريمة. كما تم تهجير أكثر من 25 ألف امرأة وطفل من المدينة، ووفقا للجنة الدولية في البوسنة، تم اغتصاب نحو 25 ألف امرأة خلال الحرب، ويعتقد أن العدد الحقيقي أعلى بكثير، إذ أن الكثيرات لم يبلّغن بسبب وصمة العار.
في عام 2006، أصبحت البوسنة من أولى الدول التي تعترف قانونيا بضحايا العنف الجنسي في الحروب، أما الأطفال المولودون من جرائم اغتصاب الحرب، فلم يُعترف بهم قانونيا إلا في 2022. وحتى اليوم، لا تزال أكثر من 1000 عائلة تنتظر العثور على جثامين أحبائها لدفنهم. ويُدفن من يُعثر عليه في بوتوشاري.
توثيق المأساة
في بداية الألفية، أدلى أفديتش بشهادته في لاهاي خلال محاكمات مرتكبي الإبادة في سربرنيتسا، وكتب لاحقا كتابا مع شقيقته بعنوان "أنا الشاهد في لاهاي"، تمت ترجمته إلى الإنجليزية ويُترجم الآن إلى العربية.
فقد والده، وثلاثة أعمام، وعمّة، وثلاثة أبناء عم، والعديد من الأقارب، من عائلته المباشرة، نجت والدته تيما، وثلاث شقيقات، ولم يستعد الصور العائلية التي تركها في حقيبته، وهو اليوم، يعيش في سربرنيتسا.
أما ميسيتش فقد 4 من إخوته، منهم حسن وصفوت، اللذان كانا معه في الهروب، و24 من أقارب والدته. قُتل حسن لاحقا إثر انفجار لغم زرعته القوات الصربية، وعُثر على رفاته ودُفن في مقبرة بوتوشاري. أما صفوت، فلا يزال مفقودا حتى اليوم.
يعيش ميسيتش في سراييفو، ويعمل معلما للتاريخ والجغرافيا، ويأخذ طلابه كل عام إلى سربرنيتسا والنصب التذكاري في بوتوشاري.
أما بيكتيتش، ففقد نحو 10 من أقاربه، منهم والده رجب، الذي وُجد في مقبرة جماعية في كامينيكا- زفورنيك، وقُتل عمه، وابنا عمه اللذان كانا معه. يعيش اليوم في سراييفو، وهو مؤلف كتاب "فجرٌ وحيد"، تُرجم إلى الإنجليزية والتركية.