توازن دقيق بين الدبلوماسية والردع.. الكرملين بين مسودة السلام وضغوط الخطاب الغربي
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
البلاد – موسكو
في تصريح يعكس جدية تجاه المسار التفاوضي مع أوكرانيا، أعلن الكرملين أن العمل لا يزال جارياً على إعداد مسودة روسية لمذكرة سلام محتملة لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. هذا الإعلان، رغم ما يحمله من نبرة دبلوماسية، يأتي وسط تصاعد في الشكوك الغربية بشأن نوايا موسكو الحقيقية، وتعقّد المشهد السياسي الدولي بين دعوات التهدئة وتلويح بالعقوبات والردع.
المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أقر بأن المسودة لم تُقدم بعد، لكنه وصفها بـ”الوثيقة الجادة”، ما يشير إلى رغبة روسيا في الاحتفاظ بأوراق تفاوضية مفتوحة دون الدخول الفوري في التزامات واضحة. هذا النوع من الرسائل المزدوجة يعكس تقليدًا روسيًا في إدارة الملفات الحساسة، حيث يُستخدم الغموض المدروس كأداة ضغط وتكتيك تفاوضي في آنٍ واحد.
من جهة أخرى، تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأن بوتين “أصيب بالجنون التام”، تشكل جزءاً من تصعيد خطابي لا يخلو من الحسابات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، لكنها تضع موسكو أمام معضلة: كيف تستجيب لاتهامات تمس شخص الرئيس دون أن تفسد المناخ التفاوضي الهش. رد الكرملين، الذي وصف هذه التصريحات بأنها “عاطفية”، يعكس حرصاً على إبقاء باب الحوار مفتوحاً مع واشنطن، خاصة مع الدور الذي يلعبه ترامب في خلفية مفاوضات السلام، والذي أقر به بيسكوف نفسه.
وبينما تؤكد موسكو أن لا مصلحة لها في إطالة أمد الحرب، يشير العديد من المراقبين إلى أن خطوات مثل تبادل الأسرى – الذي تم بنجاح مؤخرًا بين الطرفين – تُستخدم كإشارات تهدئة أكثر من كونها مؤشرات على قرب الوصول إلى تسوية نهائية.
الواقع أن روسيا تدير هذا الملف بين مستويين: مستوى ميداني لا تزال فيه متماسكة استراتيجياً على الجبهات، ومستوى سياسي تحاول من خلاله كسب الوقت وإعادة تموضعها إقليميًا ودوليًا، خصوصاً في ظل تآكل الدعم الشعبي الغربي الطويل لأوكرانيا وتغير أولويات بعض الحكومات الأوروبية.
ولا تزال مسودة السلام الروسية غير واضحة المعالم، وربما ستظل كذلك لفترة، لكن الثابت أن موسكو تحاول إعادة صياغة شروط اللعبة السياسية عبر بوابة “المبادرة”، حتى وإن كان ذلك ضمن إطار تفاوضي مشروط وغير مضمون النتائج.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
الرصاصة لا تزال في جيب الدكتور مدبولي!
في مثل هذا اليوم – ذكرى نصر أكتوبر المجيد – وعلى مدى نصف قرن، اعتاد المصريون أن يشاهدوا فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي"، لكن هذا العام، لم تعد الرصاصة في جيب "محمد أفندي" بطل الفيلم، ولا في جيبي، ولا في جيبك… بل في جيب الدكتور مصطفى مدبولي!
الرصاصة التي في جيب رئيس الوزراء ليست خيالًا، ولا مجازًا، ولا مبالغة، ولا كناية، ولا استعارة أو تشبيه، بل هي قرار حقيقي يوشك أن يصدره: بزيادة أسعار البترول.
فعندما يخرج الدكتور مدبولي قلمه من جيبه ليوقّع هذا القرار، فإنه في الحقيقة يخرج رصاصة من جيبه ويُطلقها على الاسعار فتنفجر في وجه المصريين، ورصاصته تلك ستقتل البعض، وتحطم رأس البعض، وتمزق قلب البعض الآخر، وتحوّل حياة ملايين المصريين إلى جحيم لا ينتهي.
وليس السؤال هنا عن تفاصيل القرار أو نسب الزيادة، بقدر ما هو عن توقيته وأثره: فكيف يمكن لملايين الأسر التي تتنفس بصعوبة تحت ضغط الغلاء أن تتحمل رصاصة جديدة؟.. وبأي منطق تُحمّل الطبقة المتوسطة والفقيرة أعباء أخطاء مالية لم تصنعها؟
وبأي ضمير يُطلب من المواطن أن يدفع ثمن كل خلل في الموازنة؟
ثم هل عجزت عقول الوزراء ومعاونيهم ومساعديهم ومستشاريهم عن إيجاد حلول لعجز الموازنة بعيدًا عن جيوب المصريين؟
هل فكروا مثلًا في تقليل نفقات مكاتب الوزراء، أو خفض بدلاتهم، أو ترشيد مواكبهم، أو تقليص أعداد المستشارين، أو محاربة الفساد المالي والإداري في الوزارات والهيئات الحكومية، وهو ما سيوفر مليارات الجنيهات لموازنة الدولة؟
الحقيقة التي لا ينكرها أحد هي: أن الشعب المصري صبور حمول، ولا يرفض الإصلاح مهما كانت مرارته، ولكن ما يرفضه هو أن يكون الإصلاح على حساب الفقراء، أو أن تتحول دعاوى الإصلاح إلى دوامة لا نهاية تجرّ الأسر المستورة إلى بحور الفقر والعوز والمهانة.
وطوال عقد كامل من الزمان تحمّل المصريون تبعات دواء الإصلاح المر، ولم يعد في قوس الصبر منزع.
وقبل أن يطلق الدكتور مدبولي رصاصته أدعوه أن يقرأ ما شهدته مصر في واحدة من أصعب فترات تاريخها، وهي الفترة التي سبقت المعركة الفاصلة بين الجيش المصري وجيش المغول.
وقتها كان المغول قوة لا تُقهر؛ أسقطوا الدولة العباسية، واستولوا على إيران والعراق وسوريا، ولم يبق أمامهم سوى مصر.
وكانت مصر في وضع سياسي بالغ السوء؛ فالسلطان الصالح أيوب، آخر حكام الدولة الأيوبية، توفي، وتولت الحكم من بعده زوجته شجرة الدر فقُتلت، وتولى الحكم توران شاه ابن الصالح أيوب فقُتل هو الآخر، ثم تولى الحكم قطز، والبلاد غارقة في اضطرابات سياسية، والناس يعانون ضنك الحياة.
أراد "قطز" أن يفرض ضرائب على المصريين ليجهّز الجيش للتصدي للمغول.
كان المطلب منطقيًا ومقبولًا جدًا، لكن رجلًا عاقلًا حكيمًا اسمه" العز بن عبدالسلام "رفض وقال لـ "قطز": لا تفرض ضرائب على المصريين إلا بعد أن تأخذ أموال المماليك كلها لتجهّز بها الجيش، فإن لم تكفِ فحينها فقط افرض الضرائب على المصريين".
وهذا ما حدث، تم تجهيز الجيش من أموال المماليك، حتى أن بعضهم لم يعد يملك إلا منزله وحصانه وسيفه، ووقتها حقق المصريون نصرًا أسطوريًا على المغول الذين كانوا لا يُقهَرون.
فهل نتعلم شيئًا من هذه الواقعة التاريخية؟