ممالك النمل الطريق لفهم الذكاء عند الإنسان!
تاريخ النشر: 9th, June 2025 GMT
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
في مقالنا السابق تحدثنا عن مملكة النمل، ذلك العالم الصغير الذي يحمل في طياته أسرارًا عظيمة عن التنظيم والدقة، وكيف أن نظامه الفريد ينبع من تبادل المعلومات مع المحيط؛ فالنملة، رغم صغر حجمها، تعتمد في نشاطها اليومي على ما تلاحظه في محيطها الضيق، وليس لديها أي فكرة عن الصورة الأكبر التي نراها نحن كمراقبين؛ فالتنسيق الرائع الذي يبدو كلوحة مُتقنة لا يُدركه أي فرد من أفراد مملكة النمل بمفرده؛ بل هو نتاج تفاعل بسيط ومستمر بين آلاف النمل الذين يعملون كخلية واحدة متكاملة.
هذا النظام اللامركزي، الذي يُميِّز ممالك النمل، يكشف لنا سرًا مُهمًا حول المرونة والتكيُّف، فبدلًا من انتظار الأوامر من قيادة مركزية، يتصرف كل فرد بناءً على المعلومات التي يحصل عليها من محيطه المباشر، وهذا الأسلوب في التنظيم يسمح لهذه الممالك بالتأقلم مع بيئات مختلفة ومُتغيِّرة بسرعة، دون الحاجة إلى إدارة عُليا معقدة أو مركزية، ففي مواجهة تغيرات البيئة أو ظهور خطر مفاجئ، لا يتعين على النمل الانتظار حتى تصدر القيادة قرارًا؛ بل كل نملة تتصرف تلقائيًا بناءً على ما تلاحظه، إن هذا النظام اللامركزي يُشبه إلى حد بعيد طريقة انتشار الأخبار أو المعلومات في شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة؛ حيث ينتشر الخبر بسرعة ويؤثر على سلوك الأفراد دون الحاجة إلى سلطة مركزية.
علماء الطبيعة والمهندسون بدورهم، استلهموا من هذه الظاهرة دروسًا قيمة، فقد أدركوا أن النُظُم المُعقدة قد تنبني على قواعد بسيطة جدًا: مراقبة المحيط، والتفاعل معه، والتكيف بناءً على ما يُلاحظ.
وهذه العملية البسيطة في جوهرها، قادرة على حل مشكلات مُعقَّدة، حتى في غياب أي قيادة مركزية، وبناءً على هذه الأفكار، ابتكر باحثو جامعة هارفارد فريقًا من الروبوتات البسيطة نسبيًا، التي يمكنها التعاون والعمل الجماعي لأداء مهام معقدة باستخدام 3 قواعد بسيطة، معتمدين على الضوء بدلًا من المواد الكيميائية التقليدية، وقد أظهر هذا النظام مرونة فائقة؛ حيث استمر العمل بكفاءة حتى عندما توقف أحد الروبوتات عن العمل.
لكن، الإبداع الحقيقي لهؤلاء العلماء يكمن في ربط هذه الأفكار بآلية عمل الدماغ البشري، ذلك العضو العجيب الذي ما زال يحتفظ بأسرار لا تُحصى؛ فرغم الفوارق الظاهرة بين مملكة النمل والدماغ، رأى هؤلاء العلماء أن هناك رابطًا مُشتركًا بينهما، فكلاهما يملك نظامًا معقدًا يتكون من وحدات بسيطة تتفاعل مع بعضها لتنتج سلوكًا جماعيًا ذكيًا؛ ففي الدماغ، تتشابك الخلايا العصبية في شبكة مُعقَّدة من الاتصالات السريعة، ولا توجد جهة مركزية تأمر هذه الخلايا كيف تتصرف، وبدلًا من ذلك، تعتمد كل خلية على المعلومات التي تصلها من محيطها، لتقرر بدورها كيف تستجيب.
فعندما يسقط الضوء على شبكية العين، تُرسل الخلايا البصرية المعلومات التي وصلتها من المحيط عبر إشارات كهروكيميائية إلى الخلايا العصبية في الدماغ، والتي تقوم بدورها بإرسال رسائل إلى خلايا أخرى مجاورة؛ مما يخلق تكاملًا مذهلًا للمعلومات ويسمح باتخاذ قرارات فورية ومعقدة، فكل خلية عصبية تتبادل المعلومات مع خلايا أخرى عبر إشارات كهروكيميائية، وعندما تستقبل إشارة من خلية مجاورة، ترد بإرسال إشارات إلى خلايا أخرى مترابطة، وبهذا الشكل، تبدو العملية على المستوى الخلوي بسيطة للغاية، لكن على مستوى الدماغ ككل تتولد أعمال معقدة تفوق الوصف.
إنَّ هذا التشابه بين ممالك النمل والدماغ البشري يفتح أمامنا نافذة لفهم عميق، فقد يكون سر ذكاء الإنسان لا يكمن في تعقيد كل شبكة عصبية على حدة؛ بل في شبكة العلاقات المعقدة بين هذه الخلايا العصبية، التي تخلق ذكاءً جماعيًا يتفوق على مجموع أجزائه.
فهل دراسة الذكاء الجمعي في مُستعمرات النمل وفَهم آلياته هو الذي سيقودنا لفهم الذكاء عند الإنسان؟ وهل سر ذكاء الإنسان يكمُن في مُستعمرات النمل وممالكها؟!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المصريين الأحرار يتابع تصويت الشيوخ من الخارج عبر غرفة عمليات مركزية
في إطار الاستعدادات الوطنية لاستحقاق انتخابات مجلس الشيوخ المصري 2025، أعلن حزب "المصريين الأحرار" عن تفعيل غرفة عمليات مركزية لمتابعة التصويت بالخارج لحظة بلحظة، عبر أمانة المصريين بالخارج، التي تمثل واحدة من الركائز الثابتة منذ تأسيس الحزب.
وتضم الأمانة ممثلين نشطين في مختلف القارات، من أبرزهم: أحمد علي حسن في الخليج،نشأت وديع في الولايات المتحدة الأمريكية،مارك مجدي في أوروبا، وجميعهم يتابعون باستمرار قضايا الجاليات ويقومون بالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية والجهات المعنية لحل مشكلات المصريين في الخارج، فضلًا عن دورهم المحوري في توضيح الموقف المصري أمام الرأي العام الدولي.
وفي سياق العملية الانتخابية، أعلنت الأمانة عن خطة شاملة تتضمن:حث أبناء الجاليات في كل أنحاء العالم على المشاركة الفعالة في التصويت أيام الجمعة والسبت 1 و2 أغسطس، من الساعة 9 صباحًا وحتى 9 مساءً في مقار الممثليات الدبلوماسية.
توفير لوحات استرشادية داخل مقار السفارات بالتعاون مع الاتحاد العام للمصريين بالخارج، لتسهيل عملية التصويت.
وأضافت ، أنها إطلاق حملات إعلامية وإعلانية رقمية توضح طريقة التصويت الصحيحة، تُنشر على جميع منصات التواصل الاجتماعي، بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للانتخابات.
وأشارت إلى أن تشغيل غرفة عمليات خاصة بالحزب على مدار الساعة لمتابعة سير العملية الانتخابية، بالتنسيق مع وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج والاتحاد العام.
وأكدت الأمانة أن هذه الجهود تعكس إيمان الحزب العميق بحق كل مصري، داخل الوطن وخارجه، في ممارسة دوره الدستوري، مشددة على أن المشاركة في الانتخابات واجب وطني لا يُستهان به، ورسالة دعم لمسيرة الاستقرار والتنمية في مصر.