حين تخلّت الأمة عن مبدأ الولاية سقطت في قبضة الطاغوت
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
تحلّ علينا ذكرى الولاية، المناسبة التي تتجاوز طابعها التاريخي والديني لتلامس جوهر واقع الأمة اليوم في حاضرها الجريح والمثقل بالخذلان والهزائم.
في هذة الذكرى نعود إلى محطة مفصلية من تاريخ الإسلام حيث وقف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم ليعلن بوضوح وصراحة لا لبس فيها: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”.
إنها لحظة مفصلية في توجيه الأمة نحو المسار الذي يُفترض أن يحفظ لها كرامتها ويصون وحدتها ويؤسس لها نهجاً في القيادة قائماً على القيم الإلهية والاصطفاء الإلهي والكفاءة النادرة التي لا تُقارن.
ولكن ما أشد ما ابتعدت الأمة عن هذه اللحظة وما تمثله، لقد انحرفت بوصلتها وتركت ولاية الله التي هي ولاية رحمة وهداية ونور واختارت بدلاً عنها ولاية الطاغوت ولاية أمريكا وإسرائيل ولاية القهر والهيمنة والاستعباد.. وما النتيجة؟ هزيمة تلو هزيمة، ذلّ بعد ذلّ خضوع وانكسار وفقدان للقرار والسيادة حتى باتت الأمة الإسلامية برمّتها أو على الأقل أنظمتها الحاكمة أدوات طيعة في أيدي أعدائها خادمة لأهدافهم صامتة على جرائمهم بل ومبررة لها في كثير من الأحيان.
إن الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم ليست أزمة موارد أو جغرافيا أو حتى قوة عسكرية، بل هي قبل كل شيء أزمة قيادة وولاية. حين تُسلَّم الأمة لولاة أمر لا يمتلكون الحدّ الأدنى من صفات القيادة الحقيقية –لا علماً، ولا شجاعة، ولا حكمة، ولا زكاء، ولا كرامة– فلا يُنتظر منها إلا ما نراه اليوم: خنوع للعدو، وتآمر على القضايا الكبرى، وعجز تام عن اتخاذ أي موقف مشرّف.
انظروا إلى غزة، الجرح النازف في خاصرة الأمة، حيث يُذبح الأطفال وتُباد العائلات، بينما لا يسمع الفلسطينيون إلا بيانات الشجب الباردة، ومبادرات التهدئة المشبوهة، ومؤتمرات القمم التي تخرج بلا نتائج ولا كرامة.
إن ما يجري في غزة اليوم هو صورة فاضحة لانعدام الولاية الحقيقية في واقع الأمة، واستبدالها بولاية التبعية والارتهان.
وهنا نستحضر حديث الغدير، ليس كمجرد نص تراثي أو وثيقة تاريخية، بل كحقيقة متجذّرة ومجمع عليها من حيث الواقعة، ومؤيدة بأمهات الكتب والمصادر الإسلامية المعتبرة لدى مختلف المذاهب، ما يجعل من تجاهلها أو إنكارها خيانة معرفية ودينية. لقد مثّل الغدير إعلاناً لمبدأ إلهي في قيادة الأمة، بأن يكون من يلي أمرها هو الأعلم، الأزكى، الأشجع، الأكرم، الأعظم، من تتوفر فيه صفات القيادة الربانية، وليس من يلهث خلف رضا أمريكا أو يخضع لسطوة المال الخليجي، أو ينحني للعدو الصهيوني.
ذكرى الولاية، ليس مجرد ذكرى عابرة أو مناسبة طقوسية، بل هو دعوة متجددة لإعادة النظر في أصل الخلل. إنه نداء للعودة إلى ولاية الله ورسوله وأوليائه الصالحين، الذين يجعلون من مسؤولية القيادة أمانة ثقيلة لا تُعطى إلا لمن يستحقها، لا لمن يفرضه الخارج أو يشتريه المال أو تصنعه المؤامرات.
وفي ظل هذا الانحدار المرير الذي تعيشه الأمة، تبقى العودة إلى الولاية الحقيقية هي الخلاص الوحيد، فالولاية التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، هي وحدها القادرة على إعادة الأمة إلى موقعها الحضاري والروحي والتاريخي، ومواجهة أعدائها بثقة وعزة وكرامة.
في ذكرى الولاية، آن للأمة أن تسأل نفسها بصدق: إلى أين قادنا من اخترناهم؟ وماذا لو عدنا إلى من اختارهم الله لنا؟ وهل يمكن أن تنهض أمة يتولاها من لا يعرف معنى الولاية، ولا يسير على نهج النور؟
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
عيد الولاية عهدٌ يتجدد
يمانيون|بقلم|أم هاشم الجنيد
ليس العاشر من ذي الحجة وحده عيدًا للأمة، بل هناك عيد آخر لا يقل قداسة وسموًّا، هو عيد الولاية، يوم أتمّ الله فيه الدين وأكمل النعمة، وجعل ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب امتدادًا لرسالة النبي الخاتم، ومفتاحًا لبقاء الإسلام نقيًا من تحريف الطغاة.
في هذا اليوم العظيم، وعلى صعيد غدير خم، وقف النبي محمد صلوات الله عليه وآله، في مشهدٍ خالد، رافعًا يد علي، قائلًا: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، فكانت تلك اللحظة إعلانًا إلهيًا واضحًا بولاية الإمام علي، لا تحتمل التأويل ولا التزييف.
في اليمن، أرض الإيمان والحكمة، لم تكن هذه الولاية شعارًا يُردد فقط، بل عهدًا يُجدد في كل عام، وولاءً يسكن القلوب قبل الألسنة. لقد عرف اليمنيون آل بيت النبي، فآووهم ونصروهم، وحملوا على عاتقهم الدفاع عن نهجهم، وظلوا أوفياء لمدرسة الولاية رغم كل المحاولات الطامسة للحقيقة.
حاول أعداء آل البيت جاهدين أن يطمسوا هذا النهج، فكتبوا التاريخ بمداد التضليل، وغيّبوا الأحاديث، وبدّلوا المفاهيم، حتى نشأ جيلٌ لا يعرف من الولاية إلا اسمها، وابتعد عن جوهرها الرباني. لكن في اليمن، بقي صوت الغدير صادحًا، يتوارثه الأحرار جيلًا بعد جيل، ويتمسكون به في وجه الطغيان.
إن إحياء عيد الولاية ليس طقسًا شعبيًا، بل موقفًا إيمانيًا، وتعبيرًا عن ارتباط عميق بالإمام علي، الذي جمع بين العلم والشجاعة، وبين التقوى والعدل، وبين القيادة الربانية والرحمة النبوية. وما أحوج الأمة اليوم إلى هذا النهج العلوي، لتنجو من ظلام التيه والانقسام.
في تجديد اليمنيين لبيعتهم للإمام علي، تأكيد على أن المشروع المحمدي الأصيل لا يُمكن أن يُمحى، وأن راية الهدى ستظل مرفوعة ما دام في الأمة من يُحيي ذكرى الغدير، ويعي معناها، ويجعل منها نبراسًا للسير في درب النور.
فالولاية ليست قصة ماضية، بل عهدٌ يتجدد، وراية لا تنكسر، وصوتٌ باقٍ يعلو فوق كل محاولات التحريف والطمس… صوت يقول من كنت مولاه فهذا علي مولاه
ومن هذا العهد الخالد، تستمد اليمن قوتها وصمودها، فترى أبناءها في كل وادٍ وسهلٍ وجبلٍ يرفعون راية الولاية بإباء، وينادون بولائهم لأمير المؤمنين لا تملقًا ولا عادة، بل عن يقينٍ وبصيرة. يُحيون يوم الغدير لا كذكرى عابرة، بل كيومٍ تتجدد فيه البيعة للإمام، وتُجدد فيه العزيمة على التمسك بطريق الحق مهما عظمت التضحيات.
وإنه لأمرٌ لافتٌ أن نرى في اليمن، رغم الحصار والعدوان والمؤامرات، احتفالات يوم الغدير تُقام بزخم شعبي وإيماني كبير، يليق بعظمة المناسبة وبقداسة الموقف، في حين تغيب هذه الذكرى عن الكثير من ساحات الأمة، التي اختارت الصمت أو التجهيل.
فمنذ قرون، وأعداء آل البيت يشنّون حربًا على الولاية: يحجبون أحاديث الغدير، ويُقصون فضائل الإمام علي من المنابر، ويُفرغون الدين من روحه المرتبطة بالإمامة. ولكن رغم كل ذلك، بقيت الولاية حية في ضمير الأحرار، وكل من نهل من معين الفطرة والقرآن عرف أن لعلي مكانًا ليس كمكان، ودورًا ليس كأي دور.
اليمن اليوم، وهي تُجدد عهد الولاية، تُجدد أيضًا ولاءها لمحور الحق في مواجهة الطغيان العالمي، فالإمام علي لم يكن رمز عدالة فحسب، بل كان عنوان مقاومة ضد الباطل والظلم والانحراف. ومن سار على دربه، كان بالضرورة في صف المظلومين، ومنحازًا لقضايا الأمة العادلة، وعلى رأسها فلسطين، القضية التي لم تغب عن ضمير اليمنيين وقيادتهم الواعية.
إن عيد الولاية ليس فقط ذكرى الولاء لعلي بن أبي طالب، بل هو موقف ضد كل محاولات تغييب المشروع المحمدي، وضد كل قوى النفاق التي أرادت أن تفصل الإسلام عن روحه.
سيظل اليمن يكتب على جداره الإيماني نحن أبناء الغدير، وأحفاد الأنصار، وورثة عهد الولاية.
وسيبقى صوت الغدير في اليمن لا يُكتم، ونوره لا يُطفأ، مهما حاولت قوى الطمس والتزييف، لأن عهد الولاية… عهدٌ لا يموت، بل يتجدد في القلوب والميادين.