في خضم التوترات المتصاعدة التي تعصف بقطاع غزة منذ أشهر، برزت عدة مبادرات إنسانية وشعبية من مختلف دول العالم للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين المحاصرين تحت نيران العدوان الإسرائيلي المستمر. وكانت من بين هذه المبادرات قافلة "الصمود" القادمة من تونس، التي جذبت اهتماماً إعلامياً واسعاً، وأثارت الكثير من التساؤلات حول آلية دخول الوفود إلى المناطق الحدودية مع غزة عبر الأراضي المصرية.

في هذا السياق الحساس، أصدرت مصر بياناً دبلوماسياً واضحاً أوضحت فيه موقفها من هذه التحركات الإنسانية والشعبية، مؤكدة دعمها الثابت للقضية الفلسطينية، مع ضرورة الالتزام بالضوابط والسيادة الوطنية المصرية، خصوصاً في منطقة الحدود الحساسة في العريش ومعبر رفح.

لا عوائق أمام الدعم.. لكن وفق الآليات المنظمة

أكدت السلطات المصرية في بيان رسمي على أن أي وفود أو قوافل أجنبية ترغب في التوجه إلى المنطقة الحدودية المحاذية لغزة يتعين عليها الحصول على موافقات مسبقة وفقاً للآليات المنظمة المعمول بها منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع.

وأوضح البيان أن السبيل الوحيد لمواصلة السلطات المصرية النظر في مثل هذه الطلبات، هو التقدم الرسمي عبر السفارات المصرية في الخارج، أو من خلال السفارات الأجنبية بالقاهرة، أو عبر ممثلي المنظمات الدولية من خلال وزارة الخارجية المصرية.

وأشار إلى أن مصر بالفعل سبق وأن رتبت العديد من الزيارات الناجحة لوفود أجنبية، سواء كانت حكومية أو منظمات حقوقية وغير حكومية، في إطار من التنظيم والتنسيق الكامل مع الجهات المعنية.

رسالة الخارجية المصرية.. دعم كامل للحقوق الفلسطينية وجهود مستمرة لرفع المعاناة

وفي بيانها الصادر في هذا الشأن، رحبت وزارة الخارجية المصرية بكافة المواقف الدولية والإقليمية، الرسمية والشعبية، التي تعبر عن تضامنها مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وترفض الحصار الإسرائيلي والانتهاكات المستمرة بحق أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة.

وأكدت الوزارة أن مصر تتحرك على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والإنسانية من أجل وقف العدوان الإسرائيلي ورفع الكارثة الإنسانية عن المدنيين الفلسطينيين. وأوضحت أن القاهرة تبذل جهوداً يومية، سواء عبر الاتصالات مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، أو من خلال المساعدات الإنسانية التي تنقل باستمرار إلى قطاع غزة عبر معبر رفح.

القاهرة.. دعم ثابت وموقف متزن

الدكتور سامي محمد عبدالعال، أستاذ القانون الدولي، أوضح في تصريحات خاصة أن مصر تمكنت من صياغة معادلة دقيقة تجمع بين احترام المشاعر العربية النبيلة تجاه فلسطين وبين الحفاظ على أمنها القومي وسلامة الزوار الأجانب، خصوصًا في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر.

وأكد عبدالعال أن الضوابط التي وضعتها الحكومة المصرية لا تهدف إلى عرقلة التضامن مع فلسطين، بل تنطلق من التزامات مصر الدولية، ومسؤولياتها في ضبط النشاطات داخل أراضيها، لاسيما في المناطق الحدودية الحساسة.

القانون الدولي والالتزام بالسيادة

وأوضح عبدالعال أن مصر تتعامل مع هذه التحركات من منطلق قانوني بحت، حيث أن القانون الدولي يحتم على الدول تنظيم أي نشاط على أراضيها بما يضمن سيادتها ويحفظ أمنها. وأشار إلى أن ما تقوم به القاهرة هو تجسيد عملي لمبادئ السيادة والأمن القومي كما وردت في ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما في ظل البيئة الأمنية المعقدة التي تمر بها المنطقة.

نموذج يُحتذى به في دعم فلسطين

وأشاد عبدالعال بالدور المصري، معتبراً أن القاهرة تقدم نموذجًا متقدمًا في كيفية دعم القضية الفلسطينية دون المساس بالمسؤوليات الوطنية والدولية. ولفت إلى أن هذا التوازن يعطي الموقف العربي مصداقية أقوى في المحافل الدولية، ويمكّنه من مواجهة الرواية الإسرائيلية المدعومة بآلة إعلامية وسياسية قوية.

التنسيق العربي.. ضرورة لا خيار

وأكد عبدالعال أن المرحلة الحالية تتطلب تنسيقًا عربيًا أكبر في دعم فلسطين، موضحًا أن العمل المنفرد لم يعد كافيًا في ظل تعقيدات المرحلة، وأن العمل الجماعي الموحّد هو السبيل الأنجح لتحقيق نتائج مؤثرة على الصعيدين السياسي والإعلامي.

اللواء سمير فرج: لا استثناء في المناطق الحساسة أمنياً

من جهته، علّق اللواء سمير فرج، المفكر الاستراتيجي المعروف، على الجدل الدائر بشأن زيارة قوافل التضامن الأجنبية إلى الحدود مع غزة، مشيراً إلى أن هذه المناطق الحدودية تعتبر مناطق شديدة الحساسية من الناحية الأمنية، ما يتطلب الحصول على تصاريح أمنية مسبقة من الأجهزة السيادية المصرية، وفي مقدمتها المخابرات الحربية والقوات المسلحة.

وأوضح فرج أن هذه الإجراءات ليست قاصرة على مصر فقط، بل تطبقها جميع الدول في العالم لحماية حدودها وسيادتها الوطنية، وهو أمر متعارف عليه في القانون الدولي.

واعتبر فرج أن بيان وزارة الخارجية المصرية جاء متوازناً للغاية، حيث جمع بين احترام مشاعر التضامن الشعبي العربي والدولي مع الفلسطينيين، وبين حماية الأمن القومي المصري بكل ما يتطلبه من إجراءات احترازية وتنظيمية.

الموقف المصري.. استراتيجية ثابتة وعقلانية

تؤكد التصريحات والتحليلات المختلفة أن الموقف المصري حيال غزة والقضية الفلسطينية ليس وليد اللحظة أو محكوماً بردود الأفعال الآنية، بل يستند إلى عقيدة استراتيجية ثابتة تقوم على دعم الحقوق الفلسطينية المشروعة، وفي الوقت ذاته صيانة الأمن القومي المصري باعتباره مسؤولية لا يمكن التفريط بها تحت أي ظرف.

فمصر لا ترى في التضامن مع غزة مجرد عمل إنساني أو عاطفي، وإنما التزاماً تاريخياً واستراتيجياً نابعاً من دورها الإقليمي كدولة محورية في المنطقة، تعمل وفق رؤية متكاملة توازن بين مناصرة الحقوق الفلسطينية واحتواء المخاطر الأمنية التي قد تترتب على التحركات غير المنظمة أو العشوائية.

طباعة شارك مصر القاهرة غزة تونس الخارجية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مصر القاهرة غزة تونس الخارجية المناطق الحدودیة الخارجیة المصریة القانون الدولی إلى أن أن مصر

إقرأ أيضاً:

الغرفة التجارية تشيد ببيان الخارجية المصرية بشأن ضوابط زيارة الحدود مع غزة

أكد أيمن العشري، عضو الأمانة المركزية للتجارة والصناعة بحزب الجبهة الوطنية ، أن الأمن القومي المصري خط أحمر لا يجوز المساس به أو التهاون بشأنه، مشددًا على أن أي مبادرات لدعم الأشقاء الفلسطينيين يجب أن تتم في إطار منظم وتحت إشراف الجهات الرسمية المصرية.

وأشار العشري في بيان له اليوم،إلى أهمية الضوابط التي أعلنتها وزارة الخارجية المصرية بشأن تنظيم الزيارات إلى المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة، والتي تتطلب التنسيق المسبق مع الجهات المختصة والحصول على الموافقات الرسمية قبل القيام بأي زيارة، موضحا  أن الهدف من هذه الإجراءات ليس التضييق، بل الحفاظ على الأمن وسلامة الزائرين، خاصة في ظل الأوضاع الدقيقة والمعقدة التي تشهدها تلك المنطقة منذ بداية الأزمة في غزة.

الغرف التجارية: احتياطي السلع الغذائية يكفي 9 أشهر والأسعار مستقرةالغرف التجارية بقطاع غزة: نثق بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي أثبتت مهنيتها بإدارة الأزمات رغم العراقيل

وأضاف العشري أن ما أعلنته وزارة الخارجية يندرج في صميم أعمال السيادة الوطنية، وهو أمر طبيعي في ظل التحديات الإقليمية والظروف الاستثنائية التي فرضها العدوان على غزة، رافضًا في الوقت ذاته أي مزايدات أو تشكيك في الموقف المصري التاريخي والثابت في دعم القضية الفلسطينية.

وأكد عضو حزب الجبهة الوطنية  أن مصر تتحرك على كافة المستويات، سواء في إدخال المساعدات الإنسانية أو استقبال الجرحى، إلى جانب الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تبذلها لوقف العدوان وإعادة إعمار القطاع.

 كما شدد على أن تنظيم حركة المرور والعبور في المناطق الحدودية هو حق سيادي أصيل للدولة المصرية، وفقًا للقانون الدولي، وهو ما يضمن الحفاظ على الأمن القومي في مواجهة التحديات المتزايدة.

وأعرب العشري عن اعتزازه بالموقف المصري الراسخ والداعم للشعب الفلسطيني، والذي يرفض الحصار والتجويع والانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة، ويقف إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في كافة المحافل الدولية والإقليمية، رسميًا وشعبيًا.

وفي ختام تصريحه، أشاد العشري بالحكمة التي تدير بها القيادة السياسية المصرية المشهد في ظل محاولات التشويه والمزايدة، داعيًا الشعب المصري وكافة القوى السياسية إلى التكاتف والاصطفاف خلف القيادة السياسية والمؤسسات الوطنية، من أجل الحفاظ على وحدة الصف الوطني في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة.

طباعة شارك أيمن العشري الغرفة التجارية بالقاهرة الأمن القومي المصري اخبار مصر مال واعمال بيان وزارة الخارجية

مقالات مشابهة

  • NIO تؤكد التزامها بدعم المبتكرين الشباب عبر شراكة تعليمية مع “جيمس للتعليم” في مسابقة “فورمولا 1 المدارس”
  • والي الخرطوم أحمد عثمان: عودة الكهرباء في المناطق التي تشهد إظلاماً كاملاً يأتي على رأس الأولويات
  • الغرفة التجارية تشيد ببيان الخارجية المصرية بشأن ضوابط زيارة الحدود مع غزة
  • مجدي مرشد: بيان الخارجية يعكس حرص مصر على حماية أمنها القومي بالتوازي مع التزامها التاريخي بدعم الفلسطينيين
  • خارجية النواب تطالب باحترام الإجراءات التنظيمية المعتمدة من الدولة المصرية بشأن زيارة المنطقة الحدودية
  • الأحزاب المصرية تثمن بيان الخارجية حول الضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية
  • رئيس اتحاد المحامين العرب يدعم موقف الخارجية المصرية بشأن زيارة الحدود مع غـزة
  • حاتم باشات: بيان الخارجية حول ضوابط زيارة المنطقة الحدودية لغزة جاء في التوقيت المناسب
  • مصر تؤكد دعمها للحقوق الفلسطينية وتوضح ضوابط زيارة الوفود الأجنبية للمنطقة الحدودية مع غزة