أزمة خور عبدالله تتصاعد.. جهات محلية تدعم وخارجية تضغط
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
أزمة خور عبدالله تتصاعد.. جهات محلية تدعم وخارجية تضغط.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق الانتخابات القمة العربية أحمد الشرع نيجيرفان بارزاني سجن الحلة محافظة البصرة الدفاع بابل بغداد دهوك اقليم كوردستان اربيل المياه السليمانية اربيل بغداد انخفاض اسعار الذهب اسعار النفط أمريكا إيران اليمن سوريا دمشق دوري نجوم العراق كرة القدم العراق أهلي جدة النصر الكورد الفيليون مندلي احمد الحمد كتاب محسن بني ويس العراق الحمى النزفية غبار طقس الموصل يوم الشهيد الفيلي خانقين الانتخابات العراقية
إقرأ أيضاً:
الاستعمار الداخلي.. حين يتحول الوطن إلى سجن بأيدٍ محلية
حين انسحبت الجيوش الأجنبية من معظم الدول العربية في منتصف القرن العشرين، عمّت الاحتفالات وامتلأت الشوارع بأعلام الاستقلال. اعتقدت الشعوب أن صفحة الاستعمار قد طُويت إلى الأبد، وأن زمن القهر والهيمنة قد انتهى. لكن سرعان ما اكتشفت أن الاستقلال كان في كثير من الحالات شكليًا، وأن المحتل الأجنبي ترك وراءه نظامًا جاهزًا لمواصلة مهمته… ولكن هذه المرة بأيدٍ محلية.
هذا هو ما يسميه الباحثون بـ "الاستعمار الداخلي": حالة تستولي فيها نخبة صغيرة ـ سواء كانت عسكرية أو طائفية أو قبلية أو تحالفًا من النخب السياسية والاقتصادية ـ على مؤسسات الدولة، وتحتكر السلطة والثروة، وتقصي الأغلبية من أي مشاركة حقيقية. هذه النخبة قد تشترك مع الشعب في اللغة والدين والانتماء الجغرافي، لكنها تتصرف كما لو كانت قوة غريبة، همها الأول حماية امتيازاتها حتى لو كان الثمن هو إفقار المجتمع أو تقسيمه.
اقتصاديًا، تُحتكر الثروات وتوزع عبر شبكات الولاء، في حين يُهمَّش الإنتاج الصناعي والزراعي لصالح الاقتصاد الريعي، ما يخلق فجوة هائلة بين النخبة الغنية والأغلبية الفقيرة. اجتماعيًا، تتعمق الانقسامات القبلية والطائفية، ويضعف الشعور بالمواطنة المشتركة، في حين تتآكل الطبقة الوسطى التي تعد أساس الاستقرار.ورغم أن شكله الظاهري يبدو محليًا، فإن الاستعمار الداخلي في كثير من الأحيان امتداد غير معلن للاستعمار الخارجي أو بديل عنه. فالقوى التي انسحبت عسكريًا تركت خلفها أنظمة ونخبًا سياسية مرتبطة بمصالحها، لتواصل دور الوكيل في حماية تلك المصالح مقابل البقاء في السلطة. وبهذا، يتحول الحاكم المحلي إلى أداة تخدم أجندات خارجية بغطاء وطني، فيصبح الاستعمار الداخلي حلقة جديدة في سلسلة السيطرة الأجنبية ولكن بوسائل أكثر تمويهًا.
خطورة هذا النوع من الاستعمار تكمن في أنه يرتدي قناع الوطنية. ففي حين أن الاستعمار الخارجي عدو ظاهر يمكن توحيد الصفوف لمواجهته، فإن الاستعمار الداخلي يختبئ خلف شعارات التحرير والتنمية، ويتحدث باسم الشعب، ويستفيد من الانقسامات الطائفية أو القبلية ليبقى في الحكم. وغالبًا ما يستخدم مؤسسات الدولة نفسها ـ الجيش، والأمن، والقضاء، والإعلام ـ لقمع أي معارضة، فيصبح من الصعب فصله عن "الدولة" في نظر كثيرين.
تشهد المنطقة العربية أمثلة متعددة على هذا النمط من الحكم. في السودان، أدى تهميش أقاليم مثل دارفور وجنوب السودان إلى نزاعات وانقسام.
في العراق، تحولت مؤسسات الدولة بعد 2003 إلى أدوات محاصصة طائفية أضعفت الخدمات رغم الثروة النفطية.
في لبنان، جعل نظام المحاصصة الطائفية الزعامات التقليدية أقوى من الدولة.
في مصر، تمددت المؤسسة العسكرية في السياسة والاقتصاد مع تضييق المجال العام.
في سوريا، هيمنت سلطة عائلية وأمنية اعتمدت على الولاءات الطائفية وقمعت أي معارضة بعنف دموي.
في ليبيا، حكم الفرد المطلق أحكم قبضته على الثروة النفطية من خلال أجهزة أمنية مغلقة.
أما حركة فتح، فقد تحولت من مشروع تحرري إلى سلطة حكم ذاتي متهمة بالفساد وتهميش المقاومة، ما جعلها نموذجًا لاستعمار داخلي مرتبط بواقع الاحتلال الخارجي.
الاستعمار الداخلي هو في جوهره احتلال متخفٍ في ثوب الوطنية، يفرغها من معناها بينما يرفع رايتها. والشعوب التي أسقطت المستعمر الأجنبي قادرة على إسقاط هذا الشكل الأخطر، متى أدركت أن الحرية تُنتزع انتزاعًا، وأن الدفاع عن الوطن يبدأ بتحريره من سلطة أبنائه الذين تحولوا إلى جلاديه.النتائج المترتبة على هذا الواقع عميقة وخطيرة.
سياسيًا، يستمر الحكم الاستبدادي لعقود طويلة بلا تداول حقيقي للسلطة، ويجري تقييد حرية التعبير والعمل الحزبي والنقابي.
اقتصاديًا، تُحتكر الثروات وتوزع عبر شبكات الولاء، في حين يُهمَّش الإنتاج الصناعي والزراعي لصالح الاقتصاد الريعي، ما يخلق فجوة هائلة بين النخبة الغنية والأغلبية الفقيرة. اجتماعيًا، تتعمق الانقسامات القبلية والطائفية، ويضعف الشعور بالمواطنة المشتركة، في حين تتآكل الطبقة الوسطى التي تعد أساس الاستقرار.
ثقافيًا، يُعاد تشكيل الوعي العام من خلال إعلام ومناهج تعليمية تخدم السلطة، وتُشوَّه الذاكرة التاريخية لحجب أي نماذج ملهمة للمقاومة أو الديمقراطية.
ومع ذلك، فإن الاستعمار الداخلي ليس قدرًا محتومًا. فمواجهته تبدأ بالوعي به وبكشف طبيعته، وبالفصل بين الوطن كقيمة عليا والدولة كجهاز يمكن أن يُختطف. يتطلب الأمر إعادة بناء مؤسسات الحكم على أسس مهنية شفافة، وتوزيع الثروة بعدل، وجعل التعليم والصحة حقوقًا مصانة لا امتيازات تمنحها السلطة. كما أن تمكين المجتمع المدني والإعلام المستقل، وتوحيد الصفوف حول مشروع وطني جامع، هي خطوات أساسية على طريق التحرر الحقيقي الذي يُكمل معنى الاستقلال.
فالاستعمار الداخلي هو في جوهره احتلال متخفٍ في ثوب الوطنية، يفرغها من معناها بينما يرفع رايتها. والشعوب التي أسقطت المستعمر الأجنبي قادرة على إسقاط هذا الشكل الأخطر، متى أدركت أن الحرية تُنتزع انتزاعًا، وأن الدفاع عن الوطن يبدأ بتحريره من سلطة أبنائه الذين تحولوا إلى جلاديه.