نجح فريق من الباحثين في جامعة لودفيغ ماكسيميليان الألمانية في إعادة محاكاة بيئة الأرض العتيقة داخل المختبر، مما أتاح لهم إعادة تمثيل أحد أقدم المسارات الأيضية التي يُعتقد أنها أسهمت في تكيف الحياة على كوكب الأرض قبل نحو 4 مليارات سنة. وقد نشر الفريق نتائج دراسته في دورية "نيتشر إيكولوجي أند إيفوليوشن".

ويعتقد أن أول صور الحياة انتشارا على سطح الأرض كانت في أعماق المحيطات، وسط بيئة ساخنة وغنية بالمعادن، وتقول مي مبروك، أستاذة برنامج المعلوماتية الحيوية بجامعة النيل المصرية وهي غير المشاركة في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت إن هذه الدراسة تقدم دليلًا عمليا على أن صور الحياة الأولى على الأرض ربما لم تحتج للضوء أو الأكسجين.

صورة تُظهر تراكم خلايا بكتيريا الميثان الأحمر المغلي على جزيئات كبريتيد الحديد (فينيسا هلمبرشت) محاكاة بيئة الأرض العتيقة

لإعادة تمثيل هذه البيئة، اعتمد الباحثون على ما تعرف بـ"الحدائق الكيميائية"، وهي تراكيب معدنية تتشكل عند تفاعل محاليل كيميائية مختلفة، وقد استخدم الفريق مزيجًا من كلوريد الحديد وكبريتيد الصوديوم لتشكيل معدنين يعتقد أنهما كانا شائعين في محيطات الأرض القديمة، وهما الماكيناويت والغرايغيت.

تقول مي "ركزت التجربة على محاكاة بيئة المحيطات العميقة في الأرض القديمة، التي كانت غنية بالحديد، وخالية من الأكسجين، ودرجة حرارتها مرتفعة بفعل النشاط البركاني والينابيع الحارة".

وفي بيئة خالية من الأكسجين وبدرجة حرارة تقارب 80 درجة مئوية، بدأت هذه المعادن في إنتاج غاز الهيدروجين بشكل طبيعي. هذا الغاز، الذي لم يكن مسؤولًا عن إنتاجه أي كائن حي، قد شكّل مصدر طاقة حيوية لبكتيريا بدائية تُعرف باسم "ميثانوكالدوكوكس جاناشي" أو بكتيريا الميثان الأحمر المغلي.

رغم أن التجربة لم تتضمن أي مغذيات إضافية أو فيتامينات أو معادن أثرية، فإن البكتيريا المستخدمة، التي تعيش عادة في ظروف قاسية، لم تكتف بالبقاء فقط، بل نمت وتكاثرت. تعلق مي مبروك "هذا يعني أن الهيدروجين الناتج عن المعادن كان كافيًا لتزويدها بالطاقة اللازمة".

إعلان

لكن، لم تكن الأمور سهلة، فمع تسخين السوائل تشكلت فقاعات غازية تسببت في انهيار التراكيب المعدنية. تضيف مي "نمو البكتيريا كان أبطأ بنسبة 30% مقارنة بالنمو في بيئة مخبرية مثالية تحتوي على كل المغذيات. ومع ذلك، يعتبر مجرد نمو البكتيريا في بيئة تفتقر للعناصر الحيوية أمرا مذهلًا، ويُظهر أن الحياة قد تنشأ في ظروف صعبة وبموارد محدودة".

لإعادة تمثيل هذه البيئة، اعتمد الباحثون على ما تعرف بـ"الحدائق الكيميائية" (فينيسا هلمبرشت) المسار الأيضي الأقدم

تكمن الأحجية الأساسية في هذه التجربة في المسار الأيضي الذي استخدمته تلك البكتيريا لتوليد الطاقة اللازمة لنموها. فكما تسير السيارات بالبنزين، تعتمد غالبية الكائنات الحية التي تعيش على ظهر الأرض في الوقت الحالي على الأكسجين والضوء. لكن في غياب كليهما في بيئة الأرض العتيقة، يتعقّد اللغز ويظهر السؤال: كيف تمكنت البكتيريا من مد نفسها بالطاقة بالهيدروجين؟

في ظل تلك الظروف القاسية في التجربة، فعّلت البكتيريا مجموعة من الجينات بداخلها مرتبطة بمسار كيميائي حيوي هو أحد أقدم المسارات المعروفة لإنتاج الطاقة في الخلية.

وتقول مي مبروك "التعبير الجيني أعطى أدلة قوية على تنشيط المسار البدائي. الجينات المرتبطة بمسار "أسيتيل كو إنزيم أ" كانت أكثر نشاطًا في البيئة المحاكية مقارنة بالبيئات الأخرى حتى تلك المثالية للنمو، مما يشير إلى أن المعادن ساعدت في تحفيز هذا المسار الحيوي".

يُنتج هذا المسار الطاقة بطريقة طاردة للحرارة، أي أنه يولد الطاقة دون الحاجة إلى مدخلات خارجية، وهي ما يصفها العلماء بـ"وجبة مجانية مدفوعة الثمن مسبقًا". المعادن نفسها، الماكيناويت والغرايغيت، تُشبه من الناحية التركيبية مراكز التفاعل في بعض الإنزيمات الحديثة، مما قد يشير إلى أن الإنزيمات الحالية قد نشأت من تراكيب معدنية طبيعية وجدت في بيئة الأرض العتيقة.

تضيف مي مبروك "هذا المسار قادر على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى طاقة ومركبات عضوية".

ولا تقتصر أهمية هذه الدراسة على إعادة فهم أقدم صور الحياة على الأرض فحسب، بل تمتد إلى الفضاء. تقول مي "تشير الدراسة إلى أن البيئات الغنية بمعادن الكبريتيد الحديدي والمياه، مثل تلك التي يُعتقد بوجودها على قمر إنسيلادوس، قد تكون مؤهلة لدعم الحياة حتى في غياب الضوء".

إذ يُعد القمر "إنسيلادوس"، التابع لكوكب زحل، من أبرز الأماكن التي قد تحتوي على بيئات مشابهة، حيث يُعتقد أن تحت سطحه الجليدي محيطًا مالحًا نشطًا حراريا. ويخطط الفريق البحثي لمحاكاة ظروف هذا القمر في المختبر للكشف عن قدرة الكائنات البدائية على البقاء فيه، في خطوة جديدة نحو استكشاف الحياة خارج كوكبنا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی بیئة

إقرأ أيضاً:

ننشر تقرير الطب الشرعي لوفاة متهم داخل حجز مصر القديمة

حصل موقع صدى البلد على نص التقرير الطبي الخاص بمتهم محجوز على ذمة التحقيقات، لقي مصرعه على يد 3 متهمين داخل حجز قسم شرطة مصر القديمة.

بطلها 3 محبوسين .. تفاصيل مروعة لوفاة محتجز بالقسم في مصر القديمةتعـ.ذيب في الحجز.. ننفرد بنشر أمر إحالة 3 متهمين عذبوا آخر داخل قسم مصر القديمة

ثبت من تقرير الطب الشرعي أن الجثة تحمل آثار كدمات وسحجات متعددة في الوجه والرأس والأطراف والظهر والصدر، بالإضافة إلى علامات تقييد حول الرسغين، كما أظهر التشريح وجود أوديمـا بالمخ (تورم دماغي) أدى إلى الضغط على المراكز الحيوية بالمخ، ما تسبب مباشرة في الوفاة.

فيما أثبت تقرير المعامل الطبية وجود نزيف داخلي، واحتقان شديد بالنسيج العصبي، وبؤر نزفية في المخ، تؤكد جميعها أن الوفاة جاءت نتيجة الضرب المبرح والاحتجاز القسري في بيئة غير آدمية.

الشهادات

أكد عدد من نزلاء الحجز أنهم شاهدوا واقعة التعدي، وقدموا وصفًا دقيقًا لما تعرض له المجني عليه، كما أدلى مفتش مباحث فرقة مصر القديمة بشهادته حول تحريات سرية تؤكد مسؤولية المتهمين عن الاعتداء.

وجاءت شهادة الطبيبة الشرعية لتؤكد تطابق الإصابات مع أدوات الجريمة، مثل الخواتم المدببة والحزام الجلدي.

أكدت النيابة أن الواقعة ليست مجرد مشاجرة داخل الحجز، بل جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار، خطط لها المتهمون ونفذوها بصورة تنم عن نية الإيذاء المفضي إلى الموت، مستخدمين أدوات لا يجيز القانون حيازتها في أماكن الحجز.

 تعود تفاصيل الجريمة إلى يوم 19 أبريل 2024، حين كان المجني عليه، هاني جمال الدين عبد الرحمن، محبوسًا احتياطيًا داخل قسم شرطة مصر القديمة. 

ووفقًا لما جاء في أقوال الشهود وتحريات المباحث، فإن المتهمين الثلاثة: محمود م (27 عامًا)، و أحمد ض. (31 عامًا – مالك مقهى)،إبراهيم س (21 عامًا – عامل)، قاموا بالتعدي على المجني عليه بالضرب المبرح، مستخدمين أيديهم، وأدوات مثل حزام جلدي وحبل، وأجبروه على الصعود إلى منطقة ضيقة سيئة التهوية داخل غرفة الحجز تُعرف باسم "الصندرة".

 صفع على وجهه 

بدأ الاعتداء بقيام أحد المتهمين بصفع المجني عليه على وجهه، ليتبعه المتهم الرئيسي بتوجيه لكمات وضربات عنيفة على وجهه ورأسه وصدره، بينما كان يرتدي خاتمين معدنيين في يديه، ما تسبب في إصابات جسيمة، ثم تم تكبيل يديه من قبل المتهمَين الآخرين، واستُخدم الحزام الجلدي في ضربه بشكل متكرر.

احتجاز في “الصندرة”

أمر المتهم الأول بإيداع المجني عليه في "الصندرة" – وهي مساحة علوية داخل الغرفة، ضيقة ومزدحمة وسيئة التهوية – وترك فيها مقيدًا بالحبل، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية، وبعد أن خارت قواه، أعيد إلى الأرض مرة أخرى وترك أمام المرحاض، حتى استغاث باقي المحتجزين بالشرطة، ليتم نقله في حالة حرجة إلى المستشفى، حيث فارق الحياة متأثرًا بإصاباته.

طباعة شارك التقرير الطبي حجز قسم شرطة مصر القديمة جريمة مصر القديمة اخبار الحوادث

مقالات مشابهة

  • سحب دواء سعال شهير للأطفال في أمريكا.. البكتيريا الملوثة تهدد صحة الصغار!
  • زراعة الخلايا الجذعية في ”تخصصي الرياض“.. نجاح يفوق الـ 95%
  • محافظ البحر الأحمر: محطة اليُسر للمياه ستعود لكامل طاقتها خلال شهر
  • ورشة عمل في حلب تناقش مخطط التعافي بالمدينة القديمة
  • سيف بن زايد: الإمارات تتبنى تهيئة بيئة رقمية متكاملة لتعزيز جودة الحياة
  • عقوبة رادعة لـ 3 متهمين تسببوا في وفاة شخص داخل قسم شرطة مصر القديمة
  • صيد الخيول في العصور القديمة يتحدى تصوراتنا عن السلوك البشري «الحديث»
  • رومانوس من معراب: تم تصحيح المسار الانتخابي في جزين
  • ننشر تقرير الطب الشرعي لوفاة متهم داخل حجز مصر القديمة