وأن خطة احتوائها عبر العدوان الجوي الأخير لم تُحقق أهدافها. بل على العكس، فإن ردود فعل محور المقاومة، وحالة الاستنفار الإقليمي، والإشارات الأمنية والسياسية العديدة، وضعت الولايات المتحدة في موقف دفاعي أمام رأيها العام ورأي حلفائها.

إن التصريحات الرسمية في طهران حول إدراج مسألة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي على جدول أعمال البرلمان، بالإضافة إلى نية إغلاق مضيق هرمز، تحمل رسائل متعددة؛ مفادها أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام المطالب التي تُفرض بالضغط العسكري.

وإذا اتُخذ قرار الانسحاب من المعاهدة، فسيكون هذا الإجراء نقطة تحول استراتيجية تُنهي النهج التقليدي للمفاوضات، وتُعيد صياغة معادلة الردع النووي الإقليمي. ميدانيًا، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية أن الغارات الجوية الأمريكية لم تُسفر عن تسرب إشعاعي نووي، وهو ادعاء يُفنّد تمامًا الرواية الدعائية الأمريكية بأن المنشآت النووية الإيرانية تُشكّل تهديدًا عالميًا.

كما كُشف أن منشأة فوردو لم تُدمّر بالكامل، وأن مواد حساسة نُقلت سابقًا إلى مواقع آمنة، مما يُشير إلى جاهزية إيران الاستخباراتية واللوجستية العالية لمواجهة أي هجوم. على صعيد محور المقاومة، كانت تصريحات محمد البخيتي من اليمن بالغة الدلالة، إذ اعتبر أن توقيت الرد اليمني مرتبط بالقرار المركزي الإيراني.

ويُظهر هذا التنسيق الميداني أن طهران تُدير المعركة من داخل غرفة عمليات مشتركة، وأن الرد ليس انفعاليًا، بل جزء من معركة أكبر لإعادة التوازن الاستراتيجي للمنطقة. إن تجمع آلاف الأشخاص في ساحة الثورة بوسط طهران، دعماً للقيادة ومقاومة العدوان، يُظهر فهماً شعبياً لحجم المعركة. هذا الحضور الجماهيري الحاشد يُكمّل الرد العسكري والسياسي، ويبعث برسالة واضحة، محلياً ودولياً، مفادها أن إرادة الشعب الإيراني لن تُكسر بالتهديدات أو الضغوط.

إن ارتباك العواصم الأوروبية ودعوتها السافرة لإيران لعدم الرد يكشفان ازدواجية معايير الغرب؛ إذ يتجاهلون العدوان الأمريكي ويدعون الضحية إلى ضبط النفس. من ناحية أخرى، تشير التقارير المسربة عن مخاوف حلفاء الخليج ورفع مستوى التأهب إلى أن منطقة الخليج لم تعد ساحة خلفية لواشنطن، بل أصبحت تحت مظلة معادلة الردع الإيرانية.

تشير تقارير إعلامية غربية من داخل النظام الغاصب إلى أن الضربات الصاروخية الإيرانية وصلت إلى مراكز المدن، بل إن وسائل الإعلام العبرية تُقرّ بعجز القنابل الأمريكية عن تدمير البرنامج النووي الإيراني، حتى لو استمرت الهجمات لمدة عام آخر. تكشف هذه الاعترافات عن فشل الرهان على الحل العسكري، وتُظهر أن طهران لا تزال تحتفظ بزمام المبادرة.

من جهة أخرى، فإن الدعم الحاسم وغير المسبوق من قبل حزب الله اللبناني لموقف إيران، يوضح وحدة الجبهة الشمالية لمحور المقاومة، وهذا مؤشر على أن الرد الإيراني لن يكون معزولاً، بل سيرافقه دعم ميداني من اليمن إلى لبنان.

إن موقف روسيا والصين وباكستان في مجلس الأمن الدولي، الذي دعا إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، يظهر أن توازناً جديداً يتشكل في النظام الدولي؛ توازن لن يسمح للولايات المتحدة بعد الآن بفرض إرادتها بالقوة.

وفي خلاصة هذه التطورات، يبدو أن إيران على وشك إرساء معادلة جديدة؛ معادلة عنوانها "العدوان سيقابل برد استراتيجي"، وأن محور المقاومة يعمل بثقة في وحدة القرار والردع، وليس بردود أفعال متفرقة. لم يعد الخطر يكمن في الطيور المعتدية فحسب، بل في أوهام العدو حول قوته الرادعة.

ولن يتحقق التحرير إلا بتحطيم هذه الأوهام بالصبر الاستراتيجي والضربات الذكية. لا تكتفي إيران اليوم بالدفاع عن نفسها، بل ترسم أيضًا حدودًا جديدة لسيادة الدول الحرة، وترسّخ معادلة ردع تُحبط مشروع الغرب المتمثل في استسلامها أو تدميرها. ردّ إيران قادم، ليس بتسرع، بل بحسابات دقيقة، حتى تتضح الرسالة النهائية: من يمس إيران سيحترق بنارها.

نجاح محمد علي :

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

وسط تصاعد مخاوف من الرد.. حراك أمريكي لمحاولة احتواء تداعيات العدوان على إيران

الجديد برس| بدأت الولايات المتحدة، الاحد، حراك واسع لاحتواء تداعيات العدوان على ايران وسط تصاعد المخاوف من الرد .. واكد نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس في تصريح صحفي ان بلاده تبحث تسوية طويلة الأمد مع ايران ، مشيرا إلى أن بلاده لا تسعى لتغيير النظام ولا ارسال قوات برية. وجاءت تصريحات فانس مع تصاعد القلق الأمريكي من تبعات العدوان الأمريكي الأخير على ايران. وشنت القوات الامريكية ضربات لثلاث منشات نووية في ايران استخدمت خلال قنابل نووية غير تكتيكية. واحدثت الضربة التي نفذها ترامب بعيدا عن السلطة التشريعية التي يفترض ان تناقش مثل هكذا قرار  انقسام داخلي وسط مخاوف من العواقب. ووصفت وسائل اعلام أمريكية  الخطوة بمثابة جر أمريكا لحرب استنزاف طويلة في المنطقة، بينما انتقدها نواب في الكونجرس عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي. كما اعتبرها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بانها لا تخرج عن سياق الحفاظ على  رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالسلطة. ولم يخفي القادة الامريكيون ان تكون الضربة بمثابة  فتح باب الجحيم. وأعلنت وزارة الدفاع الامريكية اجلاء ما تبقى من قواتها في الشرق الأوسط  بعد أسابيع من سحب قدرات عسكرية بحرية وجوية، فحين حاولت أخرى على راسها ترامب التهديد بضربات اقوى في محاولة لاثناء ايران عن الرد . كما قلصت الخارجية أعضاء بعثتها الدبلوماسية في دول مجاورة ابرزها العراق. ويتوقع ان تشن ايران ردا دقيقا على العدوان الأمريكي قد يطال قواعد ومصالح  في المنطقة .

مقالات مشابهة

  • الرئيس الإيراني: طهران تعتزم الرد على الهجمات الأمريكية
  • الرد الإيراني قادم لا محالة.. خبير سياسي: طهران تملك سيناريوهات متعددة تبدأ من استهداف إسرائيل وتنتهي بغلق مضيق هرمز
  • روبيو: الرد الإيراني سيكون “الخطأ الأكبر” والباب مفتوح للحوار
  • وسط تصاعد مخاوف من الرد.. حراك أمريكي لمحاولة احتواء تداعيات العدوان على إيران
  • عاجل - بداية الرد الإيراني.. صواريخ طهران تخترق أجواء الأراضي المحتلة
  • مسيرات حاشدة في الجوف تؤكد الثبات مع غزة وتبارك الرد الإيراني على العدوان الصهيوني
  • اللواء سمير فرج: إيران نجحت في فرض معادلة الردع وإسرائيل مكبلة بقيود كثيرة
  • كاتس: نريد تقويض النظام الإيراني
  • الرئيس الإيراني: يجب وقف العدوان الإسرائيلي دون شروط لإنهاء الحرب