فيلم باليرينا.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة جون ويك
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
في السنوات الأخيرة، تحوّلت السلاسل السينمائية إلى عوالم متكاملة، تتفرع منها قصص لاحقة وأخرى سابقة، إضافة إلى حكايات جانبية تعمّق من تجربة الجمهور أو تُعيد استثمار نجاح سابق. وبين موجة من الأعمال التي تبدو تجارية بحتة، تظهر أحيانا محاولات تستحق التوقف، لأنها تقدم إضافة حقيقية لعالمها السردي.
من بين هذه المحاولات يبرز فيلم "باليرينا" (Ballerina)، أحدث امتداد لعالم الأكشن الشهير "جون ويك" (John Wick)، الذي رسّخ بصمته عبر 4 أفلام أعادت تعريف المعارك السينمائية.
يُصنَّف فيلم "باليرينا" كـ"جزء بيني" (Interquel)، إذ تدور أحداثه ضمن العالم نفسه لسلسلة "جون ويك"، لكن في فترة زمنية تقع بين الجزأين الثالث والرابع، ما يمنحه استقلالا نسبيا مع الحفاظ على ترابطه بالسلسلة الأصلية.
وتتمحور القصة حول شخصية جديدة هي إيف ماكار، المعروفة لاحقا بلقب "الباليرينا"، وتؤدي دورها آنا دي أرماس. نراها في البداية طفلة تهرب مع والدها من عصابة غامضة، تنجح لاحقا في قتله، قبل أن ينقذها ونسون (إيان ماكشين) ويأخذها إلى عصابة الروسكا روما؛ وهي منظمة غامضة تجمع بين تدريب الباليه وفنون القتال، لتنشئ فتيات قاتلات يعملن كحارسات نخبويات لمن يملك المال والسلطة.
كما هو متوقع، فإن إيف تكبر وتحمل نية الانتقام لوالدها، غير أنها لا تعرف حتى هوية قاتليه. وخلال أحد مهامها، تتعرف على أنهم ينتمون إلى جماعة مهووسة يقيم أفرادها في مكان مجهول. وتوجد معاهدة سلام بين الجماعة وعصابة الروسكا روما، لذا إن هاجمتهم، فستفقد حماية العصابة التي تعتبرها بمثابة عائلة.
يتميز عالم "جون ويك" السينمائي عن أفلام الأكشن التقليدية بأنه لا يقدم صراعا بين الخير والشر بشكل صارم، فهنا لا توجد شخصيات عادية، بل حروب بين جماعات مختلفة من القتلة المحترفين جدا. ومع ذلك، فإن للسلسلة بوصلتها الأخلاقية الخاصة: على سبيل المثال، جون ويك (كيانو ريفز) قاتل ذو تاريخ إجرامي طويل، لكن يتماهى معه الجمهور لأنه يدافع عن وجوده وحياته ضد القتلة الذين قضوا على كلبه الذي تركته له زوجته المتوفاة. ويتعاطف الجمهور مع إيف حتى وهي تذبح أعداءها بدم بارد، فهؤلاء الأعداء معتدون يحاولون قتل أو خطف عملائها، أو هم قتلة والدها الذين يستحقون الإبادة عن بكرة أبيهم.
إعلانبالإضافة إلى هذا الميزان الأخلاقي المختلف، يتمتع عالم "جون ويك" الإجرامي بهيكلية مميزة، فهي ليست مجرد عصابات تتقاتل وتتدخل في مناطق نفوذ بعضها البعض، بل تشبه إلى حد كبير العائلات التي لها قواعدها الخاصة، والتي يدين لها الأعضاء بالولاء التام، ويخضعون لقوانينها، حتى الصارمة جدا منها.
ظهرت الروسكا روما من قبل في أفلام "جون ويك"، وكانت لافتة لدرجة أعطتها فرصة أكبر في "باليرينا"، فهي هنا العائلة التي تحتضن الصغيرة إيف، وتكسبها مهاراتها، وتعمل على تهذيب طباعها، وتحاول حمايتها حتى من طبيعتها الانتقامية.
لا ضيوف شرف بل شخصيات فاعلةتغلب على أفلام السلاسل الممتدة ظهور نجوم الأفلام السابقة كضيوف شرف في مشاهد قصيرة، وذلك للعب على شعور المتفرجين بالحنين لهذه الأفلام، وهو تقليد كرسته أفلام مارفل وتبعها العديد من الأفلام التالية. غير أن "باليرينا" قرر الخروج عن هذا التقليد بشكل يوضح مدى احترام صناع الفيلم لهذا العالم السينمائي، والأهم، احترامهم لمشاهديهم.
توقع المتفرجون ظهور النجم كيانو ريفز في لقطة أو اثنتين في نهاية الفيلم، مع شخصيات شهيرة من السلسلة مثل ونستون وشارون (لانس ريديك). غير أنهم هنا كانوا أجزاء رئيسية من الحبكة، بما يليق مع الشخصيات التي أُسس لها بشكل ممتاز في السلسلة.
يأخذ ونستون إيف تحت جناحه، كما يفعل مع الكثير من الشخصيات التي يعتبرها "شريفة" في هذا العالم الإجرامي، بينما تتطلع إيف إلى جون ويك كمثل أعلى استطاع هزيمة عائلات إجرامية مختلفة بذكائه وقدراته القتالية التي لا يُجارى فيها. وأضاف صناع الفيلم قرب النهاية فصلا آخر لشخصية جون ويك بشكل يتناغم مع أحداث الفيلم بسلاسة.
غير أن أهم ما ينتظره محبو أفلام "جون ويك" في فيلم "باليرينا" هو مشاهد الأكشن، التي تُعد من أبرز مزايا السلسلة الأصلية. وهنا لم يخيب صناع الفيلم آمالهم، فعلى الرغم من التمهيد الطويل نسبيا في بداية الفيلم، إلا أن بعد ذلك ظهرت تتابعات حركية مميزة للغاية، سواء من حيث التصوير، أو استغلال الإضاءة والديكورات، أو تصميم مشاهد القتال نفسها. بل إن الفيلم أضفى على هذه التتابعات دموية أكثر مما كان في أفلام "جون ويك" المعتادة.
على الجانب الآخر، يتضح منذ أول مشاهد الأكشن الجهد البدني الذي بذلته الممثلة آنا دي أرماس، والتدريبات المطولة لتعزيز قدرتها على تقديم هذه اللقطات بشكل ممتاز. بل استغل صناع الفيلم أن البطلة امرأة، ووفقا لحبكة الفيلم أيضا راقصة باليه، مما جعل تتابعات الأكشن تشبه إلى حد كبير استعراضات دموية رشيقة ومبهرة.
تستحق سلسلة "جون ويك" أن تكون ممتدة، فهي تمنح جمهورها ما يتطلعون إليه في كل مرة، و"باليرينا" لا يختلف عن أفلام السلسلة الأخرى في ذلك، ليصبح واحدا من أفضل أفلام الأكشن لعام 2025 حتى الآن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات صناع الفیلم جون ویک غیر أن
إقرأ أيضاً:
في ذكراه الـ30.. عاطف الطيب مخرج المهمشين الذي حوّل السينما إلى مرآة للوطن(تقرير)
تحل اليوم، الإثنين 23 يونيو 2025، الذكرى الثلاثون لرحيل المخرج الكبير عاطف الطيب (1947 – 1995)، أحد أبرز مخرجي الواقعية في السينما المصرية، الذي رحل عن عالمنا قبل أن يُكمل عامه الـ48، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا لا يُنسى، وسينما تنبض بالصدق والوجع الإنساني، حملت هموم الناس وطرحت قضاياهم على الشاشة بلا تجميل.
وُلد عاطف الطيب في محافظة سوهاج عام 1947، وتخرج من المعهد العالي للسينما عام 1970، قسم الإخراج، وبدأ حياته مساعد مخرج في أفلام مصرية وعربية، كما عمل كمساعد مخرج في أفلام عالمية صُوّرت بمصر، أبرزها فيلم “Death on the Nile”.
قدم الطيب 21 فيلمًا خلال مسيرته، بدأها بفيلم “الغيرة القاتلة” عام 1982، واختتمها بفيلم “جبر الخواطر” الذي عُرض بعد وفاته بعام واحد، وضم نخبة من النجوم منهم شريهان، عبلة كامل، وهالة صدقي.
• سواق الأتوبيس (1982): أحد أعمدة السينما الواقعية، ومصنف ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
• البريء (1986): الذي واجه صدامًا شهيرًا مع الرقابة، وتدخل وزراء لإيقاف مشاهده الأخيرة.
• ناجي العلي (1992): السيرة الذاتية للرسام الفلسطيني، والذي أثار ضجة سياسية وقت عرضه.
• الحب فوق هضبة الهرم، ضد الحكومة، كتيبة الإعدام، التخشيبة، قلب الليل، كشف المستور، الهروب وغيرها من الأفلام التي نقلت نبض الشارع وأصوات المهمشين.
لم يقتصر تأثير الطيب على السينما فقط، بل امتد أيضًا إلى عالم الأغنية المصوّرة، عندما أخرج فيديو كليب أغنية “شنطة سفر” للفنانة أنغام، والتي اعتبرته واحدة من أهم تجاربها الفنية.
حيث قالت أنغام في أحد اللقاءات: “عندما أخبرني مدير التصوير هشام سري أن عاطف الطيب وافق على إخراج الكليب لم أصدق نفسي، كان الأمر أشبه بحلم، خاصة حين قال لي: الأغنية دي فيلم قصير وعايز أعملها كده فعلًا".
ورغم أن مدة الأغنية 8 دقائق، استمر التصوير لأربعة أيام، وأنتجته أنغام بنفسها وباعت سيارتها لتمويله، ليخرج العمل في صورة إنسانية مؤثرة تعكس روح الطيب.
إرث لا يُنسى
بعد 30 عامًا على وفاته، لا تزال أفلام عاطف الطيب تُعرض، ويعاد اكتشافها من أجيال جديدة، كونها وثّقت الزمن بعيون من عايشوه، وصنعت سينما تحكي عن البسطاء، دون شعارات أو خطب، بل بلغة الصورة والبساطة والتأمل.
ترك عاطف الطيب ما يشبه “الوصية السينمائية” المفتوحة: أن تظل السينما حُرة، ناقدة، قادرة على التغيير، ومتجذّرة في قلوب الناس.