أنقرة (زمان التركية) – يضطر مئات الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم في تركيا، وغرقوا في الديون، ولا يرغبون في أن يكونوا عبئًا على عائلاتهم، لنشر إعلانات عبر الإنترنت مفادها: “أرغب في بيع كليتي”، ذلك على الرغم من أن القانون الجنائي التركي ينص على عقوبة تصل إلى السجن 9 سنوات، لمن يدان بتجارة الأعضاء.

وتتراوح الأسعار المعروضة بين 750 ألف ليرة تركية و1.

3 مليون ليرة تركية، للكلية الواحدة.

كلما تعمقت الأزمة، أصبحت مشقة العيش أشد قسوة. قصص كانت في الماضي لا تُرى إلا في الأفلام، أصبحت اليوم تُعاش علانية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الإعلانات، ومجموعات تيليجرام. عشرات المواطنين يعرضون أعضائهم للبيع، قائلين: “أريد بيع كليتي”، أو “أنا مستعد للتبرع بكبدي”. هذا الواقع المؤلم يعكس حجم اليأس الذي يدفع الأفراد إلى التفكير في مثل هذه الحلول اليائسة لمعالجة ضوائقهم المالية.

نتحدث مع أولئك الذين يعرضون أعضائهم للبيع عبر منصات معينة. البعض يرد على رسائلنا بحماس كبير، فيقول أحدهم: “أقدم كليتي مقابل 750 ألف ليرة تركية”. وعندما نسأله عن مكان إجراء العملية، يجيب: “من الصعب جدًا في تركيا، ربما في الخارج فقط”. آخر يرد بإرسال نتائج تحاليله، قائلاً: “انظروا، كل شيء نظيف لدي، ليس لدي أي موانع”. وأخيرًا، يحاول شخص آخر، سألناه عن السعر، التوصل إلى اتفاق، قائلاً: “نيتي جادة. سبب البيع مادي. إذا كنت جادًا حقًا، يمكننا التحدث عن مليون ليرة”. هذه المحادثات تكشف عن يأس عميق ورغبة ملحة في التخلص من الأعباء المالية، حتى لو كان الثمن هو جزء من الجسد.

ديون تتجاوز القدرة على السداد

من بين هؤلاء، رجل يدعى ح.ش. (طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي). هو أب لثلاثة أطفال. وافق على إجراء مقابلة معنا بعد أن كشفنا عن هويتنا. تبدأ قصته من إسطنبول، حيث كان يعمل في التجارة ولكنه أفلس مع تفاقم الأزمة الاقتصادية. ثم ابتعد كثيرًا عن المدينة التي عاش فيها سنوات طويلة. يعمل حاليًا في قطاع البناء ويكافح من أجل العيش بالحد الأدنى للأجور. ومع ذلك، فإن إيجار منزله يبلغ 15 ألف ليرة تركية، وهو ما يقارب راتبه بالكامل.

في حديثه لقناة Sözcü TV، قال ح.ش. في البداية: “لو قال لي أحدهم قبل خمس سنوات أنني قد أبيع أعضائي لسداد ديوني، لضحكت. لكنني الآن مدين بمليون و300 ألف ليرة تركية. لذلك أرغب في بيع كليتي بهذا السعر. بعد أن أفلست، بدأت أعمل براتب الحد الأدنى للأجور. أدفع الديون وأحاول إعالة أسرتي في نفس الوقت. إيجار منزلي 15 ألف ليرة. أريد فقط أن تنتهي ديوني، وألا أكون عبئًا على زوجتي وأولادي. ليس فقط كليتي، بل حتى كبدي أقدمه”. هذا التصريح المؤثر يجسد المأساة الإنسانية التي يمر بها هؤلاء الأفراد، حيث يصبح الجسد هو الملاذ الأخير للخلاص من أعباء الديون.

العقوبات القانونية ومخاطر الاستغلال

وفقًا للقانون الجنائي التركي، يُعد بيع الأعضاء وشرائها والوساطة جريمة يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 9 سنوات. ومع ذلك، يبحث الناس عن حلول بالطرق غير القانونية. وهناك جانب آخر مأساوي يتمثل في العصابات التي تستغل معاناة الناس. فبينما يبحث المحتاجون للأعضاء عن متبرعين على وسائل التواصل الاجتماعي، يحاول تجار الأعضاء أو المحتالون استغلال هذه الحاجة. في حادثة وقعت الشهر الماضي، قامت امرأة قادمة من فرنسا بتقديم متبرع لزرع كلية على أنها “ابنتها”. وقد تم القبض على المرأة وثلاثة أشخاص آخرين في إسطنبول، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم. وقد تبين أن وراء هذه الحادثة شبكة دولية. وعندما ذكرنا ذلك لـ ح.ش.، قال: “أنا أبحث منذ شهر. وقد واجهت عصابات أيضًا. إنهم يعملون بطرق غير شرعية. إنه أمر مرعب. لا توجد ضمانات صحية ولا أخلاقيات… لكن الناس يخاطرون بذلك لسداد ديونهم”. هذه المخاطر الجسيمة التي يتعرض لها هؤلاء الأفراد تزيد من قتامة الصورة، حيث يقعون ضحية لشبكات إجرامية تستغل ضعفهم ويأسهم.

الحلول الاجتماعية ضرورة

يشير الخبراء إلى أن هذا الوضع ليس كارثة قانونية فحسب، بل هو كارثة اجتماعية أيضًا. ويؤكد خبراء القانون الصحي وعلماء الاجتماع أن الفقر المدقع أصبح يهدد سلامة الجسد، مشددين على ضرورة أن تعزز الدولة سياسات الدعم الاجتماعي بشكل عاجل. ويؤكد الطبيب النفسي والكاتب الدكتور جمال دندار أن وراء هذه السلوكيات شعورًا عميقًا بالذنب و”دفع الكفارة”: “في هذه الفترة التي يتزايد فيها التفاوت الاجتماعي، يزداد توقع المعجزات مع الفقر. في هذه الدورة التي تبدأ بسلوكيات مثل المقامرة وتعاطي المخدرات، تتطور مشاعر الذنب عندما يعاني الناس من خسائر كبيرة. وهذا يتحول مع مرور الوقت إلى معاقبة الذات. بيع الأعضاء هو نتيجة لهذه الدورة النفسية. يجب أن نشرح لهؤلاء الأشخاص أن هذه عملية نفسية، ويجب أن نذكرهم بضرورة الحصول على دعم نفسي بدلاً من المساس بسلامة أجسادهم”.

ويرى دندار أن الوقوع في شعور الكارثة هو أكبر فخ: “لن تأتي معجزة، ولسنا حقًا في قلب كارثة. إذا نظرنا إلى الظروف بهدوء أكبر، فمن الممكن أن نرى بصيص أمل”.

ويقول المستشار النفسي المتخصص الدكتور أوميت أكجاكايا إن ضائقة المعيشة لا تؤدي فقط إلى انهيار اقتصادي، بل تؤدي أيضًا إلى انهيار عقلي وعاطفي. ويذكر أكجاكايا أن “الرفاهية الاقتصادية هي أساس الصحة النفسية”، مضيفًا: “الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، والذين يغرقون في متاعب العيش، لا يمكنهم الشعور بالأمان. وهذا يزيد من مشاعر الإرهاق واليأس. وإذا استمرت هذه المشاعر لفترة طويلة، يفقد الدماغ قدرته على التفكير السليم. وتظهر سلوكيات غير صحية وقرارات غير منضبطة. الأشخاص الذين يرغبون في بيع أعضائهم هم في هذه الحالة النفسية. وهذا ليس مجرد انهيار فردي، بل هو أيضًا بيئة للاستغلال. يتم استغلال يأس الناس من قبل بعض الجماعات. لذلك، من الضروري تطوير سياسات دعم نفسي لا تستهدف الفرد فحسب، بل المجتمع أيضًا”.

Tags: أطباءاسطنبولبيع الأعضاءبيع الأعضاء البشريةبيع الكلىتجارة الأعضاءتركياجراحات

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: أطباء اسطنبول بيع الأعضاء بيع الأعضاء البشرية تجارة الأعضاء تركيا جراحات ألف لیرة ترکیة بیع الأعضاء

إقرأ أيضاً:

لا تتحمس كثيرًا للذهب.. خبير تركي يكشف فرص الربح في الفضة والدولار يتجه لكسر 40 ليرة

أدلى خبير أسواق الذهب والنقد، إسلام ميميش، بتصريحات مثيرة عبر قناته على يوتيوب، سلط فيها الضوء على توقعاته للنصف الثاني من العام 2025، مشيرًا إلى أن الأسواق ستشهد تقلبات حادة، تشمل الذهب والفضة والبلاديوم، إضافة إلى البيتكوين وسوق الأوراق المالية.

الذهب يتراجع.. وهذه فرصتك الأخيرة

تحدث ميميش عن استمرار انخفاض سعر الذهب حتى نهاية العام، قائلاً:

“توقعاتي للهبوط لم تتغير، الأونصة ما تزال مرتفعة بالنسبة لي”.

وأضاف أن سعر غرام الذهب بالليرة التركية يواصل تراجعه، معتبرًا أن كسره لحاجز 4200 ليرة يمثل “فرصة الشراء الأخيرة لهذا العام”، مع توقعه بوصول السعر إلى 4500 ليرة خلال النصف الثاني.

لكنه حذّر من الحماس الزائد تجاه الذهب:

“في النصف الثاني من العام، لا يجب أن نتحمس كثيرًا للذهب.. بل يأتي الآن دور الفضة”.

الفضة تتألق: “الربح في اتجاهها”

أكد ميميش أن الفضة ستمنح المستثمرين مكاسب حقيقية، موضحًا أن أوقية الفضة بدأت في مسار تصاعدي في حين أن الذهب يتراجع.
وأشار إلى مستويات مقاومة مهمة مثل 35.8 دولارًا و42 دولارًا لأوقية الفضة، متوقعًا أن تشهد ارتفاعات ملموسة حتى نهاية العام.

البلاديوم يكسب الثقة

أعرب ميميش عن تفاؤله بسوق البلاديوم، مشيرًا إلى أن المستثمرين الذين اشتروا الأوقية بسعر 946 دولارًا في الأشهر الماضية محظوظون، بعد أن وصل السعر حاليًا إلى 1093 دولارًا.
وقال:

“الذين ابتعدوا عن الذهب واستثمروا في البلاديوم، كانوا أكثر حظًا اليوم”.

البيتكوين بين الانخفاض والارتفاع

اقرأ أيضا

خبير تركي يدق ناقوس الخطر بشأن الحميات الرقمية.. ما القصة؟

الأحد 29 يونيو 2025

رغم توقعه لحركة تصحيحية في سوق العملات المشفرة، يرى ميميش أن البيتكوين ستراوح بين 100 ألف و110 آلاف دولار في النصف الثاني من العام، مع إمكانية تسجيل مستويات 112,500 ثم 117,500 وأخيرًا 120,000 دولار.

مقالات مشابهة

  • لا تتحمس كثيرًا للذهب.. خبير تركي يكشف فرص الربح في الفضة والدولار يتجه لكسر 40 ليرة
  • دعاء لقضاء الديون.. علمه النبي لعلي فردده الآن
  • عشاء فاخر بـ60 ألف ليرة يثير الجدل.. محمد صلاح تحت الأضواء في تركيا
  • أسعار الوقود تواصل الصعود في تركيا.. الديزل يتجاوز حاجز الـ50 ليرة من جديد
  • 5 أندية جزائرية ممنوعة من الانتدابات بسبب الديون !
  • حسام موافي: تورم الأطراف لمرضى السكري قد ينذر بمشكلات في الكلى
  • حسام موافى: تورم اليدين والقدمين لمرضى السكري قد يشير لإصابة الكلى
  • ميسان.. خلافات عائلية تدفع بشاب إلى الانتحار
  • البنوك الروسية تدق ناقوس الخطر حول أزمة الديون