برياه فيهير معبد بوذي تتنازع عليه كمبوديا وتايلند
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
موقع أثري على الحدود بين كمبوديا وتايلند، بناه الملك ياسوفارمان الأول في أواخر القرن التاسع الميلادي، وخصصه لعبادة "الإله" الهندوسي شيفا، ثم صار مركزا روحيا وسياسيا، استخدمه ملوك الإمبراطورية الخميرية (قمار عند العرب) من أجل تثبيت سلطتهم الدينية والسياسية طوال فترة حكمهم التي امتدت 7 قرون. وفي 2008، أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، تقديرا لقيمته التاريخية والمعمارية.
تدّعي كمبوديا وتايلند أحقيتهما بالمعبد والمناطق المحيطة به، لكن قضت محكمة العدل الدولية بأحقية كمبوديا به عام 1962، إلا أنها لم تبت في وضع الخط الحدودي حوله حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2013 حين أصدرت قرارا آخرا يقضي بأن المنطقة المحيطة بالمعبد على الحدود بين كمبوديا وتايلند تتبع لكمبوديا.
تعتبره كمبوديا من المعالم السياحية والثقافية البارزة في البلاد، إذ يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، ولا تكمُن أهميته في قيمته الأثرية فقط، بل لأنه يُجسّد رمزا للمقاومة ومصدرا للفخر بالهوية الوطنية، ولذلك تستخدمه السلطات الكمبودية مكانا لإحياء بعض المناسبات الدينية والاحتفالات الوطنية.
يقع معبد برياه فيهير على قمة جبل دونغريك، في منطقة تشكل الحدود الطبيعية بين كمبوديا وتايلند، وترتفع بحوالي 500 متر فوق مستوى سطح البحر، مما يجعل منه مكانا مميزا ذا إطلالات بانورامية على السهول الكمبودية والتايلندية.
يتبع المعبد إداريا لمحافظة برياه فيهير شمال كمبوديا، ويبعد نحو 200 كيلومتر عن مدينة سييم ريب التي تضم مجمع معابد أنغكور الشهير.
المكانة الروحيةيعد برياه فيهير من المعابد الكبرى التي تعكس التزام ملوك الإمبراطورية الخميرية بالتقاليد الهندوسية جنوب شرق آسيا، إذ شكل مركزا دينيا مهما، يقصده الكهنة والباحثون عن التنسك والتقرب إلى "الآلهة".
إعلانلاحقا، ومع تحول كمبوديا نحو البوذية التيرافادية، أصبح معبدا بوذيا، واستمر في أداء دور روحي، رغم تغيّر الطقوس والمعتقدات.
العمارةاعتمد القائمون على بناء المعبد على خصائص العمارة الدينية الخميرية، إذ شيّدوه وفق تصميم جبلي متدرج يحاكي جبل ميرو، وهو جبل مقدس ذو 5 قمم ويمثل رمز الكون في العقيدة الهندوسية.
يتكون المعبد من 5 مستويات معمارية تتصاعد تدريجيا نحو "الحرم المركزي"، ويمر الزائر عبر ممر طويل يحوي أعمدة نذرية ونقوشا حجرية، فضلا عن الزخارف الدقيقة حول الأعتاب والمداخل المصنوعة من الحجر الرملي.
شُيّد المعبد على يد الملك ياسوفارمان الأول أثناء فترة حكمه التي امتدت بين عامي 889 و900، إلا أن أعمال البناء والتوسعة استمرت على مراحل متعددة، ووصلت ذروتها في الفترة الممتدة بين عامي 1113 و1150 على يد الملك سوريافارمان الثاني حاكم الإمبراطورية الخميرية آنذاك.
وفي القرن التاسع بدأ بناء المعبد في عهد الملك ياسوفارمان الأول، الذي خصصه لعبادة الإله الهندوسي شيفا، المعروف أيضا باسم ماهاديفا، وهو أحد "الآلهة" العظام في المعتقدات الهندوسية.
تميزت المرحلة الأولى بتشييد الهيكل الأساسي مع إضافة أبراج "جوبوراس" وهي سلسلة أبراج على المداخل الرئيسية تستخدم في العمارة الخاصة بالمعابد الخميرية.
وفي القرنين الـ11 والـ12 الميلاديين، حوّل الملك سوريافارمان الثاني المعبد أثناء فترة حكمه الممتدة بين عامي 1113 و1150 إلى مجمع ديني كبير، وأضاف أجنحة ملكية وساحات احتفالات، وزين الجدران بنقوش وزخرفات تجسد الملحمتين الهندوسيتين "مهابهاراتا" و"رامايانا"، كما شيد الدرج الرئيسي المؤدي إلى المنصة العليا للمعبد.
وتحول الموقع من معبد هندوسي إلى بوذي مع انتشار مذهب ثيرافادا في المنطقة بداية القرن الـ13، ووفقا لذلك أُضيفت تماثيل بوذا ورموز بوذية أخرى جنبا إلى جنب مع النقوش والتماثيل الهندوسية.
بدأ النزاع حول المعبد بعد انهيار إمبراطورية الخمير في القرن الـ15 للميلاد، خاصة بعد سقوط العاصمة أنغكور عام 1431 بيد مملكة أيوتهايا التايلندية، ليتحول الموقع الحدودي إلى نقطة خلاف بين الممالك المجاورة، كما سيطرت عليه مملكة سيام (تايلند) في حين تطالب به كمبوديا وتعتبره جزءا من تراثها التاريخي.
إبان القرنين الـ17 و18، تعمق النزاع مع توسع نفوذ مملكة راتاناكوسين (حكمت تايلند بعد مملكة سيام) التي فرضت سيطرتها الكاملة على المعبد، وضمه الملك راما الأول (1782-1809) رسميا إلى مملكته. واستمرت هذه السيطرة حتى دخول الاستعمار الفرنسي عام 1863، الذي غيّر موازين القوى وأعاد تشكيل المنطقة.
مع مطلع القرن الـ20، تنازلت تايلند عن المعبد لصالح كمبوديا التي كانت حينئذ تحت الحماية الفرنسية، وذلك بموجب ما سمي بالاتفاقيات الفرنسية التايلندية (1904-1907)، إلا أن الخلاف لم يحسم بشكل نهائي، وظلت هناك اختلافات حول تفسير الخرائط الحدودية التي رسمتها السلطات الاستعمارية.
إعلانوتصاعد النزاع مجددا مع نيل كمبوديا استقلالها من الاستعمار الفرنسي في نوفمبر/تشرين الثاني 1953، إذ حاولت تدويل النزاع عبر رفعها القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 1959، فأصدرت المحكمة بعد ذلك حكما اعتبرته كمبوديا تاريخيا عام 1962 أكد تبعية المعبد لها.
وعاد النزاع إلى الواجهة من جديد عام 2008 بعد إدراج الموقع على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتحولت المنطقة إلى ساحة مواجهات عسكرية استمرت 3 سنوات وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.
في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أصدرت محكمة العدل الدولية حكما أعادت فيه تأكيد قرارها السابق الصادر عام 1962، والذي يثبت أحقية كمبوديا في ملكية المعبد.
وتضمن القرار ثلاثة بنود رئيسية:
التأكيد القاطع على السيادة الكاملة لكمبوديا على المعبد. المطالبة بسحب القوات العسكرية لكلا البلدين من المنطقة المحيطة بالمعبد. التوصية بإنشاء منطقة عازلة دائمة حول الموقع الأثري. أبرز مرافق المعبد مبنى القصريقع مبنى القصر (أو الجوبورا الملكية) في المستوى الثالث من المعبد، وهو أعلى منطقة مخصصة للشخصيات الملكية، كان مقرا مؤقتا لإقامة ملوك الخمير عند زيارتهم للمعبد لتقديم القرابين أو المشاركة في الطقوس الدينية، كما خصص لاستضافة كبار الكهنة والمسؤولين أثناء المناسبات الدينية الكبرى.
يضم المبنى جناحين جانبيين، كانا مخصصين لحراس الملك وحاشيته، بينما كانت الساحة الأمامية مخصصة لإقامة الطقوس العامة.
تحوي القاعة الرئيسية داخل المبنى مساحة مغطاة بأعمدة حجرية منقوشة بزخارف نباتية وأشكال ناغا (الثعابين الأسطورية).
يمتد على المنحدر الشمالي للمعبد، ويبلغ طوله 78 مترا وعرضه 8 أمتار، ويتكون من قسمين رئيسيين: الأول يضم 162 درجة حجرية ضخمة تؤدي إلى منصة مزينة بتماثيل أسود "سنغا" الأسطورية، بينما يتضمن القسم الثاني 54 درجة إضافية أضيق عرضا (4 أمتار)، تنتهي بمنصة ثانية تحرسها تماثيل ثعابين "ناغا" ذات الرؤوس السبعة. درجاته مصممة من كتل حجرية واحدة بدون ملاط، مع أخاديد دقيقة لمنع الانزلاق.
ساحة ناجاراجساحة حجرية تتجاوز مساحتها 220 مترا مربعا، تمثل بوابة رمزية بين العالم الأرضي والمقدس في المعبد. تزين مدخلها تماثيل "ثعابين ناغا" الأسطورية ذات الرؤوس السبعة، التي ترمز إلى الحماية والاتصال بين البشر والآلهة في الميثولوجيا الخميرية. وكانت الساحة نقطة تجمع للزائرين قبل صعودهم إلى المعبد الرئيسي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بین عامی فی القرن
إقرأ أيضاً:
معابد الكرنك بمصر.. لوحة إبداعية منحوتة بأسرار التاريخ
أعداد كبيرة من السياح من جنسيات عدة يتجمعون أقصى جنوبي مصر حول أبنية تاريخية شاهقة تطل على ضفاف نهر النيل وتعود إلى ما قبل 4 آلاف عام، إنه مجمع معابد الكرنك، المعروف إعلاميا بـ"معبد الكرنك".
تلك الأبنية المهيبة تعرف سنويا ظاهرة فلكية نادرة تتعامد فيها الشمس أواخر العام على صروحها وأعمدتها المنظومة بأنامل أرقى النحاتين من المصريين القدماء، مما جعلها تعرف بأنها "أيقونة الجمال".
هذا فضلا عن احتضانها بحيرة "مقدسة" لا يُعرف سر بقاء مياهها لأكثر من ألفي عام، رغم عدم اتصالها بأي ممر بمائي.
المعلومات السابقة، يسردها كبير الأثريين في مصر مجدي شاكر الذي قدم فيه وصفا للإطلالة المهيبة والساحرة لمعابد الكرنك، الواقعة بمحافظة الأقصر السياحية، أقصى جنوبي البلاد.
شاكر الذي عمل نحو 23 عاما بين آثار محافظة الأقصر، أوضح أن تلك المعابد بمثابة "أكبر دار عبادة في العالم القديم من حيث المساحة والاستمرار والصحيح أن نقول عليها معابد الكرنك وليس معبد الكرنك كما هو شائع، لأنها تضم العديد من المعابد".
و"بين عصور عدة عاشت تلك المعابد، سواء في العصور القديمة أو الوسطى وازدهرت في الدولة الحديثة، لا سيما وهي توجد في أهم عاصمة دينية حكمت العالم ألفي عام التي تسمى الأقصر حاليا"، يضيف شاكر.
لم يفقد ذلك المكان التاريخي دوره في عصري الرومان واليونان بمصر، بدليل أنه منذ أسابيع عند بوابة رمسيس الثاني وجدوا اكتشافا أثريا يعود للعصر الروماني لإمبراطور يرتدي الملابس المصرية ويقدم قرابين، كما يذكر الخبير الأثري المصري.
ويستكمل شاكر قائلا: "وبخلاف ذلك ستجد نحوتا غاية في الجمال وصروحا ومعابد صغيرة وأكبر صالة أعمدة بالعالم".
إعلانوأضاف: "يكفي أن العالم الأثري الشهير شامبليون عندما زار معبد الكرنك قال كلمة عبقرية: كم نحن أقزام أمام هذه الحضارة، ونحن يقصد بها الحضارة الأوروبية في هذا الوقت، التي تبدو وقتها كقزم في العمارة والفن".
ولا يزال اختيار مكان معابد الكرنك، عبقريا، إذ تقع شرق نهر النيل بالأقصر، وهي معروفة بأنها بيوت ومعابد دينية للآلهة، بينما يوازيها بالجانب الآخر غربي النيل، المعابد الجنائزية وواديا الملوك والملكات، وفق شاكر.
إضافة إلى أن معابد الكرنك تشهد سنويا، بحسب شاكر، تعامد الشمس على صرح المعبد الرئيسي على شكل حزم ضوئية من خلال فتحات الأسقف، لتنير التماثيل وأماكن موائد القرابين وصالات الأعمدة، في 21 ديسمبر/كانون الأول من كل عام.
ولفت إلى أن "البحيرة المقدسة بالمعابد والتي توجد فيها مياه حتى الآن، دون أن تكون متصلة بأي ممر مائي، وهذا سر فرعوني".
وزاد أن "المعابد تضم أيضا 10 صروح مسجلة على جدرانها معارك الملوك الحربية وبعض من حياتهم، بخلاف طريق يمتلئ بتماثيل يتجاوز عددها 300، وهي عبارة عن جسم أسد ورأس كبش، وهي رموز قوة بالتاريخ المصري القديم".
وبحسب المعلومات الرسمية، فإن مجمع معابد الكرنك، المعروف إعلاميا في مصر بـ"معبد الكرنك"، بدأ إنشاؤه أيام الدولة الوسطى عام 2000 ق.م، واستمر حتى انتهاء التاريخ المصري القديم (الأسرة الـ30، وتعود إلى 332 ق.م).
وكان كل ملك يضيف جديدا إلى تلك المعابد "تقربا إلى الآلهة، ورغبة في الخلود والحصول على شهرة كبيرة بين أفراد الشعب"، وامتد تشييدها لنحو ألفي عام، وفق الهيئة الرسمية العامة للاستعلامات المصرية.
وفي تلك البقعة التاريخية، تجتمع معابد وآثار فرعونية عديدة ومتنوعة، منها معبد آمون (إله بالمعتقد المصري القديم)، وتماثيل ومسلات.
وتبلغ المساحة الكلية لمعابد الكرنك 247 فدانا، بينها 46 فدانا هي مساحة معبد آمون، وتقدم وزارة الآثار والسياحة بداخلها عروضا بالصوت والضوء تروي قصتها بلغات عديدة.
وتنقسم الحقبة الفرعونية إلى 30 أسرة حاكمة، ومر تشييد معابد الكرنك بفترات الدولة الوسطى، وتشمل الأسر من 11 إلى 14 (حوالي 2060 – 1710 ق.م)، وعصر الانتقال الثاني (من 1785 إلى 1580 ق.م)، والأسر من 13 إلى 17.
كما تشمل الحقبة الفرعونية، الدولة الحديثة أو عصر الإمبراطورية، وتضم الأسر من 18 إلى 20 (حوالي 1580-1085 ق.م)، ثم العصر المتأخر، أي الأسر من 21 إلى 30 (1085 ق. م-332 ق. م).
"وتظهر براعة المصريين القدماء في فنون البناء والنحت في معابد الكرنك، حيث تتزين الجدران بنقوش رائعة، وتماثيل ضخمة، وأعمدة عظيمة"، وفق معلومات أوردتها وزارة السياحة المصرية.
ومن أبرز معالم المعبد قاعة الأعمدة الكبرى، والتي تحتوي على 134 عمودا ضخما، يصل ارتفاع بعضها إلى 15 مترا، بينما يصل ارتفاع الأعمدة الكبرى في المنتصف إلى 21 مترا.
إعلانوبدأت أعمال بناء هذه القاعة في عهد أمنحتب الثالث (حوالي 1390-1352 ق.م)، ولكن الزخارف والبناء الرئيسي تما في عهد كل من سيتي الأول (حوالي 1294-1279 ق.م)، ورمسيس الثاني (حوالي 1279-1213 ق.م).
وبالقرب من هذه الأعمدة تقف مسلتان ضخمتان، شيدت إحداهما الملكة حتشبسوت (حوالي 1473-1458 ق.م)، ويبلغ ارتفاعها نحو 30 مترا، ووزنها أكثر من 300 طن.
ولا تزال معابد الكرنك بعد كل هذه الآلاف من السنوات، شاهقة البينان مطلة على النيل تحوي أسرارها الفرعونية وتجذب سنويا أعدادا كبيرة من السياح من مختلف أنحاء العالم.
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline