الجزائر "العُمانية": تأسّس كتاب "تشكيل الهوية والآخر في الخطاب الروائي الجزائري المعاصر" الصادر عن دار جودة للنشر والتوزيع بالجزائر للباحثة الدكتورة فتيحة حسني، على مقاربة مفهوم الهوية والآخر، وأبرز تجلياتهما في المتن الروائي الجزائري المعاصر.

وتركز الدكتورة فتيحة حسني في الكتاب على كيفية استنطاق الرواية الجزائرية للواقع الذي نعيشه وتأريخها لأحداث مفصلية، كانت ولا تزال، تنخر الذاكرة الجمعية على غرار الاستعمار والإرهاب وما ترتب عنهما من هجرة واغتراب، وما شكلاه، في الآن ذاته، من تهديد على الصعيد الهوياتي؛ فحضور الآخر، سواء أكان ناتجا عن انشطار الذات أو تلبّس حضاري معاد، لا شك أنه سيطرح هاجس الهوية والثبات عليها أمام التهديدات الداخلية والخارجية التي تتربص بها، لذلك كانت الهوية هي المحرّك الأساس في النماذج الروائية المختارة، عبر استحضار مجموعة من الأبطال أرّقهم سؤال الهوية والاختلاف أمام معايير العالم المتغيّر.

واستعرض الكتاب في مدخله أهمّ المفاهيم النظرية المرتبطة بالموضوع، منها مفهوم (الهوية، الأنا، الآخر)؛ وهي مفاهيم تجاذبتها حقول معرفية متعدّدة. وتتناول الفصول اللاحقة دراسة تطبيقية لجملة من النماذج الروائية تم التركيز خلالها على موضوع الهوية والآخر، لكونهما من الركائز الأساسية في عالمنا المعاصر، وأضحى موضوع الهويّة من أهمّ الموضوعات إثارة للنقاش والتداول على الساحة الثقافيّة والفكرية العربيّة والغربيّة في العقود الأخيرة، نظرا لما يحمله من تشابك في مقاربته المنهجيّة وتعقّد إشكالاته المفاهيمية لارتباطه بعديد الحقول المعرفيّة، وتداخله مع عدّة مفاهيم، أبرزها (الأنا).

وشغل سؤال الهوية الأدباء والمفكرين، لاسيما مع موجة الاستعمار، وما أحدثه من صدمة حضارية أسهمت في بلورة الوعي حولها حين يتعلّق الأمر بمواجهة الآخر الذي يسعى لفرض ثقافته على الدول النامية، بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا الغزو الثقافي الذي بدأ يتفشّى مع تنامي ظاهرة العولمة واتساع ظاهرة الهجرة يشكّل تهديدا حضاريًّا للدول التي كانت حديثة عهد بالاستقلال من براثن الاستعمار، الذي تركها مخلخلة الأركان بفعل سياساته المقصودة لتهديم الحضارة في الدول التي كان فيها.

وشمل الكتاب في طرحه عدّة روايات عبّرت عن شاغل الأدباء الجزائريين حول الهوية العربية عامة، والجزائرية خاصّة، في خضم المواجهة الحضارية التي حصل اللقاء فيها مع الآخر الغربي، وفي ظل الصراعات الحاصلة وتنامي ظاهرة العولمة والهجرة تمكّنت الأنا من التعرُّف على الآخر بشكل أقرب على أرضه.

ومن الروايات التي اتخذت مدار الدراسة "عودة السنونو" لهشام محجوب عرايبي، و"أنا وحاييم" (لحبيب السائح)، و"هاوية المرأة المتوحشة" (عبد الكريم ينّينة)، و"أناشيد الملح" (العربي رمضاني)، و "من يستأجر لي وطنا؟" (طاهر مرابعي)، و"نيران وادي عيزر" (محمد ساري). وتقف الروايات المدروسة في طرحها للعلاقة بين الأنا والآخر إزاء أربع مسائل محورية (الاستعمار، الإرهاب، الهجرة، الهوية).

وطرح الكتاب من خلال هذه الروايات عدّة تمثلات ميّزت الهوية في الرواية، لعل أبرزها: الهوية الدينية، والهوية الثقافية، والهويّة الوطنية، والهويّة القومية التي تم فيها طرح قضية القومية العربية في مواجهة الاختراق الصهيوني، فضلا عن القضية الفلسطينية، كما تم التركيز على حضور الآخر في الروايات؛ إذ لطالما شكل الآخر الغربي والمرأة الغربية موضوعا ثريا في المخيال الشرقي متخذين صورا وأشكالًا متعددة تعد انعكاسًا لطبيعة العلاقة التي تربط بين الشرق والغرب أو بين الأنا والآخر، فمعرفة الآخر أمر ضروري لتحديد طبيعة العلاقة التي تربطه بالأنا والتحدّيات التي تواجهها. ويركز الفصل الأخير من الكتاب على تأثير التغيرات المكانية والزمنية في تشكيل هوية الشخصية الروائية وفهمها لذاتها والعالم من حولها.

وقالت الدكتورة فتحية حسني مؤلفة الكتاب: “ما يمكن قوله ختاما أنّ المتتبّع لمسار الحركة الإبداعية الجزائرية، خاصة الروائية منها، يجد أن موضوع الاستعمار والهجرة كثيرا ما كان يوظف مرجعية تاريخية تؤسس للعلاقة بين كل من الأنا والآخر بشقيها الإيجابي والسلبي. وقد استطاع المبدعون من خلال الروايات موضوع الدراسة أن يطرحوا موضوع الهوية والآخر بصور وأشكال متعدّدة أسهمت في رسم معالم الأنا وهويّتها في مقابل هوية الآخر التي تسعى لفرض وجودها أمام الأنا" .

وأضافت "إن نظرة متفحّصة لسيرورة العالم وما خلّفته التكنولوجيا تبرز واقع الهيمنة الغربية على مختلف الأصعدة، خاصة مع تزايد ظاهرة العولمة كسلاح غربي وكذلك التطورات الحاصلة في مختلف الميادين العلمية والمعرفية، وكان لذلك أثره البالغ على الأنا العربية التي ما لبثت أن سايرت التحولات وغدت مغلّفة في ثوب غربي فرضه بأساليب عصرية غير مباشرة، ما يؤكد على حال التبعية للعالم الغربي، إذ يغدو العالم العربي كيانا بلا هويّة، وقصد الخروج من حال الاستتباع وجب التأكيد على وحدة الانتماء للقومية العربية والتأكيد على الشخصية الإسلامية التي تتميّز بأنها محصّنة من كافة التأثيرات الهادمة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

القدس في وجدان المغاربة.. من حارة التاريخ إلى ضمير الأمة.. كتاب جديد

كتاب: المغاربة والمسجد الأٌقصى صلات أصيلة، وعطاء ممتد
الكاتب: حماد القباج وعبد المجيد أيت عبو
الناشر: مكتبة وما يسطرون
الطبعة الأولى: 2025
عدد الصفحات: 540


وقائع تاريخ بيت المقدس تثبت وجود صلات عميقة بين المغاربة والمسجد الأقصى سواء في التاريخ العام الذي يهم فلسطين والقدس والخليل، أو في التاريخ الخاص الذي يستعرض الأوقاف أو المدارس التعليمية أو الأبنية في القدس، وتحتفظ حارة المغاربة وباب المغاربة برمزية تاريخية كبيرة، تشهد على دور المغاربة في تعمير بين المقدس والدفاع عنه.

 لكن هذه الرمزية التاريخية التي تشهد للمغاربة بشرف خدمة المسجد الأقصى، بقدر ما تجلي أدوراهم التاريخية وواجبهم اتجاه المسجد ألأقصى، بقدر ما تختصر هذه الجهود وتغطي على جهود أخرى، لا يعرفها إلا الباحثون المطلعون على الحقائق التاريخية لصلة الغاربة بالمسجد الأقصى والعطاء الممتد في التاريخ الذي قدموه لبيت المقدس.

وقد قام عدد من الباحثين والمؤرخين المغاربة والمشارقة والأجانب  بجهود بحثية مهمة تكشف جوانب من هذا العطاء الذي بقي مغمورا في الكتب، منهم الدكتور المؤرخ نظمي الجعبة الذي كتب عن " المغاربة في بيت المقدس ظهر سنة 2021، وقد سبقه المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي الذي كشف جانبا من صلة المغاربة ببيت المقدس عبر بوابة الرحلة، فكتب كتابه:" القدس والخليل في الرحلات المغربية"، وكان قد قدم في سنة 2009، جملة وثائق قانونية وتاريخية لملتقى القدس الدولي برعاية جلالة الملك محمد السادس، وبتعاون بين مؤسسة ياسر عرفات ووكالة بيت مال القدس الشريف، حول المغاربة والقدس، وقدم وثائق أخرى عن أوقاف المغاربة بالقدس الشريف سنة 1981، وكتب الدكتور عبد الرحمان المغربي أطروحته حول طائفة المغاربة بالقدس، بجامعة عين شمس  سنة 2000، وغطت إسهامات أخرى أدوار المغاربة ببيت المقدس، خاصة في مجال التعليم والبناء والتجهيز والعمل الخيري والإحساني،  ولم  يكن نصيب المغاربة من إظهار أفضال أجدادهم هو الأبرز، بل غطى المؤرخون المشارقة والغربيون هذه الافضال في جملة كتاباتهم العامة، التي تناولت تاريخ بيت المقدس والخليل، أو غطت بالبحث والدراسة الأوقاف الإسلامية، أو المدارس الإسلامية بالقدس الشريف.

لقد كان قصد الشيخ حماد القباج من هذا الكتاب في سياق تطبيعي وتوقيع اتفاقات إبراهيمية، تداعت فيه أقلام مغرضة للتشكيك في المغاربة وعلاقتهم بالقضية الفلسطينية، أن يثبت الصلات الوجدانية العميقة بين المغاربة وبيت المقدس، وأنها ليست مبنية على شعارات أو أوهام، وإنما هي مبنية على إرث تاريخي، مليء بالمنجزات والأفعال الدالة على تعلق المغاربة ببيت المقدس ودفاعهم عنه، وخدمتهم له. فصلة المغاربة ببيت المقدس، حسب الكتاب، ليست صلة عابرة، وإنما هي متجذرة في التاريخ متصلة غير مقطوعة تشهد عليها عطاءات المغاربة الممتدة إلى اليوم في كافة المجالات.في هذا السياق، ندرج جهدا آخر، أتى متأخرا زمنيا، لكنه، جاء مستوعبا لما سبقه، غير مقتصر على باب واحد من أفضال المغاربة وإسهامهم في خدمة بين المقدس، إذ كان الشيخ حماد القباج ـ الداعية والبحاثة المغربي ـ رحمه الله مهتما بالقضية الفلسطينية ومناصرتها، مغرما بجمع الوثائق التي تثبت صلات المغاربة ببيت المقدس وإسهامهم في خدمته،  فاشتغل على جمع مادة الكتاب وتبويبها وتنسيقها، والتمس من يعينه في ذلك، ولم تمنعه الإعاقة من استكمال جهده، فأعانه على ذلك الأستاذ عبد المجيد أيت عبو، وشاءت يد القدرة أن يتوفى الشيخ حماد القباج قبل خروج هذا العمل إلى المكتبات، إذ توفي رحمه الله في التاسع من مارس 2025 أي قبل  أقل من ستة أشهر من صدور كتابه.

قصة الكتاب

يروي الأستاذ عبد المجيد أيت عبو في مقدمة كتاب: "المغاربة والمسجد الأٌقصى صلات أصيلة، وعطاء ممتد" سياق تأليفه، وأن الشيخ حماد القباج رحمه الله، اشتغل على مادته لسنوات طويلة، وجمع فيه جذاذات بعضها قد استوى على ساقه، وبعضها الآخر كان مسودات تحتاج لدراسة ومراجعة،  وأن الشيخ نظرا لامتداد السنوات واشتغاله بشكل متقطع على مادة الكتاب، خشي أن تداهمه السآمة فتحول دون إتمام كتابه، وأنه لذلك عرض عليه في صيف 2024، مقترحا بمساعدته في إتمام الكتاب وإخراجه،  فتم التوافق على العمل المشترك الذي أثمر صدور هذا الكتاب هذا الشهر.

يذكر الأستاذ عبد المجيد أيت عبو في المقدمة نفسها بجهود الشيخ القباج في مناصرة القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع، ويشير إلى جملة من أعماله وكتاباته ومقالاته حول القضية الفلسطينية، ويعتبر أن انشغاله بموضوع صلة المغاربة ببيت المقدس لم يكن مجردة سرد تاريخي أو ولع بوثائق كان يرجو تقاسمتها مع القراء والجمهور، بل كان يقصد بدرجة أولى أن يغوص في أعماق ذاكرة جمعية مغربية مقدسية عربية إسلامية تحمل في طياتها إرثا روحيا وحضاريا وسياسيا امتد عبر قرون، وأن ذك أضحى يشكل جزءا ثابتا في هوية الأمة المغربية.

لقد كان قصد الشيخ حماد القباج من هذا الكتاب في سياق تطبيعي وتوقيع اتفاقات إبراهيمية، تداعت فيه أقلام مغرضة للتشكيك في المغاربة وعلاقتهم بالقضية الفلسطينية، أن يثبت الصلات الوجدانية العميقة بين المغاربة وبيت المقدس، وأنها ليست مبنية على شعارات أو أوهام، وإنما هي مبنية على إرث تاريخي، مليء بالمنجزات والأفعال الدالة على تعلق المغاربة ببيت المقدس ودفاعهم عنه، وخدمتهم له. فصلة المغاربة ببيت المقدس، حسب الكتاب، ليست صلة عابرة، وإنما هي متجذرة في التاريخ متصلة غير مقطوعة تشهد عليها عطاءات المغاربة الممتدة إلى اليوم في كافة المجالات.

بين يدي الكتاب

يضم الكتاب مقدمة وبابين اثنين، خصص الأول لتقديم لمحة تاريخية عن القدس والأقصى، حيث عرج على الفتح العمري والاحتلال الصليبي لبيت المقدس وتحرير صلاح الدين للقدس والمسجد الأقصى،  ثم الاحتلال الصليبي الثاني للشام (الاحتلال الفرنسي للشام والاحتلال البريطاني والصهيوني لفلسطين) مذكرا في هذا السياق بالتحالف العربي البريطاني، وأدوار لورانس، واكشاف الملك حسين لغدر بريطانيا مرورا بوعد بلفور واختلاق هيكل سليمان والسياسة التهويدية  اتجاه القدس، والإجراءات الصهيوني التي طالت المسجد الأقصى، والموقف العربي الإسلامي من تهويد القدس.

أما الباب الثاني، وهو زبدة الكتاب وثمرته الأساسية، فقد خصص لعرض علاقة المغاربة ببيت المقدس والمسجد الأقصى، إذ اختار المؤلف أن يقف على مختلف إسهامات المغاربة، منطلقا ابتداء من مسح موقع القدس والمسجد الأقصى في الرحلات المغربية،  وذلك منذ مراحل جد مبكرة في القرن الخامس الهجري (رحلة الفقيه المغربي المالكي أبي بكر ابن العربي المعافري)، ثم رحلات كل من  الشرق الإدريسي السبتي وابن جبير ورحلة الإمام الشاطبي والعبدري وخالد البلوي وابن بطوطة وابن ابن خلدون والمقري والعياشي والمكناسي والكتاني وابن يزدان والجعيدي وبوشعرة ومحمد الرقيوق، ثم أشار المؤلف في نفس الفصل المتعلق برحلات المغاربة إلى ما كتبه رحالة مغاربة عن القدس ولم يروها.

كما ضم الباب الثاني من هذا الكتاب، ودائما ضمن عطاءات المغاربة وصلاتهم بالقدس الشريف، صفحات مشرقة من جهادهم في الدفاع عن القدس، سواء في غزوة دمشق أو غزوة تيمورلنك، فذكر في هذا السياق جهاد الأمير عبد العزيز بن شداد الصنهاجي، وإسهام يعقوب المنصور الموحدي، والقائد المرابطي، ومكي بن حسون المغربي، وذكر جوانب مهمة من التعاون بين الدولة المغربية والدولة الأيوبية. ولم يقتصر الكتاب على جهود الأجداد في القرون الماضية، ولكنه ألحق بهم جهود المعاصرين في مواصلة النضال، فذكر من ذلك نضال الشيخ محمد المهدي شيخ أوقاف حارة المغاربة (1945)، ومصطفى مراد الدباغ (1989)، وشكيب القطب وبهجة أبو غريبة (2012) وفوزي نامق القطب (1088) وعصام ناجي سيسالم (2009) وعماد خليل العلمي ودلال المغربي (1973) وسامر عصوم المحروم، وحسن العلمي (2005)، وهاني محمد الشريف ومحمود معين الريفي (2009).

وركز الكاتب أيضا على جانب آخر من جوانب إسهام المغاربة في خدمة بين المقدس، يهم  الحركة العلمية بالقدس، سواء من خلال القضاء، أو الإمامة والخطابة في المسجد الأقصى أو التدريس والإفتاء، أو تصدر مجالس العلم وكراسيه في مجال الحديث والفقه ومشيخة المغاربة وإمامة المالكية، هذا فضلا عن مجال الأدب والشعر والعلم بالمواقيت، ليعرج في فصل آخر ضمن نفس الباب أيضا على أوقاف المغاربة في القدس وفلسطين، وكيف توسعت  بشكل كبير حتى شملت جوانب لا يمكن تصور دخول الأحباس عليها، فذكر الكاتب من ذلك وقفية الشيخ عمر المصمودي المجرد المغربي المالكي، والربعة الشريفة (المصحف المريني) ووقفية ابي مدين الغوث المغربي المالكي، وأشار إلى وقفيات أخرى كثيرة، مركزا أيضا على  تدبير المغاربة لهذه الأوقاف وطرق إدارتها، وكيف استهدفها العدوان الصهيوني بعنف، والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت عن تدمير هذه الأوقاف والاستيلاء الصهيوني عليها.

وفي الفصل الخامس من نفس الباب المعني بكشف عطاءات المغرب اتجاه  القدس وبيت المقدس وصلاتهم الوثيقة بهما، عرض الكاتب بالتفصيل الموثق إلى جوانب مهمة من تراث المغاربة المادي في القدس، وذكر من ذلك زاوية المغاربة، وطاحونة وقف المغاربة، وجامع المغاربة، وباب المغاربة (باب الحرم) ومئذنة باب المغاربة، وحارة المغاربة والمدرسة الأفضلية وجامع المغاربة وباب المغاربة وزاوية المغاربة ومسجد البراق وحائط البراق والزاوية الفخرية وملحقاتها ومدرسة بنات المغاربة، وتعرض الكاتب أيضا للسياسة الصهيونية التي استهدفت حارة المغاربة بالهدم، وكيف تحول هذا الحي إلى حي منسي بعد أن قام بأدوار مهمة في تاريخ بيت المقدس.

وإضافة إلى هذا التراث المادي، تناول الفصل السادس من نفس الباب الثاني، نضال وجهاد المغاربة للدفاع عن تراثهم المادي بالقدس، وانتصارهم للقدس والمسجد الأقصى سواء من خلال الجهود المدنية أو المؤسسية الرسمية، فذكر في هذا السياق إسهام المغاربة في ثورة البراق سنة 1929، ومواقف المغرب بالمؤتمر الإسلامي بالقدس سنة 1931، واحتجاج المغرب ضد قرار تقسيم فلسطين سنتي 1937 و 1947، وذكر جوانب من احتجاج مدن المغرب على هذا القرار خاصة مدينة سلا، وكيف تداعى المغاربة للتطوع للجهاد في حرب 1948، ولم يفته أن يقدم لمحة مهمة عن مواقف الحركة الوطنية من القضية الفلسطينية، وخص بالذكر حزب الاستقلال ومواقف زعيم الحركة الوطنية علال الفاسي وأحد رؤساء رابطة علماء المغرب الشيخ عبد الله كنون رحمهما الله،  هذا فضلا عن مواقف المغرب الرسمية في الدفاع عن القضية الفلسطينية والاحتجاج على السياسات الصهيونية، والمبادرات التي قام بها سواء  بالمشاركة في حرب 1973، أو إنشاء لجنة القدس وبيت مال القدس،  دون أن يغفل  الكتاب الإشارة إلى المبادرات المدنية لدعم الكفاح الفلسطيني.

أشار الكتاب إلى العلاقات الاقتصادية والتنموية بين المغاربة والقدس من خلال ذكر أوقاف المغاربة، وكيف كانوا يديرونها للمنفعة العامة، ولخدمة التنمية في المدينة المقدسة، وأيضا من خلال إسهاماتهم في مجال الأبنية والتجهيزات التي كانوا يقيمونها بالمدينة المقدسة، ولم يغفل الكتاب أن يذكر جانبا آخر، من جوانب الارتباط (السياحي) من خلال الرحلات المغربية إلى بيت المقدس والمسجد الأقصى، وما يسجله الرحالة المغاربة في كتاباتهم بهذا الشأن.هذا وقد فضل الكاتب أن يختم الباب الثاني، بفصل سابع، جعله بمثابة دليل استمرارية تيقظ الوعي الوطني بقضية فلسطين وواجب الأمة العربية اتجاهها، فاستقرأ جريدة "الوحدة المغربية"، والنصوص التي تضمنت مواقف اتجاه القضية الفلسطينية وفضح السياسات الصهيونية، ووثائق تكشف المخططات العبرية للسيطرة على فلسطين والمسجد الأقصى، وطرق مقاومة هذا الكيان وتخليص فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.

هذا وقد اعتمد الكتاب على 124 مرجعا علميا  باللغة العربية، يضم المصادر التاريخية العامة والخاصة، والوثائق الوقفية، والوثائق المتعلقة بمدارس التعليم بيت المقدس، فضلا عن دراسات علمية في جزئيات متخصصة تكشف أدوار المغاربة المختلفة في بيت المقدس وخدمتهم للمسجد الأقصى، كما ضم  مقالات  ومراجع أجنبية متخصصة، مما  يبين الجهد الموسوعي الذي قام به حماد القباج، والذي قد يغني القارئ إلى الرجوع إلى المراجع المتخصصة، إذ جمع الوثائق المختلفة، وضمنها هذا الكتاب، مما يبين أهميته في هذا الباب.

في حقيقة ارتباط المغاربة بالقدس والمسجد الأقصى

في خاتمة الكتاب، خلص المؤلفان إلى الجوانب الأساسية من ارتباط المغاربة بالقدس والمسجد الأقصى، إذ انتهى الكتاب بتقرير حقيقة أن ارتباط المغاربة بالمسجد الأٌقصى ليس فقط مجرد علاقة تاريخية أو جغرافية، بل هو علاقة عقائدية وروحية عميقة تستمد جذورها من التاريخ الإسلامي المشترك.

وهكذا بين الكتاب وجه الارتباط التاريخي الذي يجمع المغاربة القدس والمسجد الأقصى، والذي يمتد لقرون طويلة تعود إلى الفتح الإسلامي لبيت المقدس في القرن السابع الميلادي، حيث ساهم الجنود المغربة بشكل كبير في تحرير القدس، ويعود هذا الارتباط مع استقرار عدد من المغاربة في المدينة المقدسة خلال فترات مختلفة من التاريخ وخاصة بعد تحريرها من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر، حيث أنشأ لهم حارة خاصة عرفت بحارة المغاربة وكانت قرب المسجد الأقصى لتسهيل عبادتهم وخدمتهم له.

أما بخصوص الارتباط العقائدي، فقد دلل عليه الكتاب بارتباط المغاربة بمدينة القدس والمسجد الأقصى منذ أن استقر الإسلام في أوطانهم، بفعل الأواصر الروحية والعقائدية التي تشد المسلمين إلى أعظم ثلاث مساجد في الإسلام، المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى بالقدس.

وأما الارتباط الروحي والعلمي، فقد أثبته الكتاب من خلال دأب المغاربة منذ العصور الأولى على زيارة الأقصى حين يرجعون قافلين من رحلتهم للحج، أو حين يقصدونها استقلالا وشوقا إلى هذه البقعة الطاهرة، ورغبة في الصلاة بالمسجد الأقصى، إذ كانوا لا يفوتون هذه الفرصة التعبدية، ويضيفون إليها النهل من دروس العلم التي لا تنقطع من مساجد القدس ومدارسها وزواياها، فمن المغاربة من آثر المكث في مدينة القدس مددا طويلة، ومنهم من كان يقضي مآربه ويرجع إلى أهله،  وقد كانوا بين مستفيد من العلم ينهل من مجالسه، وبين علماء ومشايخ يقدمون زادهم العلمي، ويوطدون العلاقات العلمية والروحية بين المغاربة وفلسطين.

هذا وقد أشار الكتاب إلى العلاقات الاقتصادية والتنموية بين المغاربة والقدس من خلال ذكر أوقاف المغاربة، وكيف كانوا يديرونها للمنفعة العامة، ولخدمة التنمية في المدينة المقدسة، وأيضا من خلال إسهاماتهم في مجال الأبنية والتجهيزات التي كانوا يقيمونها بالمدينة المقدسة، ولم يغفل الكتاب أن يذكر جانبا آخر، من جوانب الارتباط (السياحي) من خلال الرحلات المغربية إلى بيت المقدس والمسجد الأقصى، وما يسجله الرحالة المغاربة في كتاباتهم بهذا الشأن.

وإذا كانت بعض هذه الجوانب من الارتباط تغطي بشكل كبير المراحل التاريخية السابقة، فإن الكاتب، إضافة إلى استمرار جوانب الارتباط التاريخي والعقائدي والروحي، لم يغفل أن يشير إلى مظاهر الارتباط الغربي بالقدس في العصر الحديث، سواء من خلال المبادرات المدنية أو الرسمية التي تقوم بها الدولة المغربية من خلال مشاريع بيت مال القدس التي بذلت الكثير لفائدة المقدسيين سواء في مجال التعليم أو الصحة  أو البناء أو حفظ التراث المقدسي.

مقالات مشابهة

  • الرئيس اليمني الأسبق: الرئيس السيسي مواقفه وطنية والحرب على غزة تجسيد للمأساة الإنسانية
  • ماذا طلب وزير الماليّة من كتاب العدل؟
  • الافتتاح قريباً.. متحف الفن المعاصر بجامعة حلوان يستعد لاستقبال الزوار
  • (مطالعة اقتباس الرواية ونقد المعيش ..) واشتباك الزمن الروائي بالزمن المرجعي)…مطالعات
  • القدس في وجدان المغاربة.. من حارة التاريخ إلى ضمير الأمة.. كتاب جديد
  • فتح الترشح لجائزة إثراء للفنون بالسعودية
  • بورسعيد .. واجهة حضارية تتألق في معرض الكتاب
  • المؤتمر الأول لذوي الإعاقة في إدلب يناقش التحديات التي تواجههم
  • الأميرة ريم بنت الوليد تكشف كيف ورطها خط والدها في المدرسة.. فيديو
  • الأوقاف تعتمد 131 خطيبًا من المحالين للمعاش ضمن خطة دعم المنابر بالكفاءات الدعوية