في تحرك غير مسبوق، دخل آلاف الأطباء المقيمين في إنجلترا، اليوم الجمعة، في إضراب يستمر خمسة أيام، هو الأطول في تاريخ هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، احتجاجًا على ما وصفوه بانهيار الأجور وفشل الحكومة في الاستجابة لمطالبهم العادلة.

ويشارك الأطباء المقيمون – وهم أطباء في بداية مسيرتهم المهنية ويشكلون العمود الفقري للرعاية الصحية اليومية في المستشفيات والعيادات – في اعتصامات أمام مراكز طبية رئيسية في عموم البلاد، مؤكدين أن تصعيدهم جاء بعد فشل مفاوضاتهم الأخيرة مع الحكومة البريطانية بشأن الرواتب والظروف الوظيفية.

“أجر الطبيب أقل من المساعد”.. تحذير من نزيف الكفاءات

وفي بيان مشترك، قالت الدكتورة ميليسا ريان والدكتور روس نيوود، رئيسا لجنة الأطباء المقيمين في الرابطة الطبية البريطانية (BMA)، إن “تآكل الأجور بلغ مستويات غير مقبولة، حيث أصبح أجر الطبيب المقيم أقل بنسبة تصل إلى 30% من أجر مساعد الطبيب”.

وأضاف البيان أن “القطاع الطبي يخسر أطباءه الشباب بوتيرة مقلقة بسبب بيئة العمل المتدهورة وتراجع القوة الشرائية للأجور”.

وتطالب النقابة بزيادة الأجور لتعويض ما تعتبره خفضًا فعليًا تجاوز 20% منذ عام 2008، نتيجة التضخم وتجميد الرواتب الحكومية في القطاع الصحي خلال السنوات الماضية.

خدمة الصحة الوطنية تتحسس التداعيات وتحذر من الخطر

من جهتها، أكدت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا أن أقسام الطوارئ ستظل مفتوحة، لكنها حذرت من اضطرابات واسعة في مواعيد المرضى، حيث سيتم تأجيل آلاف العمليات والفحوصات المجدولة، في وقت تبذل فيه المستشفيات والعيادات جهودًا لتأمين الحد الأدنى من الخدمات.

المتحدث باسم الهيئة صرح بأن “الإضراب سيؤثر بشكل حتمي على نوعية الرعاية المقدمة، خاصة أن الأطباء المقيمين يمثلون القوة العاملة الأساسية في المستشفيات، ويؤدون مهامًا حيوية على مدار الساعة”.

حكومة سوناك: الزيادات غير ممكنة حاليًا

رد الحكومة البريطانية لم يكن أقل حدة، إذ رفض متحدث باسم وزارة الصحة رفع الأجور بالمستوى المطلوب، معتبرًا أن “المطالب غير واقعية في ظل الضغوط المالية التي تواجهها الخزينة العامة”.

وأشار إلى أن الحكومة عرضت “زيادات عادلة” في الرواتب وأن “الحوار يجب أن يستمر بعيدًا عن الإضرابات التي تضر بالمرضى”.

لكن نقابة الأطباء ترى أن هذه الزيادات لا تواكب الواقع المعيشي، ولا تضع حدًا لما تسميه “استنزاف القطاع الطبي”، إذ أن عددًا متزايدًا من الأطباء يغادرون إنجلترا للعمل في الخارج أو في القطاع الخاص.

خلفية الأزمة.. سنوات من التراكم والتجاهل

تعود جذور الأزمة إلى ما بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، حين بدأت الحكومات المتعاقبة في بريطانيا بفرض قيود على أجور القطاع العام، بما في ذلك الأطباء، ومع تصاعد معدلات التضخم في السنوات الأخيرة وتراجع قيمة الجنيه الإسترليني، باتت الأجور الحقيقية للأطباء المقيمين متدنية مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة.

كما ساهمت جائحة كورونا في تعميق الأزمة، إذ تحمل الأطباء ضغوطًا هائلة وساعات عمل مرهقة، دون أن تنعكس هذه التضحيات على رواتبهم أو تحسين ظروفهم المهنية.

أفق مسدود… وتصعيد محتمل

يأتي هذا الإضراب في سياق سلسلة من الإضرابات شهدها قطاع الصحة خلال العامين الماضيين، شارك فيها ممرضون ومساعدو أطباء ومسعفون. لكن إضراب اليوم يتميز بطوله وعمقه، مما يضع الحكومة أمام اختبار سياسي واجتماعي كبير.

وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، تحذر نقابة الأطباء من أن التصعيد وارد، وقد يشمل موجات إضراب متتالية في الأسابيع المقبلة، الأمر الذي يهدد بشلل واسع في نظام الرعاية الصحية الحكومي.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: إضراب للأطباء بريطانيا الأطباء في بريطانيا الاقتصاد البريطاني بريطانيا

إقرأ أيضاً:

أنقذوا مستشفياتنا.. آلاف الأطباء في تونس يضربون عن العمل ويحتجون أمام البرلمان للمطالبة بحقوقهم

رفع الأطباء لافتات كتب عليها "كرامة للأطباء" و"أنقذوا مستشفياتنا"، مؤكدين أن تدني الأجور وتقادم المعدات ونقص الإمدادات الطبية الأساسية عوامل رئيسية تغذي موجة هجرة الكفاءات الطبية نحو الخارج.

نفّذ اليوم الأربعاء آلاف الأطباء الشبان في تونس إضرابًا عامًا احتجاجًا على ما وصفوه بـ"تجاهل وزارة الصحة لتعهداتها". وشملت الاحتجاجات جميع المستشفيات وكليات الطب بالبلاد، مع استثناء أقسام الاستعجالي التي واصلت تقديم الخدمات لضمان الحد الأدنى من الرعاية الصحية.

وجاء هذا التحرك تحت شعار "تمرمدنا" وهو ما يعني "استُنزفنا"، وشمل تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر مجلس نواب الشعب بالعاصمة، بالتزامن مع مناقشة ميزانية وزارة الصحة، للمطالبة بتنفيذ بنود الاتفاق المبرم مع الوزارة بتاريخ 3 تموز/يوليو 2025، والذي لم يتم تفعيله بشكل كامل حسب منظمة الأطباء الشبان.

وأوضحت المنظمة أن أبرز أسباب العودة إلى التحركات الاحتجاجية يتمثل في تأخر صرف المستحقات المالية المتعلقة بحصص الاستمرار، وغياب المراجعة الفعلية للمقرر الوزاري الخاص بهذه الحصص، رغم الاتفاق على تفعيلها منذ دورة سبتمبر/أيلول 2025.

وأضافت أن عددًا من الأطباء يواصلون العمل دون الحصول على أي مقابل مالي، فيما ينتظر آخرون مستحقات تعود إلى أكثر من عام.

Related تونس: سجناء يضربون عن الطعام احتجاجًا على "تدهور الحريات والقضاء الجائر"نقابة الصحافيين التونسيين تحذّر من تهديد غير مسبوق لحرية الصحافة وتحمّل السلطات المسؤولية بعد تجميد نشاط جمعيات حقوقية في تونس.. هل يشهد المجتمع المدني موجة قيود جديدة؟

كما أشارت المنظمة إلى تجاوزات متعددة، تشمل التراجع عن الزيادات الخاصة بالمنح الشهرية، التلاعب في شروط السكن للفئات الاستثنائية، وتأخر إصدار النصوص الرسمية التي تنظم حالات الإعفاء أو التأجيل أو الإبقاء على السكن الوظيفي، معتبرة أن هذه التجاوزات تمثل "انقلابًا على الاتفاق الوطني وتهديدًا لاستقرار القطاع الصحي".

وقال وجيه ذكار، رئيس منظمة الأطباء الشبان، إن التحرك الاحتجاجي يأتي بعد ملاحظة "تراجع الوزارة تدريجيًا عن تعهداتها، خاصة في الملفات الاجتماعية والمالية المتعلقة بالأطباء الشبان". وأضاف: "عدد من المسؤولين داخل وزارة الصحة يتعاملون مع أزمة الأطباء الشبان بنوع من اللامبالاة، رغم حساسية الوضع في المستشفيات العمومية"

وشددت المنظمة على "تمسكها بحقوق منظوريها ومواصلة كل أشكال النضال المتاحة لضمان تنفيذ بنود الاتفاق كاملة دون تحريف أو التفاف"، مؤكدة أن "الحوار يظل خيارها الأساسي لتجاوز الخلافات، لكنها لن تتردد في التصعيد إذا استمرت الوزارة في تجاهل مطالب الأطباء".

ويأتي إضراب اليوم بعد سلسلة تحركات احتجاجية للأطباء الشبان منذ أبريل/نيسان 2025، شملت إضرابًا ومسيرات احتجاجية يوم 2 مايو/أيار، وإضرابًا دام خمسة أيام خلال شهر جوان/يونيو، للتأكيد على ضرورة مراجعة شروط الإعفاء في الخدمة المدنية وتنظيم ساعات العمل وتحسين المنح المالية.

وكانت المنظمة قد وقّعت اتفاقًا مع وزارة الصحة في 3 تموز/يوليو 2025 تضمن جملة من الإجراءات، منها الترفيع في منحة الخدمة المدنية لتصل إلى 2000 دينار، وضمان التغطية الاجتماعية للأطباء، واعتماد نظام موضوعي لتقييم التربصات، إلا أن تطبيق هذه البنود تعطل تدريجيًا حسب المنظمة.

وتشهد تونس موجة متصاعدة من الاحتجاجات الاجتماعية، شملت موظفي النقل والبنوك، فضلاً عن الاحتجاجات البيئية في مدينة قابس جنوب البلاد، وسط تدهور الخدمات العامة، خاصة في الصحة والتعليم والمرافق الأساسية، وارتفاع معدلات الهجرة الطبية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • موجة احتجاجات متصاعدة في تونس وسط احتقان سياسي واجتماعي
  • إيهاب الكومي: ديانج أزمة حقيقية في الأهلي
  • نقابة أطباء قنا تستلم عقد تخصيص أرض النادي الاجتماعي بالمدينة الجديدة
  • الاتحاد الأوروبي يطالب بإشراكه وكييف لإنهاء أزمة أوكرانيا
  • جامعة كفر الشيخ تنظم لقاءً تعريفيًا للأطباء المقيمين الجدد
  • حديث ترامب الذي قال انه سيفعل شيئاً بخصوص الأزمة في السودان
  • أنقذوا مستشفياتنا.. آلاف الأطباء في تونس يضربون عن العمل ويحتجون أمام البرلمان للمطالبة بحقوقهم
  • آلاف الأطباء في تونس يضربون للمطالبة بزيادة الأجور
  • أزمة كهرباء خانقة في لحج وسط رفض حكومي لتزيد محطات المحافظة بالوقود
  • إضراب شامل وإجراءات تعسفية.. الحوثيون يشددون الخناق على تجار صنعاء