بعد مرور عقدين من الزمن، يشكل أحداث 11 سبتمبر كالعادة نقطة تحول فريدة تجاه السياسة والنظرة العامة للإسلام والمسلمين؛ باعتبارهم المجموعة المعبرة والدالة على الإرهاب والتطرف الحقيقي دون سواهم، خالقة حالة من التشوه المخلوط بالكراهية والحقد، أو إحدى نطاقات التطرفات الحديثة على جانبين الدفة الأيديولوجية يمينا ويسارا: إما في الحركات الجهادية أو اليمينية المتطرفة المناهضة للإسلام بالكلية.

فنشأت ظاهرة الإسلاموفوبيا في ظل هذا المناخ المشحون والدفعة الممنهجة ضد كل ما له رائحة قريبة للإسلام، فتم إدراج نضالات بعض الشعوب التي تشتمل بالكامل عمليا على  التحرر الوطني، مثل غزة و لبنان وسوريا وأفغانستان التي احتلت أمريكا أرضها بنفس الذرائع الواهية الخاصة بحماية المواطنين والنساء، وغيرها من الأوهام المزخرفة المدمرة على رؤوس الأفغان، وأعقبها العراقيون في حرب ضروس استمرت آثارها حتى الآن.

بالتوازي مع تلك المعركة على أرض الميدان الحربي، شنت الولايات المتحدة هولوكوست بحثيا مميتا على ركيزتين رئيستين: الشيطنة الكاملة أو الإخفاء المعتمد للباحثين المسلمين الذين يتحدثون عن الإسلام الحق بإنصاف محض، أما الركيزة الأخرى فهي عبارة عن حرب صليبية بحثية عبر العديد من المراكز البحثية والكتب المؤلفة المشوهة للإسلام والمعاد تشكيله ليتوافق مع الحداثة الغربية.

فبناء على ما سبق، دشنت الولايات المتحدة مراكز معنية بدراسات التطرف والإرهاب الإسلامي، وخرجت مؤسسات رائدة لها علاقات مع أجهزة في الدولة الأمريكية، مثل مؤسسة راند التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية ومركز واشنطن، فكانت سببا جوهريا في تأجيج المشاعر الدفينة للحقد والكراهية الرامية بالضرورة لاستهداف ممنهج للمسلمين في الغرب، أو من المسلمين الجدد مثلما حدث مع الصحفية البريطانية إيفون رديلي، ولورين بوث؛ أخت زوجة السفاح ومجرم الحرب توني بلير المقرر تنصيبه مندوبا على غزة مع ترامب قبيل التغيرات الحاسمة الأخيرة بقرار مجلس الأمن الاستعماري.

إن الهدم والتجريف الجاري حدث على مستوى الأخلاق والأفكار الثقافية، فنتج عنه تحول جذري وتسارع دراماتيكي مثير وصادم حتى لنفس المراكز البحثية؛ لأنه بعكس استراتيجية الحرب على الإرهاب عقب 11 سبتمبربكل تفاصيلها وطرقها المشوهة القائمة بالأساس على "الاستشراق النمطي" بحد تعبير إدوار سعيد، فإن الطوفان قام بهدم المبنى من أساسه، من الأرض حتى أعلى نقطة فيه، وصولا لدعم الشباب الأمريكان للمسلمين وحماس على وجه التحديد بنسبة تخطيت النصف، ما يعكس بالضرورة فشل نتنياهو حتى في استخدام الإسلاموفوبيا في حملة منافسي زهران ممداني، فضلا عن استخدامها الممنهج في أوروبا بشكل متنام من بعد بداية الهولوكوست المرير والإبادة الجماعية في غزة.

ومن هنا، يتجلى الأثر العظيم في حقيقة الأمر عبر الصحوة الأخلاقية سواء كانت نابعة من دوافع حقوقية أو دينية، أو مناهضة للاستعمار الغربي باعتباره فكرة تتغذى بالأساس على كل ما له سطح براغماتي ذرائعي غير أخلاقي ومنحط وإبادي، لأن المهم ليس في الطريقة المتبعة بقدر ما يحقق النتيجة المطلوبة بأي ثمن دام وإجرامي مثلما هو معلوم في التاريخ الغربي الحديث كله، متجليا بوضوح في التأثير البالغ على العرب بعد 11 سبتمبر؛ في مقولة سكوت أتران عالم الاجتماع والإنسان الفرنسي في كتاب "الحديث مع العدو" أن "أضغاث الغرب عن الإسلام من صنيعة نفس المنظومة الفكرية التي صنعت داعش والقاعدة!!". وعلى النقيض من ذلك، تبلورت المقاومة لتلك المنظومة الإجرامية على أيدي أبنائها ببطولة وشجاعة نادرة.

مع ممداني وأشباهه: آفاق التحرر الغربية من القبضة الصهيونية

إكمالا على هدم التأثير الناجم عن 11 سبتمبر في التنميط المشوه، فقد هدمت الشعوب الأوروبية والأمريكية على مدار عامين أساطير عديدة، في رسالة مفادها نحن هنا، نثبت الفرق الحقيقي عبر ما نملك من طرق عمل وأدوات جوهرية لكسر حالة الإبادة والتأييد لها بشكل فج وينزع الإنسانية عنا أمام العالم البائس، مدللين بذلك على طوفان ثقافي ونفسي قوي زلزل أركان الدول الأوروبية والغربية بكافة أركانها الشاملة. والحقيقة فقد اعترفت تلك الدول بنموذج دولة افتراضية مصطنعة من دون تحديد ملامح صلبة متماسكة لها، إنها دولة العدم المطلق من أجل فقط امتصاص الغضب. لكنها ألهبت كرة النار لتصل في نهاية المحطة لممداني وحربي، وغيرهما من الشخصيات المسلمة المؤرقة لمشاريع ترامب وإسرائيل وخططهما الخبيثة سياسيا ضد المهاجرين العرب واللاتينيين وغيرهم.

فحين انطلق المشاركون في حلف الفضول المعاصر في الأساطيل الحالية مثل الصمود ومادلين، سطروا نفس الرسالة النبيلة الكاسرة لحواجز الفروق الأيديولوجية والخلافات الفكرية الحادة، فقط لتقديم الغوث والإعانة، متجاهلين التشويه الإسرائيلي الباهت من نوعية "معاد للسامية" و"إرهابي" و"مؤيد للتطرف"، ومتحملين كل التحديات المرة والانتهاكات الصارخة في الليالي والشهور المقضية في السجن. فعلى مستوى الساسة الغربيين، فقد تعاملوا معهم بفتور ملحوظ لإنكارهم "العميق والجذري المترسخ" للإبادة الحالية في غزة، فضلا عن دعمهم المطلق لإسرائيل بشكل فج ومزكم للأنوف.

فبشكل أكثر ميلا للديكتاتوريات العربية، مالت الولايات المتحدة، كما هي طيلة فترة الحرب على غزة، إلى تسليح القوانيين الممررة من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والإعلام المؤيد للسردية المتصهينة الظاهرة، لجأت لنفس الاتهامات الإعلامية الزائفة والادعاءات البلهاء ومنها "شيوعي" و"ماركسي" و"جهادي معاد للسامية" لترسيخ الصورة المعتادة الخاصة بسياسة الإبادة أو "أنماط الإنكار المتعددة"، على حد تعبير أستاذ دراسات الإبادة الجماعية مارتن شو، لإفشال ممداني وأشباهه من المسلمين المرشحين للمجالس البلدية.

فهكذا رسم الأمريكان والشعوب الأوروبية طريقهم الجديد ضد الأيديولوجية السرطانية التي حاصرتها بقوة، فمن المنطقي أن يتم توجيه صفعة قاسية للصهاينة ومن ورائها الغرب الذي ما زال يعيش في ظل عزلة شعورية بين من ينافس الآخر في الحفاظ على نفس الود من إسرائيل من اليسار ويوازن بين كسب الحاضنة الشعبية، وبين يمين نازي فاشي جديد لا يهمه غير رضاها حتى لو تعارضت كلية مع الشعب الداعم لغزة. تعزى تلك البداية الصلبة لزلزلة كاملة لأركان الديمقراطية لبناء ديمقراطيات معيارية تتقبل التقارب الواسع والتعاون المعمق مع الآخر المسلم والفلسطيني بصورة حقيقة الرؤية.

فكما حررت غزة الشعوب العربية من أوهام الديكتاتوريات الداعمة للقضية الفلسطينية، مهدت الطريق لتحرر الغرب واليهود من أضغاث التطرف الصهيوني والعربدة الإسلاموفوبية التي تتشارك في العداء المطلق، مساهمة في حوادث مأساوية وكوارث مؤلمة مثل حادثة مسجد النور وطعن الجزائريتين في فرنسا في عام 2021، ما ينمي روح التغيير من القدرات المتواجدة حاليا والشعور بالإمكان المذنب لفعل أقل القليل لفئة مهمشة ومنتقم منها بـ"مرض عصابي" كما حدده أستاذ النظرية السياسية الأسترالي جون كين؛ في بنية العدوانية الصهيونية والإسلاموفوبيا من الأساس. يترك هذا سؤالا ملحّا وتأسيسيا عند الشعوب العربية؛ يكمن في وقت التحرك وكيفيته الراسمة لنهاية المشروع الصهيوني للأبد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسلاموفوبيا غزة الغربية ممداني غزة اسلام الغرب إسلاموفوبيا ممداني مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة على إيران

فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، الخميس، عقوبات على شبكة من الشركات الوهمية ووسطاء الشحن الذين يمولون القوات المسلحة الإيرانية من خلال بيع النفط الخام.

وقال وزير الخزانة الأميركية سكوت بيسنت: "يُواصل إجراء اليوم حملة وزارة الخزانة لقطع التمويل عن تطوير النظام الإيراني للأسلحة النووية ودعم وكلائه الإرهابيين".

وأضاف بيسنت: "يُعدّ تعطيل إيرادات النظام الإيراني أمرا بالغ الأهمية للمساعدة في كبح طموحاته النووية".

وأدرجت وزارة الخارجية 17 كيانا وفردا وسفينة في عدة دول، متورطين في مبيعات النفط والمنتجات النفطية الإيرانية.

وفي الوقت نفسه، أدرجت وزارة الخزانة 41 كيانا وفردا وسفينة وطائرة، مُكثّفة جهودها ضد صادرات إيران من النفط والبتروكيماويات، ومُعطّلة التدفقات المالية والجهات التجارية التي تدعم أنشطة إيران الخبيثة.

وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قد صوّت الشهر الماضي، ضد مشروع قرار لرفع العقوبات عن إيران بشكل دائم.

وفي سياق متصل، أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الخميس، أن طهران لن تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول منشآتها النووية التي تعرضت للقصف خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق ملموس.

وصرّح عراقجي في مقابلة نشرها على قناته على تلغرام: "المنشآت التي تعرضت للهجوم لها وضعها الخاص، وإلى حين اتخاذ قرار والتوصل إلى نتيجة بيننا وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والآخرين، فإن التعاون غير ممكن".

وفي المقابلة مع وكالة "خبر أونلاين" للأنباء التي أجريت قبل اعتماد الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا يطالب إيران بالسماح لها بالوصول إلى المنشآت، لم يوضح عراقجي ما قد يستلزمه مثل هذا الاتفاق.

وفي منتصف يونيو، شنّت إسرائيل حملة قصف غير مسبوقة على إيران، ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 12 يوما، شاركت فيها الولايات المتحدة لفترة وجيزة عبر توجيه ضربات إلى ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية.

وعقب الحرب، علّقت طهران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقيّدت وصول مفتشيها إلى المواقع التي تعرضت للقصف، متهمة إياها بالتحيز بسبب عدم إدانتها للضربات.

مقالات مشابهة

  • نحو آفاق متقاربة: فوز ممداني يثبت تحطيم غزة للإسلاموفوبيا
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة على إيران
  • روسيا التي صنعها بوتين.. كيف أُعيد تشكيل البلاد ؟
  • إصابة 30 طفلًا بالتسمم الغذائي في الولايات المتحدة
  • ما هي شروط إيران لاستئناف المحادثات مع الولايات المتحدة؟
  • بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة
  • مجلس الأعمال السعودي-الأمريكي يقيم حفل استقبال قبيل انعقاد النسخة الثانية من منتدى الاستثمار بين البلدين
  • ترامب: إيران ترغب بشدة في إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة
  • ترامب: الصين بنت جيشها بأموال الولايات المتحدة