وليام هيغ: الغرب سيدفع ثمنا باهظا إذا تجاهل الساحل الأفريقي
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
كتب وزير الخارجية البريطاني الأسبق وليام هيغ مقالا بـ "صحيفة تايمز" حول الوضع المتوتر بمنطقة الساحل الأفريقي بعد الانقلاب العسكري الذي جرى بدولة النيجر في يوليو/تموز الماضي، قائلا إنه يهدد الاستقرار في أوروبا ويتطلب توفير الأمن والاستثمار والتعليم لتلك المنطقة.
وأضاف أن الدول الغربية ستدفع ثمنا باهظا إذا لم تول هذه المنطقة الاهتمام اللازم، مشيرا إلى أن الغرب، عموما، كان قد ترك هذه المنطقة لفرنسا؛ نظرا إلى أنها الدولة الاستعمارية السابقة، وبالتالي افترض أن لديها الخبرة الكافية للتعامل معها، لكن فرنسا التي اعتمدت الحل الأمني والعسكري فقط تقريبا، حققت نتيجة كارثية، وقررت العام الماضي وقف تدخلها.
وأشار إلى أن فرنسا أثارت بنهجها المذكور غضبا واسعا في أرجاء منطقة الساحل لفشلها في هزيمة التنظيمات المسلحة التي نشرت العنف هناك، ولإقامتها تحالفات مشبوهة، ولضعف اهتمامها باحتياجات السكان التنموية والحقوقية.
فرنسا تركت فراغا تحرك فيه المرتزقةوأبرز أن الفراغ الذي تركته فرنسا في التنمية، استغلته بابتهاج شبكة مرتزقة فاغنر الروسية، وحصلت من ذلك على مزايا مالية وخبرة قتالية وموارد طبيعية لروسيا في بلدان فقدت بوصلتها.
ومضى المسؤول البريطاني الأسبق يقول إن الغرب بأجمعه لا يعرف ما يفعل، لكن بريطانيا بدأت مؤخرا تولي اهتماما جادا للمنطقة، إذ فتحت سفارات، وزار وزراؤها المنطقة وزادت من مساعداتها التنموية لمواجهة سوء التغذية والجفاف الحاد.
وعن معالجة الوضع الراهن الذي تسبب فيه الانقلاب العسكري بالنيجر، يقول هيغ إن هناك أملا مبررا في أن يكون الرد على الانقلاب بقيادة أفريقية -مع تهديد الدول المجاورة بغزو النيجر إذا لم تتم استعادة الحكومة الشرعية- أكثر نجاحا من التدخلات الإمبراطورية الغربية السابقة.
الأمل وحده لا يكفيومع ذلك، يضيف هيغ، فإن دول الساحل لن تكون قادرة على حل جميع مشاكلها بمفردها، ولا يمكن للغرب أن يكتفي بالأمل فقط، داعيا إلى أن تمتد "الوحدة المثيرة للإعجاب" التي أظهرتها العواصم الغربية بشأن أوكرانيا، إلى منطقة الساحل، بوضع إستراتيجية جديدة، والتخلي عن افتراض أن فرنسا تستطيع التعامل مع هذا الأمر بمفردها.
وأوضح أن الإستراتيجية الجديدة يجب أن تشمل توفير التعليم، ولا سيما للنساء، إلى جانب استثمارات القطاع الخاص ودعم المجتمع المدني والحكم الديمقراطي، بالإضافة إلى المساعدة الأمنية دعما لتلك الأهداف على المدى الطويل، بدلا من القيام بعملية سريعة لمكافحة "الإرهاب".
الشراكة بدل الاحتيالوأضاف أن من شأن هذه الإستراتيجية أن تمثل شراكة حقيقية، بدلا مما وصفه بـ"الاحتيال" على البلدان الفقيرة من قبل المرتزقة الذين لا يهتمون بحقوق الإنسان أو الديمقراطية أو التنمية، مضيفا أن نجاعة هذه الإستراتيجية ستتجلى في استدامتها وحصولها على تأييد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بأكمله.
وختم بأن قضيتي كثرة السكان (قضية الديمغرافيا) والجغرافيا بمنطقة الساحل ستكونان القضيتين الحيويتين على مدى العقد المقبل، ولدى الغرب فرصة لتوقع الأحداث والتصرف وفقا لذلك، وهو أمر لا يفعله المرتزقة، وفق قوله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
السيسي يستقبل حفتر.. حين تُعيد الجغرافيا تشكيل السياسة وتختبر القاهرة بوصلتها في الغرب
في مساء شتوي بارد من ديسمبر 2025، كانت القاهرة تشبه مدينة تستعد لقراءة فصل جديد من خرائط الإقليم. لم يكن استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي للمشير خليفة حفتر في قصر الاتحادية مجرد لقاء عابر على صفحات البروتوكول، بل كان أشبه بفتح غرفة الخرائط على مصراعيها، حيث تتقاطع خطوط الحدود مع مصالح الأمن القومي، وتتجاور حسابات البحر مع حسابات الصحراء. لحظة تحمل رائحة السياسة الثقيلة، وتقول إن الجغرافيا ما زالت أقوى من كل خطابات النوايا.
القاهرة، التي تعتبر ليبيا امتدادًا مباشرًا لنَفَسها الغربي، كانت ترسل رسالة لا تحتاج إلى دبلوماسية: لا فراغ استراتيجي عند حدود مصر، ولا سماح بتحويل ليبيا إلى ساحة مفتوحة للمرتزقة وألعاب القوى الإقليمية. البيان الرسمي، وإن جاء هادئًا، أعاد التأكيد على وحدة ليبيا وخروج القوى الأجنبية وضرورة الذهاب إلى انتخابات شاملة، لكنه أخفى بين السطور ملامح رؤية مصرية أكثر حسمًا: حماية مصالحها، منع تهديد حدودها، وتحصين المتوسط من أي محاولة لإعادة رسم خرائطه دون حضور القاهرة.
في عمق المشهد، بدا اللقاء كأنه تثبيت لوزن شرق ليبيا في معادلات المرحلة المقبلة، وتعزيز لقدرة هذا التيار على الإمساك بخيوط التفاوض. لكنه في الوقت ذاته كشف إدراكًا مصريًا بأن القوة بلا سياسة تتحول إلى عبء، وأن ليبيا لا تحتاج طرفًا ينتصر بل دولة تستعيد تماسكها. فكل فراغ هناك يعني فوضى هنا، وكل انزلاق في الشرق أو الغرب ينعكس على القاهرة مباشرة، سواء عبر الحدود الرملية أو عبر البحر المتوسط.
أما ملف الهجرة غير الشرعية فكان حاضرًا كظل لا يفارق الساحل الليبي، أي استقرار في الشرق سيحد من قدرة شبكات التهريب، ويمنح مصر مساحة أوضح لملاحقة خطوط التسلل، بينما أي انفجار سياسي سيحوّل البحر إلى ممر مفتوح للهاربين والفوضى معًا.
لذا بدا واضحًا أن ضبط الحدود البحرية والبرية لم يعد مسألة أمنية فقط، بل جزءًا من سياج استراتيجي يحمي الداخل المصري من ارتدادات الفوضى الليبية.
ومع ذلك، كان على القاهرة أن تتحرك بوعي تجاه مفارقات المشهد: ألا تتحول ليبيا إلى رقعة صراع بين محاور خارجية، وألا يُبنى النفوذ المصري على تحالف أحادي يُهمل المكونات الليبية الأخرى، وألا تجرّها معارك المتوسط إلى مواجهات جانبية مع لاعبين إقليميين يبحثون عن موطئ قدم في شرق البحر.
في المجموع، بدا استقبال السيسي لحفتر إعلانًا بأن مصر عادت لاعبًا مباشرًا في رسم مستقبل غربها، لا مراقبًا يتحسّس النتائج. لكنه إعلان يحمّل القاهرة مسؤولية شاقة: تثبيت الحدود، ضبط المتوسط، متابعة الداخل الليبي، ومراقبة ما يجري في السودان الممتد أثره حتى طرابلس وطبرق في آن واحد.
ولكي تحتفظ هذه الخطوة بزخمها، يصبح من الضروري التوازن بين ثلاثة مسارات:ربط الدعم العسكري بمسار سياسي واضح يضمن انتخابات شاملة.
تشديد الرقابة على الحدود والبحر لوقف شبكات التهريب والهجرة.
تفعيل دبلوماسية إقليمية متوازنة تمنع الاشتعال في شرق المتوسط وتُبقي ليبيا خارج دوائر الحروب بالوكالة.
البعد الاستخباراتي، ما وراء الصور والتصريحات.
قد يبدو اللقاء سياسيًا في ظاهره، لكنه في عمقه يحمل إشارات استخباراتية واضحة:القاهرة تُعيد بناء شبكة تنسيق ميداني مع شرق ليبيا تشمل مراقبة الحدود، تبادل معلومات عن الميليشيات والمقاتلين الأجانب، ومسارات تهريب السلاح والبشر.
هناك اهتمام مصري برسم “خريطة مصادر التهديد” داخل ليبيا، من مواقع المرتزقة إلى ممرات الصحراء وصولًا إلى الموانئ التي يمكن أن تتحول إلى نقاط انطلاق للهجرة غير الشرعية.
المعلومات المتداولة تشير إلى رغبة مصر في امتلاك صورة كاملة عن التحركات الإقليمية في ليبيا: التمويل، السلاح، القيادات الجديدة، وتغيّر الولاءات القبلية.
كما تسعى القاهرة إلى ضمان ألا يتحول الساحل الليبي الشرقي إلى نقطة نفوذ لقوى قد تغيّر موازين المتوسط، سواء في الطاقة أو الحدود البحرية أو قواعد النفوذ العسكري.
إنها قراءة استخباراتية تقول إن ليبيا ليست مجرد جار، بل لوحة أمنية مفتوحة، وأي ضباب عليها يعني ظلامًا على حدود مصر.
(محمد سعد عبد اللطيف «كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية»).
اقرأ أيضاًمحامٍ لدى «الجنائية الدولية»: قائد الجنجويد الأسبق علي كوشيب ارتكب جرائم وفظائع في السودان
خالد الترجمان: الخطوط الحمراء المصرية بين سرت والجفرة منعت التوغّل نحو الحقول والموانئ النفطية