عربي21:
2025-08-05@07:16:28 GMT

الاتحاد الأوروبي … تكتل بلا بوصلة جيوسياسية

تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT

أصبح الاتحاد الأوروبي يفتقد لبوصلة جيوسياسية حقيقية، نتيجة تفاقم ارتباطاته بالولايات المتحدة في مختلف القطاعات، بشكل يكاد يصل إلى حد الخنوع، وهو أمر لم تشهده القارة الأوروبية، حتى إبان الحرب العالمية الثانية عندما تدخلت واشنطن لمواجهة النازية، ثم ارتهانه الجديد للعملاق الآسيوي الصين في مجالات التقدم التكنولوجي.



وكان المفوض السابق للعلاقات الخارجية والدفاع ضمن المفوضية الأوروبية، جوسيب بوريل، قد حذّر منذ سنوات من أن على الاتحاد الأوروبي تعزيز الاتحاد والتنسيق في مختلف المجالات ومنها التجارة الخارجية، وسياسة الدفاع والصناعة الحربية، إذا أراد الاستمرار ضمن نادي الكبار، رفقة الصين والولايات المتحدة ونسبيا روسيا. ودعا وقتها إلى ورشات تفكير كثيرة، بمشاركة خبراء من مختلف الدول.

غير أنه مع مرور الوقت تبين كيف وصل الاتحاد الأوروبي إلى حالة من الوهن الجيوسياسي، لم يسبق لها مثيل، لاسيما في ظل المفوضية الأوروبية الحالية بزعامة الألمانية أورسولا فان دي لاير، الفاقدة لكل مقومات الزعامة والتسيير والكاريزما. ونجد في عناوين بعض الصحف الأوروبية ما يعكس هذا الشعور بالحسرة وخيبة الأمل، ويمكن إجمالها في عنوان عريض وهو «ترامب يعري أوروبا»، وهو ما كتبته جريدة «الباييس» الأحد الماضي.

وعمليا، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعرية أوروبا من خلال ما فرضه عليها من رسومات بلغت 15% على الصادرات الأوروبية للسوق الأمريكية، من دون رسومات في الاتجاه الآخر. وإذا كانت الرسومات الجمركية هي النقطة التي أفاضت الكأس، وجعلت الأوروبيين يتساءلون عن السيادة الأوروبية، وهم يشاهدون كيف تقلل إدارة البيت الأبيض من شأن الاتحاد الأوروبي، وتعامل «قادة» أوروبيين باستخفاف، فهناك ملفات أخرى كثيرة تثبت حالة الوهن التي عليها هذا الاتحاد. وكما تنازل الاتحاد الأوروبي في مجال الرسوم الجمركية هذه الأيام، فقد تبنى موقف الخنوع في ملف الدفاع العسكري عندما خضع لضغوطات القيصر ترامب بضرورة رفع الدول الأوروبية العضو في منظمة شمال الحلف الأطلسي لنسبة الدفاع في ميزانيتها العسكرية من 2% إلى 5%.

ومن تجليات هذا الوهن غياب أي مبادرة له في ما يقع على حدوده الجنوبية، التي يعتبرها استراتيجية له من مضيق جبل طارق إلى الشرق الأوسط، وأساسا ما يجري في قطاع غزة من تقتيل، وهكذا، في حالة فلسطين، تعج الصحف الأوروبية بمقالات وتحاليل، ولا نجد خير مثال مما نشرته جريدة «الباييس» يوم الأحد الماضي في افتتاحيتها، حيث تبرز ضعف الاتحاد الأوروبي أمام ما يجري في قطاع غزة من جرائم، وتكتب أن ما تقوم به إسرائيل هو عمل وحشي، له أصداء القرون الماضية.

وفي مواجهة أمرٍ كهذا، فإن صمت الاتحاد الأوروبي ككتلة غير قادرة على اتخاذ أدنى إجراء جماعي للضغط على حكومة نتنياهو، هو تنازل لا يغتفر عن قيادته الأخلاقية في العالم». ولا تغطي نوايا الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف بريطانيا وفرنسا، وربما دول أخرى مثل البرتغال عن هذا الوهن الجيوسياسي المريع.

في الوقت ذاته، لا يمتلك الاتحاد الأوروبي رفقة بريطانيا رؤية ثابتة للتطورات في حرب أوكرانيا وروسيا، وكما يخاف الاتحاد من القيصر الأمريكي، لا يقل خوفه من القيصر الروسي، الذي يدق أبواب أوروبا عبر أوكرانيا. ولأول مرة خلال العقود الأخيرة، تجد الدول الأوروبية ذات التاريخ العسكري الكبير، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، نفسها محدودة الاختيارات العسكرية أساسا أمام موسكو.

ومقارنة مع خطابها خلال الأسابيع الأولى من الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير 2022، حيث كانت تنادي بتدمير روسيا اقتصاديا، والحد من قوتها العسكرية، تجد نفسها الآن رهينة الموقف الأمريكي المتقلب مع ترامب. ولعل المفارقة الصارخة هو أنه على الرغم من أن أوروبا هي الداعم الاقتصادي الرئيسي لأوكرانيا، فقد تم تهميشها في المحادثات الدبلوماسية الرئيسية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا، ما يبرز ضعف النفوذ الجيوسياسي لأوروبا.

وأمام هذه التطورات، تريد أوروبا إقناع كييف بضرورة التخلي عن أقاليم أوكرانيا الشرقية وشبه جزيرة القرم، إلى الأبد من أجل إنهاء الحرب ووضع حد للاستنزاف المسترسل الذي تعاني منه أوروبا عسكريا ويهدد استمرار أوكرانيا كدولة.

كل مقارنة بين أوروبا ونادي الكبار، تخسر المنافسة والمباراة، وعلاقة بالصين، لقد فشلت أوروبا في الريادة في قطاعات التكنولوجيا الرئيسية في مواجهة التقدم الصيني، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وأشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والسكك الحديدية عالية السرعة.

تتخلف قدرات الاستثمار والابتكار في أوروبا كثيراً عن الصين. وهذا ما جعلها تصبح رهينة الصين في المجالات الدقيقة مثل التكنولوجيا الرئيسية. جزء مما يصيب أوروبا يعود إلى عوامل متعددة، ويبقى على رأسها، غياب زعماء قادرين على توحيد القارة العجوز، حيث لم تعد تنجب سياسيين مثل الرئيس الفرنسي جاك شيراك والألماني هيلموت كول، ومفوضين مخضرمين للاتحاد الأوروبي مثل جاك دولور، حيث من النادر العثور على سياسيين لهم رؤية ثاقبة الآن مثل جوسيب بوريل.

في الوقت ذاته، سقوطها في بيروقراطية قاتلة منعت الابتكار وتعيش على الماضي أكثر من الرؤية للمستقبل.

في غضون ذلك، يبقى أسوأ ما يمكن أن يواجهه الاتحاد الأوروبي، ليس فقط عدم قدرته على الانضمام إلى نادي الكبار، بل هو فقدان الشعوب الأوروبية الثقة في هذا التكتل، وسينتقل من الاتحاد إلى البلقنة، وهو ما ينجح به اليمين القومي المتطرف الذي يدعو إلى العودة إلى الدولة الوطنية القطرية. أمام كل هذه التطورات، يمكن الجزم بفقدان الاتحاد الأوروبي اللحاق بقطار نادي الكبار وسيصبح قوة متوسطة مع مرور الوقت.
كاتب مغربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاتحاد الأوروبي الاتحاد الأوروبي الأحزاب اليمينية التعرفة الجمركية مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

جوزيب بوريل: قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون مع إسرائيل

كتب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية السابق جوزيب بوريل أن صمت أوروبا سمح باستمرار إبادة الفلسطينيين دون رادع، مقوضا بذلك كل ما تمثله القارة العجوز، ودعا قادتها للتحرك الآن لأن رفضهم معاقبة إسرائيل يجعلهم متواطئين في جرائمها.

وأوضح بوريل -في مقال بصحيفة غارديان- أن المحاكم الدولية إذا نجت من هجمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لن تصدر حكمها النهائي إلا بعد سنوات، مع أنه لا شك أن الحكومة الإسرائيلية ترتكب إبادة جماعية في غزة، حيث تذبح وتجوع المدنيين بعد تدميرها الممنهج لجميع البنى التحتية في القطاع.

وذكر بأن المستوطنين والجيش الإسرائيلي يواصلون يوميا انتهاكاتهم الجسيمة المتكررة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مشيرا إلى أن من لا يتحرك لوقف هذه الإبادة الجماعية وهذه الانتهاكات -مع امتلاكه القدرة على ذلك- يعد متواطئا فيها.

علما الاتحاد الأوروبي وإسرائيل معلقان على بوابة البرلمان الأوروبي في بروكسل (شترستوك)

وأكد بوريل أن الاتحاد الأوروبي يمتلك العديد من الأدوات التي يمكنه استخدامها للتأثير بشكل كبير على الحكومة الإسرائيلية، فهو أكبر شريك تجاري لها وشريكها الرئيسي في الاستثمار والتبادل التجاري بين الشعوب، كما أنه أحد مورديها الرئيسيين للأسلحة.

ومع أن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل تمنح الأخيرة الكثير من الامتيازات، فإن مادتها الثانية تشترط احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية، مما يجعل عدم تعليقها انتهاكا خطيرا لهذه الاتفاقية، ويضر بمكانة الاتحاد الجيوسياسية بشكل خطير، ليس فقط في العالم الإسلامي، بل في جميع أنحاء العالم.

ازدواجية المعايير

وقد استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التناقض الصارخ بين الرد الحازم للسلطات الأوروبية على العدوان الروسي على أوكرانيا، وسلبيتها في مواجهة الحرب في غزة، في دعايةٍ نجحت في منطقة الساحل، كما أضعف هذا الازدواج الأوروبي في المعايير دعم أوكرانيا بشكل كبير في العديد من الدول النامية.

بوريل: يجب على الاتحاد الأوروبي أن يقرر فرض عقوبات على إسرائيل دون تأخير (الأناضول)

ولخص بوريل ما يقوم به الاتحاد الأوروبي ودوله من أفعال تشوه سمعة القارة أمام العالم وتقوض القانون الدولي والنظام متعدد الأطراف الذي يفترض بهم الدفاع عنه، وهي:

إعلان إصرار الاتحاد الأوروبي على عدم تعليق اتفاقية الشراكة رغم انتهاك إسرائيل لها. عدم منعه شحنات الأسلحة رغم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في غزة. عدم حظره الواردات من المستوطنات غير الشرعية رغم قرارات محكمة العدل الدولية. عدم فرضه عقوبات على الوزراء والقادة السياسيين الإسرائيليين الذين يدلون بتصريحات إبادة جماعية. عدم منع الاتحاد الأوروبي نتنياهو من استخدام المجال الجوي الأوروبي رغم مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. عدم دعمه لقضاة المحكمة ومسؤولي الأمم المتحدة الذين فرضت عليهم الولايات المتحدة عقوبات.

وبينما يتعرض الاتحاد الأوروبي لهجوم من بوتين في الشرق وترامب في الغرب، فإنه يعمق عزلته عن بقية العالم، وبالتالي يجب عليه أن يقرر فرض عقوبات على إسرائيل دون تأخير، لأن هذه هي اللغة الوحيدة التي يمكن أن تجبر القادة الإسرائيليين على التوقف عن ارتكاب جرائمهم.

مقالات مشابهة

  • بسبب غزة: بوريل يدين الاتحاد الأوروبي
  • الاتحاد الأوروبي يعلّق إجراءاته ضد الرسوم الأمريكية
  • المفوضية الأوروبية: لم يتم إلغاء الرسوم الجمركية الانتقامية المفروضة على الولايات المتحدة
  • سفير أمريكي: ترامب فرّق دول الاتحاد الأوروبي عبر اتفاق التجارة
  • الاتحاد الأوروبي يعلّق تدابيره ضد الرسوم الجمركية الأميركية
  • مصدر دبلوماسي: ليبيا مفتاح أمن الحدود الأوروبية
  • الاتحاد الأوروبي يبرم “صفقة مؤلمة” مع ترامب للحفاظ على القوات الأمريكية في أوروبا
  • الاتحاد الأوروبي يستذكر إبادة الإيزيديين ويطالب الحكومة بتنفيذ اتفاق سنجار
  • جوزيب بوريل: قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون مع إسرائيل