عربي21:
2025-08-15@17:47:51 GMT

احتلال غزة خطوة لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى

تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT

في زمنٍ يتباهى فيه العالم بادعاء الدفاع عن القيم الإنسانية، يطلّ علينا مشهد غزة كمرآة مكسورة، تعكس عجز الضمير الإنساني وتفضح زيف الشعارات. مليونان من البشر محاصرون، محكومون بالموت البطيء، والجريمة ترتكب على مرأى ومسمع من العالم بأسره. ليس الأمر مجرد صراع مسلح أو "نزاع حدودي" كما يحلو للبعض تبسيطه، بل هو مشروع إبادة منظّم، تُدار فصوله بدم بارد وتواطؤ صامت من عواصم القرار الكبرى.



في هذه المأساة، لم يكن السلاح وحده هو أداة القتل، بل الجوع والعطش والمرض، إذ أغلقت إسرائيل أبواب الحياة على غزة، وقطعت عنها الماء والدواء والغذاء لشهور متواصلة. العالم، الذي يتحرك ليلا ونهارا حين يهدد الخطر بعض مصالحه، يكتفي اليوم بمشاهدة مأساة غزة من خلف شاشات الأخبار، وكأنها فيلمٌ طويل الأمد لا يعنيه سوى نهايته التجارية. أما إسرائيل، فقد أتقنت توظيف هذا الصمت الدولي لصالحها، مضيفة إلى حصارها العسكري حصارا إعلاميا، باغتيال الصحفيين واحدا تلو الآخر، في رسالة واضحة: "لن يُسمع من غزة إلا صوتنا نحن".

المشروع واضح: تصفية القضية الفلسطينية، لا كعنوان سياسي فقط، بل كوجود بشري وجغرافي وثقافي. ما يحدث في غزة اليوم هو الفصل الأول في خطة أشمل
وما جرى مع فريق قناة الجزيرة مثال صارخ على ذلك، حين استُهدفت خيمتهم في قصف مباشر، لا ليُقتل الأفراد فقط، بل ليُقتل الخبر قبل أن يولد، وتُمحى الصورة قبل أن تصل إلى العيون. هذه ليست مجرد أفعال حرب عابرة، بل هي هندسة ممنهجة لطمس الذاكرة الجمعية للعالم عن غزة، كي يختفي الجرح من الخريطة ومن الحكايات.

لكن الجريمة لم تتوقف عند قصف الصحفيين، فقد امتدت لتطال أبسط مظاهر النجاة. لم تعد طوابير توزيع الغذاء رمزا للأمل، بل تحولت إلى كمائن موت، حيث تُستهدف الحشود العزل وهم يحملون أمل الحصول على رغيف خبز أو علبة حليب. إسرائيل، التي تحاول تسويق نفسها كمنظّم "إنساني" لتوزيع المساعدات، حولت هذه الطوابير إلى ساحات إعدام جماعي، في واحدة من أبشع صور استغلال حاجة الإنسان كسلاح لإخضاعه أو تصفيته.

وراء هذه الأفعال، يختبئ مشروع أكبر وأعمق من مجرد ردٍّ عسكري على خصم سياسي. المشروع واضح: تصفية القضية الفلسطينية، لا كعنوان سياسي فقط، بل كوجود بشري وجغرافي وثقافي. ما يحدث في غزة اليوم هو الفصل الأول في خطة أشمل لتهجير السكان، ثم ابتلاع الأرض، ودمجها في جسد الدولة العبرية.

لم يعد هذا تحليلا نظريا أو استنتاجا متشائما، بل أصبح واقعا مؤكدا من خلال التصريحات العلنية لقادة إسرائيل أنفسهم. وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لم يكتفِ بالتصريح بأن الضفة الغربية "جزء من إسرائيل بوعد إلهي"، بل دعا صراحة إلى ضمها وإنهاء فكرة تقسيم إسرائيل للأبد. إننا أمام عقلية لا ترى في اتفاقيات السلام سوى هدنة مؤقتة، وفي خرائط الأمم المتحدة مجرد خطوط باهتة قابلة للمحو متى حانت الفرصة.

هذا التصعيد اللفظي والسياسي يجد صداه في سلوكيات الاحتلال على الأرض، من بناء المستوطنات بوتيرة محمومة في الضفة، إلى تضييق الخناق على القدس، مرورا بمحاولات تغيير الواقع الديمغرافي بالقوة. ما يُراد اليوم هو تثبيت معادلة مفادها لا مكان للفلسطينيين إلا في كتب التاريخ، ولا حدود لإسرائيل إلا حدود طموحها العسكري.

إن تصريحات بنيامين نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى" ليست زلة لسان أو خطابا دعائيا لجمهور اليمين المتطرف، بل هي ترجمة صريحة لرؤية استراتيجية متجذرة في العقل السياسي الصهيوني. حين يتحدث عن السيطرة على أجزاء من مصر ولبنان وسوريا والسعودية والأردن، فهو لا يرسم حلما مستحيلا، بل يعلن برنامج عمل طويل الأمد، يبدأ بتفريغ غزة من سكانها، ويمر بضم الضفة الغربية، ثم يتوسع ليبتلع ما يمكن ابتلاعه من الأرض العربية تحت ذرائع أمنية وتاريخية مزعومة.

الخطر هنا ليس في مجرد طموح إسرائيل، بل في البيئة الإقليمية والدولية التي تمنحها الغطاء. الغرب، الذي يرفع لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان حين تخدم مصالحه، يتواطأ بصمته أو بدعمه المباشر حين يتعلق الأمر بإسرائيل. لم يكن فرض الحصار على غزة ممكنا لسنوات، ولا ارتكاب هذه المجازر العلنية، لولا وجود هذا التواطؤ الذي يخلط بين الدعم العسكري والغطاء السياسي، ويُسكت أي صوت دولي جاد للمحاسبة.

والأدهى أن هذا التواطؤ الغربي يتغذى على حالة الضعف العربي، حيث أضحت كثير من الأنظمة العربية تتعامل مع العدوان الإسرائيلي باعتباره شأنا "محليا" يخص الفلسطينيين وحدهم، أو ورقة تفاوضية على طاولة العلاقات مع واشنطن. هذه العقلية، التي تضع المصالح الضيقة فوق المصلحة القومية، هي ما يفتح الباب واسعا أمام استكمال المشروع الصهيوني بلا رادع حقيقي.

التاريخ سيذكر أن غزة كانت مرآة كشفت وجوه الجميع: من تواطأ بالصمت، ومن تاجر بالقضية، ومن حاول جاهدا أن يقف في وجه آلة الإبادة. لكن التاريخ وحده لا يوقف الجريمة، بل الإرادة السياسية والتحرك العملي هما ما يمكن أن يغير مسار الأحداث
إن قراءة ما يحدث في غزة بمعزل عن التاريخ القريب والبعيد هو خطأ استراتيجي. فالمجازر ليست مجرد رد فعل على صواريخ أو مواجهات، بل هي استمرار لمنهج بدأ منذ النكبة عام 1948، منهج قائم على التهجير القسري، مصادرة الأرض، محو الهوية، ثم إعادة صياغة الواقع السياسي بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية. الفارق الوحيد اليوم هو أن التكنولوجيا العسكرية، والدعم الدولي، والانقسام العربي، جعلت هذا المشروع أكثر جرأة وعلنية.

وإذا لم يدرك العالم العربي أن غزة اليوم هي خط الدفاع الأول عن أمنه القومي، فإن الغد قد يحمل له مشاهد أكثر قسوة، لكن على أرضه هذه المرة. الاحتلال الذي يتطلع إلى ضم الضفة الغربية كاملة، ويعبّر قادته عن أحقيتهم في أراضٍ داخل دول عربية، لا يرى حدودا لطموحاته سوى ما يقف في وجهه بالقوة. وكل تراجع عربي أمام هذه السياسات ليس سوى دعوة مفتوحة للمزيد من التوسع.

إن اللحظة التي نعيشها ليست مجرد امتحان لأخلاق العالم، بل اختبار لوعي العرب وقدرتهم على إعادة تعريف أمنهم القومي. غزة ليست مجرد مدينة محاصرة، بل هي جبهة سياسية وأخلاقية، هزيمتها تعني أن كل مدينة عربية ستصبح عرضة لنفس السيناريو، وإن اختلفت الوسائل. الصمت العربي هنا ليس حيادا، بل هو إقرار ضمني بشرعية ما يجري، وفتح الباب أمام تكراره.

إن التاريخ سيذكر أن غزة كانت مرآة كشفت وجوه الجميع: من تواطأ بالصمت، ومن تاجر بالقضية، ومن حاول جاهدا أن يقف في وجه آلة الإبادة. لكن التاريخ وحده لا يوقف الجريمة، بل الإرادة السياسية والتحرك العملي هما ما يمكن أن يغير مسار الأحداث. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج العرب إلى إدراك أن معركة غزة ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، بل معركتهم جميعا ضد مشروع لا يعترف بوجودهم إلا كفراغ يمكن ملؤه.

في النهاية، ما يحدث في غزة ليس نكسة عابرة ولا مأساة محلية، بل هو حلقة في سلسلة ممتدة من مشروع استيطاني توسعي، إذا لم يُوقف الآن، فسيمتد ليكتب فصلا جديدا من ضياع الأرض، وتبدد الهوية، وانكسار الإرادة العربية. إنها دعوة للاستيقاظ قبل أن نصحو على خريطة بلا أسمائنا، وأرض بلا أهلها، وتاريخ يُروى بلسان الغزاة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة إسرائيل الاحتلال العربية إسرائيل احتلال غزة عرب ابادة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما یحدث فی غزة لیست مجرد الیوم هو

إقرأ أيضاً:

إسرائيل الكبرى.. مشروع توراتي يهدد أراضي 8 دول عربية

يكمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعلانه، أمس الأربعاء، تأييد رؤية "إسرائيل الكبرى" مشروعا توراتيا يستحضر الموروث التلمودي لتبرير سياساته التوسعية، خاصة وأنه توعّد قبل أعوام بقيادة "إسرائيل" إلى ما سماه "قرنها المئوي"، وفاجأ الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر/أيلول 2023 بعرضه "خريطة إسرائيل الكبرى".

المشروع يتبناه اليمين الإسرائيلي المتشدد المتحالف اليوم مع نتنياهو، طرحه زعيم حزب "البيت اليهودي" المتطرف بتسالئيل سموتريتش عام 2016، وكان حينها عضوا في الكنيست، مشيرا في مقابلة تلفزيونية إلى أن "حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق، إضافة إلى أراضي 6 دول عربية هي سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزء من مصر ومن السعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل حتى الفرات".

سموتريتش الذي تولى حقيبة المالية عن حزب "الصهيونية الدينية" في حكومة نتنياهو جدد تلك الطروحات في مارس/آذار 2023، خلال خطاب في باريس وكانت على المنصة التي يقف عليها خريطة تشمل "أرض إسرائيل"، في إشارة إلى أن إسرائيل تتكون من فلسطين التاريخية والأردن.

طرح توراتي

وطرح حزب "الليكود" مشروع "إسرائيل الكبرى" منذ وصوله بزعامة مناحيم بيغن إلى السلطة في إسرائيل عام 1977، وحوّله إلى برنامج سياسي بني على أفكار ولدت قبل ذلك بكثير، وتبعتها التغييرات باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية "يهودا والسامرا "والترويج للاستيطان اليهودي.

يستند داعمو اليمين المتطرف الذين يتبنون هذه المعتقدات التوراتية، إلى نصوص أهمها ما ورد في سفر التكوين، إضافة إلى أصوات داخل الحركة الصهيونية تدعو إلى توسيع حدود إسرائيل لتشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط.

ولعل من أبرز هذه المعتقدات ما كتبه ديفيد بن غوريون أحد مؤسسي دولة الاحتلال عامي1937 و1938 عن أن "إقامة الدولة، حتى لو كانت على جزء بسيط فقط من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية، سنحطم الحدود التي تفرض علينا، ليس بالضرورة عن طريق الحرب".

إعلان

طرح حزب "الليكود" مشروع إسرائيل الكبرى منذ وصوله بزعامة مناحيم بيغن إلى السلطة في إسرائيل عام 1977، وحوله إلى برنامج سياسي بني على أفكار ولدت قبل ذلك بكثير، وتبعتها التغييرات باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية "يهودا والسامرا" والترويج للاستيطان اليهودي.

وتاريخيا، تعود جذور ذلك المشروع إلى معتقدات دينية تفيد، أن الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في سوريا والعراق.

إذ يزعم معهد "التوراة والأرض" الإسرائيلي في موقعه الإلكتروني أن "أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل جنوبا"، وهي مقولة مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904، وهي المعتقدات التي حملها وأصّل لها قادة الحركة الصهيونية منذ بدايتها قبل أكثر من 120 عاما.

على النحو ذاته، طالبت عصابة "أرغون" الصهيونية المتطرفة، التي ظهرت خلال فترة الانتداب البريطاني بأرض فلسطين (1922-1948) والتي أُدمجت في الجيش الإسرائيلي لاحقا، بأن تكون دولة فلسطين التاريخية والأردن دولة يهودية.

تحويل تلك العقيدة التوراتية إلى برنامج سياسي يُنفذ على الأرض أخطر ما يعمل عليه نتنياهو في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، واستهداف القوة العسكرية السورية بعد سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2024 والأزمات التي تعيشها سوريا، وشن الحرب على لبنان.

نتنياهو تحدَّث لقناة «i24» الإسرائيلية، مشيرا الى «الحلم الإسرائيلي» بوصفه «مهمة أجيال» يُسلمها جيل إلى جيل، وكيف أنه يشعر بأنه في مهمة «روحية وتاريخية» من أجل الشعب اليهودي.

خارطة "إسرائيل الكبرى" التي يرفعها نتنياهو، تشمل: كامل فلسطين التاريخية، ومساحتها 27 ألف و27 كيلومترا مربعا، ولبنان ومساحته 10 آلاف و452 كيلومترا مربعا، والأردن ومساحته 89 ألف و213 كيلومترا مربعا. وأكثر من 70 بالمئة من مساحة سوريا البالغة 185 ألفا و180 كيلومترا مربعا، ونصف مساحة العراق البالغة 438 ألفا و317 كيلومترا مربعا، ونحو ثلث الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألف و690، وربع مساحة مصر البالغة، نحو مليون كيلومتر مربع، وجزء من الكويت البالغة مساحتها 17 ألفا و818 كيلومترا مربعا.

مقالات مشابهة

  • القومي دان تصريحات نتنياهو: مشروع إسرائيل الكبرى لن يمر
  • رائحة الفم الكريهة ليست مجرد إحراج .. تنذر بأمراض خطيرة
  • تفاصيل مشروع إسرائيل الكبرى كما يتخيله نتنياهو
  • مشروع إسرائيل الكبرى
  • مصطفى بكري: تصريحات نتنياهو حول إسرائيل الكبرى ليست صدفة و مصر لن تقبل بتصفية القضية
  • 9 إجابات توضح أطماع الاحتلال في مشروع أرض إسرائيل الكبرى
  • إسرائيل الكبرى.. مشروع توراتي يهدد أراضي 8 دول عربية
  • الكاتبة السودانية سارة الجاك: الذاكرة عندي ليست مجرد خزانة مغلقة بل غرفة مفتوحة أُقيم فيها
  • نتنياهو: أسعى لتحقيق إسرائيل الكبرى التي تضم أراضي فلسطينية وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر