لم تكن سنوات حكم ’’عفاش’’ (1978 – 2011) مجرّد مرحلة سياسية عادية، بل مثّلت فصلًا طويلًا من الارتهان والتبعية للخارج، وتكريسًا لنموذج من الحكم قائم على الولاءات الشخصية، والفساد، وتفكيك مؤسسات الدولة لصالح شبكة ضيقة من المتنفذين.

يمانيون / خاص

 

فمنذ توليه السلطة، وضع ’’عفاش’’ السياسة اليمنية ضمن المدار السعودي،  ورغم بعض محطات التوتر الظاهري ، إلا أن الواقع أثبت أن القرار السياسي في القضايا الاستراتيجية كان مرهونًا بالموافقة أو التفاهم مع الجارة الكبرى التي أمسكت بزمام عفاش وقادته باتجاه ما يتوافق مع سياستها الاستعلائية والمتحكمة في القرار.

كانت السعودية ترى في اليمن عمقًا استراتيجيًا يجب ألا يخرج من تحت نفوذها، وساعدها عفاش في ذلك بتقديم التنازلات، سواء في ملفات الحدود، أو التنسيق الأمني، أو حتى بتبني سياسات تخدم رؤية المملكة في شبه الجزيرة.

السيادة اليمنية، التي كان من المفترض أن تُصان كخط أحمر، أصبحت رهينة لمصالح خارجية، تدير ملفات حساسة مثل الاقتصاد، التعيينات الكبرى، وحتى توجهات الدولة الإقليمية.

ومع تصاعد النفوذ الأمريكي في المنطقة، قدّم عفاش نفسه كحليف مخلص في ملف محاربة الإرهاب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، المفتعلة أمريكياً وصهيونياً،  استخدم هذه الورقة للحصول على دعم مالي وعسكري، لكن على حساب السيادة الوطنية.

عمليات الطائرات الأمريكية بدون طيار (الدرونز)، ووجود مستشارين عسكريين أمريكيين على الأراضي اليمنية، كانت تتم غالبًا دون علم البرلمان أو الجهات الرقابية، وهو ما كرّس واقعًا مريرًا، الأمن اليمني لم يعد مستقلًا، بل جزءًا من أجندة أمريكية لا تخدم الشعب بقدر ما ترسّخ نظامًا مطيعًا.

الداخل اليمني لم يكن أفضل حالًا، فعوضًا عن بناء دولة مؤسسات، حول عفاش اليمن إلى ’’دولة غنيمة’’، تُدار بعقلية العائلة.
النفوذ العسكري والأمني والسياسي كان موزعًا بين أبناء وأقارب صالح، وشخصيات قبلية موالية.

المشاريع الكبرى، وصفقات النفط، وحتى الوظائف العليا، كانت تُمنح وفق الولاء وليس الكفاءة، هكذا نشأت طبقة طفيلية تعيش على نهب الثروات العامة، بينما ظل ملايين اليمنيين يعانون الفقر، وسوء الخدمات، وغياب التنمية.

ورغم امتلاك اليمن ثروات كبيرة من النفط، والغاز، والموانئ، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، لم تنعكس هذه الإمكانات على حياة المواطنين، فقد فتح  عفاش المجال للمتنفذين لإدارة الاقتصاد اليمني  بعقلية الربح السريع، لا بالتخطيط أو الاستثمار في التنمية.

ودخلت البلاد مليارات الدولارات من عائدات النفط والمساعدات الخليجية والدولية، لكن نسبة كبيرة منها اختفت في ملفات فساد ضخمة، أو استُخدمت في شراء الولاءات وبناء شبكة النفوذ السياسي له ولتابعيه.

النتيجة؟ اقتصاد هش، يعتمد على الخارج، وعاجز عن تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو ما جعل اليمن لاحقًا عرضة لانهيارات متتالية.

بعد مقتل عفاش وسقوط نظامه الذي مثّل عنوانًا للتبعية والفساد، فتحت اليمن صفحة جديدة من تاريخها الحديث، عنوانها التحرر من الوصاية وبناء القرار المستقل، فقد جاءت المسيرة القرآنية بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، كقوة صاعدة، ترفع شعار الاستقلال والسيادة الوطنية، وترفض الهيمنة السعودية والأمريكية التي ظلت لعقود تتحكم بمصير البلاد.

لم يكن المشروع القرآني مجرّد حركة معارضة، بل رؤية متكاملة تهدف إلى استعادة القرار اليمني من براثن التبعية، والتأسيس لحكم يستند إلى الكرامة والعزة، ومبادئ التحرر، بعيدًا عن الارتهان للمصالح الأجنبية.

تجلّت ملامح هذا التحول في مواقف سياسية واضحة أبرزها ، رفض العدوان السعودي الأمريكي، والسعي نحو فك الارتباط بالاقتصاد الريعي المرتبط بالخارج، والتحرك نحو بناء مؤسسات قائمة على الكفاءة والهوية الوطنية.

ورغم التحديات الكبرى، بما فيها العدوان والحصار الاقتصادي، إلا أن اليمن بدأ في رسم معالم استقلال حقيقي، يعيد الاعتبار لكرامة المواطن، ويضع الشعب في مركز القرار.

قد شكّل سقوط نظام عفاش لحظة مفصلية، انتقلت فيها البلاد من حالة من الانبطاح السياسي والفساد المنهجي، إلى مرحلة مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، عبر مشروع تحرري يستمد قوته من الهوية الإيمانية الأصيلة.

33 عامًا من حكم عفاش كانت كافية لتدمير فكرة الدولة الوطنية الحديثة في اليمن.
بالتبعية السياسية، وتكريس الفساد، ونهب الثروات، تم إفراغ السيادة من مضمونها، وأصبحت اليمن ساحةً مفتوحةً للتدخل الخارجي والتجاذب الإقليمي.

وإن كان التاريخ لا يُعيد نفسه، فإن دروسه تبقى حاضرة، لتحذير الأجيال القادمة من خطورة تحويل القرار الوطني إلى أداة في يد الخارج، ومن جعل ثروات البلاد وسيلةً لحكم الفرد بدل أن تكون أداةً لنهضة شعب.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

خبير اقتصادي يكشف أهمية قرار “المركزي” بتخفيف قيود استخدام البطاقات الائتمانية خارج البلاد

قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، إن مجموعة القرارات التي أصدرها البنك المركزي المصري والتي تتضمن تخفيف قيود استخدام البطاقات الائتمانية خارج البلاد، تؤكد توافر النقد الأجنبي بكميات كافية كما يؤكد تحسن الوضع المالي في السوق المحلية، كما أن القرار يعكس ثقة البنك المركزي في استقرار وتحسن وضع السيولة الدولارية في البلاد .

يواصل انخفاضه.. سعر الدولار في البنوك ختام تعاملات الأربعاءأسعار الريال السعودي مقابل الجنيه المصري – الأربعاء 13 أغسطس 2025

أوضح غراب، في تصريحات له اليوم،  أن من بين هذه القرارات الهامة، إلغاء البند الخاص بمتابعة العملاء المسافرين لإثبات استخدام البطاقة الائتمانية أثناء التواجد خارج مصر، إضافة لرفع البنوك الحد الأقصى للمسافرين إلى 10 آلاف دولار، وخفض الهامش على أسعار صرف العملات الأجنبية لتصبح 3% على البطاقات الائتمانية، وخفض عمولة بطاقات الائتمان من 5% لـ3% في حالة الشراء من خارج مصر بالعملات الأجنبية، موضحا أن هذه القرارات تسهم في تسهيل سفر العملاء وتقليل تكاليف الشراء عند استخدام بطاقات الائتمان بالخارج، فعلى سبيل المثال من كان يشتري بـ 100 دولار مشتريات فكان يتم حسابه بالعمولة بـ 105 دولارات حاليا سيصبح 103 دولارات فقط .

وفرة النقد الأجنبي بكميات كبيرة

وأضاف غراب، أن هذه القرارات تؤكد توافر النقد الأجنبي بكميات كبيرة لدى المصارف الرسمية، كما تسهم في زيادة القدرة الشرائية للأفراد والشركات ويسهل لهم عمليات البيع والشراء وتحويل الأموال، كما يسهل التعاملات المالية بين الشركات وبعضها، كما يتوافق مع متطلبات أصحاب الشركات والأفراد، كما أنه يزيد القوة الشرائية للمواطنين، موضحا أن رفع الحد الأقصى لبطاقات الائتمان يهدف لتوفير احتياجات العملاء من النقد الأجنبي، وهذا يؤدي لتنشيط عجلة الإنتاج بالسوق المصري وتنشيط وتعزيز الاقتصاد الوطني، مؤكدا أن هذه القرارات تؤكد نجاح الإصلاحات التي اتخذها البنك المركزي منذ مارس 2024 من إقرار سعر عادل ومرن للدولار ما ساهم في القضاء على السوق الموازي للعملة وزيادة الثقة في الاقتصاد المصري وزيادة تحويلات العاملين للخارج لتصل لنحو 33 مليار دولار في 11 شهرا وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي لأكثر من 49 مليار دولار .

القرار رسالة طمأنة لعملاء البنوك

وأشار غراب، إلى أن القرار يمثل رسالة طمأنة لعملاء البنوك من الأفراد والشركات والمستثمرين بتوافر النقد الأجنبي خاصة مع تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في ظل زيادة تدفقات النقد الأجنبي وزيادة إيرادات مصر السياحية وإيرادات الصادرات ودخول استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة، مضيفا أن القرار ييسر على المسافرين بالخارج ويخفف الضغوط عنهم ويؤكد نجاح القطاع المصرفي في زيادة السيولة الدولارية وأنه يسير في الطريق الصحيح، ما يسهم في زيادة معدلات الشمول المالي وزيادة القدرة الشرائية وتدعيم النشاط الاقتصاد المصري .

توافر الدولار

تابع :"توافر الدولار بكميات كبيرة وكافية في المصارف الرسمية ساهم في رفع عدد من القيود على استخدامات البطاقات الائتمانية خارج مصر للمسافرين وللسياحة في الخارج، وذلك من أجل الاستفادة من العمولات المقررة على ذلك بدلا من تحجيم ذلك، خاصة أن القرار جاء بعد تراجع سعر صرف الدولار وارتفاع قيمة العملة المحلية ما حفز البنوك على تيسير استخدام البطاقات الائتمانية في المدفوعات بالعملة الاجنبية، ما يؤكد انتهاء أزمة الدولار" .

طباعة شارك البنك المركزي البطاقة الائتمانية العملاء المسافرين دولار النقد الأجنبي

مقالات مشابهة

  • جامعة شبوة تقر التعامل الحصري بالعملة الوطنية
  • تحديث: أسعار صرف الدولار والريال السعودي مقابل الريال اليمني
  • مظاهرة شعبية في اليمن رافضة لمخطط إسرائيل الكبرى
  • القيادي في أنصار الله حزام الأسد: الحصار السعودي الإماراتي لن يثني اليمن عن دعم غزة
  • لماذا لا يزال أبناء جنوب اليمن يدفعون الثمن منذ حرب صيف 94؟
  • جرائم العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي في مثل هذا اليوم 14 أغسطس
  • دعت إلى تحرك دولي عاجل.. الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة في اليمن
  • المركزي اليمني بعدن يقر سحب وإغلاق تراخيص شركتي صرافة مخالفتين
  • خبير اقتصادي يكشف أهمية قرار “المركزي” بتخفيف قيود استخدام البطاقات الائتمانية خارج البلاد