سطر فكري وقلمي عن قيمة الصبر والتروي في بيئة العمل، كثيرًا ما نرى ونسمع عن المسؤولين وفريق عملهم بالاستعجال في النتائج، والتطلع إلى الثمار السريعة، بينما الواقع العملي والتنظيمي يؤكد أن النجاح الحقيقي يرتكز على الصبر الاستراتيجي وتروٍّ مدروس.
فالتسرّع في اتخاذ القرار قد يهدم مشروعًا بأكمله، بينما الصبر والانتظار الحكيم قد يُنتج فرصة أعظم مما خُطط له، وهنا تظهر قيمة التوازن بين التروّي، والصبر كعنصرين أساسيين في صناعة بيئة عمل منتجة ومستدامة.
ومن ذلك لنا وقفة على ما افتتحت به سورة النحل بقوله تعالى: ﴿أتى أمرُ الله فلا تستعجلوه سُبحانه وتعالى عمّا يُشركون﴾، وخُتِمت بقوله: ﴿واصْبِر وما صبرُك إلا بالله﴾، هذا التدرّج القرآني البديع يُعطي الإنسان منهجًا متكاملًا في مسيرة الحياة والعمل، يبدأ بالنهي عن الاستعجال، وينتهي بالأمر بالصبر، وما بينهما تتجلى حكمة الله التي لا يعلمها إلا هو، وفي حياتنا تتجلى أعلى قمم النجاح بما شرعه الله لنا.
ولنا من تطلع قيادتنا الحكيمة متمثلةً في عراب الرؤية سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في رؤية2030، بأنها تقدم لنا وللعالم، نموذجًا ملهمًا للمسؤول وفريق عمله في هذا السياق؛ فهي رؤية طموحة لم تبنَ على العجلة، بل على مراحل مدروسة وخطط تنفيذية دقيقة، مع إيمان بأن النتائج الكبرى تحتاج وقتًا وصبرًا، وبشأن فريق العمل الذي يعيش هذه المرحلة التحولية للوطن والمواطن مدعو، لأنه يترجم قيم التروي والصبر في مساره المهني بــ:
أولًا: في الإنجاز اليومي: أن يعطي الأولويات حقها، فلا ينجرف وراء الاستعجال الذي يضعف الجودة.
ثانيًا: في النمو الوظيفي: أن يدرك أن الترقّي والتطور لا يأتيان دفعة واحدة، بل عبر تراكم الخبرات والمهارات.
ثالثًا: في التعامل مع التحديات: أن يتحمل الضغوط بثبات، مستعينًا بالله، واثقًا أن الخير قد يكمُن في تأجيلٍ أو تأخيرٍ لا يدرك حكمته الآن.
وفي بيئة العمل داخل المنظمات، تُترجم لنا رؤية 2030 من خلال المبدأ القرآني إلى سلوكيات عملية:
أولها: التريّث في دراسة المشروعات قبل إطلاقها، وفق دراسات دقيقة ومستندة إلى بيانات.
ثانيها: الصبر على مراحل التحول المؤسسي، مع الثقة أن النتائج العظيمة تحتاج إلى وقت للنضوج.
ثالثها: بناء ثقافة وظيفية تقوم على الإيمان بأن الجهود الصغيرة المتراكمة تصنع إنجازات كبيرة تتسق مع تطلعات قيادتنا.
وما بين التروي والصبر، يكمُن الخير الذي وعد الله به عباده، والذي قد يتجلى في ابتكار وإبداع غير متوقع، وفرص استثمارية جديدة، وبيئة عمل أكثر سعادة وإبداعًا مستدامة.
رسالة خاصة للموظف في بيئة العمل الذي يواجه ضغوطًا يومية، سواءً من أهداف متراكمة، ومشروعات عاجلة، وتطلعات شخصية يرغب أن تتحقق بسرعة، نصيحتي لك بأن تعرف بأن الاستعجال في الإنجاز يجعلك تقع في أخطاء تُفقدك جودة العمل وتضعف أثرها، وإذا التزمت بالتروي، سيمنحك فرصة للتفكير السليم، وعطاء العمل وقتًا يستحقه، والنتيجة ستكون أكثر نضج وإبداع، ومن ذلك يأتي الصبر ليكمل المعادلة، الصبر على زملاء العمل، الصبر على تأخر الترقية، الصبر على السياسات والتغيرات المؤسسية، وكل هذا ليس ضعفًا، بل قوة تُترجم إلى قدرة على الاستمرار وتحقيق أثر بعيد المدى.
الخلاصة: هناك في الأفق مستقبلٌ أوسع مما تتصور، ومكانة تليق بك وبوطنك، تصنعها رؤية 2030 بخطوات ثابتة وصبر استراتيجي، وهذا ما يتسق مع تطلعات الرؤية، التي تسعى إلى أن تكون المملكة بيئة جاذبة للمواهب، ومحفزة للإبداع، ومليئة بالفرص التي تنهض بالوطن وأبنائه.
قال الشاعر: لا تيأسن وإن طالت مطالبة ….. إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
وقال آخر: إذا ما أتاك الدهر يومًا بنكبة ….. فافرغ لها صبرًا ووسع لها صدرا
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الصبر على
إقرأ أيضاً:
موضوع خطبة الجمعة اليوم.. "إعلاء قيمة السعي والعمل"
خطبة الجمعة.. كشفت وزارة الأوقاف المصرية، عن موضوع خطبة الجمعة، والتي ستكون بعنوان: إعلاء قيمة السعي والعمل، موضحة أن الهدف منها هو التوعية بقيمة العمل وأهمية السعي لبناء الحضارة، وذلك لأن الإسلام دين الجد والاجتهاد، لا دين الكسل والاتكال.
خطبة الجمعة:الحمدُ للهِ الذي أمرَ بالسعيِ والعملِ، وجعلَهُ طريقًا للعزِّ والأملِ، ونهى عنِ البطالةِ والكسلِ، وأمرَ بالتوكّلِ المقرونِ بالأخذِ بالأسبابِ، فقالَ في مُحكمِ الكتابِ: {فَامشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، وأشهدُ ألّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، خيرُ من سعى، وأكرمُ منِ اكتسبَ، وأعفُّ منْ طلبَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آلِه وصحبِه أُولي العزمِ والهممِ، أمّا بعدُ:
فإنَّ الإسلامَ دينُ الجدِّ والاجتهادِ، لا دينُ الكسلِ والركودِ، هو دينُ السعيِ المبرورِ، لا التّواكّلِ المذمومِ والمردودِ، فليسَ العملُ في شرعِ اللهِ مجردَ سعيٍ دنيويٍّ، بل هو عبادةٌ يبتغي بها العبدُ وجهَ اللهِ، ووسيلةٌ للعفةِ والكفافِ، وسبيلٌ للكرامةِ والشرفِ، قال تعالى: {وَقُلِ ٱعمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلمُؤْمِنُونَ}.
خطبة الجمعة كاملة
عبادَ الله تأمَّلوا، لقد سوّى النبيُّ ﷺ بينَ السعيِ على العيالِ وبينَ الجهادِ في سُبُلِ المعالِي، فقد مرَّ رجلٌ على النبيّ ﷺ، فرأى الصحابةُ جلدَهُ ونشاطَهُ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو كانَ هذا في سبيلِ الله؟ فقالَ ﷺ: «إنْ كانَ خرجَ يسْعَى على ولدِهِ صِغارًا فهُوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كَانَ خرجَ يسْعى على أبويْه شيخيْن كبيريْن فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كانَ يسعَى على نفسِهِ يعفُّها فهوَ في سبيلِ اللهِ”.
أيُّها المسلمون
علّموا أولادَكُم أنَّ العملَ بابٌ من أبوابِ العزَّة، وركنٌ من أركانِ الكرامةِ، ووسيلةٌ لبناءِ الذاتِ، وتحقيقِ الاستقلالِ عن الخَلقِ والارتباطِ بالخالقِ وحدَهُ، فقد ربَّى النبيُّ ﷺ أصحابَهُ على ذلك، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنهُ أنّ رجلًا جاءَ يسألهُ، فأرشدَهُ إلى بيعِ ما يملكُ؛ ليبدأَ الكسبَ، وقال له: «اشترِ طعامًا لأهلِكَ، وقدومًا فاحتطِبْ، ولا أراكَ خمسة عشرَ يومًا»، ففعلَ، وجنى عشرةَ دراهمَ، واشترى بثمنِها طعامًا وثوبًا، فقال له النبيُّ ﷺ: «هذا خيرٌ لكَ من أن تجيءَ يومَ القيامةِ والمسألةُ في وجهِك نُكتةٌ، لا تصلحُ إلا لذي فقرٍ مدقعٍ، أو غرمٍ مفظع، أو دمٍ موجعٍ»، تأملوا أيُّها الكرامُ هذا التوجيهَ النبويَّ العظيمَ، كيفَ يجعلُ العملَ الحرَّ الكريمَ أفضلَ من ذلِّ السؤالِ؛ ليغرسَ في النفوسِ معنى التوكلِ الصادقِ الذي لا ينفي بذلَ الجهد، ولا يُسقطُ عن المرءِ التكليفَ بالسعيِ.
أيها المكرَّم، إن المسلمَ مأمورٌ أن يأخذَ بالأسبابِ، ويجتهدَ في تحصيلِ المعاشِ بالحلالِ، وأن يُحسنَ النيةَ في كلِّ عملٍ، فيتحول سعيُهُ إلى عبادةٍ، ويصيرُ كسبُهُ في موازينِ الحسناتِ، وفي ذلك هذا البيانُ النبويُّ البديعُ ﷺ: «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِهِ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليه السلامُ كانَ يأكلُ من عملِ يدِهِ”.
خطبة الجمعة اليوم
فيا من تطلبونَ المجدَ وتبتغونَ الكرامةَ: اعلموا أنَّ الرزقَ لا يُنالُ بالأماني، ولا تُنالُ الرفعةُ بالتمنّي، ولكن بالسعيِ والبذلِ، والعملِ والمثابرةِ، فقد قالَ سبحانَهُ: {وَأَن لَّيسَ لِلإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعيَهُۥ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجزَىٰهُ ٱلجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ}.
ويا أبناءَ مصرَ جِدُّوا
فإنَّ نهضةَ الأممِ لا تكونُ بالأحلامِ، بل بالأعمالِ، ولا تقومُ بالأماني، بل بالتضحيةِ والبذلِ والإتقانِ، والوطنُ لا يرتقي إلا إذا قدَّر أبناؤُهُ قيمةَ العملِ، واحترموا الحِرَفَ والمِهَنَ، وشجعوا شبابَهُم على الإنتاجِ والابتكارِ، وزرعوا فيهم أنَّ اليدَ العاملةَ أحبُّ إلى اللهِ من اليدِ المتسوّلةِ، وأنَّ الساعيَ في كسبِ رزقِه بعزٍّ خيرٌ من المتكئِ على الأعذارِ والتبريرِ!
موضوع خطبة الجمعة
أنسيتُمْ أيُّها الكرامُ أنَّ حضارةَ الإسلامِ المجيدةَ قامتْ على أكتافِ العُلماءِ والعمّالِ، والفلاحينَ والصناعِ، والتجارِ والمفكرينَ، فأشرقتْ في السماءِ، وامتدَّتْ في الأرضِ، وما كانَ ذلكَ إلا لأنهم جمعوا بينَ الدينِ والدُّنيا، بينَ العبادةِ والعملِ، بينَ العلمِ والإنتاجِ.