فوجئ أولياء أمور الطلاب الحاصلين على الشهادة الإعدادية، عندما تقدموا للصف الأول الثانوي واختيار النظام خلال المرحلة الثانوية ما بين نظامى الثانوية العامة والبكالوريا، وذلك وفقًا لما أقره قانون التعليم الجديد، والذى تمت موافقة مجلس النواب عليه فى شهر يوليو الماضي، والذي يقضي بعودة نظام البكالوريا، إلى جانب نظام الثانوية العامة، فوجئ أولياء الأمور عند التقدم بطلب الالتحاق للصف الأول الثانوي على نظام الثانوية العامة، بأن بعض مديري المدارس يخبرونهم بأن باب التقديم مفتوح أمام نظام البكالوريا فقط، وأن من يريد التقدم لنظام الثانوية العامة، عليه أن ينتظر لوقت لاحق، أو أن يتحمل النقل لمدرسة أخرى بعيدة عن محل السكن.
لست أدرى ما هي مصلحة مديري المدارس فى إجبار أولياء الأمور على اختيار نظام البكالوريا لأبنائهم الطلاب، ووضعهم فى مأزق الخوف من النظام الجديد، وكلنا نعلم أن من يلتحق أبناؤهم بالتعليم العام، هم فى غالبيتهم من البسطاء، الذين لا يدركون الفرق بين النظم التعليمية، ولا حتى يعرفون أن من حقهم اختيار النظام الذى يرونه مناسبًا لهم، وبالتالي يخضعون لاختيارات تزيد من قلقهم، وهو ما سمعته من أولياء أمور بعض هؤلاء الطلاب.
عندما تم طرح نظام التعليم الجديد وجهت له انتقادات بأنه يمس مجانية التعليم، باعتبار أن هناك رسومًا ستدفع مع كل اختبار سيتم للمرة الثانية، وبعد كثير من الجدل وإعادة صياغة القانون تمت الموافقة على أن يكون التعليم الثانوي فى مسارين أحدهما الثانوى العام والقائم حاليًا، بجانب النظام المستحدث وهو البكالوريا.
وعلى الرغم من أنني شخصيًا أرى أن نظام البكالوريا جاء ليخفف العبء عن أولياء الأمور، خاصة هؤلاء الذين ينفقون الكثير على الدروس الخصوصية، من خلال تقسيم الشهادة على الصفين الثانى والثالث الثانوى أما في الثانوية العامة فيعتبر الصف الثالث الثانوى سنة مصيرية وشهادة تؤهل الطالب لدخول الجامعة، وكنا نتابع سنويًا حجم القلق الذى تعيشه الأسر، غير أن ذلك لا يعني فرض اختيار واحد أمامهم.
كما أن نجاح الطالب في البكالوريا يمنحه حق دخول الامتحان مرة أخرى بمصروفات وتعتمد على أكثر من امتحان أما في الثانوية نجاح الطالب يمنعه من دخول الامتحان، أى أنه له الحق فى فرصة امتحانية واحدة.
النظام الجديد يعني أننا نسير فى مسارين ونظامين تعليميين، وهنا لا بد أن نلفت النظر لبعض الأمور التى قد تكون عائقًا، وتؤدى إلى مزيد من التدهور فى العملية التعليمية وليس تطويرها، وهى أسئلة سبق وأن طرحناها من قبل فى هذه المساحة: فهل لدينا عدد من الفصول يسمح بفصل طلاب نظام الثانوية العامة عن طلاب البكالوريا، ونحن فى الأساس نعاني عجزًا شديدًا فى عدد الفصول الدراسية فى جميع المدارس الحكومية؟ وهل لدينا العدد الكافي من المعلمين المؤهلين لتدريس المواد المقترحة فى النظامين، ونحن فى الأساس نعاني من عجز شديد فى أعداد المعلمين، وتمت الاستعانة بمعلمين بنظام التعاقد هم فى الأساس تنقصهم الخبرات اللازمة للتدريس، ناهيك عن أن الدورات التدريبية التى تنظم للمعلمين لا تحقق الاستفادة المرجوة بحسب المعلمين أنفسهم، مما يضطرهم إلى الاعتماد على أنفسهم لفهم المناهج الجديدة وكيفية تدريسها؟
أعتقد أن هذه التساؤلات هى ما تدفع مديري المدارس إلى الانحياز لنظام بعينه دون الآخر وترغيب أولياء الأمور فيه، تجاوزًا لإشكاليات كثيرة عند التطبيق فى النظامين معًا، وهو ما نتمنى تداركه قبل بداية العام الدراسي.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: نظام الثانویة العامة نظام البکالوریا أولیاء الأمور
إقرأ أيضاً:
النظام الانتخابي السوري.. أية فرص للديمقراطية؟
يتفق علماء السياسة على أن الانتخابات تشكل العتبة الرئيسية التي تسمح بإطلاق وصف الديمقراطية على النظام السياسي، ومن دون هذه العتبة، تبقى الانظمة السياسية مُدرجة في خانة الأنظمة الدكتاتورية.
لكن وصف النظام السياسي بالديمقراطية أصبح مبتذلا وغير كاف في اعتبار نظام سياسي ما متطورا ويحقق الحوكمة الرشيدة في الحكم، ناهيك عن ابتعاده عن الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية في الغرب.
ثمة عشرات الأنظمة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، تجري انتخابات دورية، لكنها أنظمة تسلطية بنكهة ديمقراطية، أي أنها تقع في المنطقة الوسطى الرمادية بين سوداوية الدكتاتورية ونصاعة الديمقراطية الليبرالية.
منذ أيام تسلم الرئيس السوري "المؤقت" أحمد الشرع النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب الذي يتضمن رفع عدد المقاعد من 150 إلى 210 وفقا لإحصاء عام 2011، مع تخصيص نسبة منها لا تقل عن 20 % للمرأة، ويعين الرئيس ثلث أعضاء المجلس، أي 70 عضوا، وتشكيل اللجان الانتخابية الفرعية، وآليات الطعن والاعتراض على نتائج الانتخابات، وإتاحة الرقابة من المجتمع والمنظمات الدولية بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات.في هذه الأنظمة، تصبح الانتخابات تمثيلا لأوليغاركية حاكمة، وتتراجع فيها الليبرالية السياسية بشكل واضح، مع فقدان المجتمع المدني لحضور قوي وكثيف (تشكل تركيا ومصر وإيرتن حالات واضحة في منطقتنا).
ويبدو أن سورية تخطو في نفس الاتجاه، فلا الإعلان الدستوري الذي أقر قبل أشهر، ولا تعديل النظام الانتخابي يسمحان بتأسيس نظام سياسي يرنوا إلى تحقيق الديمقراطية الليبرالية القائمة على المواطنة الحقة على مستوى الفرد.
منذ أيام تسلم الرئيس السوري "المؤقت" أحمد الشرع النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب الذي يتضمن رفع عدد المقاعد من 150 إلى 210 وفقا لإحصاء عام 2011، مع تخصيص نسبة منها لا تقل عن 20 % للمرأة، ويعين الرئيس ثلث أعضاء المجلس، أي 70 عضوا، وتشكيل اللجان الانتخابية الفرعية، وآليات الطعن والاعتراض على نتائج الانتخابات، وإتاحة الرقابة من المجتمع والمنظمات الدولية بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات.
ثمة ملاحظات جوهرية عديدة على النظام الانتخابي المقرر:
أولا، تجري الانتخابات تحت سقف الرئاسة، بمعنى لا انتخابات لمنصب الرئاسة، بل تقتصر العملية الانتخابية على مستوى البرلمان.
ثانيا، يعين الرئيس ثلث أعضاء البرلمان، ما يعني أننا أمام نظام رئاسي شبه متطرف، يُغلف بديكور برلماني، ستكون الكلمة النهائية للرئيس وليس للبرلمان بوصفهة هيئة تشريعية.
تم تبرير تعيين الرئيس لـ 70 عضوا كخطوة لتعويض الخلل في التمثيل سواء للمكونات أو للمرأة أو لذوي الإعاقة، وأيضا لإضافة شخصيات ذات كفاءة عالية قد لا يتم اختيارها عبر الهيئات الناخبة.
تذكرنا هذه الخطوة بما جرى في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، حين أصرت النخبة الليبرالية على خصر الاقتراع ضمن فئة محدودة: المتعلمون والمُلاك.
وإذا كانت هذه الخطوة لها ما يبررها في التاريخ الأوروبي آنذاك، فلا تبرير لها في حاضرنا اليوم، وخصوصا في الحالة السورية، حيث النخبة الحاكمة تمثل تيار أيديولوجياً محصوراً بها فقط، لا يعكس التوجه الشعبي عموما.
كما أن هذه الخطوة هي إعادة إنتاج لمنظومة البعث الذي خصص مقاعد في البرلمان للحزب، بما يجعل منه القوة الغالبة في البرلمان.
إن هذا الواقع السياسي الذي سيتحقق في سورية لن يُفسح المجال لنشوء تعددية سياسية حقيقية تعكس مصالح الأفراد، بل سيؤدي هذا الواقع إلى ترسيخ الجماعات الطائفية ومتخيلاتها السياسية، وسيبقى صراع الأكثرية والأقلية ما دون السياسي قائما إذا ما استمرت الحكم على هذا المنوال.ثالثا، لا أحزاب في العملية الانتخابية، وهي ظاهرة غير موجودة إلا في النظم الدينية (الفاتيكان، إيران) والأنظمة الملكية التقليدية في الخليج العربي، وهذا وضع لا يصلح للمجتمع السوري المتنوع أيديولوجيا وسياسيا، إذ يُنتج ممثلين أفراداً غير قادرين على تشكيل كتلة سياسية تمارس الحكم، وسيبدو هذا واضحا في الملاحظة التالية.
رابعا، لا منصب لرئيس الحكومة، إذ تتشكل الحكومة من وزراء فقط، وهذا يعني أن الانتخابات البرلمانية من دون أحزاب لن تسمح للبرلمان بتشكيل الحكومة، ما يعني أن السلطة التنفيذية ليست منبثقة من السلطة التشريعية.
خامسا، لن تكون هناك مشاركة شعبية كاملة في الانتخابات البرلمانية، ذلك أن اللجان الفرعية في كل محافظة ستقوم باختيار الهيئات الناخبة، على أن يكون أعضاء هذه الهيئات 7.000 شخص، تشمل كافة المحافظات، ويحق لهؤلاء الأشخاص الترشح للانتخابات، وستجري عملية انتخاب أعضاء مجلس الشعب داخل الهيئة الناخبة ذاتها، أي نحن هنا أمام انتخابات غير مباشرة لا يشارك الشعب فيها.
وعزت لجنة الانتخابات هذا الإجراء إلى الظروف اللوجستية الراهنة في سورية، كغياب الأوراق الثبوتية، وتغييرات ديمغرافية كبيرة، ووجود عدد كبير من اللاجئين، تجعل من شبه المستحيل إجراء انتخابات مباشرة بطريقة صحيحة.
قد تكون هذه الاعتبارت ذات وجهاة، لكن مشكلتها تكمن في مدة عمل مجلس الشعب التي ستكون وفق الإعلان الدستوري 30 شهرا قابلة للتجديد، وهي مدة طويلة جدا، من شأنها أن تسمح للرئاسة مع مجلس الشعب "المُختار" تأسيس نظام حكم يعكس مصالح وتوجهات أيديولوجية وسياسية لفئة معينة.
سادسا، تم استبعاد كل من أيد نظام الأسد من الترشح للانتخابات، وهذه خطوة لها تبعات غير موضوعية، إذ لا تفرق بين أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء، وأولئك الذين دعموا النظام السابق، لأسباب عديدة لا علاقة لها بالتحيز الطائفي.
من نافلة القول إن المراحل الانتقالية تكون مضطربة وغير مثالية، لكن هذا الاضطراب يكون نتاجا لتفاعل قوى اجتماعية ـ سياسية ـ دينية مجتمعة معا، وهذا أمر غير موجود في سورية، حيث الفاعل السياسي واحد، وفي هذه الحالة فإن ما يقوم به لا يندرج ضمن جدلية الفعل ورد الفعل، وإنما يعكس توجهات مسبقة للنخبة الحاكمة عبر تثبيت نظام حكم قوي مع روتشات ديمقراطية، ستكون بطبيعة الحال أكثر فاعلية مقارنة بنظام الأسد، بسبب اختلاف السياقين والتجربتين، لكنها لا تعكس إرادة الكثيرين في الانتقال إلى نظام ديمقراطي ـ ليبرالي حقيقي، وإن ضمن شروط الإمكان التاريخي.
إن هذا الواقع السياسي الذي سيتحقق في سورية لن يُفسح المجال لنشوء تعددية سياسية حقيقية تعكس مصالح الأفراد، بل سيؤدي هذا الواقع إلى ترسيخ الجماعات الطائفية ومتخيلاتها السياسية، وسيبقى صراع الأكثرية والأقلية ما دون السياسي قائما إذا ما استمرت الحكم على هذا المنوال.