مصير الإخوان في سوريا: بين إرث الماضي وسياقات الجغرافيا الجديدة
تاريخ النشر: 26th, August 2025 GMT
من رحم الصدام التاريخي إلى امتحان التكيّف في سوريا الجديدة
الإخوان.. مشروع يتجاوز التنظيم
لم تكن جماعة الإخوان المسلمين يومًا مجرد كيان تنظيمي عابر، بل حملت منذ لحظة التأسيس فكرة تتجاوز حدود الزمان والمكان، لتصبح بمثابة مشروع فكري ـ ديني يسعى إلى إعادة تشكيل المجتمع وفق رؤيتها. غير أن التاريخ أثبت أنّ هذا المشروع ظلّ محكومًا بصدام دائم مع الدولة الحديثة، بدءًا من مصر حيث وُلدت الجماعة، إلى بقية الساحات العربية والإسلامية.
سوريا بعد الأسد.. سؤال المستقبل.. ، ،
اليوم، تدخل الجماعة في سوريا لحظة حرجة لا تقل تعقيدًا عما عرفته في بلد المنشأ. فبعد سقوط نظام الأسد، يتكشف أمام السوريين سؤال أعمق من مجرد تقاسم سلطة: أي مستقبل يمكن لجماعة عقائدية ـ تنظيمية أن تجده في دولة خرجت من رحم حرب طويلة، وهي تتجه نحو إعادة بناء ذاتها وفق أسس مدنية ودستورية جديدة؟
تصريح أحمد موفق زيدان.. إعلان انتهاء المرحلة.. ،
المفارقة أن المستشار الإعلامي للرئيس الانتقالي، أحمد موفق زيدان، القادم من خلفية إخوانية، هو من أطلق الشرارة بطرحه الصريح حلّ الجماعة. لم يكن تصريحه مجرّد اجتهاد فردي، بل بمثابة إعلان غير مباشر أن مرحلة التنظيمات العقائدية المغلقة قد انتهت، وأن الدولة السورية الجديدة لا تحتمل بقاء كيانات تعيش خارج السياق السياسي والاجتماعي المتغير.. .، ،
البعد الجيوسياسي.. ضغوط إقليمية ودولية.. .، ،
من منظور جيوسياسي، فإن سوريا ما بعد الأسد ليست ساحة مغلقة. هي امتداد إقليمي يتقاطع فيه النفوذ التركي والإيراني والعربي والغربي. وكل هذه الأطراف تنظر بعين الريبة إلى الكيانات الإسلامية التقليدية، لا سيما تلك التي تحمل إرث الإخوان. التجربة الأردنية مثال قريب: حزب مستند إلى مرجعية الإخوان فقد الكثير من قدرته على التأثير بعد سلسلة من القيود والتحولات، فأصبح يعيش خارج الإيقاع العام للدولة. أما في مصر، حيث انطلقت الفكرة، فقد أسدل التاريخ ستاره على سقوط مدوٍ أعاد الجماعة إلى حالة "المنفى الفكري" حتى داخل الوطن.
-'خياران أمام الجماعة--
إذن، ما الذي تنتظره سوريا الجديدة؟ الراجح أن الجماعة، إن تمسكت ببنيتها القديمة، ستجد نفسها على هامش المشهد، غريبة عن الشارع الذي دفع أثمانًا باهظة بحثًا عن الحرية والكرامة، لا عن استبدال استبداد بآخر مؤدلج. أما إذا التقطت اللحظة، وقررت التحول إلى قوة مدنية ـ سياسية منفتحة، فإنها قد تجد لها موقعًا في الخريطة المقبلة، ولو بعد حين.. .، ،
سؤال أبعد من السياسة.. ، ،
لكن جوهر المسألة يتجاوز التكتيك السياسي. نحن أمام سؤال فلسفي يتعلق بعلاقة الفكر الديني بالزمن: هل تستطيع جماعة وُلدت في عشرينيات القرن الماضي، وسط سياقات استعمارية وثقافية مختلفة، أن تعيد إنتاج نفسها في القرن الحادي والعشرين، وسط عالم ما بعد الدولة القومية، وما بعد العولمة الرقمية؟ أم أنها ستظل حبيسة نموذجها المغلق، مثل كائن أسطوري يرفض التكيّف مع البيئة الجديدة، فينقرض من تلقاء نفسه؟
الجغرافيا السورية.. فسيفساء لا تحتمل الإقصاء.. ، ،
الجغرافيا السورية، بتاريخها المركب من تنوع طائفي وعرقي وسياسي، لا تحتمل إقصاءً جديدًا، ولا احتكارًا للهوية. من هنا، فإن بقاء الإخوان بشكلهم التقليدي يعني ـ ببساطة ـ السير في طريق الانعزال. أما الذوبان في سياق وطني جامع، فربما يمنحهم فرصة للبقاء في ذاكرة سوريا المقبلة، لا كحركة عقائدية، بل كجزء من فسيفساء سياسية رحبة.
--النهاية.. بين الانقراض والتكيّف.. ، ،
وفي النهاية، يبدو أن مصير الجماعة في سوريا لن يختلف كثيرًا عن مصير الكائنات التي لم تستطع التأقلم مع تغير المناخ الطبيعي عبر العصور. كما انقرضت الديناصورات لعجزها عن مجاراة بيئتها، قد تنقرض الجماعة فكريًا وتنظيميًا إذا أصرّت على البقاء أسيرة ماضيها. وحده التكيّف مع اللحظة السورية الجديدة، والانخراط في مشروع مدني جامع، يمكن أن ينقذها من مصير محتوم بين صفحات التاريخ."من لا يتكيّف مع تحولات الجغرافيا والتاريخ، يظل حبيس الماضي حتى يبتلعه النسيان."
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سؤال برلمانى لضمان تطبيق قرارات الإسكان لحل مشكلات الإيجار القديم
تقدم المهندس حسن المير، عضو مجلس النواب، بسؤال للمستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب ، لتوجيهه الى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، والمهندس شريف الشريبنى وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، والدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، لضمان تحويل تصريحات وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية حول إطلاق المنصة الإلكترونية الجديدة عبر منصة «مصر الرقمية» لاستقبال طلبات أصحاب الإيجار القديم الراغبين في الحصول على وحدات بديلة إلى واقع ملموس على الأرض، بما يحقق العدالة بين الملاك والمستأجرين.
وقال «المير» في سؤاله : نقدّر جهود الدولة في فتح باب جديد لحل أزمة الإيجارات القديمة متسائلاً : كيف ستضمن وزارة الإسكان وصول هذه الوحدات إلى مستحقيها الفعليين؟ وكيف سيتم التعامل مع آلاف الحالات المختلفة في القرى والنجوع بعيدًا عن المدن الكبرى؟ وما هى آليات التحقق من بيانات المستأجرين المتقدمين عبر المنصة لضمان وصول الوحدات السكنية إلى مستحقيها الحقيقيين؟ وكيف ستتم مراعاة الفئات الأكثر ضعفًا مثل كبار السن وذوي الإعاقة، خاصةً في المناطق الريفية حيث ضعف الإنترنت والخدمات البريدية؟ وما هى الضمانات القانونية لعدم استغلال بعض السماسرة أو المنتفعين لهذه المنظومة الجديدة للحصول على وحدات بديلة بطرق غير مشروعة؟ ومتى سيتم إعلان خريطة واضحة للوحدات المتاحة في كل محافظة، ومساحاتها، وأنظمة التخصيص (إيجار – تمليك – أقساط… إلخ)؟ وما هى خطة الحكومة لتوفير التمويل اللازم لإنشاء أو تخصيص هذه الوحدات بشكل مستدام، بدلًا من الحلول المؤقتة؟.
وطالب المهندس حسن المير، بإصدار تقرير شهري رسمي من صندوق الإسكان الاجتماعي يوضح عدد الطلبات المقدمة، وعدد الوحدات المتاحة، ونسب التخصيص بالمحافظات وإنشاء غرفة عمليات مركزية تضم ممثلين من وزارة الإسكان، صندوق التنمية الحضرية، والمحليات، لمتابعة التنفيذ لحظة بلحظة وإطلاق خط ساخن مجاني للرد على استفسارات المواطنين والتعامل مع الشكاوى الفورية وتشكيل لجان ميدانية للتأكد من استحقاق المتقدمين، خصوصًا في المناطق النائية حيث يصعب الوصول إلى الإنترنت وإعلان جدول زمني ملزم من الحكومة لإنهاء إجراءات تخصيص وتسليم الوحدات البديلة للمستأجرين قبل انتهاء المدد القانونية للعقود مؤكداً على أن هذه المنظومة ستكون نقطة تحول تاريخية في ملف الإيجار القديم إذا التزمت الحكومة بالشفافية والسرعة في التنفيذ.