أنوار الصحبة المحمدية (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)
تاريخ النشر: 4th, September 2025 GMT
آيةٌ كريمة مشرقة، تحمل بين طياتها فقهًا راسخًا فى باب الصحبة النبوية، من خلال دلالةٍ دقيقة لِمَعْنَى الظرفية.
ومن المعلوم أن القرآن الكريم يُفَسَّر بلسان العرب، وهو لسانٌ ثريٌّ عميق، قائم على قواعد وضوابط وأصول راسخة، تتناول الكلمة صوتًا وصرفًا ونحوًا ودلالة. والعلماء – رحمهم الله – ما تركوا حرفًا فى كتاب الله إلا وقفوا عنده؛ يفتشون عن أسراره، ويستكشفون مقاصده.
وقد تعلمنا أن الحروف عند العرب نوعان: حروف المبانى، وهى الحروف الهجائية الثمانية والعشرون التى تُبنى منها الكلمات، وحروف المعانى التى تتنوع: فمنها المفرد (كالواو، والفاء، والباء)، ومنها ما يتألف من حرفين (من، عن، في)، أو ثلاثة (إلى، على)، أو أربعة (لعل)، أو خمسة (لكنَّا). وكل حرف منها يفتح بابًا من أبواب المعانى، وقد عُدَّت معانيها حتى بلغت ستةً وخمسين معنى، منها: الابتداء، والغاية، والانتهاء، والتبعيض، والظرفية، والتمنى، والتأكيد، والقسم... إلى غير ذلك.
وعند التأمل فى قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) نجد أن مفتاح الفهم هنا فى حرف (في)، وهو من حروف المعانى، ومعناه الظرفية. والظرفية تعنى أن شيئًا يَحوى شيئًا آخر ويُحْكِم الإحاطة به؛ فحين نقول: الماء فى الكوب، دلّ ذلك على أن الكوب قد أحاط بالماء من جميع جهاته، وأن الماء لا يتفلت من الكوب من أيّ جهة. وحين نقول: المصلون فى المسجد، دلّ ذلك على أن المسجد يضمهم بين جدرانه فلا يتفلت منهم أحد.
وعليه؛ فإن الظرفية الواردة فى هذه الآية الكريمة تُفيد أن تسمع علينا أنوار النبوة من خلال سنته المشرفة، أى أن المقصود أن يكون نور النبوة محيطٌ بنا إحاطة كاملة، فلا مهرب لنا من أنواره إلا بالانفلات عنها، ولا نجاة لنا إلا بالتمسك بها.
وإن فاتنا شرف مصاحبته (صلى الله عليه وسلم) جسدًا وقالبًا، فلا يفوتنا أن نصاحبه قلبًا وروحًا؛ إذ يبقى (صلى الله عليه وسلم) فينا بسنته، ومنهجه، وهديه، وسيرته العطرة.
فالواجب أن نُترجم سنته (صلى الله عليه وسلم) فى واقعنا: التزامًا بأوامره، وانتهاءً عن نواهيه، واقتداءً بسلوكه وأدبه، حتى تحيط بنا من كل جانب من جوانب حياتنا، فتصوغ جوارحنا على هيئة الخير، وتغمر حياتنا بمعالم الجمال.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاة تجمع بها روح المُصلَّى عليه بالمُصَلِّى عليه.
اللهم آمين بجاه الأمين.
رئيس الإدارة المركزية لشئون القرآن بالاوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: من خلال دلالة قائم على قواعد
إقرأ أيضاً:
خطورة التنمر.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة الأولى من شهر أكتوبر والتي توافق 10 أكتوبر 2025، لتكون تحت عنوان (خطورة التنمّر على الفرد والمجتمع).
وأوضحت وزارة الأوقاف، أنه تم تحديد موضوع خطبة الجمعة القادمة ضمن مبادرة "صحح مفاهيمك" ونشرت موضوع خطبة الجمعة عبر منصتها الرقمية في إطار معالجة الظواهر السلبية من أجل بناء إنسانٍ مصريٍّ سويٍّ.
ويُعَدُّ التَّنَمُّرُ سلوكًا عدوانيًّا مُحَرَّمًا شرعًا؛ لما فيه من إيذاءٍ للنفس البشرية، وإهانةٍ لكرامة الإنسان التي صانها الإسلام، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم كل صور الإيذاء اللفظي والجسدي والمعنوي، واعتبرت ذلك من الفسوق والظلم الذي يُوجِبُ العقوبة في الدنيا والآخرة.
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [الحجرات: ١١].
وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة تُحرِّم الإيذاء وتُحذِّر من عواقبه، منها قوله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» [رواه البخاري ومسلم]، فالعِرضُ يشمل الكرامة والاحترام، والتنمر يُعدُّ انتهاكًا لهذه الحُرْمَة.
وحارب الإسلام التنمر، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم - عن كل ما يؤدي إليه، ومقت من يفعله وتوعده إن أقدم على شيء من أشكاله، وأتبع ذلك ببيان الوسائل التي تقلل منه أو تقضي عليه، وعلاج التنمر جزء منه يتعلق بالمتنمر، وجزء آخر يتعلق بالمتنمر عليه، وجزء ثالث يتعلق بالمجتمع الذي يعيشان فيه.
وأكدت وزارة الأوقاف، أنه من هذا يتبين أن التنمر ليس مجرد سلوك فردي، بل هو انعكاس لاختلالات تربوية واجتماعية وثقافية، ومواجهته تتطلب تكاتفًا من جميع فئات المجتمع، بدءًا من الأسرة، مرورًا بالمدرسة، وانتهاءً بالمؤسسات الدينية والإعلامية، فبناء مجتمع خالٍ من التنمر هو خطوة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، وصون كرامة الإنسان، كما أرادها الله تعالى، فلنكن جميعًا صوتًا للضحايا، ودرعًا في وجه المتنمرين، ولنرسخ ثقافة الاحترام والتسامح في كل زاوية من زوايا حياتنا.