حين يفقد الوطن أبناءه.. من أين نبدأ؟
تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT
د. إبراهيم بن سالم السيابي
هزّت البلاد فاجعة ثقيلة حين رحلت أسرة كاملة في ليلة واحدة: أمّ، وزوجها، وأربعة أطفال، وجنينٌ كان يستعد كي يرى نور الحياة. سبعة أرواح غابت دفعة واحدة، وتركت صمتًا لا يشبه أي صمت، وجرحًا لا يخص أهل الأسرة وحدهم؛ بل يمسّ كل بيت في هذا الوطن.
خسارة الإنسان لا تُقاس بعدد، ولا تُختصر في سطر من الأخبار.
ومع ثقل الفاجعة، امتلأت مواقع التواصل بالروايات المتباينة والاتهامات الجاهزة، واندفع كثيرون إلى تفسير ما جرى دون انتظار لبيان رسمي يوضح الحقائق. وما بين تكهنات الناس ورغبتهم في الفهم، غابت قيمة أساسية: احترام حرمة الموت وحرمة الحزن؛ فالتفاصيل الدقيقة ليست ملك الشارع، وإنما تنتظر تحقيقًا يُبنى عليه كلامٌ مسؤول.
الاتهامات اتجهت مباشرة نحو الجهات الحكومية المعنية باعتبارها الجهة المسؤولة عن ضمان حياة كريمة للمواطن، وعن توفير الظروف التي تمنع وقوع مثل هذه المواقف المؤلمة. وهذه مسؤولية جوهرية، لا يختلف عليها أحد.
فمسؤوليات هذه الجهات لا تتوقف عند تقديم الخدمات فقط؛ بل تشمل بناء منظومة حماية اجتماعية تستشعر الخطر قبل وقوعه. وتشمل تنظيم سوق العمل بما يقلل التسريح، وتسهيل تشغيل الشباب، ودعم الأسر ذات الدخل المحدود، وتوفير بدائل آمنة حين تضيق الخيارات.
كما إن على الحكومة مسؤولية صياغة سياسات اقتصادية تُعيد التوازن بين الدخل وتكلفة المعيشة، وتضع خططًا واضحة لتقليل الضغوط على الأسر، وتمكين المواطنين من أن يعيشوا ضمن حد أدنى من الطمأنينة. وهذا كله يتطلب تشريعات قوية، ومتابعة مستمرة، ورقابة فعّالة، وصناديق دعم حقيقية؛ فالحياة الكريمة ليست مجرد شعار؛ بل منظومة عمل متكاملة تمتد من التعليم إلى العمل إلى الضمان إلى الإسكان.
ومع ذلك، فإن تحميل الحكومة وحدها مسؤولية كل ما يحدث قد يُريح البعض، لكنه لا يقدّم حلًا ناجعًا؛ فالقضية ليست “قطع كهرباء” فحسب، ولا “ضيق يد” فقط، ولا “تسريحًا من العمل” كما يتردد، هذه مظاهر مؤلمة قد تكون جزءًا من المشهد، لكنها لا تختزل المشهد كله.
الحياة حين تضيق على الأسرة، تتقاطع فيها عوامل اقتصادية واجتماعية ومجتمعية تتجاوز جهة واحدة.
هنا يظهر الطرف الآخر من المسؤولية: المجتمع، وبالأخص رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات؛ فالمجتمع الذي يكتفي بالتعليق بعد المآسي هو مجتمع يترك الأمور لقدرها. والمجتمع الذي يكتفي بالشفقة ولا يبني مبادرات دعم حقيقية، يدفع الثمن من أمنه الاجتماعي.
أما رجال الأعمال؛ فهم جزء من قوة الوطن. والثروة ليست امتيازًا خاصًا؛ بل واجبٌ وطني. ولذلك فإن القطاع الخاص مدعوٌّ- بل مُطالَب- بأن يكون شريكًا لا متفرجًا، وأن يخلق وظائف، وأن يُدرّب الشباب، وأن يفتح أبوابًا جديدة، وأن يُقيم شراكات مع الجهات الحكومية، وأن يرى في قوة المجتمع قوةً لاقتصاده هو أيضًا.
وفي دول كثيرة، يؤدي رجال الأعمال دورًا أساسيًا في توزيع الفرص، ودعم الأسر، وتشغيل الشباب، وتمويل المشاريع الصغيرة. هذه الشراكة تخفف الضغط عن الحكومة، وتمنح المجتمع استقرارًا، وتخلق توازنًا صحيًا بين مختلف الأطراف.
أما حين يغيب هذا الدور، تتسع الفجوات، وتظهر نتائجها في صور موجعة كما شهدنا.
إن الفاجعة التي فَقَدَ فيها الوطن 7 من أبنائه لا يجب أن تُقرأ كخبر حزين فقط، وإنما جرس إنذار يدعونا جميعًا- حكومةً ومجتمعًا وأفرادًا- إلى مراجعة شاملة.. مراجعة للسؤال الأهم: أين يقع الإنسان في أولوياتنا؟ هل هو في مقدمة القرارات؟ في قلب السياسات؟ في بداية الخطة أم في نهايتها؟
في الختام.. رحم الله الأسرة الراحلة وأدخلهم فسيج جناته، وجبر قلوب ذويها، وجعل من رحيلهم بداية تفكير جديد، وأكثر وعيًا، وأكثر إنصافًا للإنسان قبل أن يصل إلى حافة الألم التي لا عودة منها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جامعة المنيا تنظم ندوة حول الإعاقة ليست عجزاً .. كيف نغير المفهوم
نظّم مركز ذوي الإعاقة بجامعة المنيا ندوة توعوية موسعة بعنوان "الإعاقة ليست عجزاً .. كيف نغير المفهوم"، بحضور منسقي ذوي الإعاقة بالكليات، وأعضاء المركز، ومشاركة واسعة من الطلاب ذوي الإعاقة، وذلك ضمن سلسلة من الأنشطة الهادفة إلى تعزيز الوعي المجتمعي وترسيخ مفاهيم الدمج الشامل داخل الجامعة.
وأكد الدكتور عصام فرحات، رئيس الجامعة ، أن الجامعة تولي ملف دمج وتمكين الطلاب من ذوي الإعاقة أولوية قصوى، اتساقًا مع توجهات الدولة نحو تعزيز الشمول المجتمعي وإتاحة فرص عادلة لجميع الفئات، مشيرًا إلى أن "التمكين الحقيقي لا يتحقق فقط بتقديم الخدمات، وإنما ببناء وعي وقدرات الفرد ليصبح قادرًا على اتخاذ القرار وصناعة مستقبله."
وأشار الدكتور حسام عبد الرحيم، مدير مركز ذوي الإعاقة، إلى أن الندوة تأتي ضمن جهود الجامعة لتعزيز برامج التوعية المجتمعية، والتمكين الشامل، وتوفير بيئة تعليمية وجامعية محفزة تُسهم في تحقيق مشاركة كاملة وفاعلة للطلاب من ذوي الإعاقة داخل الحياة الأكاديمية والأنشطة الجامعية، بما يرسخ مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص داخل الحرم الجامعي.
واستعرض الدكتور أحمد سمير، الأستاذ بكلية التربية، تعريف شامل لمفهوم التمكين والفرق بينه وبين مفهوم الرعاية التقليدية، مع استعراض نماذج ملهمة لطلاب من ذوي الإعاقة تمكنوا من تجاوز التحديات وتحقيق إنجازات بارزة في مجالات مختلفة.
وتناول المحاضر التعرف على أنواع التمكين، والتي شملت: التمكين الذاتي، التمكين التعليمي، التمكين المجتمعي، التمكين المهني، كما قدم شرحًا تفصيليًا لآليات التمكين الذاتي باعتباره الركيزة الرئيسية التي تُبنى عليها باقي أشكال التمكين، لكونه يعزز وعي الفرد بقدراته وحقوقه، ويمكّنه من اتخاذ القرارات المتعلقة بحياته بثقة واستقلالية.