مشروع لنظام عالمي جديد يجد زخما بعد قمة مجموعة شنغهاي.. محور روسي صيني
تاريخ النشر: 6th, September 2025 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمستشار السيناتور جون ماكين للسياسة الخارجية سابقا، ريتشارد فونتين وضابطة الاستخبارات السابقة المختصة في الشأن الروسي، أندريا كيندال- تايلور، قالا فيه إنه: عندما ترأس الرئيس شي جين بينغ عرضا ضخما للقوة العسكرية الصينية في بيجين يوم الأربعاء، لم يقتصر العرض على الطائرات المقاتلة والصواريخ، حيث أشار شي، محاطا بقادة روسيا وإيران وكوريا الشمالية، إلى العالم بوجود بديل عملي للقيادة الأمريكية.
قلب النظام الدولي القائم
وأضاف المقال، أن الصين، وبالتوافق مع هذه الدول الأخرى، قادرة على قلب النظام الدولي القائم رأسا على عقب ومقاومة الولايات المتحدة، مهندسة النظام الحالي، ربما بدا هذا الإظهار للوحدة أمرا لافتا للبعض، نظرا لأنه قبل شهرين فقط، رفض بعض المراقبين التفاهم بين الدول الأربع - ما أسميناه "محور الاضطرابات" - واعتبروه إما ميتا أو مبالغا فيه منذ البداية.
في حزيران/ يونيو، وقفت موسكو وبيجين وبيونغ يانغ، إلى حد ما، مكتوفة الأيدي بينما تحمّلت إيران 12 يوما من الحرب القاسية على يد إسرائيل والولايات المتحدة، وأصدرت بيانات تُدين الهجمات، ولم تُقدّم أي شيء آخر.
لكنّ تجاهل المحور بهذه الشروط يُسيء فهم حقيقته، مفادها: "تحالف من أربع دول، رغم اختلافاتها الشاسعة، ترى في الولايات المتحدة خصما مشتركا"، مع أنها قد تُساعد بعضها بعضا أحيانا - مثل الجنود الكوريين الشماليين الذين انضموا إلى حلفائهم الروس في المعركة ضد القوات الأوكرانية - إلا أن هذا ليس هو الهدف، فلدى المجموعة هدف أكثر طموحا بكثير.
فهي تسعى، على غرار دول المحور في حقبة الحرب العالمية الثانية، ألمانيا وإيطاليا واليابان، إلى "نظام جديد للأمور"، حيث يمكن لكل دولة أن تتبوأ "مكانتها الخاصة"، فهم مستاؤون من نظام دولي يعتقدون أنه يحرمهم من المكانة وحرية العمل التي يستحقونها بفضل قوتهم وحضارتهم، فهم مُتحدون في الرغبة في تغييره.
المحور دعم روسيا في حربها
مقال الكاتبان، يشير إلى أن التعاون بين هذه الدول الأربع عزز بالفعل القدرات العسكرية لخصوم أمريكا، وأضعف في الوقت نفسه أدوات السياسة الخارجية التي تستخدمها واشنطن لمواجهتهم، ولم يكن تأثيرها أوضح من أوكرانيا، حيث مكّنت الصين وإيران وكوريا الشمالية، الكرملين من مواصلة حربه والصمود في وجه الضغوط الدولية.
ومن المرجح أن تواصل دول المحور تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتكنولوجية لتحسين قدرتها على تجاوز العقوبات الأمريكية وحلفائها وضوابط التصدير، مع توفير بدائل للدول الأخرى عن الاعتماد على السوق والبنوك والعملة الأمريكية.
إن الأثر العسكري للعلاقات بينهما هو الأبرز بلا شك، تتشارك هذه الدول التكنولوجيا والمعرفة العسكرية بطرق تُمكّنها من تضييق الفارق العسكري الأمريكي، ويمكن لتعاونها أن يختصر الوقت الذي تستغرقه روسيا لإعادة بناء قواتها التقليدية في أي توقف للحرب في أوكرانيا، من خلال تزويدها بالذخيرة أو المكونات التي تحتاجها موسكو لتصنيع المزيد من الأسلحة بشكل أسرع.
المحور يعزز قدرات بعضه الآخر
وقد يُشكّل هذا نقطة ضعف لحلف الناتو إذا استطاعت روسيا إعادة البناء بشكل أسرع من قدرة أوروبا على تعزيز قدراتها، كما يُعقّد تعاون دول المحور الصورة بالنسبة لمخططي الدفاع الأمريكيين وحلفائهم، الذين لم يعد بإمكانهم افتراض أن أيا من هذه الدول ستقاتل بمفردها، إما لأن واحدة أو أكثر من هذه الدول تُقدّم مساعدات عسكرية وأسلحة، أو -وهو الأرجح- مُقاتلين، وهناك أيضا خطر من إمكانية إشعال أزمات متزامنة بطريقة منسّقة أو انتهازية، مما يُرهق الولايات المتحدة وقدرتها.
في الواقع، يشير اجتماع بيجين إلى أن المحور، بدلا من أن يذبل في أعقاب الحرب مع إيران في حزيران/ يونيو، يتمتع بزخم، ويستشعر أعضاؤه فرصة سانحة، تُثير إدارة ترامب غضب حلفاء أمريكا وشركائها القدامى، وتغلق منافذ الوصول إلى سوقها، وتسحب المساعدات الإنسانية والإنمائية، وتُوقف البث الدولي ودعم الديمقراطية، وترفض صراحة القيام بدورها القيادي العالمي الذي لطالما لعبته، وبالنسبة للرئيس الصيني شي، والروسي فلاديمير بوتين وآخرين، قد لا تكون هناك لحظة أفضل لتحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وتسريع التراجع الأمريكي.
إن مشاركة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الاجتماع تُشير بالتأكيد إلى أنه من السابق لأوانه افتراض تهميش إيران، فعلى الرغم من إضعافها بسبب الضربات الأمريكية والإسرائيلية، من المرجح أن ترى الصين وروسيا وكوريا الشمالية قيمة في مساعدة طهران على إعادة بناء قدرتها على استعداء الولايات المتحدة.
تُدرك إدارة ترامب جيدا التحدي الذي يُمثله المحور، حتى الآن، كان حلها يهدف إلى تحسين العلاقات مع روسيا، بافتراض أن ذلك سيُمكّنها من إبعاد موسكو عن داعميها الآخرين، ويبدو أن إنهاء الحرب في أوكرانيا بطريقة تسمح بعلاقة أفضل مع روسيا هو خطوتهم الأولى.
روسيا لا تثق بأمريكا
لكن أي محاولة أخرى لإعادة ضبط العلاقات مع روسيا لن تكون محكومة بالفشل فحسب - كما حدث سابقا - بل ستؤدي أيضا إلى تفاقم المشكلة. لن يتخلى الكرملين عن رؤيته لواشنطن على أنها العائق الرئيسي أمام أهداف موسكو، ومن غير المرجح أن يعتقد بوتين أن رئيسا أمريكيا واحدا يمكنه التراجع، بأي شكل من الأشكال على المدى الطويل، عن عقود من السياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا.
ومن المرجح أن تكون جهود استمالة الصين عقيمة بالمثل، ومن المؤكد أن محاولة الإدارة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع بيجين من خلال تقديم تنازلات جيوسياسية - على سبيل المثال، السماح بوصول رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين - من غير المرجح أن تنجح في إبعاد أقوى عضو في المحور عن شركائه، من المرجح أن تستغل روسيا والصين التنازلات التي ترغب هذه الإدارة في تقديمها، وتستخدمانها لتعزيز قدرتهما على تحدي الولايات المتحدة.
الاقتصاد.. أداة أمريكا ضد الدول
الخبر السار هو أن واشنطن تمتلك الأدوات اللازمة للتغلب على هذا المحور، فالاقتصاد الأمريكي هو الأكبر والأكثر جاذبية في العالم، ولا يزال نظام تحالفاته لا مثيل له، وشبكته من القواعد الخارجية لا مثيل لها، وقوته العسكرية هائلة، القيم الأمريكية - الديمقراطية، والحقوق الأساسية والكرامة، والفرص والمساواة - قوة عظمى، وتزداد قوة عندما نعتنقها في الداخل، أمريكا، إن شاءت، قادرة على الحفاظ على نظام عالمي يفوق بكثير أي شيء يقدمه هذا المحور، والسؤال هو: هل ستختار إدارة ترامب القيام بذلك؟.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الصين وروسيا منظمة شنغهاي تحالف دولي جديد الصين وروسيا هيمنة أمريكا سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة من المرجح أن هذه الدول
إقرأ أيضاً:
أبو القنبلة النووية الأمريكية والإسرائيلية.. ماذا تعرف عن روبرت أوبنهايمر؟
يتمحور فلم "أوبنهايمر"، الذي عرض عام 2023، حول ملحمة سباق الذرة العلمية في القاعدة السرية في لوس ألاموس (ولاية نيو مكسيكو)، حيث انكب علماء وعسكريون أعضاء في “مشروع مانهاتن” في خضمّ الحرب العالمية الثانية على الانتهاء من القنبلة قبل النازيين، ويتناول الفيلم الذي تبلغ مدته ثلاث ساعات المحطات الرئيسية في حياة الفيزيائي روبرت أوبنهايمر (1904 – 1967) الذي طبع تاريخ الولايات المتحدة والقرن العشرين، وساهم في إدخال العالم عصرا جديدًا هو العصر النووي.
Oppenheimer (2023) is Nolan at his most ruthlessly precise. Three hours that move with the momentum of a thriller, every scene sharpened to purpose. Not a wasted beat anywhere, just immaculate craft driving a story that never loosens its grip.
pic.twitter.com/CYwm8bU5MC https://t.co/cA33YqccJK — cinesthetic. (@TheCinesthetic) December 11, 2025
"الآن جاء دورك لمواجهة عواقب إنجازك"، جملة وردت في الفلم، قالها أينشتاين لزميله روبرت أوبنهايمر في واحد من أبرز المشاهد الختامية لـ"أوبنهايمر" الذي يحكي كيف أصبح الأخير "أبا" القنبلة الذرية في أربعينيات القرن الماضي من خلال ترؤسه مشروع الحكومة الأمريكية الذي أطلق عليه اسم "مشروع مانهاتن".
من هو روبرت أوبنهايمر؟
هو عالم فيزيائي يهودي أمريكي من أصول ألمانية، ولد عام 1904، وتوفي عام 1967. أشرف على مشروع إنتاج القنبلة النووية الأمريكية التي ألقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين (سمي مشروع "لوس ألاموس")، ولقب بألقاب عدة منها "أبو البرنامج النووي الأمريكي" و"أبو القنبلة الذرية".
المولد والنشأة
ولد جوليوس روبرت أوبنهايمر يوم 22 نيسان/أبريل 1904 بمدينة نيويورك الأميركية، ونشأ في كنف عائلة يهودية علمانية تنحدر من بلدة هاناو الألمانية، هاجرت أواخر القرن الـ19 إلى الولايات المتحدة وتبنت تقاليد سكانها وأفكارهم، كان والده جوليوس ثريا وتاجرا للنسيج والأقمشة، وعضوا في جمعية "الثقافة الأخلاقية"، أما والدته إيلا فريدمان فكانت رسامة مشهورة.
تزوج أوبنهايمر عام 1940 زميلته الناشطة في الحزب الشيوعي الأمريكي كاثرين كيتي بيونينغ، وجلب له هذا الزواج اتهامات بالعمالة مع ما كان يعرف آنذاك بالمعسكر الشيوعي، في إشارة إلى دول شيوعية كانت معادية للولايات المتحدة، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي.
منذ صغره، كان روبرت أوبنهايمر عبقريًا، لكنه خجول يميل إلى العزلة، لم تكن دراسة الفيزياء ضمن أولوياته العلمية في بداية شبابه، جال بين اختصاصات عدة، بينها الأدب الإنجليزي والفرنسي والكيمياء والفلسفة اليونانية والهندوسية، ليستقر لاحقا في دراسة الفيزياء النووية التي قادته ليصبح "المكافئ الموضوعي للموت.. مدمر العوالم"، حسب تعبيره.
"أصبحت الموت.. أصبحت محطم العوالم".
منذ عام 1942، أشرف أوبنهايمر -الرجل الذي لا يستطيع إدارة محل همبرغر على حد قول الجنرال ليزلي غروفز- بكفاءة على مختبر لوس آلاموس الشديد السرية في صحراء نيو مكسيكو، ونفّذ تجربة ترينيتي "trinity" (الثالوث)،
بينما كانت سحابة الفطر الهائلة ترتفع جراء إلقاء قنبلتي "الولد الصغير" و"الرجل البدين" الذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين يومي السادس والتاسع من آب/أغسطس 1945، لم يصدق أوبنهايمر وهو على بعد كيلومترات من نقطة التفجير، قوة التدمير الهائلة التي تولدت، يذكر لاحقا كيف انتابته أول وخزة ضمير، وبدأ يردد بعض العبارات من نص "بهاغافادا غيتا" الهندوسي: "الآن أصبحت الموت، أصبحت محطم العوالم".
بدا أول الأمر مبتهجًا بالإنجاز العلمي الأبرز في التاريخ، لكن في الأيام التالية يروي أصدقاؤه أنه أصبح شديد الاكتئاب، وكان يردد أحيانا بصوت عال: "هؤلاء الفقراء الصغار، هؤلاء الفقراء الصغار"، في إشارة إلى الضحايا اليابانيين والأهوال التي تسببت بها القنبلتان.
ارتباطات بالنووي الإسرائيلي
يعد روبرت أوبنهايمر من أوائل العلماء اليهود الذين هرولوا إلى دولة الاحتلال بعد إعلان تأسيسها عام 1948، للمشاركة في وضع اللبنات الأولى لبرنامجها النووي، وكشفت محاضر اجتماعات وزيارات وخطابات موثقة في مكتبة رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون وزعيم الصهيونية العالمية حاييم وايزمان أن أوبنهايمر دعم المشروع النووي الإسرائيلي، حتى قبل تأسيس إسرائيل إبان نكبة عام 1948.
ففي عام 1947، اجتمع مع ألبرت آينشتاين ووايزمان بمعهد الدراسات المتقدمة في برينستون بولاية نيوجيرسي الأمريكية، بهدف استكشاف إمكانية تطوير مفاعل نووي في إسرائيل قبل تأسيسها، لكن أوبنهايمر رأى صعوبة تحقيق ذلك.
وفي عام 1952، اجتمع مع بن غوريون لاستكشاف إدارة احتياطات إسرائيل من البلوتونيوم، وفي أيار/مايو 1958، شارك في افتتاح قسم الفيزياء النووية بمعهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، وألقى خطابًا أشاد فيه بالمعهد وقال إنه "مركز مستقبلي للعلماء في أنحاء العالم".
وأثناء الزيارة اجتمع به بن غوريون وقال عنه "لمست لدى أوبنهايمر شرارة يهودية وجوهرا يهوديا أصيلا وتشجيعا على سعي إسرائيل للخيار النووي"، وبعدها بـ7 سنوات عاد إلى دولة الاحتلال لحضور اجتماع إدارة معهد وايزمان، الذي اختاره وقتئذ زميلًا فخريا وعضوا في مجلس إدارته.
زميلان مقربان برؤى مختلفة
في فيلم "أوبنهايمر"، يظهر أينشتاين في المرحلة الأخيرة من حياته، عندما كان يعمل هو وأوبنهايمر بمعهد برينستون للدراسات المتقدمة، حيث شغل الأخير منصب مدير المعهد بين عامي 1947 و1966، ورغم أن أينشتاين وأوبنهايمر كانا من أهم العلماء في ذلك الوقت، لكن كانت هناك اختلافات مهمة بينهما، فيما يتعلق بفهم كل منهما للفيزياء وبالطريقة التي كان يعتقد أحدهما أن باستطاعته خدمة العالم – أو إيذائه، وفي مؤتمر عقد في باريس عام 1965 بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لرحيل أينشتاين، قال أوبنهايمر: "لقد كنا زميلين مقربين وكنا إلى حد ما صديقين". وفق تقرير لشبكة "بي بي سي".
حياتان متوازيتان
عندما تخرج الشاب روبرت أوبنهايمر وتخصص في الفيزياء النظرية في عشرينيات القرن الماضي، كان أينشتاين قد فاز بالفعل بجائزة نوبل للفيزياء، كما كان شخصية مهمة في وسط العلم والعلماء، بفضل نظرية النسبية العامة التي صاغها عام 1915، وغيرها من الأعمال التي أثرت على عالم الفيزياء الأمريكي.
وسط الاضطهاد المتزايد لليهود في ألمانيا، غادر أينشتاين أوروبا واستقر في برينستون بولاية نيو جيرسي عام 1932، حيث واصل أبحاثه، وبعد عدة سنوات، وتحديدًا في آب/أغسطس عام 1939، وقع أينشتاين على خطاب موجه إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت، نبه فيه البيت الأبيض إلى أن ألمانيا قد تطور قنبلة ذرية نتيجة للتقدم العلمي الذي أحرزته تلك الدولة الأوروبية في مجال الانشطار النووي لليورانيوم، ويعتقد أن ذلك أدى إلى البَدْء في مشروع مانهاتن، والذي عينت الحكومة الأمريكية بموجبه أوبنهايمر رئيسًا له عام 1942، وكان حينها واحدًا من أبرز العلماء في ذلك المجال.
بسبب أصوله الألمانية.. استبعاد أينشتاين من المشروع
وفقا للعديد من المصادر، لم يتم إشراك أينشتاين، الذي كان يبلغ من العمر 64 عاما آنذاك، في المشروع بسبب أصوله الألمانية وأفكاره اليسارية، لكن المفاهيم المختلفة لنظريات الفيزياء بينه وبين أوبنهايمر كان لها أثر هي الآخرى على ذلك القرار.
يقول كل من كاي بيرد ومارتين جاي شِروين في كتابهما الذي يروي سيرة حياة أوبنهايمر: American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer (الذي يستند إليه فيلم كريستوفر نولان) إن عالم الفيزياء الأمريكي كان ينظر إلى أينشتاين بوصفه "قديسًا حيا راعيا للفيزياء، وليس كعالم منخرط في العمل والبحث".
هل شارك أينشتاين في ابتكار القنبلة النووية؟
مع بدء مشروع مانهاتن، يصور الفيلم أوبنهايمر كعالم تساوره شكوك بشأن مدى وحجم الأثر الذي قد يحدثه تفجير قنبلة ذرية كتلك التي كان يعكف على تطويرها، يذهب العالم الأمريكي لاستشارة أينشتاين، بيد أن ذلك لا يعدو كونه من نسج خيال المخرج، لأن تلك الحوارات التي تظهر في الفيلم لم تجر على أرض الواقع.
يشرح المخرج نولان في حوار مع صحيفة ذا نيويورك تايمز، قائلًا: "من بين الأشياء التي غيرتها هي أن أوبنهايمر لم يستشر أينشتاين في ذلك الأمر، بل استشار أرثر كرومبتون الذي كان يدير فرع مشروع مانهاتن بجامعة شيكاغو"، وأضاف نولان: "لكن أينشتاين هو الشخصية التي يعرفها الجمهور".
ومع عمل أوبنهايمر بين عامي 1943 و1945 في مختبر لوس ألاموس في ولاية نيو مكسيكو، على بعد آلاف الكيلومترات من برينستون، إلا أنه ليس واضحًا ما إذا كان الفيزيائي الأمريكي قد عقد أي اجتماعات أو مشاورات مع أينشتاين.
لكن في عام 1965، علق أوبنهايمر نفسه على مزاعم أن أينشتاين أسهم بطريقة ما في ابتكار سلاح الدمار الشامل ذاك، حيث قال في مؤتمر باريس الذي عقد في ذلك العام: "مزاعم أنه شارك في ابتكار القنبلة الذرية، في رأيي، خاطئة"، ويرى أوبنهايمر أن الخطاب الذي أُرسل في عام 1939 إلى الرئيس روزفلت للفت انتباهه إلى قدرات ألمانيا على تطوير قنبلة ذرية لم يكن له تأثير يذكر على الحكومة الأمريكية.
"مشكلة أخلاقية"
بعد الاختبار الناجح الذي أجري على أول قنبلة ذرية، واجه أوبنهايمر مشكلة أخلاقية تتمثل في استخدام أعماله في صنع سلاح دمار شامل، وليس فقط على سبيل التهديد، كما تبين من خلال تفجيري هيروشيما وناغازاكي عام 1945، حيث أدان العديد من العلماء، ومن بينهم أينشتاين وسيلارد وغيرهما إلقاء قنابل ذرية على مدن يابانية، إذ اعتبروا أن البلاد كانت بالفعل قد هُزمت جزئيًا.
يحاول أوبنهايمر في فيلم نولان إقناع حكومة واشنطن بالحاجة إلى الحد من استخدام التقنية التي طورها، لكن السياسيين ينقلبون عليه ويثيرون علامات استفهام حول علاقته السابقة بالشيوعيين، ويعتبرون أنه يشكل خطورة على الأمن القومي، وهو ما يضطره إلى الإدلاء بشهادته أمام لجنة حكومية.
أينشتاين يصف أوبنهايمر .. "إنه أحمق"
يروي بيرد وشِروين في كتابهما أن أينشتاين أخبر أوبنهايمر بأنه "لا ينبغي أن يواجه حملة شرسه لأنه خدم بلاده بشكل جيد"، وفق محادثة كانت فيرنا هوبسون سكرتيرة عالم الفيزياء الأمريكي شاهدة عليها، وقال له أينشتاين: "إذا كانت هذه هي المكافئة التي تعرضها عليك الولايات المتحدة، ينبغي أن تدير ظهرك لها".
غير أن هوبسون زعم أن أوبنهايمر "كان يحب أمريكا"، وأن حبه لها كان "عميقًا كحبه للعلم"، وقال أوبنهايمر لهوبسون إن "أينشتاين لا يفهم ذلك"، كان العالم الحاصل على جائزة نوبل يرى أن أوبنهايمر لا ينبغي أن يتوقع الكثير من واشنطن، وقد أخبر سكرتيرته، مشيرًا إلى أوبنهايمر بإصبعه بعد تلك المحادثة: "إنه أحمق"، وفق بيرد وشِروين.
دعا لحظر استخدامه.. سلاح سيقتل الملايين في العالم
ومن منصبه في هيئة الطاقة الذرية، حذر من تطوير الأسلحة النووية، وقال إن "استخدامها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة"، وشجع على الرقابة الدولية على استخدام الطاقة النووية، ودعا إلى تقييد العمل بها، وحث أيضا الولايات المتحدة على تأجيل تجربتها الأولى للقنبلة الهيدروجينية، والسعي إلى حظر التجارب النووية الحرارية مع الاتحاد السوفياتي، لأن هذا السلاح سيؤدي إلى ملايين القتلى في العالم عند استخدامه، وبسبب عدم استجابة الولايات المتحدة لنداءاته ومضيها في مشروع القنبلة الهيدروجينية، انسحب أوبنهايمر من جميع مناصبه وتفرغ لإدارة معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون.