هناك لحظات في العمر تظلّ محفورة في الذاكرة، لحظات تُعيد تعريف معنى الرضا، وتفتح داخل القلب نافذة جديدة يرى من خلالها رحمة الله. من أعظم هذه اللحظات… لحظة احتضان الأم لولدٍ طال انتظاره، أو لاستقبال طفلين توأمين كأنهما هدية مضاعفة من السماء.

غريزة الأمومة ليست مجرد رغبة، بل نداء داخلي عميق، يطرق القلب برفق ثم يتحول تدريجيًا إلى ألم شفيف حين يتأخر تحقيقه.

كل امرأة مرّت بتجربة الانتظار تعرف ذلك الشعور؛ ذلك الفراغ الذي لا يُملأ بالكلمات، وتلك اللحظات التي يختبر فيها الإنسان صبره وإيمانه، وقدرته على التماسك أمام الأسئلة التي لا تُطرح بصوتٍ مسموع ولكنها تُسمَع في الداخل.

ومع ذلك، يبقى وعد الله أعظم من كل خوف. فالله لا يؤخّر شيئًا إلا ليأتي أجمل، ولا يبتلي بالصبر إلا ليمنح أطيب العطاء. أحيانًا لا نفهم الحكمة إلا حين تتحقق، وحين نرى كيف أن الحرمان المؤقت كان يخبئ وراءه نعمة أكبر مما تمنّينا.

أنا اليوم، حين أنظر إلى أولادي — توأم روحي — أدرك أن كل لحظة صبر، وكل دمعة خفية، وكل ليلة دعوت فيها الله بعيون دامعة… كانت طريقًا يقودني إلى هذه النعمة. هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد تحقيق رغبة، بل دليل حيّ على أن رحمة الله واسعة، وأن المنح تأتي بعد المنع، وأن الأقدار حين تتأخر فإنها تعود إلينا مُحمّلة بهدايا لا تشبه هدايا الأرض… بل تشبه جوائز السماء.

الأطفال نعمة تُعيد تشكيل القلب، تمدّه بطاقة لا تشبه أي طاقة أخرى، وتعيد إليه القدرة على الفرح، وعلى النظر للحياة بعيون طفل يتعلم العالم من جديد. الأمومة ليست فقط احتضان طفل… إنها احتضان جزء من قدر الله الذي اختاركِ ليخوض معك رحلة العمر.

واليوم، بعدما أتمّ أولادي عامهم الخامس عشر… وأراهم واقفين أمامي بشبابهم وملامحهم التي تكبر يومًا بعد يوم، أدرك كم كان الانتظار جديرًا بكل لحظة صبر. أبتسم لهم تلك الابتسامة التي تحمل كل الحكاية، ويشعرون — ربما لأول مرة — أن وجودهم لم يكن يومًا أمرًا عاديًا، بل كان معجزة شخصية انتظرتها كما تنتظر الأرض مطرها. وحين يملؤون البيت حياة، أشعر أن الرحمة اكتملت، وأن الله كتب لي فرحًا يشفى به كل ما مررت به من ألم الانتظار.

ومع فرحتي الغامرة، لا أنسى أبدًا أن نعمة الأولاد هي واحدة من نعم الله على عباده؛ مثل نعمة المال، والصحة، ورزق القلب، ونعمة الباقيات الصالحات التي يهبها الله لمن حُرم من الأبناء. فالبنون زينة من زينات الحياة، لكن الله يعوّض من لم يُرزق بهم بزينة أخرى، سكينة في الروح، أو علم ينفع، أو حب يفيض على من حوله.
رحمة الله لا تُقاس بنوع العطاء، بل باتساعه… وكل قلب له رزقه المختلف، المقدر بيده سبحانه في الوقت الذي يراه خيرًا.

ونحن نفرح بنعمة الأولاد، لا ننسى أن القلوب التي لم تُرزق بعد ليست أقل حظًا ولا أبعد عن رحمة الله. ليس في الامتنان مقارنة، ولا في الفرح مفاضلة، وإنما هو شكرٌ خالص على نعمة طال انتظارها، مع يقين عميق أن الله لا ينسى أحدًا، وأن لكل قلب موعدًا مع عطائه.

طباعة شارك العمر الذاكرة الرضا القلب هدية السماء

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: العمر الذاكرة الرضا القلب هدية السماء رحمة الله

إقرأ أيضاً:

أزهري: الأبراج من أكبر المصائب التي ابتليت بها الأمة

أكد الدكتور محمد حمودة من علماء الأزهر الشريف، أن الأبراج من أكبر المصائب التي ابتليت بها الأمة، موضحًا أن هناك بعض الأشخاص ترتكب المصائب بسبب الأبراج.

وأضاف أحد علماء الأزهر الشريف، خلال حواره ببرنامج علامة استفهام، تقديم الإعلامي مصعب العباسي، أن رب العباد يخرج من علمه المكنون ولا يظهره على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول، وأنه لا يمكن لأحد أن يعلم بالغيب، إلا بأمر الله.

ولفت إلى أن الله يظهر بعض الأشياء الغيبية للرسل من أجل التحدي، لآن الرسل يطلب منهم بعض الأشياء، فالله يعطي بعض الأشياء للرسل، وليس كلها.

وأشار إلى أن الله قال في كتابه الكريم: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فهذا غيب أطلع الله سيدنا محمد عليه.

مقالات مشابهة

  • أزهري: الأبراج من أكبر المصائب التي ابتليت بها الأمة
  • كلمة شكر لصديقة عظيمة خففت عن القلب عبء أثقاله
  • الاحتلال يعتقل 4 مواطنين عقب اعتداء المستوطنين عليهم غرب رام الله
  • اعتقال 4 مواطنين بعد اعتداء مستوطنين عليهم غرب رام الله
  • هذه قائمة الأدوية التي يستفيد منها المعوزون غير المؤمن لهم إجتماعيا
  • عمل تكتب به من القانتين ولو كنت أمياً .. يغفل عنه كثيرون
  • آباء بلا رحمة.. كيف انتهت حياة الطفلة نعمة على يد والدها في رشيد؟
  • علي جمعة: الذكر عماد القلب وأساس الطريق إلى الله
  • د. أمل منصور تكتب: الرغبة التي تبهت .. هل المشكلة جسدية أم نفسية ام مشاعر متراكمة ؟