كانت رائحة الأموات تزكم الأنوف على طول الطريق الصحراوي السوري لأربع ليال من كل أسبوع على مدار عامين تقريبا.

إنها رائحة عشرات الآلاف من الجثث التي تنقلها شاحنات من مقبرة جماعية إلى أخرى في موقع سري، حينها كان ممنوعا على السائقين مغادرة سياراتهم، بينما أقسم الميكانيكيون ومشغلو الجرافات على التزام الصمت، فقد كانوا يعلمون جيدا أنهم سيدفعون حياتهم ثمنا للتحدث علنا.

كانت أوامر "عملية نقل الأتربة" شفهية فقط وأشرف عليها ضابط سوري برتبة عقيد، قضى ما يقارب عقدا من الزمن في دفن قتلى الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

صدرت أوامر نقل الجثث من القصر الرئاسي. وأدار العقيد، المعروف باسم "أستاذ التطهير"، العملية من 2019 حتى 2021.

لقد خلص تحقيق أجرته رويترز إلى أن حكومة الأسد حفرت سرا في موقع القطيفة ونقلت آلاف الجثث بالشاحنات إلى موقع جديد في منشأة عسكرية تبعد أكثر من ساعة في صحراء الضمير.

وفي تقرير حصري نُشر يوم الثلاثاء، كشفت رويترز عن مخطط إعادة الدفن السري ووجود المقبرة الجماعية الثانية.

تحدثت رويترز إلى 13 شخصا على دراية مباشرة بالجهود التي استمرت عامين لنقل الجثث، وحللت أكثر من 500 صورة من صور الأقمار الصناعية للمقبرتين الجماعيتين التُقطت على مدى أكثر من عقد.

حفرة في صحراء بلدة الضمير كانت مخصصة لدفن بعض ضحايا نظام الأسد (رويترز)34 خندقا و300 ألف مفقود

ومع ما لا يقل عن 34 خندقا يبلغ طولها الإجمالي كيلومترين، تعد المقبرة الواقعة قرب بلدة الضمير الصحراوية من أوسع المقابر الجماعية في سوريا.

وتشير روايات الشهود وأبعاد الموقع الجديد إلى احتمال دفن عشرات الآلاف هناك.

وفقا لشهود شاركوا في العملية، كانت ست إلى ثماني شاحنات مليئة بالتراب والبقايا البشرية والديدان تتوجه إلى موقع الضمير الصحراوي أربع ليال تقريبا كل أسبوع.

وقد التصقت الرائحة الكريهة بملابس وشعر جميع المشاركين، بحسب شهود، بمن فيهم سائقا شاحنتين وثلاثة فنيين لإصلاح السيارات وسائق جرافة وضابط سابق من الحرس الجمهوري التابع للأسد، شارك منذ الأيام الأولى في عملية نقل الجثث.

إعلان

وقال الضابط السابق بالحرس الجمهوري، إن فكرة نقل آلاف الجثث بدأت في أواخر 2018.

وكشف الضابط أنه في اجتماع عام 2018 مع المخابرات الروسية، تلقى الأسد تطمينات بأن الحلفاء يعملون بدأب لإنهاء عزلته.

يومها، نصحه الروس بإخفاء أدلة على انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. وخصوصا الاعتقالات والمقابر الجماعية والهجمات الكيميائية".

وقال الضابط وسائقا شاحنتين إنهم أُبلغوا بأن الهدف هو تطهير مقبرة القطيفة الجماعية وإخفاء أدلة عمليات القتل الجماعي.

وبحلول الوقت الذي سقط فيه الأسد، كانت جميع الخنادق الـ16 التي وثقتها رويترز في القطيفة قد أُفرغت.

ووفقا لمنظمات حقوقية سورية اختفى ما يربو على 160 ألف شخص على يد جهاز الأمن الضخم التابع للدكتاتور المخلوع، ويُعتقد أنهم مدفونون في عشرات المقابر الجماعية التي أمر بحفرها.

وقدّرت الحكومة الحالية عدد المفقودين منذ بدء حكم عائلة الأسد عام 1970 بما يصل إلى 300 ألف شخص.

جزء من ساق بشرية، على سطح المقبرة الجماعية في الضمير (رويترز)شهادات ووثائق وأسرّة

وقد اطلعت رويترز على شهادات في المحاكم وعشرات الوثائق الموقعة التي تظهر التسلسل القيادي من أسرّة الموتى في السجون إلى المشارح.

وحملت العديد من هذه الوثائق الختم الرسمي للعقيد نفسه الذي أشرف على موقعي الدفن الجماعيين وهو مازن إسمندر.

جميع من قابلتهم رويترز وكانوا مشاركين في نقل الجثث، تذكروا ليالي عملوا فيها بإمرة إسمندر.

وصف أحمد غزال، وهو ميكانيكي، الإصلاحات الليلية طوال تلك الفترة وكيف أمره الجنود بإخلاء ورشته كي يتسنى إصلاح الشاحنات بسرعة وبعيدا عن الأنظار.

وقال غزال لرويترز، إنه لم يصدق تفسيرهم الأولي بأن رائحة العفن جاءت من مواد كيميائية وأدوية منتهية الصلاحية.

رأى غزال الجثث لأول مرة عندما قفز داخل صندوق الشاحنة أثناء إصلاحها.

وبعد أن سقطت يد بشرية متحللة على أحد مساعديه، قال غزال، إن الفضول غلبه فاقترب من أحد السائقين العسكريين ليسأله من أين جاءت الجثث. وأخبره السائق، إنها من القطيفة، وأن الأوامر صدرت بنقلها قبل أن تفتح سوريا أبوابها للتفتيش الدولي.

ووصف غزال، الذي قاد رويترز إلى موقع الضمير، الأحداث التي شهدها هناك بصوت أجش لا يخلو من الحذر. لكنه قال، إنه لم يتحدث علنا عن الأمر في ذلك الوقت.

وتحدثت رويترز إلى السائق أيضا، الذي تذكر حديثه مع غزال، وقال، إن العقيد إسمندر حذرهم من أنهم سيدفعون الثمن إذا تحدث أي شخص عما رأوه.

يروي أنور حاج خليل -الرئيس السابق لمجلس مدينة القطيقة- إن الناس كانوا ينقلون إلى موقع عسكري هناك الجثث التي عثروا عليها خلال الأيام الأولى من القتال وجهود الأسد المحمومة لاحتواء الثورة في 2012.

وبحلول 2013، كانت شاحنات محملة بالجثث تصل من المستشفيات ومراكز الاحتجاز وساحات القتال.

أشخاص يسيرون في المقبرة الجماعية الصحراوية (رويترز)ظهور رجل المهمات القذرة

مثل حاج خليل، روى عميد سابق في الفرقة الثالثة بالجيش السوري التي نسقت لوجيستيات الدفن، أن عدد الجثث كان كبيرا لدرجة أن اثنتين من شركات توزيع الأغذية المملوكة للحكومة خصصتا شاحنتيهما المبردة لنقل القتلى إلى القطيفة.

إعلان

طلب الضابط، مثل العديد من المتورطين في المؤامرة عدم الكشف عن هويته. وقال حاج خليل، الذي لا يزال يعيش في المنطقة، إنه لم يرغب أحد في تولي مسؤولية دفن الجثث.

لكن العقيد إسمندر تولى الإشراف على مثل هذه العمليات في وقت مبكر من عام 2012. وذكر ضابط الفرقة الثالثة، أنه تم تقديم إسمندر إلى أفراد الفرقة باعتباره "أستاذ عمليات التطهير".

وبحسب وثائق ترجع لعام 2018 تحمل ختمه، كان منصب إسمندر الفعلي هو رئيس قسم الميزانية في إدارة الخدمات الطبية للجيش السوري.

ووفقا لحاج خليل والضابط، فإنه وقع اختيار إسمندر وقائد بالفرقة الثالثة على قطعة أرض خاضعة لسيطرة الجيش في منطقة القطيفة لتكون موقعا للدفن.

وفي البداية، كانت الجثث تأتي بالعشرات في المرة الواحدة من مستشفيين قريبين.

وقال حاج خليل، إنها كانت في أكفان مكتوب عليها الأسماء. لكنه أضاف أنه في غضون بضعة أشهر، اعتاد على المكالمات الواردة من إسمندر بعد منتصف الليل للتخلص من الجثث القادمة من مستشفى تشرين العسكري خارج دمشق.

وكان ضابط آخر يتصل به للتخلص من الجثث القادمة من سجن صيدنايا سيئ السمعة.

وقال حاج خليل، إن إسمندر كان يقول له "البرادات طالعة باتجاهك، خلي سواق الجرافة يلاقينا بالموقع بعد نص ساعة".

معصوبة العينين

ووفقا لسائق جرافة عمل في القطيفة ابتداء من عام 2014، كانت جميع جثث تشرين وصيدنايا معصوبة العينين، بينما الأيدي كانت مربوطة بشرائط بلاستيكية في بادئ الأمر.

وقال إن القادمين من تشرين كانوا يصلون في البداية في أكياس جثث ثم في أكياس من النايلون، ثم كانوا يصلون بلا أي أكياس على الإطلاق.

وقال السائق الذي يتذكر رنين هاتفه في الثانية صباحا مع أوامر ببدء الحفر، إن جميعهم تقريبا كانوا عراة.

وأضاف أن الخنادق التي حفرها الجيش في البداية كانت ضحلة للغاية ونظرا لطبيعة التربة الممزوجة بالحصى والحجارة الصغيرة "طلعت الريحة بسرعة"، مشيرا إلى أن السكان المحليين اشتكوا من الرائحة والكلاب التي انجذبت إليها.

وذكر أنه حفر كل خندق بعمق وعرض نحو أربعة أمتار، وطوله ما بين 75 و90 مترا.

وتتطابق روايته مع صور الأقمار الصناعية التي حللتها رويترز، فالصور التي تعود لعام 2013 عندما بدأ حفر الخنادق تظهر على ما يبدو خنادق ضحلة، تليها أخرى أطول وأعمق في عام 2014.

في الوقت نفسه، احتفظ إسمندر بسجلات توضح بالتفصيل عدد الجثث التي وصلت وفرع الأمن الذي أرسلها، وفقا لشهادة تحت القسم من حفار قبور يدعى محمد عفيف نايفة في ألمانيا وأمام محكمة أميركية في دعوى اتهامات بالتعذيب ضد حكومة الأسد.

وقال نايفة للمحكمة الألمانية إنه عمل مع إسمندر من عام 2011 إلى عام 2017 ونسق دفن سجناء سياسيين.

وشهد بأن الأرقام الموجودة في السجلات أقل من العدد الحقيقي للجثث التي ساعد في دفنها. وقال إن الضحايا منهم أطفال رضع وصغار.

وظهر اسم إسمندر 73 مرة في آلاف الوثائق التي تعود لعامي 2018 و2019 التي عثرت عليها رويترز وصورتها خلال زيارة لمكتب الأدلة الجنائية العسكرية بعد أن غادرته قوات الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وظهر ختمه على وثائق من عامي 2018 و2019 عن كيفية نقل السجناء أولا إلى مستشفى تشرين العسكري، ثم بعد الوفاة إلى مستشفى حرستا العسكري لحفظ الجثث. بينما لا تشير الوثائق إلى وجود مقابر جماعية.

ومع ذلك، وفقا لتحليل صور أقمار صناعية وطائرات مسيرة فقد حُفر 16 خندقا للدفن في القطيفة في الفترة من 2013 حتى 2018 على الأقل بطول إجمالي يزيد عن 1.2 كيلومتر.

وكانت الطرق المحلية تغلق عندما تتجه الشاحنات نحو موقع الدفن.

شاحنة مرسيدس من النوع الذي استخدم في نقل رفات الضحايا من القطيفة إلى الضمير (رويترز)أمر من الرئيس واجتماع في القصر

وقال ضابط الفرقة الثالثة الذي رافق الشاحنات إنه في عام 2014، تعطلت شاحنة على الطريق السريع وتوقف جميع من كانوا في القافلة المتوجهة إلى القطيفة.

إعلان

وقدم نايفة رواية مطابقة لهذه الواقعة. وذكر ضابط الفرقة الثالثة أنه تلقى اتصالا غاضبا من قائد إسمندر، اللواء عمار سليمان قال فيه "جاءتنا الأوامر من الرئيس: أغلقوا الطريق الدولي".

وكان سليمان أحد كبار القادة العسكريين في سوريا، وأحد أفراد الدائرة المقربة من الأسد. تولى قيادة الخدمات الطبية العسكرية، وكان القائد المباشر لإسمندر.

يتأكد تورط سليمان في شهادة نايفة، وشهادة قائد في الدفاع الوطني، وهي قوة شبه عسكرية تابعة للأسد مباشرة شاركت في أكثر العمليات الأمنية سرية في سوريا.

واستنادا إلى وتيرة عمليات النقل خلال تلك السنوات، قدر حاج خليل أن القطيفة كانت تضم ما بين 60 و80 ألف قتيل حتى نهاية عام 2018.

وقال ضابط في الحرس الجمهوري إنه في إحدى أمسيات أواخر عام 2018، استدعى الأسد أربعة من قادة الجيش والمخابرات إلى القصر الرئاسي لمناقشة ما يجب فعله بشأن المقابر الجماعية، وخاصة موقع القطيفة.

وروى الضابط الذي كان يعمل في القصر في ذلك الوقت أنه كان ضمن عدد من الذين اطلعوا على محضر الاجتماع.

وأضاف أن مدير المخابرات العسكرية اللواء كمال حسن اقترح تجريف مقبرة القطيفة الجماعية بأكملها ونقل محتوياتها إلى مكان أبعد.

وقال "الفكرة كانت مجنونة للكل، لكن بشار أعطى الضوء الأخضر". وذكر أن الأساس في الموقع الجديد هو أن يكون تحت السيطرة العسكرية.

وينفي مقربون من بشار تورطه في ملف المقابر الجماعية والتخلص من الجثث.

 

صور الأقمار الصناعية تؤكد وجود خنادق في صحراء الضمير (رويترز)جدار خرساني

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بدأ العمل في بناء جدار خرساني حول القطيفة، وفقا لما ذكره الضابط ورئيس مجلس القطيفة السابق حاج خليل.

وتظهر صورة التقطتها الأقمار الصناعية في فبراير شباط 2019 الجدار المحيط بالمقبرة الجماعية بأكملها ويبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار، مما أدى إلى حجب أي رؤية للموقع من مستوى سطح الأرض.

وفي ذات العام بدأت عملية مشابهة قرب بلدة الضمير، وهي محمية بسلسلة من السواتر الترابية والأسوار، ومحاطة بالجبال من جميع الجهات.

وقال كل من ضابط الحرس الجمهوري وحاج خليل، إن الأوامر المكتوبة أشارت إلى أن المهمة هي نقل الأتربة والرمال إلى موقع بناء.

لكن السائق العسكري كشف أن إسمندر، جمع السائقين قبل دقائق قليلة من بدء العمل في يومهم الأول وأوضح لهم أن المطلوب فعليا هو نقل جثث، لأن موقع المقبرة الجماعية في القطيفة قد كشف. وذكر ضابط الحرس الجمهوري والقائد في الدفاع الوطني أن العملية حملت اسم "عملية نقل الأتربة".

وكانت الشاحنات تغادر القطيفة عادة عند غروب الشمس، ويُمنع السائقون من الخروج من سياراتهم أثناء التحميل.

وقال ضابط الحرس الجمهوري الذي أشرف على العمل مباشرة "كانت عظام وجماجم شبه متحللة" وكان بعضها جثثا جديدة.

بعد سنوات من هذه الرحلات، قال أحد السكان ولا يزال يتذكر الرائحة، إن حمولة الشاحنات كُشف سرها بالنسبة لمن يعيشون قرب الموقعين. وقال أحد السائقين "الكل شاف".

وقال خبراء لرويترز إنه بناء على ذلك وعلى حجم الشاحنات، فمن المنطقي الاعتقاد أن عشرات الآلاف يرقدون في مقبرة الضمير.

وإجمالا، تحتوي مقبرة الضمير على خنادق بطول كيلومترين، وفقا لحسابات رويترز. وقال السائقون وميكانيكي واحد إن عرض كل منها يبلغ نحو مترين وعمقه ثلاثة أمتار.

وشاهد مراسلو رويترز الذين زاروا الموقع هذا العام عظاما بشرية متناثرة على السطح، بما فيها جمجمة مهشمة.

وكشف تحليل صور الطائرات المسيرة أن تغيرات لون التربة حول خنادق الدفن في الضمير تشير إلى أن التربة التي نقلت من باطن الأرض بالقطيفة قد اختلطت بتربة الضمير.

وبحلول نهاية 2021 سويت الأرض في القطيفة، في محاولة لطمس أي أثر للمقبرة الجماعية الخاوية الآن.

وفي الصور الخاصة بالموقعين، لا تزال الأرض تحمل آثار محاولات إخفاء عمليات الدفن.

المقابر الجماعية منتشرة في أنحاء سوريا (غيتي)الضيوف قادمون

وقد تلقى مدير المخابرات العسكرية أحد التقارير الأسبوعية الأخيرة عن العملية في أواخر عام 2021 وسلمه إلى ضابط الحرس الجمهوري.

وأشار الضابط إلى أن كلماته كانت "الضيوف قادمون ونريد أن تكون البلاد نظيفة".

وقال ضابطان سابقان مطلعان على تحركات إسمندر إنه فر من سوريا بعد سقوط النظام، مثل الأسد نفسه والعديد من المسؤولين.

ومع رحيل الأسد، قال غزال إن المقابر الجماعية كانت أول ما خطر بباله عندما شاهد لقطات لآلاف السوريين وهم يتدفقون إلى سجن صيدنايا على أمل العثور على أحبائهم المفقودين. وكانت بعض مواقع الدفن معروفة فعلا، بما فيها القطيفة.

إعلان

وقال غزال، الذي لا يزال يعيش ويعمل في المنطقة، إن أحدا لم يأت للبحث في موقع الضمير الذي لا يغادر ذاكرته قط. وأضاف أن كثيرا من السوريين يبحثون في المكان الخطأ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات المقابر الجماعیة الأقمار الصناعیة المقبرة الجماعیة الفرقة الثالثة رویترز إلى فی القطیفة وقال ضابط نقل الجثث إلى موقع من الجثث إلى أن عام 2018 من عام

إقرأ أيضاً:

“تحريك الأرض”.. الكشف عن عملية سرية في صحراء سورية لإخفاء معالم جريمة كبرى في عهد الأسد

سوريا – كشف تحقيق أجرته وكالة “رويترز” أن حكومة الرئيس السوري السابق بشار الأسد نقلت آلاف الجثث من إحدى أكبر المقابر الجماعية إلى موقع سري في الصحراء، في عملية سرية استمرت لعامين.

وأظهرت نتائج التحقيق أن العملية التي أشرف عليها الجيش تضمنت نبش المقبرة الجماعية في منطقة القطيفة، ونقل الجثث إلى مقبرة جديدة ضخمة في صحراء الضمير في محاولة لإخفاء الأدلة على جرائم النظام خلال الحرب الأهلية السورية.

وقالت الوكالة إنها تحدثت إلى 13 شخصا لديهم معرفة مباشرة بالعملية، وراجعت وثائق أعدها مسؤولون شاركوا فيها، كما قامت بتحليل مئات الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية لكلا الموقعين خلال عدة سنوات.

وذكرت أن العملية التي حملت اسم “تحريك الأرض” نفذت بين عامي 2019 و2021، وكان هدفها حسب الشهود “طمس معالم الجرائم” وتحسين صورة النظام السوري بعد سنوات من العقوبات الدولية والعزلة السياسية.

وأفادت “رويترز” بأنها أبلغت حكومة الرئيس أحمد الشرع بنتائج التحقيق، لكنها لم تتلق ردا على الأسئلة الموجهة لها.

كما امتنعت الوكالة عن الكشف عن الموقع الدقيق للمقبرة الجديدة لتجنب أي عبث أو تدخل غير قانوني.

وأكدت الوكالة في تقريرها أن المقبرة في صحراء الضمير تضم ما لا يقل عن 34 خندقا بطول إجمالي يصل إلى كيلومترين، مما يجعلها واحدة من أوسع المقابر التي أُنشئت خلال الحرب السورية وتشير تقديرات الشهود إلى أن عشرات الآلاف من الجثث قد دُفنت هناك.

وأوضحت أن المقبرة الأصلية في القطيفة بدأت تستخدم عام 2012 وتحتوي على جثث جنود وسجناء توفوا في سجون النظام ومستشفياته العسكرية.

وكشف عنها لأول مرة عام 2014 حين نشر ناشط حقوقي سوري صورا تظهر موقعها العام في ضواحي دمشق، بينما تم تحديد موقعها الدقيق لاحقاً عبر شهادات قضائية وتقارير إعلامية.

ومنذ فبراير 2019 وحتى أبريل 2021، كانت ست إلى ثماني شاحنات محملة بالتراب والجثث تتحرك ليلاً أربع مرات أسبوعياً من القطيفة إلى موقع الضمير، وفقا لشهود شاركوا في العملية. وقالوا إنهم جميعا يتذكرون الرائحة الكريهة التي كانت تفوح أثناء الرحلات، بمن فيهم سائقو الشاحنات والميكانيكيون وسائقو الجرافات وضابط سابق في الحرس الجمهوري شارك في مراحلها الأولى.

وقال ضابط سابق في الحرس الجمهوري إن فكرة نقل الجثث بدأت تتبلور في أواخر عام 2018، عندما كان النظام على وشك إعلان النصر في الحرب. وأضاف أن الهدف كان إخفاء الأدلة على الجرائم الجماعية استعداداً لمحاولة استعادة الاعتراف الدولي.

وأكد سائقان وضابط سابق أن الأوامر صدرت إليهم بإفراغ مقبرة القطيفة بالكامل وإخفاء أي دليل على عمليات القتل الجماعي. وبحلول سقوط النظام، كانت جميع الخنادق الـ16 في الموقع الأصلي قد أُفرغت تماماً.

ووفقا لجماعات حقوقية سورية، فقد اختفى أكثر من 160 ألف شخص داخل أجهزة الأمن التابعة للنظام السابق، ويُعتقد أن العديد منهم دُفنوا في المقابر الجماعية المنتشرة في أنحاء البلاد. ويرى خبراء أن عمليات النبش المنظم وتحليل الحمض النووي (DNA) قد تساعد في تحديد هويات الضحايا، لكنها تتطلب إمكانيات كبيرة تفتقر إليها البلاد حالياً.

وقال وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح إن العدد الهائل للضحايا والحاجة إلى إعادة بناء النظام القضائي يعوقان العمل على هذا الملف. وأعلنت اللجنة الوطنية للمفقودين عن خطط لإنشاء بنك للحمض النووي ومنصة رقمية مخصصة لعائلات المفقودين، مؤكدة الحاجة لتدريب خبراء في الطب الشرعي وتحليل الحمض النووي.

وقال محمد العبد الله، مدير مركز العدالة والمساءلة في سوريا، إن عملية نقل الجثث العشوائية من القطيفة إلى الضمير كانت “كارثية” على عائلات الضحايا، مؤكداً أن إعادة التعرف على الرفات ستكون عملية معقدة للغاية.

وأضاف العبد الله أن تشكيل اللجنة الوطنية للمفقودين خطوة إيجابية من الحكومة الجديدة، لكنه أشار إلى أن اللجنة “ما تزال تفتقر إلى الموارد والخبراء اللازمين”.

وقال أحد السائقين الذين شاركوا في العملية إن الحديث عنها في حينه كان يعني الموت المحتوم، مؤكدا: “لم يكن أحد يجرؤ على مخالفة الأوامر، لأنك كنت قد تُدفن في الحفر نفسها”.

المصدر: “رويترز”

مقالات مشابهة

  • دبلوماسي فرنسي سابق: مصر كانت في قلب الدبلوماسية التي قادت لاتفاق السلام في غزة
  • تحقيق: نظام الأسد نفذ عملية سرية لنقل آلاف الجثث من مقبرة جماعية
  • الجيش الاسرائيلي: إحدى الجثث التي سلمتها حماس ليست لمحتجز
  • توقيف سورية في محلة طريق الجديدة.. هذا ما كانت تقوم به مع شريكها
  • “تحريك الأرض”.. الكشف عن عملية سرية في صحراء سورية لإخفاء معالم جريمة كبرى في عهد الأسد
  • تفاصيل صادمة تكشف أسرار المقابر الجماعية في سوريا
  • الجيش الإسرائيلي: إحدى الجثث الأربع التي تسلمناها من حماس لا تخص أيا من الرهائن
  • نقل الأتربة.. رويترز تكشف عن عملية سرية لطمس جرائم الأسد
  • إسرائيل تشكك في هوية إحدى الجثث التي سلمتها "حماس" أمس