هل قطعت على نفسك عهدا يوما ما؟ وهل أنجزته ووفيت به كما وعدت؟ هل ترى نفسك من أولئك الأوفياء المخلصين لعهودهم الذين لا يتراجعون عما التزموا به؟ وماذا لو خان أحدهم عهدا قطعه على نفسه من أجلك؟ كيف سيكون وقع الخيانة على روحك، وأي أثر سيتركه نكث الوعد في وجدانك؟ هل ترى أن هناك مسوغات تسوّغ نقض العهود، أم إن ذلك لا يفسر إلا على أنه نقص في الكرامة، وقلة في المروءة، وخلل في شرف الكلمة؟

تعالوا إذن نخوض غمار رحلة لغوية أدبية نستنطق فيها جذور الكلمة وننقّب عن معانيها في بطون اللغة ووهج الشعر، ونبحث عن جوهر "العهد" بين دفتي اللسان العربي، ونستكشف كيف صاغه القرآن وعدا وميثاقا ووعدا مؤكدا بالقسم، وكيف جعلته الجاهلية مقياسا للمروءة وميزانا للشرف.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في "متنزه الغائبين"list 2 of 2باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الاستعمار الإسرائيلي؟end of list

رحلة نلتمس فيها صوت اللغة حين تنطق بالعهد، ونبض الأدب حين يخطه شعراؤه في المفاخر والوعود والغرامات والمواثيق، لنجيب عن سؤال قديم متجدد: ما الذي يجعل الإنسان وفيا بعهد قطعه؟ وما الذي يدفعه أحيانا إلى نقضه ونسيانه؟ وهل يكفي الزمن ليغفر خيانة العهد، أم إنها تبقى وصمة لا تمحى مهما طال المدى؟

الوفاء بعهد الله هنا هو الالتزام بوصيته أي طاعته واتباع أوامره والعمل بما جاء في القرآن والسنة (شترستوك)العهد.. مرادفاته ودلالته

يعد لفظ "العهد" من الألفاظ القرآنية الغنية بالدلالات، إذ تتنوع معانيه بتنوع السياقات التي يرد فيها، ليشكل مفهوما مركبا يجمع بين الوصية والميثاق، والعلم والزمان، والقسم والولاية.

فمن أبرز معانيه في القرآن معنى الوصية، كما في قوله تعالى في سورة يس/60: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين﴾، وكذلك قوله تعالى في سورة (الإسراء/152): ﴿وبعهد الله أوفوا ذٰلكم وصاكم به لعلكم تذكرون﴾.

فالوفاء بعهد الله هنا هو الالتزام بوصيته، أي طاعته واتباع أوامره، والعمل بما جاء في القرآن والسنة، واجتناب ما نهى عنه؛ إذ يشير العهد في هذا السياق إلى العقد الإلهي بين الخالق وعباده، الذي يقوم على الطاعة والإيمان والوفاء.

إعلان

ويمتد معنى العهد في اللغة إلى العلم والمعرفة، فيقال: هو قريب العهد به أي قريب اللقاء والمعرفة، وبعيد العهد به أي انقطع اتصاله وتوقفت معرفته به. ويقال: كما عهدته أي كما عرفته، وفي ما أعهد أي على حد علمي.

كذلك يقال: عهد بالأمر إلى فلان، أي كلّفه ووكّله به، وعهد الصبي أي رعاه واعتنى به، وعهد الوعد أي حفظه وصانه، ودخل في عهد فلان أي في حلفه وجماعته؛ وكلها معان تشير إلى الارتباط والالتزام والرعاية.

ويأتي العهد أيضا بمعنى الميثاق، كما في قوله تعالى في سورة البقرة/80: ﴿قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده﴾، أي الميثاق الذي لا ينقض، والرباط الذي لا يخلف، تأكيدا أن العهد في جوهره وعد موثق بعلم الله وشهادته.

ويستعمل اللفظ كذلك في معنى القسم أو اليمين، فيقال: عهد علي لأفعلن، أي ألتزم التزاما قاطعا. وقد جسّد النبي ﷺ هذا المعنى الإيماني العميق في قوله: "وإن حسن العهد من الإيمان"، وجاء ذلك في سياق وفائه لذكرى السيدة خديجة رضي الله عنها، وكل ما ومن يخصها، في دلالة على أن الوفاء بالعهد من تمام الإيمان وسمو الخلق.

ومن أبعاد العهد كذلك دلالته الزمانية، فيقال: في العهد الأموي، أي في زمان الدولة الأموية وعصرها، دلالة على المرحلة التاريخية التي ينسب إليها الحدث. ويقال: ولي العهد، أي وارث الملك والسلطان، الخليفة المرتقب الذي بايعه الخاصة والعامة ليتسلّم الحكم بعد الخليفة الحالي. كما يطلق وصف أهل العهد على أهل الذمة الذين أبرمت معهم عهود الأمان.

أما في الاصطلاحات الدينية المقارنة، فيقال: العهد القديم للدلالة على التوراة أو الأسفار التي كتبت قبل المسيح عليه السلام، والعهد الجديد إشارة إلى الإنجيل، أي ما جاء بعده من وحي وتعاليم.

وهكذا يتجلى لفظ العهد في ثراء معانيه وتنوع استعمالاته، فهو وصية إلهية وميثاق رباني، وهو علم ومعرفة، ووعد وأمانة، وقسم ويمين، وزمن وتاريخ، يجمع في طياته روح الالتزام والوفاء، ويعكس في كل سياق صورة من صور العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان.

الوعد في سياق الأدب الجاهلي كان أداة للتعبير العاطفي أكثر من كونه التزاما عقديا أو دينيا (مولدة بالذكاء الاصطناعي-الجزيرة)العهد.. وعد أم ميثاق؟

يعد التمييز بين العهد والوعد والميثاق من المسائل اللغوية الدقيقة التي تبرز ثراء العربية ودقة استعمالاتها، إذ تتقاطع هذه المفردات في أصل الدلالة، وتتمايز في بعضها بحسب السياق والمقام.

يقال إن الميثاق هو شكل من أشكال العهد، غير أنه يمتاز عنه بأنه مؤكد باليمين، كما ورد عن ابن حومد في قوله إن "الميثاق هو العهد الشديد المؤكد". فالميثاق إذن هو عهد مشدد، تضفى عليه صبغة القسم والتوكيد، بما يجعله أوثق ارتباطا وأقوى التزاما.

أما الوعد، فقد عرفه ابن عرفة بأنه: "إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل"، أي إنه إخبار بما سيقع لاحقا من خير أو معروف ينوي الواعد القيام به. فهو يرتبط بزمن آت، ويقوم على التعهد بفعل لم يتحقق بعد.

ويورد أبو هلال العسكري في كتابه الفروق توضيحا دقيقا للتمييز بين المصطلحين، إذ يقول: "والفرق بين الوعد والعهد أن العهد ما كان من الوعد مقرونا بشرط نحو: إن فعلت كذا فعلت كذا، وما دمت على ذلك فأنا عليه". ويستشهد بقوله تعالى: ﴿ولقد عهدنا إلى بني آدم﴾، أي أعلمناهم ألا يخرجوا من الجنة ما لم يأكلوا من تلك الشجرة.

إعلان

ويضيف العسكري مبينا: "العهد يقتضي الوفاء، والوعد يقتضي الإنجاز، ويقال: نقض العهد وأخلف الوعد". فالعهد يحمل في طياته رابطة التزام مشروطة تتطلب الوفاء، بينما الوعد يعبر عن نية إنجاز عمل مستقبلي من دون اشتراط أو تعاقد متبادل.

وعلى الرغم من هذا التمايز، فإن كلا من العهد والوعد والميثاق قد تستعمل في اللغة بوصفها مرادفات، تتبادل الأدوار أحيانا لفظا ومعنى، تبعا للمقام والمقصود، فيتداخل الاستعمال الأدبي والشرعي في رسم الحدود الدقيقة بينها.

ويعمق الدكتور رامي العبد الله هذا التمايز في كتابه "العهد ومرادفاته في الشعر الجاهلي"، إذ يذهب إلى أن الوعد أقل وطأة على الإنسان من العهد، فيقول: "كأننا بإخلاف الوعد لا نشعر بعظم المسؤولية، كما لو كان الأمر في العهد، وإن كان ذلك من الأمور غير المستحبة، فإخلاف الوعد من علامات النفاق، ولكن في الشعر أكثر ما كانوا يستخدمونه في علاقات العشق والغرام وإخلاف الوعود فيما بينهم".

فالوعد في سياق الأدب الجاهلي كان أداة للتعبير العاطفي أكثر من كونه التزاما عقديا أو دينيا، بينما العهد ظل يحمل ثقل المسؤولية الأخلاقية والدينية، ويتصل في الوعي الجمعي بواجب الوفاء وحرمة النقض.

وهكذا، يتجلى الفرق في أن العهد التزام مشروط يقتضي الوفاء، والوعد تعهد مستقبلي يقتضي الإنجاز، والميثاق توثيق للعهد وتأكيد له باليمين، في حين يجمعها جميعا جوهر الالتزام والصدق والمسؤولية، وإن اختلفت درجات التوكيد والسياق الذي ترد فيه.

البعد القيمي للعهد انعكس في الشعر الجاهلي فكثر الحديث عن العهود والمواثيق في سياقات الفخر والحماسة والغزل (الجزيرة)العهد في الشعر الجاهلي

في قلب الصحراء التي جعلت الكلمة ميثاقا والمروءة قانونا والوفاء شرفا، بزغ مفهوم العهد في العصر الجاهلي قيمة أخلاقية عظمى، وركيزة أساسية في بناء العلاقات بين الأفراد والقبائل، وفي تشكيل صورة الإنسان العربي عن نفسه وعن مجتمعه.

كان العهد عند العرب أكثر من وعد يقال، أو التزام يعقد، كان رباطا مقدسا يربط الإنسان بكلمته، ويقيس بها معدنه وصدقه، حتى غدا الوفاء بالعهد علامة الحر، ونقضه وصمة العار.

وفي الشعر الذي كان لسان القبيلة وسجل قيمها، احتل العهد مكانة بارزة، فصار رمزا للشرف والولاء، ومرآة تجسد أخلاق العرب وتكشف عن خبايا الوجدان بين الحب والحرب، والوفاء والخيانة، والعقل والعاطفة.

وما يزال العهد من القيم الإنسانية المركزية التي تشغل وجدان الإنسان في مختلف الأزمنة، وتحتل موقعا محوريا في منظومة الأخلاق كما كان في العصر الجاهلي؛ إذ ارتبط ارتباطا وثيقا بفضائل الوفاء والصدق والالتزام بالمواثيق، سواء أكانت عهودا شخصية بين الأفراد، أو مواثيق قبلية بين الجماعات.

فكما كان الوفاء بالعهد شيمة الكرام، كان نقضه عارا عظيما يلطخ سمعة المرء ويلحق الخزي بقبيلته كلها. ومن هنا ارتبط العهد في الوعي الجاهلي بالكرامة والمروءة والشرف، وكان الوفاء به طريق الرفعة والقدوة، والنكث به عنوان الخسة والمهانة.

وقد انعكس هذا البعد القيمي في الشعر الجاهلي، فكثر الحديث عن العهود والمواثيق في سياقات الفخر والحماسة والغزل، وبرز العهد رمزا للثبات على المبدأ والوفاء للقبيلة أو الحليف أو المحبوبة. لم يكن العهد إذن محض معنى لغوي أو شيمة أخلاقية، بل تجسد في الشعر بوصفه رؤية أخلاقية واجتماعية تحكم العلاقات وتؤسس لمعاني الالتزام التي ظل أثرها ممتدا في الشعر العربي عبر العصور.

تناول الشعراء الجاهليون العهد في سياقات متعددة: منها العهد بين الإنسان وربه، والعهود بين القبائل والممالك، وعهود الصداقة والأخوة، وعهود العشق والهوى. وكانوا يعدّون الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد من شيم الأحرار، حتى قالت العرب قديما: "أنجز حرٌّ ما وعد".

إعلان

ومن أبلغ صور الوفاء بالعهد بين العبد وربه ما روي عن جد الرسول الكريم عبد المطلب، إذ نذر أنه إن ولد له 10 نفر وبلغوا الحلم ليذبحن أحدهم قربانا عند الكعبة، فلما وقعت القرعة على عبد الله والد النبي ﷺ، حاولت قريش منعه، وأشارت عليه بالرجوع إلى عرافة الحجاز نجاح، ففكت النذر عنه بذبح 100 من الإبل وفاء بالعهد، فأنشد عبد المطلب قائلا:

الله ربي وأنا موف نذره

أخاف ربي إن عصيت أمره

كما قال في حادثة أخرى من الرجز:

عاهدت ربي وأنا موف عهده

أيام أحفر وبني وحده

والله لا أحمد شيئا حمده

ويروى أن عبد المطلب، رغم شدة حبه لابنه الأصغر، كان مستعدا للتضحية به وفاء بنذره، إيمانا منه بأن الشرف يكتمل بالوفاء لا بالتراجع، وأن الحر الشريف يفي بعهده مهما كلف الأمر.

وفي سياق العهود القبلية، حين تعاهدت قبائل مكة على حماية من يستجير بها، قال الزبير بن عبد المطلب:

أمر عليه تعاهدوا وتواثقوا

فالجار والمعتر فيهم سالم

نرى في قوله هذا تجليات روح التآزر القبلي، حين يصبح العهد حصنا للضعيف، وأمانا للمستجير.

كما تبرز أهمية العهد وسوء عاقبة من ينقضه في شعر عبد الله بن العجلان النهدي الذي يعلن ثباته على الوفاء وإخلاصه للكلمة:

وإنا على العهد الذي تعهدينه

وشر عباد الله من نقض العهد

أما تأبّط شرا فكانت له نظرة مختلفة، إذ خبر غدر العهود العاطفية، فحلف ألا يأمن لعهد أنثى بعد تجربته:

تالله آمن أنثى بعدما حلفت

أسماء بالله من عهد وميثاق

ومثله عنترة بن شداد الذي أوغل في اليأس من صدق الأيام، فوصفها بالغدر ونقض الوعود:

وتوعدني الأيام وعدا تغرني

وأعلم حقا أنه وعد كاذب

وفي تجربة أخرى، يبدي أوس بن حجر أساه من قلة من يحفظون العهد فيقول:

وإني وجدت الناس إلا أقلهم

خفاف عهود يكثرون التنقلا

وليس أخوك الدائم العهد بالذي

يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا

ولو التقى أوس بـأبي زبيد الطائي لعدّه من تلك القلة النادرة، فقد قال الأخير:

فاعملن أنني أخوك أخو العهـ

ـد حياتي حتى تزول الجبال

وفي ميدان الفخر، يطلّ عمرو بن كلثوم ممجدا قومه لحفظهم العهود وصونهم الأيمان:

ونوجد نحن أمنعهم ذمارا

وأوفاهم إذا عقدوا يمينا

وفي تحذير من الغدر والخيانة، يقول زهير بن أبي سلمى:

ومن يوف لا يذمّم ومن يهد قلبه

إلى مطمئن البر لا يتجمجم

أما المهلهل بن ربيعة (الزير سالم)، فقد جعل العهد قسما بالثأر لأخيه كليب حتى يفني أعداءه، فقال:

خذ العهد الأكيد علي عمري

بتركي كل ما حوت الديار

وهجري الغانيات وشرب كأس

ولبسي جبة لا تستعار

ولست بخالع درعي وسيفي

إلى أن يخلع الليل النهار

وإلا أن تبيد سراة بكر

فلا يبقى لها أبدا أثار

وقد لجأ الشعراء أحيانا إلى الاستعارة للدلالة على العهد، فاستخدموا لفظ الحبل، وهو كثير في الشعر الجاهلي، فلننظر إلى قول زهير بن أبي سلمى:

هلا سألت بني الصيداء كلهم

بأي حبل جوار كنت أمتسك

وقول دريد بن الصمة:

أرثّ جديد الحبل من أم معبد

بعاقبة وأخلفت كل موعد؟

وفي غرض الغزل يظهر نقض العهود في صورة الخيانة العاطفية، كما عند متمم بن نويرة الذي شكا محبوبته زنيبة، فقال:

صرمت زنيبة حبل من لا يقطع

حبل الخليل وللأمانة تفجع

جذي حبالك يا زنيب فإنني

قد استبد بوصل من هو أقطع

وكذلك قال لبيد بن ربيعة مخاطبا محبوبته نوار:

أولم تكن تدري نوار بأنني

وصال عقد حبائل جذامها

وبذا نرى أن العهد في الشعر الجاهلي قد تجلى في مختلف الأغراض، فمدح الشعراء من يحفظ العهد ويصون المواثيق، وذمّوا من يخون ويغدر ويقطع الوصل. وكانوا يعدّون الوفاء بالعهد شيمة الكرام والأشراف الذين يؤتمنون على المواثيق، بينما ربطوا نقض العهود بصفات النساء في سياقهم الاجتماعي، معتبرين نكث الوصل علامة على قلة الثبات!

وهكذا ظل العهد في الشعر الجاهلي مرآة صادقة لضمير المجتمع العربي، وصوتا ناطقا بما استقر في وجدانه من قيم أصيلة صنعت ملامح الإنسان العربي في زمن الفطرة والمروءة.

فقد كان العهد في وعي الجاهليين عقدا أخلاقيا مقدسا، لا يعقد باللسان فحسب ولكنه يوشم في القلب، ويحمل في السلوك، ويقاس به صدق الرجال وكرامة البيوت، وتوزن به القبائل في ميزان الشرف والمهابة.

ولم يكن الشعراء وهم ينشدون الوفاء ويذمّون الغدر يصفون حالات عاطفية عابرة ولكنهم كانوا يعبرون عن موقف إنساني عميق يربط الكلمة بالكرامة، والوعد بالمروءة، والعهد بالهوية.

ففي مجتمع لا سلطان فيه إلا للشرف كان العهد هو القانون الذي يحكم الضمائر، والميثاق الذي ينظم العلاقات، والمرجع الذي يفصل به بين الحر واللئيم، وبين الصادق والمخادع، وبين الكريم والخائن.

لقد تجسد العهد في الشعر الجاهلي قيمة كبرى تتجاوز الزمان والمكان وتؤكد أن الإنسان حين ينقش صدقه في كلمته، ويجعل وفاءه عنوانه، يعلو في مدارج المجد ويخلد ذكره بين الأحرار.

أما من خان العهد أو أخلف الوعد، فقد وضع نفسه في موضع المهانة، وأسقط عن نفسه تاج الشرف، إذ لا شيء يسقط المرء من أعين الناس كما يسقطه نكث الكلمة ونقض الميثاق.

وهكذا غدا الشعر الجاهلي سجلا خالدا لفضيلة الوفاء، يذكرنا بأن المروءة لا تقوم إلا على صدق العهد، وأن الكرامة لا تصان إلا بحفظ الوعد، وأن الأمم تبنى على الكلمة الصادقة وتنهار حين يستهان بها. فالعهد في جوهره ليس محض التزام لفظي؛ إنه موقف روحي وأخلاقي، يعبر عن صفاء النفس، وسمو الخلق، واستقامة السلوك، ويصنع من الإنسان إنسانا جديرا بالثقة، ومن الأمة أمة جديرة بالبقاء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الوفاء بالعهد قوله تعالى عبد المطلب فی سیاق فی قوله ما کان

إقرأ أيضاً:

مسيرة مليونية بالعاصمة صنعاء تجدد العهد للشهداء وتؤكد الجهوزية لنصرة فلسطين

الثورة نت/..

شهدت العاصمة صنعاء اليوم، مسيرة مليونية تحت شعار “عامان من العطاء.. ووفاء لدماء الشهداء”، تأكيدا على ثبات الموقف في نصرة القضية الفلسطينية، وتجديدا للعهد بالسير على درب الشهداء بعزيمة لا تنكسر.

وجسد الحشد المهيب في ميدان السبعين في مسيرة العطاء والوفاء، الوعي الشعبي المتجذر تجاه قضايا الأمة، وأن الشعب اليمني، رغم الحصار والعدوان لا يزال حاضراً في ميادين العزة والكرامة، وثابتا في مساره الإيماني والجهادي.

ورفعت الحشود المليونية العلمين اليمني والفلسطيني، وصور الشهيد الجهادي اللواء الركن محمد الغماري، والشهداء القادة الذين ارتقوا على طريق القدس.. مرددة الهتافات المؤكدة على الاستعداد والجهوزية لمواجهة العدو الصهيوني في حال عاود عدوانه على غزة والشعب الفلسطيني ونكث بالاتفاق.

وعبرت عن الفخر والاعتزاز بتقديم التضحيات الجسام في سبيل نصرة للقضية الفلسطينية وإسناد الأشقاء في غزة منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، والوفاء لدماء الشهداء الذين ارتقوا دفاعاً عن الأرض والعرض والكرامة والمقدسات الإسلامية.

وجددت الحشود التأكيد على تعزيز الجهوزية ومواصلة الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، والمضي على درب الشهداء في مسار الجهاد والتضحية في سبيل الله.. مؤكدة أن العهد للشهداء لا يُنسى، وأن دماءهم تحيي القضية الفلسطينية في وجدان الأمة.

كما أكدت أن دماء الشهداء ستظل منارة تضيء دروب أحرار الأمة وتمثل دافعاً لمواصلة الصمود والثبات في مواجهة قوى الاستكبار والهيمنة.. لافتة إلى أن الشعب اليمني عمد مواقفه المشرفة بدماء الشهداء العظماء.

ورددت الجماهير الحاشدة شعارات (عامان بتوفيق الله.. سرنا وفق كتاب الله)، (عامان ويمن الإيمان.. طوفان جنب الطوفان)، (تضحية الشهداء وقود.. لطريق الفتح الموعود)، (بذل يمني أنصاري.. توجه بدم الغماري)، (هاشم فاز ورب الكعبة.. ببياض الوجه لقى ربه)، (السنوار شهيد الأقصى.. مدرسة عطاء لا يحصى)، (في ذكرى السنوار سلام.. لكتائب عز القسام).

وهتفت الحشود (الغماري والسنوار.. قادة طوفان الأحرار)، (موقفنا اليمني متكامل.. علماء جيش وقبائل)، (سنظل نتابع ونراقب.. إن نكثوا قمنا بالواجب)، (سنواصل بالله وحوله.. ونعد لأكثر من جولة)، (يا غزة معكم ما زلنا.. سنظل وإن عادوا عدنا)، (يا غزة يا فلسطين.. معكم كل اليمنيين).

وأوضح بيان صادر عن المسيرة المليونية ألقاه عضو المكتب السياسي لأنصار الله – عضو اللجنة الوطنية العليا لنصرة الأقصى ضيف الله الشامي، أنه وتتوجياً للخروج الذي وفقنا الله له وكان بفضله سبحانه وتعالى، الخروج الذي لا مثيل له في الدنيا بكلها، وتعظيماً ووفاء للشهداء الذين هم وقود مسيرتنا وشواهد صدق توجهنا واستجابة لله وحباً له ورغبة فيما عنده، وخوفاً من عذابه، وثباتاً على كتابه ونهجه، وتحت راية من اصطفاهم من عباده، نزف كشعب يمني – اختار الجهاد في سبيل الله طريقاً له – بكل افتخار واعتزاز إلى الأمة العربية والإسلامية وكل أحرار العالم قائداً جهادياً عظيماً، وفارساً من فرسان الإسلام، القائد الجهادي الكبير الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري رئيس هيئة الأركان العامة.

وأشار إلى أن الشهيد الغماري كان له دور عظيم هو ورفاقه في مختلف تشكيلات قواتنا المسلحة المجاهدة في إلحاق هزيمة مذلة بأمريكا في البحار ومعها بريطانيا، وكذلك بكيان العدو الصهيوني المجرم على مدى عامين، وبرهنوا للعالم كله بأن وعد الله بالنصر لعباده المؤمنين حق وصدق ولو كان أمام أحدث ترسانات الحرب العالمية، وحاملات الطائرات والقاذفات الأمريكية الاستراتيجية، وأثبتوا أن هزيمة العدو ممكنة بالتوكل على الله والاعتماد عليه وأن التضحيات وقود الانتصارات ولا تؤدي إلى توقف مسيرة الحق بل تزيدها اتقاداً واشتعالاً في وجه الطاغوت.

وتابع البيان “نستذكر في هذا المقام كوكبة من القادة الشهداء العظماء في هذه المعركة ونخص القائد الكبير الشهيد يحيى السنوار ونحن في ذكرى استشهاده، ونترحم عليه وعلى غيره من القادة الشهداء في فلسطين ولبنان وإيران، وفي بلادنا من قيادات رسمية في الدولة مدنية وعسكرية من جميع التشكيلات البرية والبحرية والطيران المسير والصاروخية والدفاع الجوي والتعبئة العامة والاعلام ومن المواطنين وغيرهم على مدى عامين من الاسناد، قدموا أعظم دروس الثبات والتسابق إلى التضحية، ورفضوا الخنوع أو الاستسلام أو التراجع، ونعاهدهم جميعاً بأن نمضي على ذات الطريق دون تردد أو تراجع حتى يتحقق وعد الله الذي لا يخلف الميعاد”.

وأكد ثبات الشعب اليمني “على مواقفه المبدئية الإيمانية والأخلاقية والإنسانية مع غزة وتجاه قضيتنا الأولى فلسطين والأقصى المبارك، وأن هذا هو عهدنا لله وللشهداء ولن نتراجع عنه وسنبقى نراقب بكل اهتمام التطورات في غزة، ونحن جاهزون للعودة في حال عاد العدو أو غدر أو نكث، فإننا سنعود أكثر عزماً واستعداداً على كل الأصعدة والمستويات بإذن الله وتوفيقه وعونه”.

ودعا الجميع في مختلف المجالات رسمياً وشعبياً إلى التحرك بكل عزم وجد في استخلاص الدروس والعبر والتجارب من هذه الجولة من الصراع مع العدو، والاستعداد فوراً لأي جولة قادمة، وألا نسمح للعدو أن يكون أكثر جدية واهتماما واستعداداً للظلم والاجرام من جديتنا واهتمامنا واستعدادنا لإقامة القسط والعدل ودفع الظلم والبغي.

وأضاف البيان ” ونعوذ بالله أن يكون شعب الإيمان والحكمة كذلك أبداً؛ لأن ذلك ليس من الإيمان ولا من الحكمة في شيء، بل سنكون كما أمرنا الله سبحانه وتعالى في قوله سبحانه (وَاعِدُوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رَبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) صدق الله العظيم”.

ودعا شعوب الأمة بدعوة الله إلى ما فيه فلاحهم وصلاح دنياهم وآخرتهم وذلك بالعودة الصادقة والعملية إلى القرآن الكريم باعتباره نور الله وهديه لعباده، أنزله لهم منهجاً للعمل به في مختلف مجالات حياتهم، وإلا فما ينتظرهم على أيدي أشد الناس عداوة لهم أكثر سواء، ولا حل ولا مخرج إلا في كتاب الله القرآن الكريم.

مقالات مشابهة

  • حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاعر الولايات المتحدة؟
  • مسيرة مليونية بالعاصمة صنعاء تجدد العهد للشهداء وتؤكد الجهوزية لنصرة فلسطين
  • طوفان بشري بصنعاء يجدد العهد بمواصلة درب الشهداء
  • 95 مسيرة جماهيرية في المحويت تؤكد الوفاء لدماء الشهداء ومواصلة العطاء
  • رحلة العقل والروح.. المفكر الذي تحدى الظنون واكتشف الإسلام (3 من 3)
  • في ذكرى رحيله.. يوسف وهبي أيقونة الفن العربي وصوت المسرح الذي لا ينضب
  • علي جمعة: رسول الله ﷺ النبي الوحيد الذي حُفظت سيرتُه وأقوالُه وأفعالُه
  • الحاج حسن الإسكندراني.. المجذوب الذي فقد عقله نتيجة غدر الصحاب
  • تعرف على فيديو.. عقوبة الله لمن خالف العهد والوعد