لماذا يتعمد نتنياهو تحويل جثث الأسرى إلى قضية إستراتيجية؟
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو راغبا في المراوحة عند ما تم تنفيذه من المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار مستغلا مسألة ما تبقى من جثامين الأسرى الإسرائيليين، خوفا على مستقبله السياسي، في حين تبدو الولايات المتحدة عازمة على المضي قدما في تنفيذ الاتفاق، كما يقول محللون.
ففي الوقت الذي تواصل فيه المقاومة البحث عن هذه الجثامين بالإمكانيات البسيطة المتوفرة لديها، يسعى نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- لجعل استعادة الجثث المتبقية قضية إستراتيجية لتعطيل الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق.
إذ أكد مكتب نتنياهو في بيان السبت أن معبر رفح سيظل مغلقا لحين استعادة هذه الجثث، وذلك بعد ساعات من حديث السفارة الفلسطينية في القاهرة عن فتح المعبر أمام الراغبين في العودة للقطاع يوم الاثنين.
لكن المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري أدولفو فرانكو، نقل عن مصادر بالبيت الأبيض تأكيدها أن المعبر سيعاود العمل خلال الأيام الثلاثة المقبلة، و"ربما قبل وصول نائب الرئيس الأميركي دي جي فانس إلى تل أبيب.
ومن المتوقع أن يصل دي فانس إلى إسرائيل الاثنين لبحث تسريع تنفيذ الاتفاق، كما سيصل جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب، ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
نتنياهو يريد المراوحة في مكانهوحسب ما أكده فرانكو خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث، فإن الأميركيين يشعرون بإحباط كبير من تصرفات نتنياهو التي يرون أنه يريد من خلالها المراوحة في المرحلة الأولى من الاتفاق.
فقد أكد نتنياهو، في مقابلة مع القناة 14، أن الحرب لن تنتهي ما لم يتم نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خلال المرحلة الثانية من الاتفاق.
ونقلت القناة ذاتها عن مسؤولين، أن تصريح نتنياهو "لم يعجب الأميركيين"، في حين أكد فرانكو، أن المرحلة الأولى من هذا الاتفاق قد انتهت من وجهة نظر واشنطن بغض النظر عما تقوله إسرائيل.
إعلانولم يختلف الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، عن رأي فرانكو، بقوله إن نتنياهو يحاول التوقف عند ما تم إنجازه خلال الأيام الماضية بدون الانتقال لبقية المراحل.
فقضية جثامين الأسرى لم تكن يوما محورية في أي من الصراعات الدولية لأنها تتعلق بأمور لوجيستية قد تستغرق سنوات في بعض الحالات، فضلا عن أن جيش الاحتلال نفسه أعلن استعداده لتوفير إحداثيات لأماكن بعض الجثامين، كما يقول مصطفى.
لذلك، فإن تحويل جثامين الموتى إلى خلاف إستراتيجي وربط فتح معبر رفح وإدخال المساعدات بها، ليس سوى محاولة للضغط على المقاومة والوسطاء بل والأميركيين أيضا، من أجل ترتيب مرحلة ثانية وفق شروط نتنياهو، برأي مصطفى.
ورجح مصطفى أن يبدأ نتنياهو لعبة تفسيرات ما يجب القيام به في هذه المرحلة، سواء بشأن طبيعة قوة الاستقرار الدولية التي يفترض أن توجد بالقطاع، أو شكل الإدارة التي ستديره بعد الانسحاب.
فنتنياهو، كما يقول المتحدث، يريد الاكتفاء بما تم تنفيذه من الاتفاق ما لم يضمن مرحلة ثانية على مقاسه وقوة دولية وفق شروطه بحيث يتمكن من القول إنه حقق أهدافه من الحرب وفي مقدمتها نزع سلاح حماس.
كما أن إسرائيل لديها مخاوف من دخول قوات تركية إلى القطاع ضمن القوة الدولية أو للبحث عن جثث الأسرى، لأن تركيا تمثل خطرا إستراتيجيا لإسرائيل خصوصا بعدما أصبحت حاضرة في سوريا، كما يقول مصطفى.
ترامب يريد تنفيذ الاتفاقلكن فرانكو أكد أن نتنياهو سيتعرض لضغوط أميركية كبيرة خلال زيارة دي فانس وويتكوف وكوشنر، حتى يمضي في تنفيذ الاتفاق الذي يقول إن مستقبل ترامب السياسي "أصبح مرهونا به".
وقد نقل أكسيوس عن 4 مسؤولين إسرائيليين وآخر أميركي أن زيارة دي فانس "تعبر عن رغبة ترامب في مواصلة الاتفاق حتى نهايته".
كما نقلت القناة 13 أن ضباطا أميركيين سيقيمون مركزا للقيادة في غلاف غزة لإدارة الفرق الدولية التي ستتولى مهمة البحث عن جثث الأسرى المتبقين في القطاع.
أما المقاومة الفلسطينية فلديها تقديرات بأن نتنياهو يريد وقف الاتفاق عند النقطة الحالية، بحيث يدخل المرحلة الثانية بدون فتح المعبر أو إدخال المساعدات، لأن استحقاقات هذه المرحلة قد تهدد مستقبله السياسي، كما يقول مدير المؤسسة الفلسطينية للإعلام إبراهيم المدهون.
وهذا ما دفع الجانب الفلسطيني لمطالبة الوسطاء بالضغط على إسرائيل ومنع استخدام المعبر ودخول المساعدات ومواصلة الخروقات، كسلاح لدخول المرحلة الثانية، حسب المدهون، الذي استبعد الدخول في مرحلة جديدة بينما لم تلتزم إسرائيل بما اتفقت عليه في المرحلة الأولى.
وفي السياق نفسه، قال مدير مركز عدالة الحقوقي والمختص في السياسيات الإسرائيلية حسن جبارين، إن حكومة إسرائيل لديها عقبات ذاتية تمنعها من الانتقال للمرحلة الثانية أو إبقاء الوضع كما هو عليه.
فقد أصبحت هذه الحكومة المتطرفة التي ترى استيطان غزة هدفا إستراتيجيا، تقف حاليا موقف الخاسر في الحالتين لأن انتقالها للمرحلة الثانية يعني الانسحاب من القطاع، وعدم انتقالها لها يعني منح حماس فرصة إعادة بناء قوتها بعدما استعادت سيطرتها بشكل كبير على عدد من المناطق، حسب المدهون.
إعلانوتكمن مشكلة الحكومة المقبلة على انتخابات برلمانية ليست بعيدة، وفق المدهون، في أنها فشلت في تحقيق صورة النصر المطلق بعد عامين من الحرب لأنها لم تنه وجود حماس كما هو واضح للإسرائيليين، ولم تهجر الفلسطينيين، ومن ثم فإن الاتفاق برمته يمثل مشكلة جذرية لها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات المرحلة الأولى تنفیذ الاتفاق من الاتفاق کما یقول
إقرأ أيضاً:
محللون: صراع الإرادات السياسية يهدد المرحلة الثانية من اتفاق غزة
على وقع الهدوء النسبي الذي أعقب وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يتكشّف مشهد سياسي أكثر تعقيدا من ساحات القتال، إذ بدأت معالم صراع جديد، لا يُدار بالدبابات هذه المرة، بل بالإرادات والتفسيرات.
فبينما تسعى واشنطن إلى تثبيت اتفاقها الذي أنهى الحرب، تتجه إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) نحو مواجهة من نوع آخر، هدفها تحديد مَن يمتلك الكلمة الفصل في تنفيذ بنوده، وترتيب أولويات المرحلة التالية.
في هذا السياق، تشير التحركات الأميركية المتسارعة إلى رغبة واضحة في تحويل الهدنة إلى مسار سياسي أكثر استقرارا.
فالمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يستعد لزيارة المنطقة لمتابعة إنشاء سلطة انتقالية دولية في غزة، ضمن خطة رعتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتعهدت واشنطن بتمويلها وتوفير قوات حفظ سلام عربية وأوروبية.
لكن خلف هذه الدبلوماسية النشطة، يكمن مأزق أكثر عمقا يتعلّق بمن يملك تفسير الاتفاق، ومن يحدد حدود الأمن والسيادة في غزة.
يرى المسؤول الأميركي السابق توماس واريك في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن الالتزام الأميركي قائم، لكنه يربط نجاح الاتفاق بسلوك حركة حماس، معتبرا أن أي تأخر في تسليم السلاح أو استمرار الإعدامات الميدانية سيمنح واشنطن مبررا للسماح لإسرائيل بالعودة إلى الحرب.
الأمن أم الإعمار؟غير أن هذا الطرح، وإن بدا حريصا على استقرار الهدنة، يعكس رؤية أميركية ترى أمن إسرائيل وما تراه لازما لذلك مقدما على الإعمار في قطاع غزة، وتضع "نزع سلاح" المقاومة شرطا لأي إعادة بناء، وهو ما يثير قلقا فلسطينيا واسعا بشأن نيات واشنطن الحقيقية.
في المقابل، يدرك الإسرائيليون أن اللحظة الراهنة تمثل فرصة لإعادة صياغة المشهد لمصلحتهم.
فبحسب الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى، تعتبر تل أبيب أن مكاسبها بعد الحرب تفوق أي مصلحة في استئنافها، إذ حصلت على جميع أسراها الأحياء، وتحتفظ بنصف مساحة القطاع تحت سيطرتها العسكرية.
إعلانلذلك فهي تسعى إلى تثبيت هذا الواقع كأداة ضغط على حماس والوسطاء، وتحويله إلى ورقة تفاوض تمنحها اليد العليا في تفسير بنود الاتفاق.
ويرى مصطفى أن إسرائيل لا تريد عودة شاملة للحرب، لكنها في المقابل تعمل على إعادة تعريف المرحلة التالية وفق أولوياتها الأمنية.
فهي تسعى لجعل "نزع سلاح حماس" البند الأول في أي تنفيذ، وتعارض أن تبدأ الخطة بتشكيل حكومة أو لجنة فلسطينية لإدارة القطاع، لأن ذلك -من وجهة نظرها- سيخلق كيانا معترفا به دوليا يعيدها إلى ما تعتبره مأزق "6 أكتوبر" حين فُرضت عليها وقائع سياسية غير مرغوبة.
هذا المنحى الإسرائيلي في فرض التفسير الأحادي يثير تخوفات لدى الفلسطينيين.
تلكؤ إسرائيلفبحسب مدير المؤسسة الفلسطينية للإعلام إبراهيم المدهون، فإن إسرائيل تتلكأ في تنفيذ حتى المرحلة الأولى من الاتفاق، من خلال تقييد المساعدات وإغلاق المعابر واستمرار الاستهدافات المحدودة، بينما تواصل استخدام ملف الجثث ذريعة للضغط السياسي.
ويضيف أن حركة حماس، التي التزمت سريعا بإطلاق الأسرى وتنفيذ التزاماتها، تسعى الآن لدفع العملية نحو الاستقرار من خلال لجنة إسناد مجتمعي تدير غزة من مستقلين، لكن الاحتلال يحاول إفشال هذه الجهود لإبقاء القطاع في حالة "جمود منظم" تسمح له بالتحكم في التفاصيل.
في المقابل، تطرح واشنطن مشروع السلطة الانتقالية كبديل عن الحكم المحلي، في محاولة لجمع قوات دولية تمارس مهام أمنية داخل القطاع.
لكن هذا الطرح، كما ترى أستاذة الدبلوماسية وحل الصراع في الجامعة العربية الأميركية الدكتورة دلال عريقات، يعيد إنتاج إشكالية "المراحل الانتقالية المستدامة"، التي تبقي الاحتلال فاعلا دون حل جذري.
وتؤكد أن الضمانات التي قدمها ترامب شخصيا لم تتحول بعد إلى التزامات عملية، وأن الضامنين الإقليميين لم يقوموا بالدور الكافي لضمان الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية.
وترى دلال عريقات أن المشكلة الجوهرية تكمن في تغييب جوهر الصراع، فالاتفاق -كما صيغ- يعالج نتائج الحرب دون أن يقترب من أسبابها، وعلى رأسها الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
صراع الإراداتوتضيف أن استمرار الخروقات، سواء في الضفة الغربية أو داخل غزة، يؤكد أن إسرائيل تتعامل مع الاتفاق كفرصة لإعادة التموضع لا لإنهاء الصراع، وأن الإدارة الأميركية تغض الطرف عن هذه الانتهاكات تحت شعار "الأمن أولا".
ومع دخول المنطقة مرحلة "صراع الإرادات"، يبدو كل طرف عازما على اختبار مدى صلابة خصمه في تفسير نصوص الاتفاق، فإسرائيل تريد أن تبدأ المرحلة الجديدة من بوابة الأمن ونزع السلاح، بينما تسعى حماس والوسطاء العرب إلى تحويل الاتفاق إلى خطوة نحو الاستقرار والإعمار.
أما واشنطن، فتمارس دورا مزدوجا بين الضغط على الجانبين ومحاولة حفظ نفوذها السياسي في الشرق الأوسط عبر سلطة دولية قد تتحول إلى أداة جديدة لإدارة الأزمة، حسب محللين.
هذا التداخل بين الإرادات لا ينفصل عن حسابات أوسع، إذ تشير معطيات ميدانية إلى أن تل أبيب تعمل على ترسيخ وجودها العسكري في مناطق محددة جنوب وشرق القطاع، تحت مسمى "إعادة الانتشار"، بينما تتجنب استخدام مصطلح "الانسحاب الكامل"، ما يفتح الباب لتفسير مرن يسمح لها بالتحكم في إيقاع التنفيذ ومراحله.
إعلانوفي الوقت ذاته، لا تخفي حماس خشيتها من أن يتحول الاتفاق إلى غطاء لفرض "سلام هش" يحاصر غزة اقتصاديا ويمنع إعادة إعمارها.