أوروبا الخاسر الأكبر في حروب المعادن النادرة
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
ترجمة: قاسم مكي
حروب التكنولوجيا بين الغرب والشرق ليست جديدة؛ فخلال الحرب الباردة تنافست الولايات المتحدة وحلفاؤها بضراوة مع الاتحاد السوفييتي في استكشاف الفضاء وأنظمة التسلح. ومؤخرا احتدم التنافس بين الولايات المتحدة والصين. وللمفارقة؛ هذه المرة غالبًا ما ستكون أوروبا الخاسر الأكبر.
أسست الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها «لجنة تنسيق ضوابط الصادرات متعددة الأطراف» في عام 1949 لمنع الكتلة الشرقية من الحصول على التقنية الغربية التي قد تعزز قدراتها العسكرية والاقتصادية.
وفي الفترة من أواخر السبعينيات أوجدت الاختراقات التقنية الغربية فجوة استراتيجية لا يمكن تجسيرها مما أسهم في انهيار الاتحاد السوفييتي.
اتّبعت الإدارات الأمريكية الثلاث الأخيرة استراتيجية شبيهة ضد الصين بالحد من تصدير الرقائق الدقيقة المتقدمة والآلات المصنِّعة لها، لكن الصين خلافا للاتحاد السوفييتي يمكنها الرد بفرض قيود على العناصر النادرة وتقنية معالجة المعادن. وفي هذا الشهر وسَّعت بكين قيودها على 12 من جملة 17 معدنًا نادرًا بدعوى «حماية المصالح الأمنية الوطنية». حتى مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم كانت كلُّ من أوروبا والولايات المتحدة تؤكدان أهمية المعادن الحيوية لتعزيز الانتقال إلى الطاقة الخضراء.
والآن يعبِّر مسؤولو قطاع صناعي آخر عن الخشية من الخطوة الصينية. الصناعات الدفاعية في الغرب قلقة؛ فالصين لديها قبضة محكَمة على إمدادات العديد من المكونات المفتاحية والضرورية لتقنية المسيرات والدبابات والغواصات أو الصواريخ.
في الأسبوع الأول من المواجهة العسكرية الإسرائيلية الإيرانية في يونيو هذا العام تبادل الطرفان حوالي 800 صاروخ تقريبا. وكان كل صاروخ يحتوي على ما بين اثنين إلى عشرين كيلوجراما من العناصر النادرة بما في ذلك عنصران هما الديسبورسيوم والتيربيوم الخاضعَان الآن لقيود التصدير الصينية. واستنادًا إلى تقديرات محافظة من البيانات المحدودة يعني هذا أن كمية تتراوح ما بين 1.6 إلى 16 طنا متْريّا من العناصر النادرة قد تبخرت في تلك المواجهة خلال 7 أيام.
أداء أوكرانيا الاستثنائي مؤخرا في حرب مسيَّراتها ضد روسيا كان معتمدا تماما تقريبا على المكونات الإلكترونية والمغناطيسية المستوردة من الصين. وأوكرانيا الآن أقل انشغالا بوصول الأسلحة الأوروبية في الوقت المحدد وأكثر قلقا بشأن تدفق الواردات التقنيَّة من الصين.
خلال السنوات الثلاثين الماضية أصبحت الصين قائدة للعالم في معالجة معظم المعادن الخام الـ 54 التي تصنفها هيئة المسح الجيولوجي بالولايات المتحدة (الهيئة الجيولوجية الأمريكية) كمعادن حيوية للصناعة الأمريكية بما في ذلك للقطاع الدفاعي. وحاليا تستطيع الصين معالجة أي معدن تقريبا بتكلفة أرخص بنسبة 30% من منافسيها.
لكي تتمكن الحكومات الغربية من منافستها في ذلك سيلزمها تقديم دعومات لصناعتها.
وفي حين توظف الصين احتكارها للعناصر النادرة كرافعة تأثير تستخدم واشنطن نفوذها للحد من حصول الصين على أقوى المعالجات الدقيقة (على الرغم من أن الأغلبية العظمى منها تُنتَج مادّيا بواسطة شركة تي اس ام سي في تايوان). القيود الأخيرة التي فرضتها بكين على تصدير العناصر النادرة والمنتجات التي تحتوي عليها تقع ضمن إطار أوسع للحرب التقنيّة بينها وبين الولايات المتحدة. فكلا الحكومتين تعتقدان أن من يكسب السباق في الصناعات المفتاحية وخصوصا الذكاء الاصطناعي وتقنية الصواريخ وحوسبة الكوانتم والروبوتات والمسيرات سيتمتع بميزة حاسمة في المنافسة الاقتصادية والعسكرية خلال الثلاثين سنة القادمة.
لكن مجموعة من خبراء الصناعة والأكاديميين توصلت في مؤتمر حول المواد الخام الحيوية عقد في فييَنَّا مؤخرا إلى أن أكبر الخاسرين في كل هذا ليس الصين ولا الولايات المتحدة ولكن أوروبا.
ربما تدير أمريكا ظهرها لطاقة الشمس والرياح، لكن تقنيات الطاقة المتجددة مركزية في أهميتها لِهُويَّة أوروبا في القرن الحادي والعشرين. كانت شركات أوروبا رائدة في إنتاج الطاقة من الشمس والرياح والسيارات الكهربائية تزيد حصتها في صناعة سياراتها بالتدريج، لكن الصين الآن تهيمن على كل هذه الصناعات الثلاث إلى جانب إنتاج بطاريات الليثيوم.
وفي حين تعكف الولايات المتحدة على إعادة بناء صناعة العناصر النادرة الخاصة بها على مهل وتمارس نفوذا على منتجي المعادن الحيوية الأخرى كمخزونات الليثيوم الضخمة في أمريكا الجنوبية إلا أن أوروبا بالكاد تشارك في هذه السباقات.
صحيح أعدت بروكسل خطة استراتيجية للمواد الخام الحيوية، لكن محاولات استغلال مواردها المعدنية الرئيسية واجهت مقاومة سياسية قوية من جماعات المحافظة على البيئة.
اعتماد أوروبا المزدوج على الخدمات الرقمية الأمريكية وعلى صناعة معالجة المعادن الحيوية الصينية يجعلها ضعيفة إلى حد كبير أمام الضغوط الخارجية. إلى ذلك؛ استثمار الاتحاد الأوروبي في صناعات التقنية الرفيعة الرئيسية مدعاة للسخرية عند مقارنته بالتريليونات التي تضُخّها الصين والولايات المتحدة في هذا القطاع. وإذا كانت بروكسل عاجزة عن حشد جهود الدول الأعضاء قريبا سيظل الاتحاد الأوروبي مفتقرا باستمرار إلى الصين أو الولايات المتحدة أو إليهما كليهما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة العناصر النادرة
إقرأ أيضاً:
CNN: استعراض ترامب الدبلوماسي بالشرق الأوسط لا ينطلي على الصين
قالت شبكة سي أن أن الأمريكية، إن دبلوماسية الرئيس دونالد ترامب الاستعراضية، تنجح في الشرق الأوسط، لكنها لن تنجح مع الصين.
وأشارت إلى أنه على عكس دول الشرق الأوسط، تتمتع الصين بالقدرة على كشف خدع الرئيس، وإذا استمر ترامب في إعطاء الأولوية للاستعراض على حساب حسن إدارة الدولة، فإن أمريكا ستكتشف أن فن إبرام الصفقات ليس بديلاً عن الاستراتيجية الحقيقية.
وتستغل الصين هيمنتها الساحقة على سوق المعادن النادرة كأداة للضغط الاقتصادي في محاولة لانتزاع تنازلات من ترامب في خضم حرب الحرب التجارية بين البلدين.
وقالت لصحيفة "واشنطن بوست" ترجمته "عربي21"، أن التحرك الصيني في مجال المعادن النادرة لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز النفوذ الاقتصادي ومواجهة القيود الأمريكية على رقائق الحواسيب والتقنيات المتقدمة الأخرى، وهي إجراءات تعتبرها بكين عائقًا أمام تطورها التكنولوجي.
وأوضحت الصحيفة أن إعلان الصين المفاجئ يوم الخميس عن توسيع قيود تصدير المعادن النادرة -قبل أسبوعين من اللقاء المرتقب بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ- فاجأ البيت الأبيض، إذ وصفه ترامب بأنه جاء "من دون مقدمات".
وقالت الصحيفة إن بكين وسّعت هذا العام قيود تصدير هذه المعادن بشكل كبير ردًا على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، وبلغت هذه الإجراءات ذروتها من خلال القواعد الجديدة التي أعلنتها بكين الأسبوع الماضي.
اعتبارًا من 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، سيخضع 12 معدنا نادرا من أصل 17 لقيود تصدير، وستُفرض قيود إضافية على بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، وعلى المواد الفائقة الصلابة المستخدمة في معدات الحفر.
وحسب الإجراءات الجديدة، باتت الشركات الصينية مطالبة بالحصول على تراخيص لتصدير معدات استخراج المعادن النادرة.
ومن أهم القيود -وفقا للصحيفة- هو شرط الترخيص العالمي الذي سيبدأ تطبيقه في 1 كانون الأول/ ديسمبر القادم، حيث يتعين على الشركات حول العالم الحصول على موافقة بكين لتصدير مغناطيسات المعادن النادرة أو المواد شبه الموصلة التي تحتوي على نسبة ضئيلة لا تتجاوز 0.1 بالمئة من المعادن الخاضعة للرقابة والتي مصدرها الصين.
وترى الصحيفة أن هذه القيود تشير إلى رغبة بكين في إلغاء شامل للقيود الأمريكية على تصدير الرقائق الإلكترونية، وليس مجرد تخفيف الرسوم الجمركية.
وقد عملت الولايات المتحدة منذ ولاية ترامب الأولى، بالتعاون مع شركائها الدوليين، على تقليص وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتقدمة المطورة أميركيًا، وكذلك المعدات والمعرفة اللازمة لتصنيعها.
وقد تجاوز النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة مسألة القيود على تصدير التكنولوجيا والمواد الخام، إذ بدأ البلدان يوم الثلاثاء فرض رسوم إضافية متبادلة على السفن، إلا أن القيود التكنولوجية باتت -حسب الصحيفة- محورًا بالغ الأهمية في مفاوضات خفض الرسوم الجمركية.