لماذا تخشى أميركا حرب المعادن النادرة مع الصين؟
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
أعاد إعلان الصين عن قيود واسعة على صادرات المعادن النادرة إشعال الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وأثار قلق الأسواق العالمية، وفقًا لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
الوثيقة التي حملت عنوان "الإعلان رقم 62 لعام 2025" والصادرة عن وزارة التجارة الصينية، تضمنت شروطًا صارمة على تصدير المعادن النادرة، بحيث أصبح لزامًا على الشركات الأجنبية الحصول على موافقة حكومية مسبقة وتوضيح الغرض من الاستخدام حتى في حال احتواء المنتج على كميات ضئيلة جدًا من هذه المعادن.
تهديدات واتهامات متبادلة
ورد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان عزمه فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على البضائع الصينية، إلى جانب قيود جديدة على تصدير البرمجيات الحساسة، معتبرًا أن بكين "تسعى إلى خنق الصناعة العالمية".
ونقلت "بي بي سي" عن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت قوله "هذه ليست الصين ضد أميركا فقط، بل الصين ضد العالم الحر. لقد وجهوا مدفعا نحو سلاسل التوريد الصناعية للعالم بأسره، ولن نقبل بذلك".
في المقابل، ردّت وزارة التجارة الصينية بأن الولايات المتحدة تثير "هلعًا غير مبرر"، مؤكدة أن طلبات التصدير "سيُوافق عليها طالما كانت الاستخدامات مدنية وتتوافق مع الشروط".
أهمية إستراتيجية تفوق القيمة الاقتصاديةوتُعد الصين صاحبة احتكار شبه كامل في معالجة المعادن النادرة، إذ تنتج أكثر من 70% من المعادن المستخدمة في محركات السيارات الكهربائية والمغناطيسات الصناعية، بحسب ناتاشا بهاسكار مستشارة "نيو لاند غلوبال".
كما أوضحت الباحثة مارينا زانغ من جامعة التكنولوجيا في سيدني أن "بكين بنت تفوقها عبر تطوير شبكة بحث وتطوير متقدمة وتخريج جيل من الخبراء في هذا القطاع الحيوي".
ورغم أن صادرات المعادن النادرة لا تمثل إلا 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني البالغ 18.7 تريليون دولار، فإن قيمتها الإستراتيجية هائلة لأنها تمنح بكين ورقة ضغط لا تملكها واشنطن، كما أكدت الخبيرة صوفيا كالانتزاكوس من جامعة نيويورك.
رغم أن صادرات المعادن النادرة لا تمثل إلا 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني البالغ 18.7 تريليون دولار، فإن قيمتها الإستراتيجية هائلة
تداعيات عسكرية وصناعية خطيرةوتوضح "بي بي سي" أن المعادن النادرة عنصر لا غنى عنه في الصناعات العسكرية؛ فمقاتلة أميركية واحدة من طراز إف-35 تحتاج إلى أكثر من 400 كيلوغرام من هذه المعادن لصنع طلائها الخفي ومحركاتها وأنظمتها الرادارية.
ويرى الأكاديمي ناويسي ماكدونا من جامعة إديث كوان الأسترالية أن القيود الصينية تستهدف نقاط الضعف الحرجة في سلاسل الإمداد الأميركية، مشيرًا إلى أن توقيتها قلب موازين المفاوضات التي كانت واشنطن تخطط لها.
إعلانوتعمل الولايات المتحدة وأستراليا على تطوير بدائل لمصادر التوريد الصينية، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن الأمر "يتطلب ما لا يقل عن خمس سنوات للحاق بالصين"، نظرًا لتكاليف المعالجة العالية وضعف البنية التحتية.
مقاتلة أميركية واحدة من طراز إف-35 تحتاج إلى أكثر من 400 كيلوغرام من المعادن النادرة لصنع طلائها الخفي ومحركاتها وأنظمتها الرادارية
الصين تمسك بزمام المبادرةوبحسب "بي بي سي"، جاءت هذه الإجراءات امتدادًا لقيود سابقة فرضتها الصين في أبريل/نيسان الماضي تسببت في أزمة إمدادات عالمية قبل أن تخففها اتفاقات مع أوروبا وواشنطن.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن صادرات المعادن النادرة تراجعت في سبتمبر/أيلول الماضي بنسبة تفوق 30% مقارنة بالعام الماضي، دون أن يتأثر الاقتصاد الصيني بشكل ملموس.
ورغم تصاعد لهجة المواجهة، أبقى المسؤولون في البلديْن باب المفاوضات مفتوحًا. فقد قال بيسنت "ما زلت أعتقد أن الصين منفتحة على الحوار، وأنا متفائل بإمكان خفض التصعيد".
من جانبه، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال لقائه الرئيس التنفيذي لمجموعة بلاكستون الأميركية أن الجانبين يجب أن يديرا خلافاتهما بفعالية ويعززا العلاقات على أساس مستقر ومستدام.
ويرى مراقبون نقلت عنهم "بي بي سي" أن بكين تستخدم المعادن النادرة كورقة تفاوض مثالية قبل قمة ترامب وشي المرتقبة، إذ أدركت الصين -كما خلص التقرير- أن ألم ترامب الحقيقي لا يكمن في الرسوم الجمركية، بل في المعادن التي لا يستطيع اقتصاد بلاده الاستغناء عنها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات بی بی سی
إقرأ أيضاً:
لماذا تخشى إسرائيل من الدور التركي الجديد في غزة؟
أنقرة – الوكالات
أثار الحضور التركي المتنامي في ملف غزة قلقاً متزايداً داخل الأوساط الإسرائيلية، في ظل الدور الذي لعبته أنقرة في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، إلى جانب قطر ومصر، وما تبعه من إشادات أميركية متكررة بدور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويرى محللون إسرائيليون أن تركيا لم تعد مجرّد وسيط عابر، بل تحوّلت إلى "لاعب رئيسي وأحد مهندسي النظام الجديد" في المنطقة، وفق توصيف عوديد عيلام، الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في الموساد.
ويعزو مراقبون هذا التحوّل إلى التفاهم المتنامي بين أنقرة وواشنطن، لاسيما بين الرئيسين أردوغان ودونالد ترامب، وهو ما تعتبره تل أبيب مصدر قلق إستراتيجي قد يغيّر موازين القوى في مرحلة ما بعد الحرب.
وتتخوف إسرائيل من أن يشمل الدور التركي المقبل الإشراف على الأمن وإعادة الإعمار في غزة، إلى جانب المساهمة في تشكيل الإدارة المدنية الجديدة للقطاع، الأمر الذي قد يعيد لتركيا موطئ قدم سياسي وعسكري في المنطقة بعد غياب دام أكثر من قرن.
وتقول نوا لازيمي، الباحثة في معهد ميسغاف للأمن القومي، إن إشراك تركيا في اتفاق غزة يعني الاعتراف بها كقوة سنية إقليمية مؤثرة لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية تخص القضية الفلسطينية.
ويرى محللون أن الفارق بين الوجود التركي والإيراني في المنطقة يكمن في القبول الشعبي النسبي الذي تحظى به أنقرة، مقارنة برفض عربي واسع للنفوذ الإيراني بسبب خلافات مذهبية وتدخلات عسكرية في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وتعدّ حماية قطاع غزة وسكانه وبقاء المقاومة إحدى ركائز الإستراتيجية التركية، وفق ما يراه مراقبون. فأنقرة تعتبر المقاومة الفلسطينية "خط دفاع متقدم عن الأناضول"، كما شبّه أردوغان سابقاً مقاتليها بـ"قوات المقاومة الوطنية" التي خاضت حرب الاستقلال التركية.
ويخشى الإسرائيليون أن تسعى تركيا –في حال وجودها داخل غزة– إلى إعادة بناء بنية المقاومة بدلاً من تفكيكها، مستلهمةً تجربتها السابقة في سوريا عندما حالت دون انهيار المعارضة المسلحة عبر اتفاقات خفض التصعيد.
وتشير تقديرات إسرائيلية إلى احتمال مشاركة قوات تركية ضمن القوة الدولية المكلفة بتنفيذ اتفاق غزة، وهو ما تعتبره تل أبيب تطوراً مقلقاً على حدودها الجنوبية.
ويقول الخبير الأمني الإسرائيلي إيلي كارمون إن تركيا "أقوى عسكرياً من إيران"، مذكّراً بأنها تفرض قيوداً على التعاون الاقتصادي والعسكري مع إسرائيل، وتنسق مع ليبيا ومصر لإعادة رسم الحدود البحرية، ما يحدّ من حركة تل أبيب في شرق المتوسط.
وقد برز التوتر بوضوح في قمة شرم الشيخ للسلام، حين رفض أردوغان مشاركة نتنياهو، وهدد بالانسحاب ما لم تُستبعد إسرائيل من الجلسة الافتتاحية.
وتعتمد تركيا في استراتيجيتها على بناء تحالفات عربية وإسلامية، أبرزها التنسيق الثلاثي مع قطر ومصر في مفاوضات وقف إطلاق النار، إلى جانب دور فاعل داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
ويصف عوديد عيلام هذا التحرك بأنه امتداد لسياسة أنقرة الهادفة إلى تعزيز قوتها البحرية وتوسيع نفوذها الإقليمي عبر الشراكات والتدريبات العسكرية المشتركة، خصوصاً مع القاهرة.
ويرى محللون أن التقارب التركي المصري يمثل واحداً من أكثر الملفات إزعاجاً لتل أبيب، التي تخشى من تحوله إلى محور إقليمي قادر على تقييد نفوذها في غزة وشرق المتوسط.
وتطمح أنقرة إلى استثمار نجاحها الدبلوماسي في غزة لتعزيز نفوذها في ملفات إقليمية أخرى، خاصة في سوريا، حيث تسعى إلى إنهاء تهديدات قوات سوريا الديمقراطية وإعادة ضبط التوازنات شمال البلاد.
ويحذر مراقبون إسرائيليون من أن تعافي الدولة السورية بدعم تركي قد يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل، في ظل تزايد التعاون الأمني بين دمشق وأنقرة.
ويختتم المحلل الإسرائيلي شاي غال قائلاً إن "المرحلة المقبلة ليست عسكرية بل معرفية، تحاول إسرائيل فرض واقع جديد قبل أن تعيد أنقرة والدوحة صياغته بلغة حماس".