مالي.. مقاربة جديدة في مكافحة الإرهاب
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
أحمد شعبان (باماكو، القاهرة)
تشهد مالي مرحلة جديدة في مقاربة جهودها لمكافحة الإرهاب، ترتكز على الجمع بين تعزيز السيادة الوطنية والانفتاح البراغماتي على المبادرات الإقليمية.
فبعد الانسحاب من منظمة «إيكواس»، سعت باماكو إلى تحويل التحديات السياسية إلى فرص لتعزيز موقعها داخل «تحالف دول الساحل» عبر استثمار مبادرة أكرا للحوار، التي أطلقتها غانا مع بوركينا فاسو.
هذه المبادرة لم تُعد مجرد خطوة لتخفيف التوترات الحدودية أو تنسيق أمني تقليدي، بل مثلت فضاءً استراتيجياً أوسع مكّن مالي من توسيع دائرة تحالفاتها وتوظيفها في خدمة معركة ممتدة ضد الإرهاب والعنف العابر للحدود.
ومن خلال التركيز على الأمن المشترك، وبناء ممرات لوجستية واقتصادية بديلة، تسعى مالي بقيادة الجنرال آسمي غويتا إلى تحويل التعاون الإقليمي إلى أداة فعّالة تحصّن فضاء الساحل، وتدعم قدرته على مواجهة التهديدات المتصاعدة.
وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير صلاح حليمة، إن انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من منطقة الساحل خلّف فراغاً أمنياً واضحاً، وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية لتوسيع أنشطتها المسلحة، وزيادة عملياتها في مالي والدول المجاورة.
وأضاف حليمة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الانسحاب الفرنسي والأميركي تزامن مع انشغال المجتمع الدولي بملفات إقليمية وعالمية أخرى، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد الأزمات في الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى تراجع الأولوية الأمنية لمنطقة الساحل الأفريقي في الأجندة الدولية.
وشدّد الدبلوماسي المصري على أن تعليق التعاون الفرنسي مع مالي فتح الباب أمام تمدد التنظيمات الإرهابية، داعياً إلى تأسيس تحالف دولي جديد لدعم دول الساحل عسكرياً، ومواجهة هذه التحديات بالتنسيق مع الحكومات المحلية.
من جانبه، قال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، منير أديب، إن التنظيمات المتطرفة في دول الساحل الأفريقي، خاصة في مالي، أصبحت أكثر تطوراً وخطورة.
وأضاف أديب، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن التنظيمات الإرهابية طوّرت استراتيجيتها بشكل لافت، حيث أصبحت تتبنى تكتيكات عسكرية متقدمة.
وأشار إلى أن الجماعات المتطرفة لم تعد مجرد تنظيمات مسلحة، بل تحوّلت إلى كيانات اقتصادية قوية، إذ باتت تسيطر على المناجم والمعابر الحدودية، وتفرض الجباية على الحركة التجارية، وتستخدم عائداتها في تمويل العمليات المسلحة، مما يزيد من صعوبة مواجهتها.
ولفت أديب إلى أن ما يجري في مالي لا يهددها فقط، بل يمتد أثره إلى الدول المجاورة في غرب أفريقيا، مؤكداً أن الحدود المفتوحة تسمح بحرية تنقل العناصر الإرهابية، وتنقل السلاح والمعدات، مما يوسّع رقعة الخطر، داعياً إلى تحرك دولي عاجل لتفكيك هذه التنظيمات.
وأكد أن الجيوش الوطنية في دول الساحل الأفريقي الثلاث لا تملك القدرة الكافية لمواجهة هذه التحديات منفردة، مشدداً على أن هناك حاجة ملحة لتعاون إقليمي ودولي واسع النطاق، يأخذ في الاعتبار الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية للأزمة. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مالي أفريقيا القاعدة مكافحة الإرهاب الإرهاب داعش دول الساحل
إقرأ أيضاً:
مرصد الأزهر: تراجع نسبي في وتيرة العمليات الإرهابية بغرب إفريقيا
سجل مؤشر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تراجعًا نسبيًا في وتيرة العمليات الإرهابية بمنطقة غرب إفريقيا خلال شهر سبتمبر 2025، مقارنة بالشهر السابق.
وأوضح المرصد أن التراجع بلغ 18% في عدد العمليات، حيث وقعت 9 عمليات فقط، بينما انخفض عدد الضحايا بشكل ملحوظ بنسبة 58%، ليبلغ 141 قتيلًا، إضافة إلى اختطاف 45 شخصًا.
وبالرغم من الانخفاض العددي في العمليات، فإن حجم الخسائر البشرية يبقى مرتفعًا بالنسبة لعدد العمليات المنفذة، مما يدل على كثافة بعض الهجمات وطابعها الانتقامي.
التمركز الجغرافي للعمليات الإرهابية
وظلت نيجيريا هي البؤرة الرئيسية للعنف، حيث استأثرت وحدها بـ 44% من إجمالي النشاط الإرهابي بواقع 4 عمليات.
وقد أسفرت هذه العمليات عن 64% من إجمالي عدد الضحايا (90 قتيلًا) وجميع حالات الاختطاف المسجلة (45 مختطفًا) في المنطقة خلال الشهر.
في المقابل، جاءت النيجر في المرتبة الثانية بثلاث هجمات إرهابية (بنسبة 33.3%) أدت إلى مقتل 36 شخصًا (بنسبة 25.5% من الضحايا).
أما بوركينا فاسو فشهدت تراجعًا ملحوظًا، حيث اقتصرت العمليات على هجوم واحد خلف 15 قتيلًا.
بينما اتسم الوضع في مالي بالجمود النسبي، إذ شهدت عملية محدودة التأثير استهدفت قافلة وقود دون تسجيل خسائر بشرية.
ويفسر المرصد استهداف الأصول الاقتصادية بمحاولة التنظيمات توجيه رسائل ضغط اقتصادية بدلاً من السعي لإحداث خسائر بشرية مباشرة.
ويُلاحظ أن السنغال وبنين ظلتا خارج نطاق التهديدات الإرهابية للشهر الثاني على التوالي، وهو ما يعكس نجاحًا أمنيًا واضحًا في تعزيز المنظومة الأمنية الحدودية واحتواء التمدد جنوبًا نحو خليج غينيا.
جهود مكافحة الإرهاب
فيما يخص جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية، نفذت القوات الأمنية في غرب إفريقيا 5 عمليات عسكرية ناجحة خلال سبتمبر 2025، أسفرت عن تحييد 100 عنصر إرهابي.
وتصدر الجيش النيجيري المشهد بتنفيذ 4 عمليات موسعة أدت إلى تصفية 70 إرهابيًا، بينما نجح جيش النيجر في قتل 30 آخرين عبر عملية عسكرية نوعية.
ورغم تراجع عدد العمليات العسكرية مقارنة بشهر أغسطس (من 7 إلى 5)، إلا أن نتائج سبتمبر أظهرت فاعلية أكبر في تحييد العناصر الإرهابية، وهو تطور نوعي في الأداء العسكري مقارنة بأغسطس الذي شهد عمليات أكثر لكن بنتائج ميدانية محدودة (43 قتيلًا فقط).
توصيات مرصد الأزهر
من جانبه، يرى مرصد الأزهر أن تراجع الهجمات وضحاياها يعكس حالة إجهاد ميداني للتنظيمات الإرهابية بعد العمليات العسكرية المكثفة في يوليو وأغسطس. ومع ذلك، فإن قدرتها المستمرة على تنفيذ هجمات نوعية تشير إلى مرونتها التنظيمية وقدرتها على التكيّف.
ويحذر المرصد من أن غياب المتابعة الميدانية يجعل المكاسب العسكرية هشة وقابلة للارتداد، خاصة في ظل غياب برامج إعادة الإعمار والحوكمة المحلية.
وفي هذا الصدد، يوصي المرصد بما يلي:
1. تعزيز الردع العسكري المستدام عبر رفع وتيرة العمليات المشتركة وتوسيع صلاحيات القوة الإقليمية.
2. تكثيف الجهود الاستخباراتية العابرة للحدود: لرصد حركة المسلحين بين نيجيريا والنيجر ومالي.
3. دمج الأبعاد التنموية والاجتماعية ضمن خطط مكافحة الإرهاب، خصوصًا في مناطق النزوح والقرى الحدودية التي تشكل بيئة خصبة للتجنيد.