سؤال بسيط ولكن إجابته معقدة وتحتاج إلى وقت طويل للشرح..
لا أحد ينكر على حكومة أو شعب أو أمة من الأمم حقها في أن تتبوأ مكانتها بين الدول في المنطقة أو العالم، فهذا حق مشروع لا يتنازع عليه اثنان ولا تتناطح فيه عنزتان، ومهما كان حجم الدولة فمن حق قادتها أن يخططوا للمستقبل وأن يقفزوا فوق واقع المكان بحثا عن المكانة، وشتان بين الأمرين.
سويسرا على سبيل المثال وهي دولة فيدرالية ثلاثية القوميات (إيطالية وفرنسية وألمانية) ورباعية اللسان (أربع لغات) وتتكون من 26 إقليم أو كانتون وتبلغ مساحتها 41.38 ألف كيلومتر مربع، أي أنها أصغر من دولة الامارات الشقيقة التي تبلغ مساحتها 71 ألف كيلومتر مربع، استطاعت سويسرا أن تقفز فوق العِرق والنسب وفوق الأحلاف؛ وتصنع لنفسها مكانة اقتصادية وسياسية مرموقة، وباتت تحتضن مؤسسات كبيرة للأمم المتحدة مثل مكتب الأمم المتحدة (UNOG) في جنيف، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا (ECE). وهي أيضا مهد ومقر الصليب الأحمر الدولي الذي يستدعى في كل الكوارث والحروب حول العالم، وهي عضو مؤسس في الرابطة الأوربية للتجارة الحرة وجزء من منطقة الشنجن. ومدينة جنيف وحدها تستضيف أكثر من 200 منظمة دولية، وفي ذات الوقت هي صاحبة مكانة مرموقة في عالم الاقتصاد والمال والأعمال على مدار عقود من بعد الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم.
ما الذي تغير في وضعية سويسرا اليوم عن ذي قبل منذ تأسيسها في عام 1848؟
لا تملك سويسرا منافذ بحرية مثلما تملك الإمارات الشقيقة، وليس لديها نفط أو غاز، ومع ذلك يرتبط اسم سويسرا بالرفاهية والعيش الحسن والسمعة الدولية الطيبة والسياحة وعالم المال والأعمال، وهي منخرطة في السياسة الدولية بطريقة غاية في الإبداع، فهي ورغم أنها لم تنضم إلى الأمم المتحدة إلا في عام 2002 إلا أنها تستضيف العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بحل النزاعات واحلال السلام، ولا تكاد تسمع خبرا واحدا عن تورطها في صراع هنا أو أزمة هناك رغم أن أوروبا تعيش أزمات وشهدت العديد من الحروب.
الحكومة السويسرية مشكّلة من سبعة أعضاء يشكلون مجلس الحكم الفيدرالي وتجرى الانتخابات كل أربع سنوات، وهؤلاء يتم توزيعهم على أربع كتل أو أحزاب، اثنان لكل من الحزب الراديكالي والحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي المسيحي، ومقعد لحزب الشعب السويسري (حزب المزارعين والحرفيين). ولا يقال عن الراديكالي أنه متطرف، ولا عن الاشتراكي أنه شيوعي، ولا يوصف الديمقراطي المسيحي بأنه مسيحي يخلط بين الدين والسياسة، ولا عن حزب المزارعين أنه حزب الغلابة والطبقات الدنيا.
أما بالنسبة لاقتصاد سويسرا فحدث ولا حرج، وهي من أعلى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج القومي، إذ يصل المتوسط إلى 8500 دولار شهريا، وهي من كبريات الدول من حيث الاقتصاد في العالم، ويكفي أن هناك فائضا سنويا مقداره 19 مليار فرنك سويسري.
تستطيع الإمارات أن تكون مثل سويسرا لو كان قرار الحكام أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة تسعى لرفاهية شعبها ولا تتدخل سلبيا في محيطها والمحيط الأبعد منه مثلما تفعل الآن.
لا يوجد نزاع ولا حرب في المنطقة العربية إلا واسم الإمارات موجود، وبطبيعة الحال لا تقف الإمارات مع تطلعات الشعوب، بل هي مرادف وملاصق وقرين لكل مستبد وقاتل لشعبه ومثير للفتن ومقوّض للاستقرار، فهي شريك وما زالت شريكا في حرب السعودية على اليمن الشقيق رغم مرور عشر سنوات على اندلاعها، ولا يبدو في الأفق أي بوادر لوقف تلك الحرب المدمرة، بل وبمرور الوقت يزداد التورط الإماراتي وتظهر النوايا والمطامع الإماراتية في اليمن؛ إن بحثا عن الموانئ أو سرقة للتراث والتاريخ.
في السودان الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن الإمارات والذي يعاني من أوضاع سياسية واقتصادية لا تخفى على أحد، وبدلا من مد يد العون لدولة شقيقة، اقترن التدخل الإماراتي بالعنف وتسليح المتمردين وإيواء حكومة ظل، كل ذلك لأن النظام العسكري الحاكم استعان بالمؤتمر الشعبي الذي كان يحكم سابقا لمواجهة متمردي قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، الذي ينقل الذهب السوداني إلى الإمارات أولا بأول. لم تُقم الإمارات أي اعتبار للمصالح المصرية في السودان، وشنت حربا على الدولة والسلطة والشعب في السودان دونما أي اعتبار لروابط الدين والدم واللسان، كل ذلك على مرأى ومسمع من حكومة الانقلاب في مصر والتي سيطرت عليها الإمارات سيطرة تامة في السودان وكذلك في ليبيا المجاورة، وحين تسأل ما الذي تريده الإمارات؟ يأتيك الجواب بأن الإمارات أصبحت دولة عظمى في المنطقة وأن أبو ظبي أصبحت عاصمة القرار العربي، وبالتالي يحق لها أن تفعل ما تراه مناسبا لها وللمنطقة، ويحل لها مالا يحل لغيرها، فهذه هي لحظة الإمارات في التاريخ العربي المعاصر!!
وعلى مدار العامين الماضيين ومنذ انطلاق طوفان الأقصى، وقفت الإمارات موقفا عدائيا ضد المقاومة وكان موقفها معلنا وواضحا وصريحا ووقحا، ولم يكن موقفها مناوئا للمقاومة ومعارضا للحرب الصهيونية على القطاع، بل كان مناوئا للمقاومة ومؤيدا وبكل وقاحة للعدوان ومساندا -شأنه شأن معظم دول الخليج ومصر والأردن- لدولة الكيان ومنسقا معها على أعلى درجة من التنسيق السياسي والعسكري والأمني، وحين تبحث عن إجابة لسؤال ماذا تريد الإمارات؟ تسمع كلاما عن دور إقليمي وآخر عالمي، والحقيقة أن كل ذلك كلام فارغ، فالإمارات ليس بمقدورها أن تلعب دورا إقليميا ولا عالميا بغير إذن من أمريكا أو تنسيق مع دولة الكيان.
فقد وقعت الإمارات على اتفاقيات أبراهام، وكانت حجتها المعلنة أنها ترغب في تليين موقف دولة الاحتلال تجاه حق الفلسطينيين والدولة الفلسطينية والحد من إقامة المستوطنات، ثم فوجئنا بأنها تدعم الإبادة الجماعية والحرب النازية على شعب غزة وتساعد الاحتلال سياسيا واقتصاديا. وكلنا نعلم حجم التوسع الاستيطاني اليوم في الضفة الغربية، ونعلم أيضا أن الإمارات مثلها مثل سلطة الاحتلال لا تدعم حتى السلطة الوطنية وتتهمها علنا بالفساد وعدم القدرة على النهوض بمسئوليات شعبها، وذلك ترديدا لكلام سلطة الاحتلال للتهرب من مسئوليتها في إقامة الدولة الفلسطينية المشروعة.
تتمادى الإمارات في دعم كل ما هو ضد مصالح العرب والمسلمين، ويعتقد حكامها أن التعاون والشراكة مع أمريكا ودولة الاحتلال قد تشكل حائط صد ضد نوائب الدهر وتحولات الزمن ورغبات الشعوب، وهو أمر لا يقول به عاقل، فقد كانت علاقة شاه إيران بأمريكا مضرب المثل، ومع ذلك حين حدثت الثورة لم يجد الشاه مكانا يُدفن فيه بعد أن لفظته بلاده ولفظته أمريكا حيّا، واستقبله السادات ليعالَج في المستشفى العسكري قبل أن يموت ويُدفن في مصر، بعد أن تدخل السادات الذي رأى أنه من العيب ترك الشاه في مثل تلك الظروف بعد أن رفضته أمريكا ودولة تسير في ركبها.
ولو نظر حكام الإمارات إلى ما جرى من عدوان دولة الاحتلال على دولة قطر الشقيقة دون تدخل من أمريكا الموقعة لاتفاق شراكة استراتيجية مع قطر؛ لعلم هؤلاء الحكام أن الدور الذي يقومون به سينتهي بهم إلى كراهية واسعة النطاق، تتحول فيه الإمارات إلى دولة منبوذة كما دولة الاحتلال تماما، ولا أدري ما الذي يريدونه من كل ذلك؟
ربما الشيء الكبير الذي يدفعهم لذلك، أقول ربما، هو كراهيتهم لكل ما يمت للإسلام والعروبة بصلة، وأنه ربما اعتقد بعض حكامها أنها أكبر من تكون دولة صغيرة وأعظم من أن تكون دولة خليجية، وأضخم من أن تكون عربية ومسلمة، وأن مكانها الطبيعي بين دول العالم المتقدم. وهذا أمر جائز، بيد أنه لا التاريخ ولا الجغرافية ولا السلوك السياسي للحكم في الإمارات يساعدها على تحقيق ذلك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الحرب الإمارات اليمن السودان السودان اليمن الإمارات حرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمم المتحدة دولة الاحتلال فی السودان أن تکون کل ذلک
إقرأ أيضاً:
عبد الله الأحمد: «إي آند الإمارات» محفز رئيس للتحول الرقمي في الإمارات
دبي (الاتحاد)
في قلب المشهد النابض لمعرض «جيتكس العالمي للتقنية 2025» الذي اختتم فعالياته الأسبوع الماضي لم يقتصر حضور مجموعة «إي آند» على استعراض أحدث الابتكارات التقنية بل امتدّ ليجسِّد رؤية استراتيجية متكاملة تتقاطع فيها التكنولوجيا مع العلاقات المؤسسية عبر شراكات نوعية ومبادرات وطنية رائدة.
وقال عبد الله إبراهيم الأحمد، الرئيس التنفيذي للعلاقات الحكومية وكبار الشخصيات في شركة «إي آند الإمارات»، إن الشركة نجحت في ترسيخ مكانتها شريكاً موثوقاً في دعم المبادرات الحكومية، عبر بناء علاقات مؤسسية متينة مع الجهات التنظيمية، والمشاركة الفاعلة في صياغة السياسات الرقمية، بما يعزِّز من جاهزية الدولة للتحول الرقمي الشامل.
وأضاف: أبرمت الشركة عدد من الاتفاقيات النوعية مع الجهات الحكومية والمؤسسات، شملت مجالات الذكاء الاصطناعي السيادي، والأمن السيبراني، والمدن الذكية، وإنترنت الأشياء الصناعي، وقد ساهمت هذه الشراكات في تعزيز مكانة المجموعة محفِّزاً رئيساً للتحول الرقمي في دولة الإمارات، ومصدر ثقة للجهات الحكومية في تنفيذ المشروعات الحيوية.
وقال الأحمد: «نؤمن في «إي آند الإمارات» بأن الابتكار لا يتحقَّق بمَعْزِل عن التعاون المؤسسي، وأن بناء المستقبل الرقمي يتطلب شراكاتٍ استراتيجية ترتكز على الثقة، والشفافية، والرؤية المشتركة، ومن خلال علاقاتنا الحكومية، نعمل على تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس يخدم المجتمع، ويعزِّز من تنافسية دولة الإمارات عالميّاً».
وأكَّد الأحمد قائلاً: «لا تقتصر مسؤوليتنا على تقديم حلول تقنية، بل تشمل أيضاً دعم السياسات الوطنية، وتمكين الجهات الحكومية من الاستفادة من قدراتنا في الابتكار، بما يضمن تحقيق أهداف الدولة في بناء اقتصاد معرفي مُسْتَدَام قائم على الثقة والسيادة الرقمية».
وأضاف الأحمد: «تَتَمَحْوَر رؤيتنا حول بناء شراكات استراتيجية تخدم الأهداف الوطنية الكبرى، وعلاقاتنا مع الجهات الحكومية هي بمثابة تحالفات استراتيجية نعمل من خلالها على تصميم مستقبل القطاع الرقمي، لذلك فإن معظم تقنياتنا التي تم عرضها «جيتكس جلوبال 2025» تجد طريقها إلى جميع مؤسسات حكومة دولة الإمارات، لتقوم بدورها في خدمة تطوير القطاعات الحيوية ورفاهية المجتمع».