لجريدة عمان:
2025-10-22@03:19:09 GMT

حاجتنا إلى ثقافة التكنولوجيا

تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT

ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو تلك الظواهر المعيبة في أساليب تعاملنا مع التكنولوجيا في عالمنا العربي بوجه خاص؛ ذلك أننا نعرف أن هناك أدبيات تتعلق بثقافة التكنولوجيا وأخلاقها التي تقنن أساليب التعامل معها وتدعونا إلى الالتزام بها، ولكننا في الوقت ذاته نرى في عالمنا العربي أن هذه الأدبيات المتعارف عليها يُضرب بها غالبًا عرض الحائط في نوع من الغفلة أحيانًا والجهالة في معظم الأحيان، والجهالة تعني الافتقار إلى الثقافة بوجه عام.

والحقيقة أن أسلوب التعامل مع التكنولوجيا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافة المرء، والرأي عندي هو أن الشعوب التي لا تصنع التكنولوجيا أو تسهم في صنعها هي عمومًا الشعوب التي تسيء استخدام التكنولوجيا: فمَن يصنع شيئًا يعرف الغاية التي من أجلها صنعه (حتى إن كان قد صنعه من أجل أغراض شريرة)، ولكن الآخرين الذين لا يصنعونه، ثم لا يعرفونه ولا يحسنون استخدامه يكونون في تعاملهم معه أشبه بالأطفال الذين يعبثون بالأشياء من حولهم. وكأنها لعبة يلهون بها. والواقع أن إساءة استخدام التكنولوجيا لها تجليات عديدة في عالمنا العربي لعل أشهرها وأهمها إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وإساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في واقعنا الراهن. وسوف أحاول باختصار الكشف على التوالي عن أهم مَواطن الخلل في التعامل مع كلا المجالين:

لا شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي هي من أهم إنجازات التكنولوجيا في حياة الناس الإنسانية والعملية أيضًا؛ لأن هذه المواقع قد سهلت عملية الاطلاع على المعلومات والأخبار المتداولة يوميًّا، بل لحظة بلحظة، كما أنها سهلت عملية التواصل مع الأحبة من الأقرباء والأصدقاء، خاصةً حينما يكونون في أمكنة نائية عنا. من أشهر هذه المواقع: الفيس بوك والواتس آب. ولكن حتى من هذه الناحية؛ فإننا يمكن أن نتساءل: هل ساهمت هذه المواقع بالفعل في تحقيق تلك الغايات من خلال استخدامنا لها في واقعنا العربي المعيش؟ الواقع الذي نراه في حياتنا اليومية أن استخدام أكثر الناس لهذه المواقع قد أثر تأثيرًا سلبيًّا على العلاقات بين ذوي القربى والأحبة، وعلى القيم الاجتماعية التي كانت كائنة فيما بينهم؛ فقليل الكلام عبر هذه المواقع يكفي عوضًا عن اللقاءات الحميمة بينهم، وعما كان يجمعهم في الأفراح والأتراح والمناسبات الاجتماعية العديدة كالأعياد وغيرها. بضع كلمات تكفي بديلًا عن الحضور الحي للشخص نفسه!

وهناك سوءة أخرى شائعة في استخدام هذه المواقع، وهي أنه قلما -بل من النادر جدًا- أن يتم استخدام هذه المواقع في إشاعة علم أو فكر أو فن ما، بل يتم استخدامها عادةً من أجل ترويج المستخدم لنفسه.

ولا شك في أن ترويج المستخدم لنفسه ربما يكون سلوكًا مشروعًا إذا كان يتعلق بإشاعة علم أو فكر أو فن ما أو تبادل الخبرات أو حتى طرفة ما من الطرائف، ولكن الشائع هو أن معظم المستخدمين يروجون بشكل يومي لأمور شخصية اعتيادية أو لأخبار تافهة تتعلق بممارساتهم في الحياة اليومية؛ ولذلك فإنهم يبحثون عن اللايكات (أو علامات الإعجاب)، بل يعرفون المقولات والصور التي يمكن أن تجتذب الإعجاب والمتابعة (ويمكن أن نلاحظ هنا ـ بشكل عارض ـ أن الصور تتفوق دائمًا على المقولات أو الكلمات من حيث القدرة على اجتذاب الإعجاب، وهذه الملاحظة العامة والعارضة ربما تستحق تأملًا خاصًا بها في سياق آخر).

وبذلك نجد أن هذه المواقع في عالمنا ـ خاصةً الفيس بوك ـ تبدو مزدحمة بالكثير من التفاهات التي يجب الاستغناء عنها، بل إنك قد تجد نفسك مقحمًا داخل موقع يقوم بإنشائه شخص ما، فتجده مرتعًا لكل من هب ودب، ولكل من يريد أن ينشر شيئًا ما وإن كان تافهًا. ولا غرابة في أن هؤلاء يمضون ساعات بالليل والنهار في متابعة هذه المواقع والتعامل معها بما لديهم من أساليب الاستخدام الاحترافي للتكنولوجيا، ولكنهم في الحقيقة يكونون غافلين عن أن مثل هذا الاستغراق الدائم يصيبهم في النهاية بحالة من التبلد الذهني والسطحية التي تصبح سمة لشخصياتهم.

الأخطر من ذلك هو سوء استخدام الذكاء الاصطناعي الذي أصبح أكثر أشكال التكنولوجيا فتنةً في عصرنا. ولا أريد أن أتحدث هنا عن مخاطر الذكاء الاصطناعي على التعليم والبحث العلمي والإبداع عمومًا (فلقد سبق أن تناولت ذلك كله في مقالات عديدة بهذه الجريدة الرصينة)، وإنما أريد أن أقتصر هنا على التنويه إلى التأثير الاجتماعي الضار بسبب سوء استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصةً لدى أجيال الشباب ممن يفتقرون إلى الثقافة أو إلى التواصل الاجتماعي الحقيقي في واقعهم المعيش.

ومن ذلك أننا أصبحنا نجد أشخاصًا يتواصلون مع الذكاء الاصطناعي أو الآلي بأن يسألونه أسئلة ليجيب عنها من قبيل: هل يصلح هذا الشخص لأن أتزوج به؟ أو تسأل فتاة ما الآلة (بدلًا من أمها) عن الكيفية التي ينبغي أن تتصرف بها حيال موقف أو خلاف ما مع صديقتها؟ وهنا يحق لنا أن نتساءل: ما الذي يخلق هذه الحالة من سوء الاستخدام: هل هو الواقع نفسه أم الآلة نفسها؟ لا شك في أن تراجع ثقافة التواصل الاجتماعي في الواقع المعيش يرجع إلى عوامل عديدة، ولكن المؤكد أيضًا أن سوء استخدام الذكاء الاصطناعي بذلك النحو يسهم في تراجع هذه الثقافة، ومن ثم في ضعف الصلات الاجتماعية بين الناس؛ ولذلك فإن هناك حاجة ملحة إلى تقنين آليات استخدام هذا الذكاء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: استخدام الذکاء الاصطناعی التواصل الاجتماعی هذه المواقع فی عالمنا

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة القاهرة يكشف تحديات الذكاء الاصطناعي

كشف الدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة، عن التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي. 

رئيس الجامعة الأمريكية: يجب استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم التفكير الابداعي جامعة القاهرة تناقش مستقبل التعليم العالي في ظل الذكاء الاصطناعي

جاء ذلك خلال جلسة الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم العالي ضمن فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر جامعة القاهرة الدولي الأول عن الذكاء الاصطناعي، المقام اليوم الأحد، داخل الحرم الجامعي. 

وأوضح رئيس جامعة القاهرة، أن التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالى، تشمل: البنيو التحتية للجامعات، والكوادر البشرية المدربة والمؤهل للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتمويل والاستدامة،  وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعى فى مجال التعليم العالي. 

وقال رئيس جامعة القاهرة إن القيادة داخل المؤسسات التعليمية تُعد ركيزة اساسية لضمان استمرارية التميز والتطوير ، موضحا أن القائد المؤثر يمتلك رؤية مستقبلية، ويحث زملاءه على الإبداع والابتكار، ويحول الأفكار إلى انجازات، ويمتلك رؤية استشرافية للمستقبل.

توصيات استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي 

وناقشت الجلسة التحولات الجذرية التي يشهدها التعليم العالي في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ودور القيادة الجامعية في توجيه هذه التغيرات نحو بناء منظومة تعليمية أكثر مرونة وكفاءة وجودة، كما تناولت نماذج التدريس والتعلّم المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وقضايا نزاهة التقييم الأكاديمي، والتخصيص واسع النطاق لمسارات التعلم، وتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس.

واستعرض المتحدثون، خلال الجلسة، آفاق تسريع البحث العلمي عبر أدوات الذكاء الاصطناعي التحليلية، وبناء بيانات مؤسسية داعمة للابتكار، مؤكدين أهمية تطوير سياسات واضحة للاعتماد والجودة، وضمان الخصوصية والشمول والمساواة في الفرص التعليمية.

كما طرح المتحدثون بالجلسة، رؤية متكاملة لحوكمة البيانات الرقمي داخل الجامعات،  ووجود ميثاق أخلاقي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات ، وضرورة سد الفجوة في المناهج التعليمية، ومدى تأثير الذكاء الاصطناعي على التعاون الدولي.

وجاءت أبرز توصيات الجلسة على النحو التالي: بناء قدرات القيادات الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس والطلاب في مجال الذكاء الاصطناعي، ودمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي والتفكير النقدي داخل المناهج الدراسية، وإعادة النظر في معايير الحوكمة والاعتماد والجودة، وتشجيع التعاون المؤسسي الاقليمي والدولي لسد الفجوة التعليمية، ووضع إطار حوكمة واضح للذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات، وإشراك الطلاب في رسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي للإستفادة من أفكارهم الإبداعية وامتلاكهم  ملكات ومهارات استخدام التكنولوجيا الحديثة.
 

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يدخل جيبك.. خوارزميات تحدد كم يجب أن تدفع؟
  • استخدام الذكاء الاصطناعي في سياق الاتصال المؤسسي الحكومي
  • تفاصيل هاكاثون الذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا المالية
  • دليل رويترز.. 3 خطوات لدمج الذكاء الاصطناعي بغرف الأخبار
  • ضوابط استخدام طلاب المدارس لأدوات الذكاء الاصطناعي
  • باحثون: صور الذكاء الاصطناعي للجوع والعنف عنصرية وتعيد إنتاج التحيز الاستعماري
  • رئيس جامعة القاهرة يكشف تحديات الذكاء الاصطناعي
  • رئيس الجامعة الأمريكية: يجب استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم التفكير الابداعي
  • التكنولوجيا في خدمة الآثار.. كيفية استخدام المتحف الكبير الذكاء الاصطناعي في العرض؟