كيف تحصن مدخراتك من تقلبات الأسواق في الأزمات المالية؟
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
في كل أزمة مالية، يقع المدخرون العاديون ضحية صراع أكبر يدور بين مستثمرين كبار وكيانات مالية ضخمة ودول باقتصادات كبرى، ولا يعرف هؤلاء كيفية التعامل مع هذه الأزمات وحماية مدخراتهم من التآكل جراء التقلبات الحادة في الأسواق والتضخم، وانهيار العملات التقليدية والأنظمة المالية.
تعتمد إستراتيجية الحفاظ على المدخرات، أساسا على مبدأ حفظ رأس المال، وكيفية التركيز على الأصول المادية وتجنب المخاطر الهيكلية المتزايدة في النظام المالي العالمي، وسط أخطار متعددة تفوق قوة الأفراد وتحتاج إلى الوعي أولا بهذه المخاطر وبكيفية التعامل معها ثانيا.
يرى الخبير الاقتصادي مازن إرشيد -في حديث للجزيرة نت- أنه يجب أن يكون هدف الناس العاديين في الأزمات الاقتصادية وتقلبات الأسواق حماية قيمة أموالهم، وليس البحث عن أرباح كبيرة؛ فعندما تكون الأسواق غير مستقرة يمكن أن تنخفض الأسعار بسرعة أكبر من ارتفاعها، لذلك من الأفضل التركيز على تقليل المخاطر والمحافظة على المدخرات.
لا تزال النظرة للنمو الاقتصادي العالمي مهزوزة رغم توقعات تسارع هذا النمو في 2026، ويعود ذلك إلى عدم اليقين المستمر وتأثير الحرب التجارية العميق، كما أدت عمليات طباعة الدولار بكميات كبيرة خلال جائحة كورونا، إلى معدلات تضخم مرتفعة في الولايات المتحدة، كان من نتائجها انتهاج سياسة نقدية متشددة للاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) مستمرة حتى اليوم، كل ذلك أدى إلى تباين حاد بين مؤشرات النمو والمخاطر الهيكلية التي ترتفع شيئا فشيئا.
ووفقا لتقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فإن التقرير يحذر من ارتفاع تقييمات الأصول بشكل مبالغ فيه، ومن شأن ذلك زيادة احتمال حدوث تصحيحات سعرية حادة.
إعلانكما أن الضغوط على أسواق السندات السيادية تتزايد، ما يرفع حالة الشك في القدرة على تحمل الديون السيادية للدول المثقلة بها.
التنامي المتزايد لدور المؤسسات المالية غير المصرفية مثل: شركات الائتمان الخاص -والتي نمت بشكل كبير بعد الأزمة المالية 2008- يثير قلقا كبيرا، حيث تتعرض هذه المؤسسات لمخاطر مرتفعة مع مستويات تنظيمية أقل مقارنة بالبنوك التقليدية، كما أن أي فشل فيها قد يتنقل إلى القطاع المصرفي التقليدي.
السندات والأسهم بلا بريقبسبب التضخم المزمن منذ جائحة كورونا فقدت السندات بريقها أو جاذبيتها كملاذ آمن في فترات الركود والأزمات، عندما أدت أزمة كورونا وموجة التشديد النقدي للاحتياطي الفدرالي إلى انهيار متزامن للأسهم والسندات عام 2022، فخسرت سندات الخزانة الأميركية أجل 10 سنوات نحو 18% من قيمتها، بينما خسرت سندات الشركات الأميركية نحو 15.5%، بحسب تقارير أداء سندات الخزانة وسندات الشركات لعام 2022 الصادر عن وكالة "بلومبيرغ".
وبين عامي 2024 و2025 زاد تراجع الثقة بالسندات وارتفعت العوائد ارتفاعا قياسيا بفعل الديون الأميركية والانقسام السياسي إضافة إلى تراجع ثقة المستثمرين، وكل ذلك شكك في الدولار كعملة احتياطية عالمية.
وقفزت عوائد السندات الأميركية أجل 10 سنوات في منتصف 2024 إلى أكثر من 5.2%، وهي الأعلى منذ عام 2007، ويبرز في قائمة أسباب هذه القفزة العجز المالي الذي وصل إلى 1.8 تريليون دولار، مع تكاليف خدمة الدين التي تجاوزت 514 مليار دولار سنويا، وهذا ما أشاع تراجعا في ثقة المستثمرين حول قدرة الولايات المتحدة على سداد ديونها.
أدت خسائر السندات هذه إلى انقطاع العلاقة الممتدة بين السندات والأسهم وأخرجت السندات من قائمة أدوات التحوط ضد التضخم والسياسات المالية المتشددة.
أما الأسهم فيقول إرشيد: "من الأفضل تجنب شراء الأسهم لمن لا يملكون خبرة استثمارية كبيرة، خاصة أسهم شركة الذكاء الاصطناعي بسبب ارتفاع تقييماتها إلى مستويات غير مسبوقة، فبعض هذه الشركات يتم تداوله عند مضاعف ربحي يزيد عن 55 مرة، في حين أن المعدل الطبيعي كان يراوح بين 15 و20 مرة، وهذا يعني أن الأسعار الحالية تعتمد على توقعات متفائلة جدا، وإذا جاءت النتائج الحقيقية أقل من هذه التوقعات فقد يهبط السعر بحدة كما حدث في فقاعة الإنترنت عام 2000″.
الذهب.. مؤشر أزمة
صعود الذهب إلى مستوى تاريخي فوق 4000 دولار للأونصة وارتفاعه بـ60% منذ بداية العام، شكل هاجسا ورفع من حالة عدم اليقين، وعكس حالة القلق حول الاستقرار المالي واستمرار التوترات الجيوسياسية عالميا. بينما يذهب بعض المحللين إلى تبني فكرة أن زيادة الإقبال على شراء الذهب ترفع من توقعات حدوث أزمة اقتصادية كبرى.
ويعتقد إرشيد، أن الارتفاع الكبير في سعر الذهب بعد أن كان عند 2700 دولار بداية العام، يعكس خوف المستثمرين من التوترات السياسية والاقتصادية، لكنه في الوقت نفسه قد لا يكون مستداما حال تغيرت الظروف أو حدث استقرار، فقد نشهد هبوطا قويا في السعر كما حصل في 2011 و2020.
تعكس زيادة مشتريات البنوك المركزية من الذهب، وارتفاع إجمالي الطلب العالمي إلى 4974.5 طنا العام الماضي، رغبة لدى هذه البنوك في تنويع أصولها بعيدا عن المخاطر الناجمة عن الاعتماد على العملات الورقية.
إعلانكما نمت الأصول المدعومة بالذهب لصناديق المؤشرات بـ 222 طنا وبنسبة تجاوزت 6% خلال الربع الثالث من العام الجاري، بينما ارتفعت منذ بداية العام وحتى الشهر الحالي بـ 20%.
وتلعب مخاوف تراجع الدولار دورا مهما في تعزيز الشك حول هيمنة الدولار كعملة احتياطي للعالم، لا سيما مع ارتفاع الديون في الاقتصادات المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة، ما عزز من حضور الذهب وجاذبيته كملاذ آمن وعملة احتياطي موثوقة.
يربط مجلس الذهب العالمي بين مؤشر المخاطر الجيوسياسية العالمي وأسعار المعدن النفيس، فارتفاع بـ 100 نقطة أساس لهذا المؤشر يرفع الأسعار 2.5 %، ويدفع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وهشاشة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وعودة التوتر للمنطقة بشكل موسع قد يصل إلى إيران من جديد، باتجاه تعزيز حالة عدم اليقين.
المنطقة الآمنة للمدخرينفي خضم ما يعيشه العالم من تقلبات اقتصادية، يحتاج المدخرون العاديون إلى معرفة بعض الإجراءات الأساسية التي تحمي مدخراتهم وهي على النحو الآتي:
التقشف قدر الإمكان: فلا بد من ضبط النفس وعدم الشراء وفق اتجاهات عاطفية، مع العمل على تعزيز المدخرات قدر الإمكان. عدم اتخاذ قرارات كبرى: التركيز بدلا من ذلك على هدف حفظ المدخرات وليس تنميتها. الاحتفاظ بسيولة مالية كافية: لتجنب الأزمات دون الحاجة لبيع أصول قوية في وقت غير مناسب. تجنب الديون: وخاصة ذات الفوائد المرتفعة منها، مع العمل على التسديد المبكر لها -إن وجدت- لتجنب ارتفاع الفوائد وخدمة الدين.يتصدر الذهب قائمة أدوات التحوط ضد المخاطر والأزمات تاريخيا، لكن يجب الانتباه إلى الاحتفاظ به بشكله المادي الملموس، مثل السبائك والعملات الذهبية، ما يمنح المدخر الملكية المباشرة لما يملكه من الذهب وحرية التصرف فيه حال انهيار النظام المصرفي، وعلى العكس من ذلك فإن شراء الذهب على شكل شهادات تتتبع سعر الذهب، قد يؤدي وقت الأزمات إلى عدم قدرة هذا النظام على إرجاع الودائع والأموال، وما قد تسببه حالات الهلع من عجز للنظام المصرفي جراء عمليات البيع الضخمة، إضافة إلى عدم امتلاكه كميات كافية من الذهب الحقيقي تغطي أرصدة المستثمرين.
وبعد امتلاك الذهب المادي إذا كان لا بد من الاستثمار فيه فيجب الالتزام بقاعدة مهمة، هي الشراء عندما يقوم الناس بالبيع والعكس صحيح.
أما النسبة الأفضل من الأموال التي يمكن أن يخصصها الناس العاديون لشراء الذهب، فإن إرشيد يوصي بأن تكون بنسبة محدودة تراوح بين 10 إلى 15% كوسيلة للحماية وليس الاستثمار.
البنوك مصدر خطربقاء الأموال النقدية (السائلة) على شكل مدخرات أو ودائع في البنوك وضمن الدورة المالية لها، يعرض المدخر لخطر فقدان هذه الأموال كما حدث في لبنان عام 2019، وما خلفته أزمة الودائع من عجز للنظام المصرفي عن الاستجابة لطلبات سحب المدخرات والودائع، بل وتقنين عمليات السحب من خلال سقف سحب بالعملة المحلية.
وما يعزز الشعور بعدم الثقة تجاه البنوك، هو ما كشفته دراسة لمعهد ستانفورد لأبحاث السياسات الاقتصادية "إس آي إي بي آر" تتحدث عن النظام المصرفي الأميركي الأكبر في العالم في مواجهة سحب الودائع، ولماذا أصبحت البنوك الأميركية معرضة للانهيار، ففي عام 2023 كشف انهيار بنك وادي السليكون “SVB” أن الفشل لم يكن من خسائر الأصول، بل لكون 92.5% من ودائعه غير مؤمنة، ما أدى لحالة هلع جماعية لدى المودعين واندفاعا لسحب أموالهم ما تسبب في انهيار البنك.
كما كشفت الدراسة، أن القيمة السوقية الفعلية لأصول النظام المصرفي الأميركي كانت أقل من القيمة الدفترية، وأن نحو 190 بنكا أميركا ذات أصول قدرت بـ 300 مليار دولار معرضة للانهيار إذا قرر نصف المودعين غير المؤمن عليهم سحب ودائعهم.
تنويع الأصول الآمنة
واحدة من أهم أدوات حماية رأس المال، هي تنويع الأصول الآمنة والاستثمار طويل الأمد في الأراضي والعقارات، وإذا كانت هذه الأصول مدرة للدخل فستكون ميزة إضافية تساعد على حفظ قيمة المدخرات وزيادتها في مواجهة التضخم طويل الأمد وفي تخطي الأزمات.
إعلانكما أن ضعف تأثر هذه الأصول بتقلبات الأسواق وارتفاع قيمتها مع التضخم يعزز من أهمية هذه الأدوات، لكن يجب الانتباه إلى أن الاستثمار في العقارات هو استثمار طويل الأمد وقد تستغرق عملية تسييل هذا النوع من الأصول وقتا ليس بالقليل وترويا للحصول على أفضل نتيجة.
وأحيانا قد تعاني هذه الأصول مثل الأراضي من انخفاض في قيمتها خلال فترات الركود، ولذلك فهي أصول للاستثمار طويل الأمد.
الاستثمار الآمنيؤكد إرشيد على أنه من الأفضل للناس العاديين تجنب الدخول في موجات المضاربات، أما إذا رغبوا في الاستثمار مع درجة عالية من الأمان، فيقدم إرشيد وصفة اقتصادية تقوم على توزيع أموالهم بحذر بين السيولة النقدية التي تتيح فرصة شراء الأصول عندما تنخفض الأسعار من القاع بدلا من القمم السعرية، والذهب بنسبة محدودة، إضافة للسندات قصيرة الأجل خصوصا في الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا، فعائدات الخزانة الأميركية لمدة سنة واحدة وصلت إلى 4.30% خلال الشهر الجاري، وهذا العائد يعتبر جيدا لمن يريد حماية أمواله مع عائد معتدل، كما يمكن الاحتفاظ بجزء من المدخرات بعملات قوية مثل الدولار الأميركي أو الفرنك السويسري لتقليل مخاطر انخفاض قيمة العملات المحلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الولایات المتحدة طویل الأمد
إقرأ أيضاً:
استقرار أسعار الذهب بنهاية تعاملات اليوم الأربعاء في الأسواق المحلية
شهدت أسعار الذهب في مصر استقرارًا نسبيًا بنهاية تعاملات اليوم الأربعاء داخل محال الصاغة، وسط حالة من الهدوء في حركة البيع والشراء، بالتزامن مع استقرار الأوقية عالميًا في بورصة المعادن عند مستوياتها الأخيرة، وترقب المستثمرين لبيانات الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة.
وتحرص بوابة الوفد الإلكترونية على متابعة حركة أسعار الذهب لحظة بلحظة في الأسواق المحلية والعالمية، لتزويد قرائها بكل جديد يخص سوق المعدن الأصفر. وجاءت أسعار الذهب اليوم الأربعاء بنهاية التعاملات على النحو التالي:
عيار 24: 3680 جنيهًا للجرام
عيار 21: 3220 جنيهًا للجرام
عيار 18: 2760 جنيهًا للجرام
عيار 14: 2150 جنيهًا للجرام
الجنيه الذهب: 25,760 جنيهًا
أوقية الذهب العالمية: 2370 دولارًا تقريبًا