د.هبة النجار تكتب: مصر.. وطن السلام
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
لم تكن مصر يومًا دولةَ أطماعٍ أو مغانم، بل كانت وما زالت أمَّ النبلاء، وحاضنةَ الرسالات، وصانعةَ المواقف التي تُعيد للعالم اتزانه وإنسانيته.
وفي وقتٍ تعالت فيه أصواتُ السلاح، وتغيبت الحكمةُ خلفَ غبارِ الصراع، ظلُّت مصرُ – أرضُ الأنبياء ومهدُ الحضارات – منارةً للسلام، وضميرًا للعدل، وصوتًا للإنسان حين يضيع صوته بين طبول الحرب.
فالسلامُ في وجدان أبناء الكنانة هو عقيدةٌ راسخةٌ تنبع من إيمانٍ عميقٍ بأن العدل هو الأصل، وأن الكرامةَ الإنسانية لا تُجزَّأ، وأن القوةَ الحقيقية تكمن في الرحمة لا في البطش.
ومنذ أن تَولّى فخامةُ الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية القيادة، اتّخذ من السلام منهجًا ومن الإنسانية مبدأً؛ فكانت مصر تحت رايته صوتَ العقل حين يصمت الآخرون، ودرعَ الضعفاء حين يخذلهم العالم.
قاد فخامته معارك الدبلوماسية بثباتٍ ورؤيةٍ رصينة، جاعلا من الحقِّ بوصلةً، ومن الكلمةِ سلاحًا، ومن التنمية طريقًا لسلامٍ دائمٍ تُعمَّر به الأوطان وتُصان به الكرامة.
وفي مواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وقف الرئيسُ السيسي موقفَ النبلاء، رافضًا سلامَ الاضطرار أو تهجيرَ شعبٍ من أرضه، مؤكّدًا أن السلامَ الحقَّ لا يُبنى على جثث الأبرياء، ولا يزدهر في ظلِّ احتلالٍ أو قهر.
وقال فخامته من قلب القاهرة: إن السلام العادل هو وحده الذي يحفظ الكرامة ويعيد الحقوق إلى أصحابِها، ويمنح الشعوب أمنها في أرضها.
وهكذا، ظلت مصر – بقيادتها الحكيمة – منارةً للإنسانية وصاحبةَ الكلمة الوازنة، لا تنحازُ إلا إلى العدل، ولا تنطقُ إلا بالحق، ولا تسعى إلا إلى ما يُعلي من شأن الإنسان وكرامته.
إن أبناء هذه الأرض الطيبة هم جنودُ السلام الحقيقيون؛ يُطفئون نيران الكراهية، ويغرسون الأمل، ويصنعون بالرحمة مجدًا لا تصنعه المدافع.
إنها مصر وسيظل صوت مصر – ما بقي الليلُ والنهار – صوتَ السلام في عالمٍ مضطرب، وصوتَ العدل في زمنٍ تباينت فيه الاتجاهات والمسارات.
فمن أرضها المباركة، خرج نداء السلام إلى العالم أجمع عبر تاريخها وحاضرها، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وفي نهاية هذا المقال: أدعو الله أن يأتي يوما نرى فيه أطفال غزة يمرحون ويلعبون مثل أطفال الدنيا، يلوحون
للسلام بأغصان الزيتون، ويتنفسون تراب الوطن، ويرسمون بأيديهم الصغيرة، فجر سلام جديد.
﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أرض الأنبياء مهد الحضارات الرئيس عبد الفتاح السيسي
إقرأ أيضاً:
د. أمل منصور تكتب: هل نحن نحب من يُشبهنا أم من يُكملنا ؟
قد نلتقي بمن يشبهنا فنشعر كأننا ننظر إلى مرآة مريحة، ونتنفس أخيرًا في مساحة يفهمنا فيها أحد دون شرحٍ طويل. وقد نلتقي بمن يختلف عنا فنشعر بأننا نحيا من جديد، كأننا أمام لونٍ جديد للحياة لم نكن نعرفه. وبين الراحة التي يمنحها التشابه، والإثارة التي يوقظها الاختلاف، تتأرجح قلوبنا في رحلة الحب باحثةً عن إجابة لا تنتهي: هل نحبّ من يُشبهنا أم من يُكملنا؟
من يُشبهنا يمنحنا الأمان، ويعيد إلينا صدى أفكارنا في صوته، فيبدو كأننا وجدنا ذواتنا فيه. نتفق في الميول، في الإيقاع، في التفاصيل الصغيرة التي تجعل العِشرة أسهل، وتُقرّب المسافات دون مجهود. فالتشابه يخلق لغة مشتركة، تُغنينا عن كثيرٍ من التوضيح وسوء الفهم، لأننا ببساطة نُدرك بعضنا بنفس الطريقة ونحمل ذات المعاني خلف الكلمات. وربما لهذا، يُقال إن أكثر العلاقات استقرارًا هي تلك التي يتقارب فيها الطرفان في الطباع والقيم والرؤية للحياة.
لكن حبّ التشابه، على جماله ودفئه، قد يُصبح مع الوقت دائرة مغلقة لا نرى خارجها. فحين يتطابق كل شيء، يغيب التحدي الذي يدفعنا للنمو، وتغيب المفاجأة التي تُبقي الشغف حيًّا. كثير من العلاقات المستقرة ظاهريًا تفقد بريقها لأنها لم تعد تعرف جديدًا يُضاف إلى أيامها. الحبّ الذي يقوم على التشابه وحده قد يتحول إلى راحة زائدة تقتل الدهشة، وإلى تكرار يجعل كل يوم يشبه الذي قبله.
أما المختلف… فهو الوجه الآخر للحبّ، الوجه الذي لا يمنحك الراحة لكنه يشعل فيك الحياة. ننجذب إلى المختلف لأن في داخله ما نفتقده في أنفسنا، كأننا نحاول أن نُكمل بناقته نقصنا الداخلي. العقلاني يفتن بالعفوية، والخجول ينجذب إلى الجريء، والمتحفظ ينبهر بمن يقول ما لا يجرؤ هو على قوله. الاختلاف في الحبّ يوقظ الحواس، ويجعل العلاقة تجربة تُغنينا وتكسر رتابة العادة. لكنه، في الوقت ذاته، قد يتحول إلى ساحة اختبار صعبة. فالمسافة بين الإعجاب بالاختلاف والتصادم معه قصيرة جدًا.
كثير من قصص الحب تبدأ بالانبهار وتنتهي بالتعب، لأن ما كان سحرًا في البداية أصبح سببًا في الجدل لاحقًا. فالعقلاني الذي أحبّ تلقائية شريكته قد يراها بعد حين اندفاعًا، والعفوي الذي أحبّ اتزان الطرف الآخر قد يراه لاحقًا برودًا. وهكذا، يتحول ما جذبنا يومًا إلى ما يرهقنا لاحقًا، إذا لم نتعلم كيف نتعايش مع اختلافه دون أن نحاول تغييره.
في الحقيقة، الحبّ الناضج لا يقوم على أحدهما فقط. لا على التشابه وحده ولا على الاختلاف وحده، بل على التوازن بين الاثنين. فالتشابه يمنح العلاقة جذورها، والاختلاف يمنحها أجنحتها. نحن بحاجة إلى من يشاركنا القيم ذاتها والرؤية العامة للحياة، كي يكون أساس العلاقة ثابتًا، لكننا بحاجة أيضًا إلى من يختلف عنا قليلًا ليُعيد إشعال المعنى ويذكّرنا بأننا ما زلنا نتعلّم.
العلاقات التي تنجح ليست تلك التي يتطابق فيها الطرفان كصورتين متكررتين، ولا تلك التي تتنافر حتى الإرهاق، بل تلك التي يتقابل فيها الشبه والاختلاف في نقطة توازن دقيقة. في الحب الناضج، لا نحاول أن نصهر الآخر في قالبنا، ولا نذوب نحن فيه، بل نتجاور كما تتجاور الألوان في لوحة واحدة: لكل لون وجوده وخصوصيته، ومع ذلك لا تكتمل اللوحة إلا بهما معًا.
كثير من الناس يظنون أنهم يبحثون عن "نصفهم الآخر"، بينما هم في الحقيقة يبحثون عن "نسختهم المريحة". لكن الحب ليس نسخة، بل لقاء بين اثنين يملكان الجرأة على أن يتقبلا اختلافاتهما بصدق. فأن تحبّ من يُكملك لا يعني أن تبحث عمّن يُكمل نقصك، بل من يُلهمك لتصبح نسخة أوسع من نفسك. ومن يُشبهك لا يعني أن تكتفي بمرآةٍ تراك كما أنت، بل بشريكٍ يُعيد تعريفك بطريقة أكثر نضجًا ووعيًا.
الحبّ الحقيقي، في جوهره، هو رحلة تطور، لا مساحة راحة فقط. من يُشبهك يذكّرك بمن أنت، ومن يُكملك يُذكّرك بما يمكنك أن تكونه. والاثنان معًا ضروريان لتظل العلاقة متوازنة بين الاطمئنان والنمو، بين السكينة والحيوية.
إننا لا نحب من يشبهنا تمامًا، لأننا سنملّ صدى أصواتنا. ولا نحب من يختلف عنّا تمامًا، لأننا سنفقد القدرة على التواصل. نحن نحبّ من يلتقي اختلافه بتشابهنا في نقطة وسط، حيث نجد الراحة دون أن نفقد الشغف، ونجد التحدي دون أن نخسر الأمان.
نحن لا نحب من يشبهنا تمامًا، ولا من يختلف عنا تمامًا، بل من يجعل اختلافه يشبهنا بطريقة ما.