صعوبة الخروج من فخ الشعبوية
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
نحن نعيش في عصر الديماغوجيين (المُهرِّجين أو الغوغائيين) الشعبويين. وهذه ليست ظاهرة جديدة. لقد استخدم أفلاطون كلمة «ديماغوجي» في نقده للديمقراطية في كتابه «الجمهورية». وكان مصيبًا في وصفه لها بأنها كعب آخيل (نقطة ضعف) الديمقراطية. نحن نشاهد هذا المهدد في بلدان عديدة اليوم؛ فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ديماغوجي شعبوي يميني كلاسيكي.
وكما لاحظ زميلي جوئيل سوس (صحفي بيانات في الفاينانشال تايمز) الشعبوية مؤذية اقتصاديًا وأيضًا سياسيًا، ويتجسد مدى ضررها في مصير الأرجنتين التي ابتليت بالشعبوية منذ حكم الرئيس هيبوليتو اريجوين في عام 1916؛ فمنذ تلك الفترة تراجع ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد إلى النصف قياسًا بالولايات المتحدة ومن خمسة أضعاف هذا الناتج في البرازيل إلى ما يساوي واحد وربع حاليا.
الورقة التي يشير إليها سوس في مقاله عن الشعبوية تركز على هذه الآثار الاقتصادية. وهي بعنوان «القادة الشعبويون والاقتصاد» ومن إعداد مانويل فونكس وموريتز شولاريك وكريستوف تريبش.
تؤكد الورقة، اتباعًا للإجماع الحالي، أن «الشعبويين يضعون سردية ـ الشعب ضد النخب ـ في مركز أجندتهم السياسية.» ثم يزعمون أنهم الممثل الوحيد للشعب.، ويترتب عن ذلك ادعاؤهم بأن من يقفون ضدهم «أعداء الشعب».
قد لا يكون الشعبويون دكتاتوريين. لكن بما أن هتلر مدرج، عن حق، في قائمة القادة الشعبويين بالورقة من الممكن أن يكونوا كذلك بالتأكيد.
تغطي مجموعة البيانات في الورقة 60 بلدا من عام 1900 (أو الاستقلال) الى 2020. وهي تمثل أيضا 95% من إنتاج العالم في 1955 و2015 الى جانب 1482 زعيما بعضهم أكثر من مرة. تكشف البيانات حقائق عديدة؛ ففي عام 2018 بلغت الشعبوية ذروة سياسية. وإذا كان لبلد من البلدان زعيم شعبوي سيكون له في الغالب زعيم شعبوي آخر. فالأزمات الاقتصادية ترجِّح الحكم الشعبوي أكثر من غيره.
أيضا يميل الشعبويون الى البقاء في الحكم لحوالي 8 سنوات في المتوسط وضعف فترة حكم غير الشعبويين. وما هو بالغ الأهمية أن قلة من الشعبويين تخرج من الحكم بخسارة الانتخابات. لكن يشترك الشعبويون اليساريون واليمينيون في أنماط شبيهة لتولي الحكم والبقاء فيه والخروج منه. أخيرا، أمريكا اللاتينية وأوروبا ظلا تاريخيا مَوْطِنَي السياسة الشعبوية.
أهم نتيجة للتحليل هي الأقل إدهاشا. فالشعبوية كثيرا ما تطلقها من عقالها الاقتصاداتُ السيئة. ثم هي تجعل ما هو سيئ أصلا أسوأ. هذا يصح لنوعي الشعبوية اليساري واليميني. فالأول يهاجم النخب الاقتصادية والثاني الأجانب والأقليات والنخب السياسية التي تحميها.
كلا الشعبويتين تؤذيان الاقتصاد على الرغم من أن النسخة اليسارية أكثر ضررا اقتصاديا من اليمينية. فبعد 15 عاما لاحقا نصيبُ الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في البلدان التي خضعت للشعبوية اليسارية أقل بحوالي 15% من المستوى الذي كان ينبغي أن يكون عليه.
أما الخسارة المماثلة تحت حكم الشعبوية اليمينية فحوالي 10%.
تحبذ الشعبوية اليسارية فرضَ المزيد من الضرائب والضوابط الإجرائية وإعادة توزيع الثروة فيما تفضل الشعبويةُ اليمينيةُ القوميةَ الاقتصادية وخصوصا الحمائية. وكما هو متوقع، الشعبوية اليمينية هي الشكل الذي يفضله الأثرياء.
ومن الحتمي أيضا أن اليمينية الشعبوية تستغل المخاوف الثقافية. لكن من الخطأ استنتاج أنها جزء من قضاياها الرئيسية. فإثارة هذه المخاوف أيضا تكتيك لتشتيت الانتباه.
وفي حين تختلف الشعبويتان اليسارية واليمينية فعلا إلا أنهما تتشابهان في جانب واحد جوهري وهو بالتحديد عداؤهما للمؤسسات المستقلة كالمحاكم والجامعات أو البنوك المركزية. ففي هذا الجانب يلتقي جناحاها اليساري واليميني.
الديماغوجية باختصار، وكما حذر افلاطون قبل 2500 سنة، مرض خطير للديمقراطية. إنها مؤذية اقتصاديا عبر ميلها إلى الدفع نحو سياسات جذابة في المدى القصير ومضرَّة في المدى البعيد. وهي كثيرا ما تدوم لفترة طويلة أيضا وتفاقم الضرر بذلك. وما هو أهم إنها تلحِق الأذى بالمؤسسات الجوهرية للمجتمع الديموقراطي والبنية السياسية والاقتصاد وخصوصا حكم القانون الذي هو حصن الحرية والديموقراطية. بهذه الطُّرق تضعِف الشعبوية أيضا الثقةَ والصِّدقية.
هنالك حقيقتان تثيران القلق وهما ميل الأنظمة الشعبوية إلى البقاء لفترات طويلة وظهورها المتكرر. ومحنة الأرجنتين الحالية وثيقة الصلة بهذا الجانب.
الرئيس خافيير ميلي إذا تلطَّفنا في القول ليس أول زعيم يحاول إخراج الأرجنتين من تدهورها الاقتصادي الذي طال به الأمد. بالإضافة إلى ذلك يجد ميلي نفسه الآن على حافة الفشل، مثله في ذلك مثل أسلافه الذين حاولوا لعب هذا الدور.
أنا أشارك موريس اوبستفيلد كبير الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي رأيه الذي ضمَّنه ورقة حديثة واستبعد به نجاح خطة ميلي لخفض التضخم على أساس سعر الصرف (بتثبيته قيمة العملة الأرجنتينية ضمن نطاق محدد مقابل الدولار- المترجم.) فمثل هذه الخطط نادرا ما تنجح.
يقدم ماثيو كلاين حججًا مماثلة. فالأرجنتين تفتقر الى الالتزام الوطني والموارد أو الصدقية لتحقيق ذلك. يمكن أن تنجح الخطة إذا قدم دونالد ترامب تعهدًا مفتوحًا بعمل «كل ما يلزم» كما فعل ماريو دراغي يوم أن كان رئيسا للبنك المركزي الأوروبي في 2012. (إبان أزمة الديون السيادية في بلدان اليورو كاليونان، واسبانيا، وإيطاليا، أطلق دراغي عبارته الشهيرة «سأفعل كل ما يلزم» لاستعادة الثقة في العملة الأوروبية الموحَّدة ومنع انهيارها. ونجح في ذلك- المترجم.)
لكن يقينا ترامب لن يفعل ذلك. لقد بدأت الإدارة الأمريكية حربًا تجارية على البرازيل فلماذا تعتبر دعم الأرجنتين مصلحة استراتيجية وحيوية؟ قد ينقذ التمويل الذي تعرض أمريكا تقديمه صناديقَ تحوط قليلة. لكنه لن ينقذ الأرجنتين. (الدعم المالي المقدم من الولايات المتحدة للأرجنتين عبارة عن خط تبادل عملة بين الدولار وعملة البيزو الأرجنتينية بمبلغ 20 بليون دولار وخط ائتماني بنفس المبلغ يتيح لها الاقتراض عند الحاجة - المترجم).
ما يجب استعادته هو استقرار ونمو اقتصاد الأرجنتين. ثم يجب أن يدوم ذلك لفترة طويلة تكفي لبناء الثقة وسط رواد الأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب. لكن بعد حالات العجز عن سداد الديون والجهود العديدة الفاشلة لتثبيت الاقتصاد وإصلاحه لا يمكن القيام بذلك بين ليلة وضحاها. لا أحد حتى الآن حافظ على التفويض الشعبي في الأرجنتين لفترة طويلة تكفي لتحقيق ذلك. فهل سيكون مصير ميلي مختلفا.
(كسب الرئيس الأرجنتيني ميلي جولة الانتخابات التشريعية النصفية يوم الأحد الماضي وسيفيده ذلك في مواصلة تنفيذ خطته لكبح التضخم والتي يلزم بعدها إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ( المترجم.)
لا يتعلق هذا بإرث الإسراف المالي والنقدي في الأرجنتين. علينا أن ننظر إلى الصعوبة التي يواجهها دونالد توسك رئيس وزراء بولندا في التخلص من تجريف حكم القانون الذي ورثه من أسلافه. وعلى نحو مماثل لن يختفي إرث ترامب حتى إذا هُزمَت حركة «ماغا» في الانتخابات. فما دمره الشعبويون لا يمكن استعادته بسهولة. أسالوا الأرجنتينيين فقط.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
استقالة زبير بية من رئاسة النجم الساحلي بعد الخروج من الكونفيدرالية
قالت تقارير إعلامية في تونس اليوم الاثنين إن رئيس النجم الساحلي واللاعب الدولي السابق زبير بية قدم استقالته من منصبه.
وتأتي الاستقالة بعد خروج الفريق من كأس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكونفيدرالية)، بخسارته أمس الأحد بركلات الترجيح ضد نادي نيروبي يونايتد الكيني بعد فوز كل فريق على أرضه بالنتيجة ذاتها (2/0).
ويعاني النجم أيضا من أزمة مالية معقدة وسوء النتائج في منافسات الدوري التونسي حيث يحتل المركز 12 في جدول الترتيب بتسع نقاط في أعقاب الجولة 11، بتحقيقه لفوزين وخسارته في خمس مباريات وتعادله في اثنتين. وتنقص الفريق مباراة مؤجلة.
ومن المتوقع أن تدعو إدارة النادي الى اجتماع استثنائي في وقت لاحق لبحث وضعية الفريق بعد انسحاب بية.
ويعد زبير بية أحد أساطير النجم الساحلي، وكان شغل بداية من يوليو 2024 منصب رئيس هيئة تسييرية مؤقتة في إدارة النجم ثم انتخب رسميا رئيسا للنادي في يوليو الماضي في ولاية تمتد حتى عام 2028.