فى الموروث من الأدب الشعبى مصطلحات فى غاية الدقة من حيث توصيفها لما تحمله من معنى، وفى هذا السياق خطر على بالى مصطلح «كدَّاب الزفة» لا أعرف لماذا تذكرته؟ هل لكثرة «كدَّابين الزفة» من حولنا؟ أم لأن الحالة تسمح بأدوار عدة لنسخ جديدة ومبتكرة من «كدَّابين الزفة»؟
مصطلح «كدَّاب الزفة» عند تأصيله سنجده كان يُطلق على أشخاص بعينهم كانوا يُثيرون الضجة فى الأفراح والمناسبات، ويتقاضون أجرًا مقابل المشاركة فى الزفة، فيقومون بالتهليل والتصفيق وكأنهم من أهل الفرح، كان دورهم يقتصر على الحركات البهلوانية وإظهار الفرحة المصطنعة، لكنهم فى الحقيقة لا تربطهم أى صلة حقيقية بصاحب المناسبة، ويندرج تحت هذا المفهوم أيضا «المعدَّدات» فى المآتم، لتسخين الليلة لإشعار الحضور بالحزن والفقد، وهن أيضا غير معنيات بالفقد أو الفقيد، فقط يتقاضون أجرا مقابل لطم الخدود وشق الجيوب، والصراخ و«رصْ» الجمل المسجوعة على الفقيد من عينة: كان سيد الرجالة وكان زينة الشباب وهكذا.
                
      
				
فى سياق ليس ببعيد أتذكر موقفا فى غاية الطرافة حدث معى فى بداية عملى الصحفي, كنت قد دُعيت لحفل فى المركز الثقافى الفرنسى بمنطقة المنيرة وسط القاهرة وكانت مديرته وقتذاك الفنانة الجميلة المجتهدة لطيفة فهمي, كان حفلا للابتهالات والتواشيح الدينية ومختارات من الفن والموسيقى الشعبية المصرية, وجدت مبتهلا شابا من الصعيد يرتدى جلبابا صعيديا ويلقى التواشيح ومعه فرقة موسيقية صغيرة يرتدون أيضا جلابيب صعيدية ويمسكون آلات موسيقية حديثة، والحقيقة كانوا مجيدين، وكان المبتهل فى غاية الروعة وصاحب موهبة حقيقية، على المسرح بجانبه وقف ثلاثة يرتدون نفس الجلابيب وليست معهم آلات ولا ينطقون كلمة أويقولون مثلا جملا كتلك التى يرددها «الكورال»، هم فقط يصفقون بأيديهم فى القفلات أوعلى نغمة معينة، ويبقى كل ما يقدمونه مجرد تصفيق، وكانت كفوفهم عريضة حتى لتشعر كأن التصفيقة «هبدة متينة» وأفواه أكمام جلابيبهم واسعة، الحقيقة أنا على المستوى الشخصى وقتها لم أر أنهم أضافوا شيئا للحفل أو موسيقاه غير زحمة المسرح، وتصورت وجودهم مجرد «كِدب فى الزفة» لاسيما أنهم لا يعزفون ولا يغنون ولا يصفقون مثلا بطريقة تستشعر أنها موسيقية, بعد الحفل التقيت المبتهل - الذى كتبت عنه لاحقا مقالا مطولا وتواصلنا لفترة بعدها-، سألته: من هؤلاء الثلاثة من غير العازفين؟ فقال لى بالحرف الواحد: «بيتحوا»!!، لم أفهم الكلمة فى حينها- حيث قالها باللكنة الصعيدية- إلى أن شرحها لى قائلا: يعنى يقدمون التحية على طريقتهم.. ابتسمت.
فى الوقت الحالى لدينا نماذج جديدة ومبتكرة لـــ»كدَّابين الزفة» وللأسف يتصدرون المشهد دون علم أو موهبة، منهم من يتناثرون فى المناسبات يجاورون المسؤولين لا تعرف إن كان ذلك مصادفة أم أنهم يسعون لهذا التجاور, ونموذج آخر نجح فى اختراق دائرة القنوات الفضائية الإخبارية يظهر ليل نهار «يحلل «المشهد السياسى وينتحل صفة دكتور علوم سياسية وهو لم يدرس علوم سياسية ولم تخط أقدامه عتبة أى دراسات عليا وربما لم يحصل على شهادة عليا من الأساس, ومنهم من ينتحل صفة مستشار أو سفير أو خبير أوباحث فى الشأن الفلاني, أو ناقد ولا أحد يهتم.
نقلت وسائل التواصل الاجتماعى مؤخرا واقعة - لا أعلم مدى دقتها -عن «كدَّاب زفة» جديد, شخص - بحسب ما نُشر- ملأ نموذج الترشح لعضوية البرلمان وكتب أنه الإعلامى الدكتور فلان وأمام خانة المؤهل كتب أنه حاصل على «دبلوم صنايع» ودكتوراه ولا نعرف كيف اجتمع «دبلوم الصنايع» مع الدكتوراه فى خانة واحدة؟, وقبل أن نغادر سياق مواقع التواصل الاجتماعي, فبقليل من البحث لم تستغرق وقتا طويلا لتجد قائمة ممن يسمون أنفسهم إعلاميين وإعلاميات لم يسمع أحد عنهم شيئا ولا حتى عن قنواتهم التى يظهرون بها إن كانوا بالفعل يظهرون, الأمر بالفعل تحول إلى زفة كبيرة يكثر فيها «الكدَّابين».
دائما لدى وجهة نظر تتعلق بموضوع انتحال الصفة من قبل البعض والتعامل بلقب مزور لاسيما فى الإعلام حيث أرى أنه لابد من تقنين هذه المسألة ومعاقبة هؤلاء «الكدَّابين», ولفت نظر القنوات التى تفتح لهم نافذة ظهور, وتوصفهم بما ليسوا عليه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: يا خبر جديدة ومبتكرة من
إقرأ أيضاً:
اغتيال الصحافة
لم تكن كارولين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض وحدها التى استخدمت الأسلوب السوقى والسلوك المشين فى ردها على سؤال لمراسل صحيفة هافينجتون بوست حول سبب اختيار مدينة بودابست كموقع محتمل لقمة بين ترامب وبوتين.. بل تبعها فى ذلك وسار على نهجها فى التعامل مع الصحفيين رئيس دائرة الاتصال بالبيت الأبيض وكذلك المتحدث باسم وزارة الدفاع حتى أنهما استخدما نفس الجملة تقريبًا وهى «أمك من فعلت».
وهنا لا يمكن اعتبار ما حدث مجرد خطأ فردى.. بل هو منهج وأسلوب واستيراتيجيه لنظام بأكمله.. استيراتيجية شامله تهدف لاغتيال الصحافة والصحفيين معًا..
ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تثير فيها هذه السيدة الجدل.. حيث سبق لها أن أثارت العديد من التساؤلات بسبب تصريحاتها الغريبة التى تكشف عن شخصيتها غير المتزنة، حيث ظهرت على قناة «فوكس نيوز»، وهى تصف القاعدة الرئيسة للحزب الديمقراطى بأنها تتكوّن من إرهابيى حماس ومهاجرين غير شرعيين، ومجرمين عنيفين..
وأضافت: الديمقراطيون لا يدافعون عن شىء سوى إرضاء قاعدتهم اليسارية المتطرفة، والتى كما قلت تشمل معادين للسامية وإرهابيى حماس ومهاجرين غير شرعيين ومجرمين عنيفين يريدون إطلاق سراحهم ليجوبوا شوارع أمريكا.. تصريحات تؤكد أن هذه السيدة التى تشغل هذا المنصب الرفيع لا تعدو كونها شخصية موتورة وغير متزنة ولم تتعلم فى حياتها لا السياسة ولا الصحافة.
من هنا يأتى الرد على الأسئلة التى ترددت على ألسنة الكثيرين حول الجريمة التى ارتكبتها مع مراسل صحيفة هافينجتون ومن هنا أيضًا نستطيع أن نتعرف على طبيعة القيادات فى البيت الأبيض حتى أن التزامن فى الرد يؤكد أنها منظومة واحدة تتحدث بخطاب واحد وتحمل رسالة واحدة مفادها «هذه هى أمريكا الجديدة».
تصورت لو أن هذا الذى فعلوه وتفوهوا به حدث فى بلد عربى وخرج مسئول عندنا ليرد على أحد الصحفيين بعبارة «أمك التى فعلت».. لو حدث هذا لانتفض الغرب ومعهم أمريكا ليدافعوا عن حرية الصحافة وليتباكوا على ما حدث ناهيك عن لطم الخدود وشق الجيوب على طريقتهم الخاصة على أساس أن ما حدث هو جريمة لا تغتفر.
هذا هو العالم الذى يكيل بمكيالين وينتفض ليوجه اللوم للآخرين على أى خطأ ولو بسيط بينما هو غارق فى الوحل يرتكب أبشع الجرائم.. بدءًا من التعامل مع الحرب على غزة وانتهاء بالسلوك المشين والانحدار الأخلاقى فى التعامل مع الصحافة.
على أى حال أعجبنى رد الصحفى على كلام المتحدثة باسم البيت الأبيض حيث كتب على منصة إكس قائلًا: «أنا أمارس الصحافة قبل أن تولدى، وإذا كنت لا ترحبين بأسئلتى فهذا أمر مقبول، لكن لى الحق والواجب فى طرحها، فهذه لا تزال أمريكا».
ولكنى اختلف معه فى آخر جملة.. فأمريكا لم تعد أمريكا.
 المنتخب الوطني العراقي لكرة السلة يستعد لتصفيات كأس العالم
المنتخب الوطني العراقي لكرة السلة يستعد لتصفيات كأس العالم