الجزيرة:
2025-10-31@23:29:57 GMT

الدوم في القدس.. عشيرة تواجه التهميش وتسعى للاندماج

تاريخ النشر: 31st, October 2025 GMT

الدوم في القدس.. عشيرة تواجه التهميش وتسعى للاندماج

الدوم عشيرة تعود أصولها إلى شمال غرب الهند، تميزت حياة أهلها بالتنقل والترحال حول العالم، واستقر جزء منها في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس.

اشتهر أفرادها بممارسة مهن الحدادة والعزف والرقص، وحاولوا المحافظة على لغتهم وثقافتهم الخاصة رغم التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجههم في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

الهجرة والنسب

تعود أصول عشيرة الدوم إلى شمال غرب الهند، وبدأت هجرتها في بدايات القرن الـ11، واتسمت حياتها بالترحال المستمر حتى أواخر القرن الـ20.

اتجه بعض المهاجرين من الهند نحو أوروبا، بينما استقر آخرون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتوزعوا بين بلاد الشام وإيران وتركيا ومصر، وتشير روايات ضعيفة إلى انحدارهم من أصول عربية من قبائل بني مرة وبني تميم.

يرجح الباحثون أن هجرتهم من الهند كانت لأحد سببين رئيسيين: أولهما تعرضهم للاضطهاد بسبب انتمائهم إلى طبقة متدنية ضمن النظام الطبقي الهندي، وثانيهما الدافع الاقتصادي المتمثل في السعي لتحسين ظروفهم المعيشية.

يشكل دوم فلسطين التجمع الأصغر مقارنة مع مجتمعاتهم المنتشرة حول العالم، وقد وصلوا إليها بعد هجرتهم الأولى إلى بلاد فارس، ثم توزعوا في مدن القدس ورام الله ونابلس وغزة واستقروا فيها.

وتروي مصادر شعبية أنهم دخلوا إلى فلسطين مع القائد صلاح الدين الأيوبي عند فتح القدس، إذ استعان بمهارتهم في صناعة السيوف والرماح نظرا لعملهم في الحدادة.

ورغم غياب إحصاءات دقيقة عنهم، يقدر البعض عددهم في قطاع غزة بنحو 3 آلاف نسمة، بينما يتوزع قرابة ثلث هذا العدد على مختلف مناطق الضفة الغربية.

قبيل النكبة عاش الدوم في خيام نصبت على الطريق المؤدية من القدس إلى مدينة نابلس، ثم انتقلوا لاحقا إلى أكواخ خشبية امتدت بمحاذاة الجدار الشرقي للبلدة القديمة، قبل أن يستقروا داخل الأسوار قرب باب الأسباط.

ومع اندلاع نكبة 1948 ثم نكسة 1967، اضطر العديد من أبناء الدوم إلى الهجرة شأنهم شأن سائر الفلسطينيين، واستقر معظمهم في الأردن، وبقي في القدس ما يقدر بنحو 1500 فرد من العشيرة، يتوزعون في البلدة القديمة وبلدة العيساوية ومخيم شعفاط ورأس العامود وسلوان.

إعلان

ويتركز وجودهم في القدس القديمة بالركن الشمالي الشرقي، في المنطقة الممتدة من باب الأسباط وحي باب حطة وصولا إلى برج اللقلق، ومن أبرز عائلاتهم النمر والبوعراني وسليم.

ولعشائر الدوم حول العالم علم يرمز إليهم، يتكون من لونين رئيسيين هما الأزرق والأخضر، ويشير الأزرق إلى السماء والأخضر إلى النبات، في تعبير عن طبيعتهم المرتبطة بالتنقل والترحال.

احتفال عشيرة الدوم بأحد الأعراس قرب باب العامود عام 1920 (أرشيف مركز الدوماري)سبب التسمية

يعود اسم الدوم إلى اللغة السنسكريتية القديمة، فهي تعني في أصلها اللغوي الرجل البالغ، إلا أنها تشير في نطاق الهند إلى العاملين في العزف والموسيقى والطقوس الجنائزية. ولاحقا أصبحت تطلق على الجماعات التي هاجرت من الهند واستقرت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما سمي المهاجرون منهم إلى أوروبا باسم "روم"، وإلى تركيا ومنطقة القوقاز باسم "لوم".

وأحيانا يطلق عليهم اسم الغجر، المشتق من الكلمة الإنجليزية القديمة "Gypsy" التي تعني "المصريين"، وذلك بناء على اعتقاد كان سائدا بأن أصول الدوم تعود إلى مصر.

كما عرف الدوم بمسميات أخرى حملت في معظمها دلالات سلبية لا يرضون بها، من أبرزها لقب "النَّوَر"، الذي يعتقد الباحثون أنه مشتق من كلمة النار بسبب امتهانهم الحدادة، أو من الكلمة الفارسية "نوردة" التي تعني الرحالة، ولكن مع مرور الوقت اكتسب معنى لا يليق بسمعة هذه الطائفة.

اللغة المختلطة

تزخر مدينة القدس بتنوع ثقافي ولغوي فريد، يعود إلى احتضانها مزيجا من المهاجرين والأعراق والأديان عبر التاريخ.

وتنتشر اللغة العربية والعبرية والإنجليزية بين المقيمين في القدس، إلى جانب لغات أخرى أقل شيوعا مثل الأرمنية -المنتشرة بين أبناء الجالية الأرمنية- والفرنسية المستخدمة في الأديرة وقطاع السياحة، وكذلك لغة الدوم، التي يتحدث بها أفراد العشيرة.

تندرج لغة الدوم ضمن اللغات الهندوأوروبية، التي لا تمت بصلة لغوية إلى العربية من حيث الأصل، ويطلق عليها أحيانا اسم "اللغة العصفورية".

وبسبب تأثر متحدثيها بغيرهم من الناطقين باللغة العربية، تأثرت تراكيبها النحوية مع مرور الوقت، مما جعلها تختلف في بنيتها عن لغة أجدادهم الذين هاجر بعضهم إلى أوروبا، رغم قرب الجذور اللغوية بينهما.

كما أدى اختلاطهم مع العرب إلى تراجع استخدام لغتهم الأصلية بشكل ملحوظ، إذ طغت العربية على حياتهم اليومية، فلم يعد معظم أفراد الجيل الجديد يفهمون من لغتهم الأصلية سوى عدد محدود من الكلمات الشائعة.

عرف الدوم بمهارتهم في الموسيقى والغناء والرقص (خدمة إليا للتصوير)المهن والحرف

امتاز الدوم منذ القدم بإتقانهم مهنة الحدادة، فأطلقت عليهم في بداية القرن الـ20 كنية "أبو المسامير"، نظرا لبراعتهم في صناعة عتاد الحروب وحدوات الخيول والأسنان المعدنية الاصطناعية وأدوات الحراثة والحلي الفضية، وغيرها.

كما عرفوا منذ هجرتهم بمهارتهم في الموسيقى والغناء والرقص، مما جعلهم يبرزون في إحياء الحفلات وتقديم العروض الراقصة، إلى جانب عروض السيرك التي اشتهروا فيها بترويض الحيوانات، مثل الدببة والقرود.

إعلان

واعتمد الدوم في معاملاتهم التجارية على نظام مقايضة السلع والخدمات بدلا من استخدام النقود، وفي العصر الحديث، أدى اندماجهم في المجتمعات التي يقيمون بها إلى تراجع هذه المهن النمطية التي ارتبطت باسمهم، واتجه كثير منهم إلى المهن الحديثة مثل التجارة والصناعة والهندسة.

العادات والتقاليد

يمتاز الدوم بعادات وتقاليد مميزة تشكل جزءا أساسيا من هويتهم الثقافية، ومن أبرزها الزواج المدبر في سن مبكرة للجنسين.

كما يعرفون بحبهم للألوان الصارخة والزاهية مثل الأصفر والبرتقالي والأحمر والذهبي، التي تتجلى بوضوح في ملابسهم المطرزة ذات النقوش المتداخلة.

وتتضمن تقاليدهم أيضا مواسم خاصة للاحتفال، ومن أهمها "موسم الربيع"، الذي يقام في الجمعة الثانية من شهر أبريل/نيسان من كل عام، و"خميس الأموات"، الذي يوزعون فيه البيض الملون والزلابية تكريما لأرواح الموتى واحتفاء بالحياة المتجددة.

أما في طقوس الوفاة، فقد اعتادت العشيرة على ذبح خروف قبل إخراج جثمان المتوفى من المنزل، ثم توزيع الحلوى على الجيران، وفي المقبرة بعد مرور أسبوع.

تحت خط الفقر

تعاني عشيرة الدوم من ظروف معيشية صعبة، إذ عاشوا قبل نكبة 1948 في خيام مصنوعة من شعر الإبل، ثم انتقلوا إلى حجرات مهمشة ومنعزلة داخل أسوار البلدة القديمة.

ثم بعد احتلال القدس زادت انتهاكات إسرائيل بحق سكانها من التهميش الاقتصادي للعشيرة وتدهور مستواها المعيشي، حتى أصبحت التجمع الأكثر فقرا في البيئة المقدسية، إذ يعيش معظم أفرادها تحت خط الفقر.

يواجه أبناء الدوم مشكلة التسرب من المدارس، ويرجع أحد أسبابها إلى العنصرية التي يتعرضون لها بين أقرانهم، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة داخل المجتمع الدومي، وانتشار بعض الآفات الاجتماعية مثل التسول.

ورغم هذه التحديات، تسعى العشيرة إلى إشراك أفرادها في مؤسسات مجتمعية لتطوير مهاراتهم وتأهيلهم للمشاركة الفاعلة في نسيج المجتمع. كما يبذل المجتمع المقدسي جهودا لدعمهم ماديا ومعنويا، بما يسهم في تعزيز اندماجهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.

نساء عشيرة الدوم في القدس يسعين إلى إنشاء مشاريع تساعدهن على العطاء والإبداع (أرشيف مركز الدوماري)المواقف السياسية

تتبنى عشيرة الدوم مبدأ عدم الانخراط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الصعيدين السياسي والأمني، وتعتبر أن هذا الموقف يحميها نظرا لأنها أقلية في المجتمع المقدسي.

غير أن الحياد لم يحمهم من المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي، إذ لا تفرق القيود والاعتداءات والاعتقالات بين الدوم أو غيرهم من أبناء المدينة المقدسة.

ورغم عدم انخراطهم المباشرة في العمل المقاوم، فإنهم دعموا المقدسيين وتقاسموا معهم معاناتهم، إذ تشير بعض الشهادات التاريخية إلى أن المقاومين الفلسطينيين في أواخر الثلاثينيات لجؤوا إلى خيام الدوم للاختباء من الجنود البريطانيين وإخفاء أسلحتهم فيها.

كما تعرضت القبيلة بعد نكسة 1967 لهدم عدد من منازلها في البلدة القديمة، وفي هبة النفق عام 2015، قدم الدوم تضحيات كبيرة، إذ استشهد عدد من أبنائهم، من بينهم مصطفى النمر ووالدته.

جمعية الدوماري

أسست المقدسية أمون سليم -وهي من أصول دومية- جميعة الدوماري غير الربحية عام 1999، بهدف تمكين عشيرتها داخل المجتمع المقدسي، والمحافظة على ثقافتها وتراثها.

بدأ نشاط الجمعية من غرفة صغيرة كانت تستخدم لتوزيع الملابس والبطانيات، وتنظيم صفوف دراسية غير رسمية لمساعدة الأطفال على اكتساب مهارات القراءة والكتابة.

ثم توسع عمل الجمعية عام 2005، حين أنشأت أمون سليم مركزا مجتمعيا في حي شعفاط شمال البلدة القديمة، يسعى إلى تدريب النساء مهنيا لتمكينهن من الانخراط في سوق العمل، خصوصا في مجالات صناعة المجوهرات والتطريز والطهي، إلى جانب تنظيم دروس لمحو الأمية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات البلدة القدیمة الدوم فی فی القدس

إقرأ أيضاً:

اليونان تواجه أخطر أزمة ديموغرافية في تاريخها الحديث

قال عبدالستار بركات، مراسل القاهرة الإخبارية من أثينا، إن اليونان تواجه واحدة من أخطر الأزمات الديموغرافية في تاريخها الحديث، إذ تُظهر البيانات الرسمية والدراسات الأكاديمية الأخيرة أن معدلات الوفيات تجاوزت معدلات المواليد في 15 إقليمًا يونانيًا بشكل متواصل منذ أكثر من أربعة عقود، وهو مؤشر مقلق على مسار سكاني سلبي يتعمق عامًا بعد عام.

الجالية المصرية في اليونان تنظم وقفة دعم أمام السفارة المصرية بأثينا تضامنًا مع غزة رئيس وزراء اليونان يعلن مشاركة بلاده في قمة شرم الشيخ للسلام انخفض عدد سكان اليونان بنحو 715 ألف شخص

وأضاف خلال مداخلة على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن الأرقام تعكس حجم الأزمة بوضوح، فخلال عام 2024 سُجل في البلاد نحو 58 ألف وفاة أكثر من المواليد، فيما بلغ الفارق الإجمالي منذ عام 2011 أكثر من نصف مليون نسمة، ونتيجة لذلك، انخفض عدد سكان اليونان بنحو 715 ألف شخص في السنوات الأخيرة، بسبب تزايد الشيخوخة من جهة وتراجع معدلات الخصوبة من جهة أخرى.

ولفت إلى أنه خلال العقود الماضية، تضاعف عدد كبار السن فوق 65 عامًا نحو خمس مرات، بينما تراجع عدد المواليد إلى نحو 68 ألف مولود فقط في عام 2024، أي أقل من نصف ما كان يُسجل في ثمانينيات القرن الماضي، هذه الأرقام تعكس بوضوح مجتمعًا يتقدم في العمر بسرعة، فيما تتقلص الفئة الشابة القادرة على دعم سوق العمل ونظام التقاعد.

وأشار إلى أنه على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فتظهر الأزمة في عدة مظاهر، أبرزها تقلص القوى العاملة المنتجة، ما يضغط على سوق العمل ويُضعف النمو الاقتصادي، كما يؤدي ارتفاع متوسط العمر إلى زيادة تكاليف الرعاية الصحية والأنظمة التقاعدية، وفي بعض المناطق الريفية، تسبب هجرة الشباب في تراجع الخدمات وخلق فراغ ديموغرافي يعمّق الفوارق بين الأقاليم.

الحكومة اليونانية تدرك خطورة هذا التحدي

وأكد بركات أن الحكومة اليونانية تدرك خطورة هذا التحدي، وتسعى عبر برامج دعم الأسرة وتشجيع الإنجاب وتقديم حوافز للشباب للبقاء أو العودة من الخارج إلى كبح هذا المسار الديموغرافي المقلق.

 

مقالات مشابهة

  • الهند توقع اتفاق إطار دفاعي مع أميركا لـ10سنوات
  • أبرزها المياه .. ثلاثة تحديات تواجه رئيس الحكومة العراقية المقبل
  • شباب أربيل يحيون ليل القلعة القديمة بالأحلام وأنغام الموسيقى (صور)
  • الامم المتحدة تواجه ترمب: التجارب النووية غير مسموح بها بتاتاً
  • اليونان تواجه أخطر أزمة ديموغرافية في تاريخها الحديث
  • مصر تؤكد دعمها للشعب السوداني وتسعى لوقف إطلاق النار
  • بحث سُبل حل مشكلة المواصلات التي تواجه طلبة البلقاء التطبيقية
  • مناقشة التحديات التي تواجه النساء العاملات وسبل تعزيز بيئة العمل في ندوة حوارية
  • سوزي الأردنية تواجه اليوم أول حكم من المحكمة الاقتصادية