من إمحوتب إلى مجدي يعقوب الطب المصري ومسيرة الخلود
تاريخ النشر: 31st, October 2025 GMT
بين جدران المتحف المصري الكبير، حيث تلتقي الحضارة بالنور، وتتنفس الحضارة من جديد، تقف مصر لتستعيد حكاية الإنسان الأولى مع الحياة، ومع أعظم ما أنجزه في سبيلها: الطب.
منذ فجر التاريخ، أدرك المصري أن الصحة ليست مجرد شفاء من داء، بل هي توازن بين الجسد والروح والكون. في معابدها وبيمارستاناتها القديمة، وُلد أول وعي طبي منظم، جعل من الطبيب كاهناً للشفاء، ومن المرض تجربة روحية قبل أن يكون عارضاً جسدياً.
                
      
				
وفي زمن إمحوتب، أول مهندس وطبيب وفيلسوف عرفه التاريخ، توحد العلم مع الإيمان، وارتسمت أول ملامح المدرسة الطبية التي ستلهم الإنسانية قروناً طويلة. وكانت الصحة عند المصريين القدماء قيمة أخلاقية مقدسة، فالنظافة طهارة دينية، والغذاء اعتدال حكمة، والعلاج مسؤولية إنسانية. تركوا لنا بردياتهم الطبية التي نقرأ فيها اليوم فلسفة الطب الأولى: أن الشفاء يبدأ من احترام الحياة، وأن الطب ليس مهنة بل رسالة.
وحين أشرقت شمس اليونان وروما، كانت مصر مرجعاً وملهماً. وحين نهض العرب والمسلمون في بيت الحكمة ببغداد وقرطبة، كانت جذور الطب المصري القديمة هي الأصل الذي أنبت فكر الرازي وابن سينا وابن النفيس.
وفي العصر الحديث، حين خبا بريق كثير من الحضارات، عادت مصر لتضيء الطريق من جديد، فكانت منارة التعليم الطبي في الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم العربي. من قصر العيني وعين شمس والإسكندرية تخرجت أجيال من الأطباء العرب والأفارقة وغيرهم الذين حملوا علم الطب وعطاءه إلى أقاصي الأرض. وفيها وُلدت مدارس طبية ومؤسسات بحثية ومستشفيات جعلت من الطب مهنة الرحمة قبل أن يكون صناعة.
ومن أرضها خرجت أسماء حفرت مجدها في قلوب الناس، مثل الدكتور مجدي يعقوب، الذي جعل من القلب مركزاً للعطاء، ورفع راية الطب الإنساني العالمي، امتداداً لروح إمحوتب الأولى.
واليوم، والعالم يعيش افتتاح المتحف المصري الكبير، تعود مصر لتقول للعالم إن حضارتها ليست فقط تماثيل وأهرام، بل فكر وإنسان وضمير صحي خالد.ففي قاعات المتحف يُستحضر معنى الحياة والخلود والطب والوعي، حيث كان الطبيب المصري يرى في الشفاء وجهاً آخر للبعث، وفي العلم طريقاً للخلود.
إن الطب المصري لم يكن علماً في جسد الإنسان فحسب، بل فلسفة في معنى الوجود، وفناً في حماية الكرامة الإنسانية، وتجسيداً لعلاقة الإنسان بالزمن والطبيعة والإله. ومن هنا كان الطب المصري منذ آلاف السنين وحتى اليوم صوت الحضارة المصرية حين تنطق باسم الحياة.
وهكذا تظل مصر الكنانة، التي علّمت الدنيا معنى الحضارة، وكتبت أول أبجدية للطب والعلوم، مهداً للمعرفة ومحراباً للإنسانية. ومن بين ضفاف النيل خرجت فلسفة الحياة والشفاء، وتجلّت علاقة الإنسان بالكون والطبيعة في أسمى صورها. وفي كل عصر، كانت مصر تُعيد تعريف الطب لا كعلم فحسب، بل كرسالة مقدسة تحفظ الإنسان.
واليوم، ومع إشراقة المتحف المصري الكبير، تعود مصر الحضارة والخلود لتقول للعالم إنها منارة حية للضمير الإنساني، تحفظ سر الحياة منذ فجر الخليقة، وتواصل رسالتها في بناء الإنسان وإحياء القيم. فهي أم الطب، ومعلمة الإنسانية، ومهد الحضارة التي ما زال ضياؤها يهدي العقول والقلوب إلى اليوم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الطب المصری
إقرأ أيضاً:
مجدي شاكر: أنظار العالم تتجه لمصر مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير
أكد مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، أن العالم أجمع يترقب افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يعد أحد أهم المشروعات الثقافية والحضارية في القرن الحادي والعشرين، لما يمثله من نقلة نوعية في عرض التراث المصري القديم وتقديمه بصورة تليق بعظمة الحضارة المصرية.
التراث المصري القديموأوضح “شاكر” خلال تصريحات تليفزيونية عبر قناة المحور أن الدولة أولت اهتمامًا كبيرًا بتطوير وتأهيل كافة الطرق والمحاور المؤدية إلى المتحف، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة كانت تمثل التحدي الأكبر أمام شركات السياحة في السابق، نظرًا لصعوبة وصول الأفواج السياحية بسهولة إلى المنطقة.
وأضاف كبير الأثريين أن التطوير الشامل الذي شهدته المنطقة المحيطة بالمتحف حوّلها إلى ما يشبه مدينة متكاملة تضم بنية تحتية متطورة، ومناطق خدمات، ومرافق سياحية متكاملة، بما يسهم في تعزيز تجربة الزائرين من مختلف دول العالم.
افتتاح المتحف المصري الكبيرواختتم شاكر تصريحاته بالتأكيد على أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون حدثًا تاريخيًا عالميًا يعيد لمصر مكانتها الرائدة على خريطة السياحة والثقافة الدولية، ويجسد رؤية الدولة في الاهتمام بتراثها العظيم وتقديمه للعالم بأحدث الأساليب المتحفية.
 الجالية المصرية في فرانكفورت تتابع باهتمام المتحف المصري الكبير عبر بث مباشر
الجالية المصرية في فرانكفورت تتابع باهتمام المتحف المصري الكبير عبر بث مباشر