لم تكن القصة مجرد افتتاح أعظم متحف في العالم وكفى، ولكن القصة هى توثيق حضارة هذا البلد من أجل هوية ثابتة بلا شوائب على أرض الجمهورية المصرية، هكذا كانت الرسالة التى وصلت للعالم بأسره وهو يتابع حفل افتتاح المتحف المصرى بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وعدد كبير من قادة وملوك ورؤساء دول العالم وكبار الشخصيات الدولية والرموز الثقافية في مشهد تاريخي يُجسّد عظمةَ مصر ودورها الحضاري الممتد عبر آلاف السنين.
طوال الأيام التي سبقت الافتتاح تزينت مواقع التواصل بمشاعر الفخر والعزة لدى أبناء شعب مصر وهم يستعيدون أمجاد التاريخ ويحولون صورهم الشخصية إلى صور فرعونية باستخدام أدوات الذكاء الصناعي فى مشهد يعبر عن مدى اعتزاز أبناء مصر بتاريخهم العريق الذى تحسدهم عليه كل شعوب العالم، هنا مصر، هنا الحضارة والتاريخ والمستقبل مهما جار الزمان وتبدلت الأيام.
جاء حفل الافتتاح المبهر ليكون حلقة جديدة من حلقات الإبداع والتفرد التى يتوارثها الاحفاد من الأجداد بتلك الجينات العبقرية المميزة التي تكمن فى أصلاب الرجال فينقلونها بكل أمانة جيل بعد جيل إلى الأبناء، لا يوجد مثيل لهذا الشعب مهما حاول البعض أن يكسروا تلك الهوية المصرية الفريدة أو يقلدوا بعضًا يسيرًا منها، لن يخفت ضوء الشمس أبدًا مهما تكاثرت عليها السحب.
بكل فخر وعزة تابعنا حفل افتتاح المتحف المصري الكبير الذى يقف بتصميمه الفريد المطل على أهرامات الجيزة كجسر حضاري يعكس عبقرية الإنسان المصري ويُعيد إحياء أعظم حضارة عرفتها الإنسانية في ثوب معاصر يجمع بين الأصالة والحداثة ويمثل مدينة متكاملة للثقافة والمعرفة تضم مركزًا عالميًّا لترميم الآثار وقاعات عرض حديثة ومتحفًا للأطفال ومناطق خدمية وترفيهية لتمنح الزائر تجربةً فريدةً تمزج بين المتعة والتعليم والدهشة في آن واحد ليكون الأعظم بين سائر متاحف العالم أجمع بكل استحقاق وتفرد.
مبروك لمصر ولشعبها العريق ولكل عاشق لتاريخ وحضارة مصر، ولنحكِ للصغار دائمًا عن أمجاد وعظمة هذه الأرض الطيبة حتى يشبوا على الثقة والفخر بأنفسهم، وحتى يترسخ في وجدانهم منذ الصغر أن لهم هوية ثابتة لا مثيل لها بين سائر الأمم.. حفظ الله مصر العظيمة وشعبها.. حفظ الله أرض الكنانة ومهد الحضارة مصر.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
غضب التنين
ارتكزت الاستراتيجية الأمريكية فى القرن العشرين على الهيمنة المطلقة على مصادر الطاقة فى كل أنحاء العالم لأنها كانت العمود الفقرى للاقتصاد العالمى فبدون طاقة لا توجد صناعة من الأساس لكن تراجعت اهمية الطاقة التقليدية بعد انخفاض تكلفة استخراج النفط الصخرى لتصبح أمريكا مصدرًا رئيسًا للنفط بينما لا تزال الصين المستورد الاول لكن مع مطلع الألفية الجديدة غيرت الثورة التكنولوجية الصناعية قواعد اللعبة وأضحت المعادن النادرة بمثابة الخلايا العصبية للصناعات المتقدمة، فالمعادن النادرة ما هى إلا مجرد مجموعة من 17 عنصرًا تقع فى اسفل الجدول الدورى وهى ليست نادرة بالمعنى الحرفى لانها توجد بكثرة فى معظم طبقة قشرة الأرض لكنها مبعثرة بكميات صغيرة يصعب تركيزها وهو ما يتطلب سلسلة طويلة من العمليات الكيميائية المعقدة يتخلل فصلها ومعالجتها اخطار بيئية جسيمة ومن هنا تأتى مسألة الندرة بالطبع هى نادرة فى جدواها وليس فى وجودها فهى صغيرة فى وزنها لكنها عظيمة فى تأثيرها فهى ببساطة قلب التكنولوجيا الحديثة وروح الصناعات المتقدمة.
فمنذ ثمانينات القرن الماضى أدركت الصين بحكمة وموروث كونفوشيوس ان من سيتحكم فى المواد الخام وخاصة المعادن النادرة هو من سيتحكم فى المستقبل الصناعى للعالم، لذا شيدت بكين منظومة متكاملة شعارها الاحتكار الهادئ فهى تنتج 70% من المعادن النادرة و90% من طاقة التكرير، وبالتالى سيطرت على المادة الخام والمنتج النهائى وقد مكن الدعم الحكومى السخى المراكز البحثية المتخصصة من تطوير تقنيات الاستخراج وعمليات التحويل الكيميائى المعقدة وبخبث شديد أخرجت السياسة التسعيرية المدروسة معظم المنافسين من السوق ورضيت بدفع تكلفة بيئية باهظة، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية بحيرة صناعية ضخمة من النفايات السوداء بمقاطعة منغوليا رأتها القيادة الصينية تضحية ضرورية فى سبيل ان تجعل المعسكر الغربى رهينة لقرارها، وهكذا قررت بكين فرض قيود تصدير المعادن النادرة إلى الشركات الأمريكية ردًا على الرسوم الجمركية المفروضة على منتجاتها حينئذ اكتشف ترامب الحقيقة الصادمة بأن اقتصاده الضخم معتمد كليًا على سلاسل التوريد والامداد الصينية الرخيصة والمستقرة وان المصانع الامريكية أسيره لتلك المادة اللعينة والتى تدور حولها عجلة التكنولوجيا الحديثة بداية من تصنيع هاتف الأيفون إلى أنظمة الذكاء الصناعى ومن محركات السيارات الكهربائية إلى مقاتلات F-35 ومن الألواح الشمسية إلى الأقمار الاصطناعية، حسنًا تمتلك بكين اداة استراتيجية حاسمة تمكنها من المناورة والضغط على خصومها وهو ما حدث مع اليابان أثرٍ النزاع البحرى الذى نشب بينهما وأدى إلى فوضى وارتباك شديد للمصانع اليابانية وتلقفت واشنطن الرسالة بأن بكين لم تعد الطرف الذى يمكن ابتزازه لا سيما وأن البدائل المتاحة امام واشنطن جد محدودة فليس لديها عمالة ماهرة ورخيصة أو حتى بنية تحتية لمعالجة هذه المعادن لانها لا تريد أن تدفع ثمنًا بيئيًا باهظًا لذا يلجأ ترامب إلى عقد صفقات تجارية مع استراليا وأوكرانيا ودول افريقية وربما التفكير فى شراء جرينلاند، سياسة الإجراءات العقابية التى انتهجها بايدن ثم ترامب أثبتت فشلها أمام جبروت التنين الصينى الذى لم يعد يخشى المواجهة المفتوحة وهو ما جعل ترامب يتعاطى بواقعية ويرضخ لعقد هدنة تجارية مع التنين الغاضب ربما تعيد الهدوء إلى الاسواق العالمية.