نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع في التوصل إلى اتفاق مع نظيره الصيني شي جين بينج لضمان حصول الولايات المتحدة الأمريكية على الإمدادات الحيوية من المعادن الأرضية النادرة التي تحتاجها لتعزيز اقتصادها، وذلك لمدة عام واحد فقط، في خطوة مؤقتة تهدف إلى تهدئة المخاوف من انقطاع الإمدادات الحيوية، لكنها لم تخفف من اعتماد أمريكا الكلي على الصين للحصول على هذه المعادن ومنتجاتها.

المبعوث الأمريكي في سوريا: الرئيس الشرع يعتزم زيارة رسمية إلى واشنطنوفاة الشيخة مريم بنت عبد الله العطية أرملة حاكم قطر الأسبق


وينص الاتفاق على مراجعة سنوية لتراخيص تصدير الصين لتلك المعادن، ما يعني أن الولايات المتحدة ستظل عرضة لخطر توقف الإمدادات خلال السنوات المقبلة، وهي الفترة التي يقدّر محللون أنها قد تمتد من عدة أعوام إلى عقد كامل لتطوير مصادر بديلة خارج الصين، بحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وقال ترامب للصحفيين على متن طائرته الرئاسية إنه يتوقع أن يتم تمديد الاتفاق "بشكل روتيني"، إلا أن احتمال حدوث خلل في الإمدادات يظل قائما، خاصة أن الصين استخدمت بالفعل خلال الأشهر الستة الماضية هيمنتها على سوق المعادن النادرة كسلاح ضغط ضد واشنطن في مناسبتين منفصلتين.


ويعود اعتماد الولايات المتحدة للصين في هذا القطاع الحساس إلى عقود سابقة من العولمة الاقتصادية، حيث فضلت الشركات الأمريكية تحقيق الأرباح السريعة عبر نقل عملياتها إلى الصين، ما أدى إلى تآكل القدرة الوطنية على إنتاج هذه المواد الاستراتيجية، وتشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الشركات الصينية تمثل 91% من القدرة العالمية لتكرير المعادن النادرة، وتنتج 94% من المغناطيسات الصناعية المستخدمة في السيارات والمعدات الصناعية والأنظمة العسكرية.


وقال كارل فريدهوف، الباحث في "مجلس شيكاغو للشئون العالمية"، إن "الجميع كان يردد ببساطة، دعوا السوق الحر يقرر"، مضيفا: "لقد قرر السوق، وهذا ما أوصلنا إلى هذا الوضع، والآن سنحتاج إلى تدخل حكومي قوي لإصلاحه".


ويعتزم ترامب كسر احتكار الصين عبر مجموعة من الأدوات الحكومية تشمل الاستحواذ الجزئي على الشركات، وضمانات الأسعار، واتفاقيات شراء طويلة الأجل، وتسعى الإدارة الأمريكية لتسريع تطوير بدائل للتعدين والمعالجة الصينية، إذ وقع ترامب خلال جولته الآسيوية هذا الأسبوع اتفاقات مع اليابان وتايلاند وماليزيا لتقوية سلاسل الإمداد الأمريكية، كما أبرم في 20 أكتوبر اتفاقا مع أستراليا لاستثمار 3 مليارات دولار في مشاريع التعدين الحيوي خلال الأشهر الستة المقبلة.


وفي يوليو، استثمرت وزارة الدفاع الأمريكية 400 مليون دولار في شركة "إم بي ماتيريالز"، أكبر منتج محلي للمعادن النادرة، لتصبح الحكومة أكبر مساهم في الشركة، كما تعهدت بشراء جميع المغناطيسات التي تنتجها لمدة عشر سنوات من مصنعها الجديد في تكساس، وحددت سعرا أدنى لمركب "النيوديميوم-برازيو ديميوم"، أحد منتجات العناصر الأرضية النادرة.


وقال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي إن "عقودا من السياسات التجارية الساذجة أضعفت الصناعة الأمريكية وجعلتنا نعتمد على سلاسل توريد أجنبية لمعادن نادرة وأشباه موصلات وأدوية وغيرها من المنتجات الحيوية"، مؤكدا أن إدارة ترامب "لن تتردد في استخدام أي وسيلة لاستعادة عظمة أمريكا وحماية أمنها الاقتصادي".


لكن المحللين يؤكدون أن إقامة صناعة قوية خارج الصين ستستغرق سنوات طويلة، إذ إن إنشاء منجم جديد قد يتطلب من 8 إلى 10 سنوات، وبناء مصفاة جديدة نحو 5 سنوات، وحتى إذا دخلت المصافي الجديدة الخدمة بحلول 2030، فإن إنتاجها سيعادل نصف إنتاج الصين فقط في 2024، بحسب إيفا مانثي، كبيرة استراتيجيي السلع في بنك "آي إن جي" بلندن، أما وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت فقد قدم تقييما أكثر تفاؤلا، قائلا " إن هيمنة الصين على المعادن النادرة لن تستمر أكثر من 12 إلى 24 شهرا ".


وتزايدت الحاجة إلى التحرك بعد أن أعلنت بكين مؤخرا قيودا عالمية جديدة على صادرات المعادن النادرة كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في الأول من ديسمبر، قبل أن يتفق شي وترامب على تأجيل تنفيذها لمدة عام، وذلك ردا على الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها ترامب على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة.


وتجري الإدارة الأمريكية محادثات مع جوناثان رونتري، الرئيس التنفيذي لشركة "نيرون ماجنيتيكس"، حول تمويل إضافي لتسريع إنتاج الشركة من مغناطيسات صناعية لا تستخدم المعادن النادرة، وهو ما قد يشكل طفرة تكنولوجية، وقد بدأت الشركة بالفعل بناء أول مصنع لها في ولاية مينيسوتا بطاقة 1500 طن سنويا، وتدرس تقديم موعد إنشاء مصنعها الثاني من 2029 إلى 2027 بطلب من واشنطن.


واتهم مسئولو الإدارة الأمريكية الصين بمحاربة المنافسة الأجنبية من خلال خفض أسعارها بشكل مصطنع لسنوات طويلة، وهو ما جعل الدول الأخرى عاجزة عن المنافسة المربحة، وأشار بيسنت إلى أن "الشركات الصينية المدعومة من الدولة كانت تخفض أسعارها عمدا إلى مستويات لا يمكن لأي منتج آخر أن ينافسها".


وتعود جذور هذه الهيمنة إلى تسعينيات القرن الماضي حين أدركت القيادة الصينية، كما قال دينج شياو بينج عام 1992، أن "الشرق الأوسط لديه النفط، أما الصين فلديها المعادن النادرة"، ومنذ ذلك الحين، قدمت الحكومة الصينية دعما سخيا لقطاع التعدين والأبحاث لتثبيت تفوقها الجيواقتصادي.


وكانت الولايات المتحدة في التسعينيات تمتلك أكبر منجم للمعادن النادرة في "ماونتن باس" بولاية كاليفورنيا، لكنه أُغلق بعد تسريبات لمياه الصرف المشعة وغرامات بيئية باهظة، بينما وفرت الصين تكلفة إنتاج أقل وتشريعات بيئية متساهلة، ما جعلها الوجهة المفضلة للتعدين الصناعي.


وفي عام 1995، اشترت شركتان صينيتان مملوكتان للدولة حصة الأغلبية في وحدة تابعة لشركة "جنرال موتورز" كانت تنتج مغناطيسات نادرة، ومع مرور أقل من عشر سنوات، تم نقلها بالكامل إلى الصين.


وبرزت قوة الصين في هذا المجال عام 2010 عندما أوقفت صادراتها إلى اليابان إثر حادث بحري بين سفينة صيد صينية وخفر السواحل الياباني، ما دفع طوكيو لتقليص اعتمادها على الصين من 90% إلى 60% خلال عقد، بينما فشلت واشنطن وأوروبا في تنويع مصادرهما.
 

طباعة شارك دونالد ترامب الرئيس الصيني المعادن الأرضية النادرة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دونالد ترامب الرئيس الصيني المعادن الأرضية النادرة الولایات المتحدة المعادن النادرة

إقرأ أيضاً:

كيف أنجح ترامب وشي القمة الأميركية الصينية؟

واشنطن- مثّل لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ، أمس الخميس، وهو الأول بينهما منذ بدء فترة حكم ترامب الثانية، منعطفا مهما في علاقات أكبر اقتصادين وأكبر قوتين عسكريتين في العالم، بعد حرب تجارية حادة تخللتها موجات من التصعيد خلال الأشهر القليلة الماضية.

وكان الرئيس الأميركي قد غير خلال ولايته الأولى سياسة بلاده تجاه بكين من المشاركة إلى المنافسة، وبدأ بفرض تعريفات شاملة، وتشديد ضوابط تصدير التكنولوجيا المتقدمة، وتأطير الصين كمنافس جيوسياسي، وهو أمر بنت عليه إدارة سلفه جو بايدن تحالفات فيما بعد.

وتعمّقت خلال الأشهر الأخيرة الخلافات التجارية بين الدولتين في وقت بلغ فيه حجم التجارة السلعية بينهما 584 مليار دولار عام 2024، وصدّرت أميركا للصين سلعا بقيمة نحو 144 مليار دولار، واستوردت بما يقارب 440 مليار دولار، مسجلة عجزا تجاريا اقترب من 295 مليار دولار.

قضايا عالقة

وعلى الجانب الخدمي، صدّرت الولايات المتحدة 55 مليار دولار لبكين، في حين استوردت 22 مليار دولار، وسجلت فائضا بمقدار 33 مليار دولار. وكانت الصين قد وسعت في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الجاري بشكل كبير قيودها على صادرات المعادن الأرضية النادرة، ورد ترامب بتهديدات بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على السلع الصينية.

وبحث الرئيسان قضايا عالقة بين دولتيهما، إضافة للتعريفات الجمركية، حيث توقفت الصين عن شراء المحاصيل الزراعية وعلى رأسها فول الصويا مُكبدة المزارعين الأميركيين خسائر قدرت بأكثر من 12 مليار دولار هذا العام.

وتشتكي واشنطن من استمرار تهريب مخدر "الفنتانيل" من بكين عن طريق المكسيك، وهناك معضلة شراء تطبيق تيك توك، إضافة للتوتر الجيو إستراتيجي بسبب قضية تايوان، ودعم الصين لروسيا في حربها على أوكرانيا.

ورغم نجاح القمة في خفض التصعيد في شقه الاقتصادي والتجاري، تظل مجالات التنافس الأساسية، بما في ذلك التحكم في سلسلة التوريد والوصول إلى المعادن الحيوية والسباق التكنولوجي والتفوق العسكري، دون تغيير.

إعلان

وخرج ترامب من اجتماعه متفائلا ووصفه بأنه "نجاح كبير" وأعطاه 12 درجة على مقياس من 1 إلى 10، وقال إنه يخطط لزيارة الصين في أبريل/نيسان القادم. في حين كانت بكين أقل حماسا، حيث أشار بيانها الرسمي إلى حث الرئيس شي كلا الجانبين على "المتابعة في أقرب وقت ممكن".

وقدّر المعلقون الأميركيون أن عقده في حد ذاته يشير إلى نية بتهدئة التوترات وإعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح بين أقوى دولتين في العالم.

تخفيف التوترات

وأسفر اللقاء عن نتائج متوقعة، فقد وافقت الصين على:

تأجيل ضوابط التصدير على المعادن الأرضية النادرة لمدة عام واحد. وزيادة الجهود للحد من تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في صنع مخدر الفنتانيل. واستئناف شرائها من فول الصويا الأميركي، مقابل خفض التعريفات الجمركية الأميركية.

ووفقا لترامب، تريد الصين استيراد "كميات هائلة" من فول الصويا والمنتجات الزراعية الأخرى من الولايات المتحدة. وهذا مهم بشكل خاص بالنسبة له لأن العديد من المزارعين الأميركيين من أشد مؤيديه. ويتيح تعليق قيود التصدير الصينية على الأتربة النادرة لمدة سنة وقتا لمزيد من المفاوضات.

كما أن خفض معدل التعريفة الجمركية الإجمالي لواشنطن على الواردات الصينية من أكثر من 57% إلى 47% وتعليق التوسع في بعض ضوابط التصدير، يعد بالتأكيد نجاحا للرئيس شي.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار الدبلوماسي السابق وخبير الشؤون الخارجية ولفغانغ بوستزتاي، إلى نجاح القمة في تخفيف حدة التوترات بين البلدين. وقال "أظهر الزعيمان أنهما تصالحيان. كان الاجتماع في جو ودي. تمت دعوة ترامب لزيارة بكين في أبريل/نيسان المقبل وبعد ذلك سيسافر شي إلى الولايات المتحدة".

وذكر بوستزتاي أنه مع ذلك ستستمر بكين وواشنطن في كونهما منافسين أكثر من شريكين في المستقبل خاصة في ظل وجود العديد من القضايا الخلافية المفتوحة بينهما، وعلى رأسها المطالبات الإقليمية الصينية في بحر جنوب الصين وبحر شرق الصين وتايوان، وموقف بكين من الحرب في أوكرانيا.

وجاء الاجتماع في الوقت الذي تقترب فيه نهاية فترة تهدئة عامة للحرب التجارية بين الدولتين في 10 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وقبل يومين من الأول من الشهر نفسه، وهو التاريخ الذي حدده ترامب كموعد نهائي لتطبيق التعريفات الجمركية الإضافية بنسبة 100% التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا الشهر.

????أبرز تصريحات ترامب بعد لقاء الـ 90 دقيقة مع الرئيس الصيني

♦️ على مقياس من 1 إلى 10 فإن الاجتماع مع "شي" كان 12

♦️الاجتماع مع الزعيم الصيني شي جين بينج كان "نجاحاً كبيراً"

♦️خفض الرسوم الجمركية على الصين من 57% إلى 47%

♦️الصين اشترت كميات هائلة من فول الصويا الأمريكي… pic.twitter.com/JqwrsSSz2l

— جريدة البورصة (@alborsanews) October 30, 2025

تفاؤل حذر

وفي تصريح للجزيرة نت، اعتبر الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي ماثيو والين، أن تمديد الهدنة التجارية بعد أسابيع من التصعيد المتبادل والإجراءات التقييدية من كلا الطرفين، بدءا من رسوم الموانئ الباهظة على سفن بعضها البعض، وتوسيع ضوابط التصدير على التكنولوجيا الأميركية، وما قابلها من فرض قيود على المعادن النادرة الصينية، يُعد نجاحا كبيرا.

إعلان

ورغم تفاؤل أغلب الخبراء ممن تحدثت إليهم الجزيرة نت حول نجاح القمة، شكك آخرون في خطورة سرعة القفز لنتائج غير ملموسة بعد.

وقال مايلز يو مستشار وزير الخارجية السابق للشؤون الصينية ورئيس برنامج الصين بمعهد هادسون، للجزيرة نت، إن نجاح قمة الرئيسين يعتمد على "مدى استعداد شي لإنهاء المماطلة والتباطؤ في التسويات البناءة للقضايا الحرجة بين البلدين".

وتشمل هذه القضايا -وفقا له- تهريب مخدر الفنتانيل، وفتح الوصول إلى السوق الصينية، والممارسات التجارية المتبادلة وإزالة الحواجز التجارية، وإنهاء الدعم الحكومي والنقل القسري للتكنولوجيا، وسلسلة توريد المعادن النادرة، وتنفيذ الصفقة التجارية للمرحلة الأولى بين واشنطن وبكين التي تم التوصل إليها في عام 2020.

في حين رأى الخبير والين أن هناك العديد من القضايا بين الدولتين، وسيُعتبر حل عدد منها التي من شأنها الحفاظ على الوصول الإيجابي للمعادن الأرضية الصينية النادرة، ومعالجة التوترات المتزايدة في المنطقة، وتحسين التوازن التجاري، بمثابة نجاح. ولا يتوقع أن تكون كلها قابلة للحل على الفور أو بسهولة.

من جانبه، كتب كريس ميلر مؤلف كتاب "حرب الرقائق" والخبير بمركز السياسات الدولية والإستراتيجية بواشنطن في مقال رأي بصحيفة فايننشال تايمز، أن "الصين تواصل كسب مواجهات الحرب التجارية مع ترامب لأن معادنها النادرة تمنحها قوة جادة على سلاسل التوريد العالمية، وهو ما قد لا يفهمه الرئيس الأميركي".

مقالات مشابهة

  • غضب التنين
  • كيف أنجح ترامب وشي القمة الأميركية الصينية؟
  • الولايات المتحدة تتوصل إلى اتفاق مع الصين بشأن المعادن النادرة
  • الصين تقرر تعليق القيود على تصدير المعادن النادرة لمدة عام
  • الصين تُعلق القيود على تصدير المعادن النادرة لمدة عام
  • الصين تعلّق القيود على المعادن النادرة لمدة عام
  • عاجل. اتفاق على كل شيء تقريبًا بين ترامب وشي.. وموعد جديد للدبلوماسية ببكين في نيسان المقبل
  • ترامب يعلن اتفاقا مع الصين بشأن الرسوم الجمركية وصادرات المعادن النادرة
  • ترامب يعلن انتهاء أزمة المعادن النادرة مع الصين